المؤتمرات الاستشراقية الحديثة حول الإسلام والمسلمين([1])
المقدمة
ما
المؤتمرات؟ هل هي لقاء مجموعة من الباحثين والعلماء لتقديم بحوث وأوراق عمل
ونقاشات ومناسبات اجتماعية على هامش المؤتمرات؟ هل لها جدوى علمية؟ هل المؤتمرات
تسلية ووجاهة وانتداب أو هي عمل وتخطيط ودراسة؟
بدأ
الأوروبيون منذ أكثر من قرن وربع في عقد مؤتمر دولي كل عدة سنوات – لا تتجاوز خمساً- للبحث في مجال الدراسات
الاستشراقية التي تضم الهند والصين وجنوب شرق آسيا، ولكن الدراسات الإسلامية كانت
وما تزال المحور الأساس لهذه المؤتمرات. وقد عقد المؤتمر الأول عام 1873 في باريس
وبلغت حتى الآن خمساً وثلاثين مؤتمراً، كان آخرها الذي عقد في بودابست بالمجر في
الفترة من 3-8ربيع الأول1417هـ، الموافق 7-12يوليو 1997م. وقد قدم فيه ما يزيد على
ألف بحث.
وقد
أصبحت المؤتمرات والندوات من الكثرة بحيث يصعب على الباحث أن يحصرها أو يتناولها
جميعاً بالبحث والدراسة ولذلك سوف تقتصر هذه الدراسة على نماذج من هذه المؤتمرات
والندوات التي أتيح لي الاطلاع على بعض المعلومات عنها، بحيث نقدم معلومات عن
الموضوعات التي يتناولها المؤتمر أو الندوة، وكذلك معلومات عن المشاركين وأهمية
توجهات المشاركين في هذه المؤتمرات ونتائج وتوصيات المؤتمرات. وسوف ينقسم البحث
إلى ثلاثة محاور:
المحور
الأول: اهتمام الاستشراق بالمؤتمرات والندوات، وأهمية المشاركة العربية الإسلامية
في هذه النشاطات.
المحور
الثاني: مؤتمرات عامة حول الإسلام والمسلمين
المحور
الثالث: مؤتمرات وندوات متخصصة: في الأدب، حول المرأة، حول التاريخ …الخ.
المحور الأول:
اهتمام الاستشراق بالمؤتمرات والندوات وأهمية المشاركة فيها.
الاهتمام بالمؤتمرات
اهتم
الاستشراق بعقد الندوات والمؤتمرات فقد ذكرنا أن الاتحاد الدولي للمستشرقين قد بدأ
عقد مؤتمراته وندواته منذ عام 1873م وبلغت هذه المؤتمرات خمساً وثلاثين، ولكن هناك
جمعيات إقليمية ومحلية، كما أن هناك جمعيات متخصصة في مجالات محددة كالأدب العربي
مثلاً أو الدراسات العثمانية وغيرها. فمن الجمعيات الجمعية الاستشراقية الأمريكية
التي دأبت على عقد اجتماع سنوي هو بمنـزلة لقاء علمي. كما أن الجمعية البريطانية
لدراسات الشرق الأوسط تقعد مؤتمراً سنوياً تختار له موضوعاً كل عام. وهناك رابطة
دراسات الشرق الأوسط التي بدأت في عقد مؤتمرها السنوي منذ إنشائها عام 1967م،
وكانت موضوعاتها في البداية محددة ثم توسعت حلقات البحث حتى أصبح هذه المؤتمرات
تتناول كل ما يتعلق بالشرق الأوسط.
وقد
تناول صالح الصقري اهتمام مراكز دراسات الشرق الأوسط في الغرب بعقد المؤتمرات بقوله:"
إن أبرز ما يميز مراكز دراسات الشرق الأوسط عقد المؤتمرات العلمية بشكل دوري مستمر
حتى أصبحت مواعيدها ثابتة لسنين طويلة ومعروفة من قبل الباحثين …"([2])
ويضيف قائلاً حول كثرتها وتعددها:" ولتعدد هذه المؤتمرات وكثرتها واختلاف
مواقعها أصبح الباحث لا يستطيع المشاركة ولا مجرد الحضور، ولذلك يضطر إلى اختيار
مؤتمرات معينة في السنة الواحدة."([3])
ومن
مظاهر الاهتمام رعاية الدول الغربية لها فهذه المجر حضر رئيس الجمهورية فيها
الجلسة الافتتاحية للمؤتمر العالمي للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية، وألقى كلمة
في الجلسة الافتتاحية كما حضر الحفل الذي أقيم على شرف المشاركين في المؤتمر. كما
أن وزارة الخارجية السويدية تبنت عقد مؤتمر كبير لبحث قضية المسلمين في أوروبا. ([4])
وقد نشرت الصحف أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية تعقد ندوة مفتوحة حول
الحركات الإسلامية " الأصولية" في العالم الإسلامي وتدعو لحضورها عدد من
الباحثين المتخصصين في هذا المجال. ([5])
أهداف المؤتمرات:
وقد اهتم محمد محمد
حسين بالمؤتمرات الغربية فذكر أن من أهدافها ما يأتي:
أ- إيجاد روابط وعلائق باسم الصداقة والتعاون
ب- استمرار الجهود المبذولة لهدم الإسلام أو
تطويره وجعله آلة من آلات الدعاية الاستعمارية لصيانة المصالح الأمريكية والغربية
ج-إن
المؤتمرات وسيلة من وسائل الاتصال القريب المباشر بالمسؤولين "يعجمون عودهم
ويدرسونهم عن قرب ويختبرون مدى مناعتهم ومدى استعدادهم للتجاوب مع الأهداف الخفية
للسياسة الاستعمارية كما يختبرون مواطن القوة والضعف في كل واحد منهم لمــعرفة
أنجح الوسائل للاتصال بهم والتأثير عليهم.. "([6])
د
- ومن الأهداف التي ذكرها حسين "
خدمة الأغراض الجاسوسية الأمريكية التي ترسم الخطط السياسية والاجتماعية
والاقتصادية لهذه المنطقة."([7])
وهو ما أكده أبو القاسم سعد الله في ملاحظاته حول مؤتمرات تعقد في بلد عربي بتمويل
غربي في الغالب حيث كتب يقول:" فإن فيهم [الأجانب الذين يحضرون هذه
المؤتمرات]من لا صلة له بهذا الميدان ولا بالإنتاج التاريخي وإنما جاء لكي
"يطلع" على ما يجري في الساحة الشرقية من آراء وأفكار، ويرصد ما في
أذهان المتحدثين العرب والمسلمين من تيارات ونوايا ومخططات، ويتعرف على ما في كل
بلد من هذا العالم العربي والإسلامي الممزق من أشخاص يمكن التعامل معهم والاعتماد
عليهم وقت الحاجة…"([8])
ويرى
الدكتور فهد السماري أن من أهداف المؤتمرات أنها تسعى إلى توسيع نطاق حركتها
لاستمرار هذا النوع من الاستشراق ونشر آرائه ووجهات نظره عالمياً، والخطوة التالية
التي تخطط لها هذه المؤسسات لكي تصل إلى هؤلاء الذين يتمكنون من متابعة الفكر
الاستشراقي ولكي تزيد من رقعة تأثيرها المباشر."([9])
المشاركون في المؤتمرات:
وتناول
محمد محمد حسين شخصيات المشاركين في هذه المؤتمرات فذكر أنهم يندرجون تحت
التصنيفات الآتية:
1-
"قسس
يحترفون التبشير."
2-
سياسيون يعملون في وزارات الخارجية الغربية
3-
الغربيون
الذين يعرفون البلاد العربية.
4-
المسلمون
أمريكيو الثقافة والذين لهم القدرة على توجيه التفكير في بلده فهم إما أستاذ جامعي،
أو رئيس تحرير أو وزير معارف. ([10][11])
5-
ويمكن
أن نضيف– من واقع المشاهدة والمتابعة- أن بعض
المتغربين أو حتى المحاربين للإسلام من أمثال نصر حامد أبو زيد ومحمد سعيد
العشماوي ونوال السعداوي أصبحوا يدعون في كثير من المؤتمرات في الغرب. (*)
ويضيف حسين إنه حين يدعى إلى هذه
المؤتمرات من لا تنطبق عليه المواصفات السابقة فإنه إنما يدعى " لستر أهداف
المؤتمر [المؤتمرات] ليكونوا كنماذج البائع الغشاش التي يغطي بها البضاعة الفاسدة
ليوهم المشتري أن كل بضاعته من ذاك النوع الجيد وليكونوا هم العسل الذي يستعان به
على إخفاء مرارة الأباطيل."([12])
تمويل المؤتمرات:
ذكر الصقري في بحثه حول المؤتمرات في
مراكز دراسات الشرق الأوسط أن تمويلها يتم بأن يقوم الباحثون بدفع رسوم معينة
وتحمل نفقات سفرهم وإقامتهم. ولكن الحقيقة أن المؤتمرات تكلف أكثر من الرسوم التي
يقوم بها الحضور، ولكنها تساعد فقط. وفي الوقت الذي لم يكن لدى البلاد العربية
الإسلامية ما تنفقه على باحثيها وعلمائها فقد كانت المؤسسات الغربية تقوم بدفع
التكاليف. فهذه مؤسسة روكفللر تنفق على أحد المؤتمرات التي تناولت قضايا التربية
في العالم العربي.
وإنفاق المؤسسات الغربية على المؤتمرات يصل
أحياناً إلى البذخ فقد تكفل المؤتمر التربوي الذي عقدته الجامعة الأمريكية ببيروت
وتولت مؤسسة روكفللر الإنفاق عليه أن استضافة المؤتمرين من وزراء ومسؤولين كبار
دامت مدة أربعة أشهر. ([13])
وقد استضافت جامعة لندن عام 1957م اثنين من الباحثين العرب للعمل في إعداد
الترتيبات لمؤتمر مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية حول التاريخ الإسلامي مدة
ثلاثة أشهر وهذا الباحثان هما: جمال الدين الشيال وعبد العزيز الدوري ([14]).
وقد أسهمت العديد من الشركات والمؤسسات والبنوك في تمويل المؤتمر العالمي الخامس
والثلاثين للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية ومنها على سبيل المثال:
1-
اليونسكو،
2-
مؤسسة
سوروس Soros Foundation،
3-
الاتحاد
الدولي للدراسات الشرقية والآسيوية،
4-
مؤسسة
كوماتسو شيكو اليابانية،
5-
بنك
اكسيم Eximbank.
6-
مؤسسة
هوفمان وشنايدر المالية Hofmann& Schneider Capital AG وغيرها.
ومن الجهات التي تمول الندوات والمؤتمرات
الاستشراقية الاستخبارات العربية والإسلامية تحت مسمى (مكتب معلومات الدولة كذا
والدولة كذا)، كما تقوم السفارات بتمويل الندوات والمؤتمرات فقد أسهمت السفارة
اليونانية في بريطانيا بتمويل ندوة حول مرور خمسمائة عام على سقوط القسطنطينية
وقامت بتنظيمها مدرسة الدراسات الشرقية والأفريقية بجامعة لندن عام 1954م.
ومن الجهات التي تمول المؤتمرات والندوات
حول العالم الإسلامي مؤسسة كونراد إديناور للبحث العلمي التي مولت عدة مؤتمرات عقد
في إسرائيل منها مؤتمر الجهاد والسلام (أبريل 1996) وعدة مؤتمرات قامت بها مؤسسة
التميمي للبحث العلمي والمعلومات في تونس. ولهذه المؤسسة مكتب دائم في تونس.
ولليهود مؤسسات كثيرة تمول مؤتمراتهم
عموماً منها مثلاً معهد بحوث الشتات، ومعهد موريتمر وريموند ساكلر للدراسات
المتقدمة Mortimer and Raymond Sackler.
المشاركة
العربية الإسلامية في المؤتمرات:
ذكرنا فيما سبق نماذج من المشاركين أو
الذين يدعون إلى حضور المؤتمرات والندوات، ولكن هناك فئة يمكن أن تشترك لتظهر
الوجه الحقيقي للإسلام وتقوم بمسؤوليتها في الدعوة إلى الله وجدال أهل الكتاب
بالتي هي أحسن بالإضافة إلى ما تحققه المشاركة من دعاية للدول التي تشارك ومدى
اهتمامها بالعلم والعلماء. ولكن هناك الكثير من العقبات والعراقيل تقف في وجه هذه
المشاركة. وقد أشار يوسف أسعد داغر في تقريره عن المؤتمر الدولي للمستشرقين الرابع
والعشرين إلى ضعف المشاركة العربية حيث كتب يقول:" من دواعي الأسف المرير،
ألاّ تولي الدول العربية بما فيها من حكومات ومنظمات وهيآت ومعاهد ثقافية عالية،
مؤتمرات الاستشراق ، الأهمية التي يجب أن توليها إياها…وأشار
إلى الهدف من الحضور بقوله:" فإشراك الدول العربية والهيآت العلمية العليا
فيها، بوفود قوية، مشهود لأصحابها بالاختصاص،
والاستبحار بهذه الدراسات يكون خير سفارة للبلد ترفع من شأنه وتعلي من
جانبه في الغرب، بين الأوساط العلمية."([15])
ويرى باحث آخر أن من أسباب العزوف عن
حضور المؤتمرات الاستشراقية والمشاركة فيها أن هذه المؤتمرات قائمة على التعصب
الأعمى لكل الموروثات الإسلامية وكما يقول السيد محمد الشاهد:" وبالرغم من
صدق هذا التصور على كثير من الغربيين إلاّ أن كثيراً منهم أيضاً مُضَلّلون ويبحثون
عن الحقيقة ويضعون موروثاتهم موضع النقد، وقد لمست وعايشت ذلك في كل تلك الندوات
التي شاركت فيها … لأن عدم مشاركتنا فيها يفسخ المجال لتثبيت
الشبه الباطلة ضد الإسلام والمسلمين وترويج شبهات جديدة من جهة أخرى."([16])
ويشارك الصقري الشاهد في التأكيد على أهمية
حضور المؤتمرات الاستشراقية بقوله:" من خلال تلك المحاضرات السابقة وعدد
الحضور والمشاركين تبين لنا أهمية مثل هذه المؤتمرات إلاّ أنه للأسف نجد أن مشاركة
العرب والمسلمين فيها ضعيفة جداً سواء أكان حضوراً، أم مشاركة، أم مناقشة على
الرغم من أن ما يطرح من موضوعات له أثر ضخم في توجيه الرأي العام في الغرب عامة،
وعلى صانعي القرارات السياسية بوزارات الخارجية المعنية بمنطقة الشرق
الأوسط."([17])
ومما
يؤكد أهمية مشاركتنا في المؤتمرات والندوات العالمية أو حتى الإقليمية التي تتناول
قضايا العالم الإسلامي أن عدونا الصهيوني انتبه إلى أهمية المشاركات ففي المؤتمر
العالمي للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية تقدم لحضور المؤتمر حوالي خمس وسبعون
باحثاً من دولة " إسرائيل" هذا بالإضافة إلى اليهود الذين كانوا يمثلون
دولاً أخرى أوروبية أو روسيا. وهذا دأبهم في معظم المؤتمرات حيث يحرصون على
المشاركة في هذه المؤتمرات.
ويرى أحد الباحثين في تقرير له عن مؤتمر
عقد في ألمانيا حول الأدب العربي وحرية التعبير أن ثمة حضور متزايد للتيار
الإسلامي وقال في ذلك: "ولا شك أن في الحضور المتزايد لمنتسبي التيار
الإسلامي في المنتديات التي كانت حتى وقت قريب حكراً على خصومهم يذلل كثيراً من
العقبات التي تعترض تحقيق ذلك. وتثبت التجربة بأن الحضور الإسلامي خلافاً لما يظن
بعض منتسبي هذا التيار ضروري ومفيد لما يوفره من فرص ذهبية لمشاهدة الصورة
الإسلامية في مرآة الغير، ووضع اليد على المشاكل التي تحول دون أن يفهم هذا الغير
ظاهرة الانبعاث الإسلامي والتي نتحمل نحن المسلمين بشكل خاص جزءاً لا بأس به من
مسؤوليتها."([18])
ولا بد من الإشادة بالخطوات المباركة
التي اتخذتها وزارة التعليم العالي بالمملكة العربية السعودية في السنين الماضية
للمشاركة في المؤتمرات الدولية بترشيح عدد من الباحثين المتخصصين لحضور هذه
المؤتمرات إما للمشاركة في إلقاء البحوث والمناقشات. وقد تمثل ذلك في المؤتمر
السنوي لرابطة دراسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية، والمؤتمر
السنوي لجمعية دراسات الشرق الأوسط البريطانية والمؤتمر العالمي للدراسات الآسيوية
والشمال أفريقية الذي عقد العام الماضي في المجر. وفي هذا المؤتمر الأخير مثل
المملكة ثلاثة عشر باحثاً من مختلف التخصصات وشاركوا في المناقشات التي دارت في
أروقة المؤتمر وفي اللقاءات الجانبية.
2 -صالح
محمد الصقري. " مراكز
دراسات الشرق الأوسط في الغرب واهتمامها بالمسلمين." في الشرق الأوسط،
ع (5448) ،28أكتوبر 1993.
2- في حديث مع مدير مركز أكسفورد
للدراسات الإسلامية حول من يدعى إلى المؤتمرات الغربية واقتصار الدعوات في الغالب
على الذين لا يختلفون عن الغربيين في عقلياتهم وتوجهاتهم فقال دعهم في هذا الجهل
فربما ليس من مصلحة المسلمين أن يعرضوا على الغربيين أفكارهم وتوجهاتهم التي تخالف
الغرب الذي لا يحب سماع صوت سوى صوته.
[15]-يوسف
أسعد داغر." حول مؤتمر المستشرقين الدولي الرابع والعشرين." في الأديب،
السنة السادسة عشرة، الجزء الثاني عشر، ديسمبر 1957، ص 22-28.
تعليقات
إرسال تعليق