شلالات أوزود وثلوج أوكميدن وجداول أوريكا وستي فاطمة (ليست ابنتي)

March 11, 2011 at 7:20pm


        هي شلالات كغيرها من الشلالات في أنحاء العالم لكن الرحلة الجماعية مع حافلة رتبها الفندق بثلاثمائة وخمسين درهما للفرد الواحد دون احتساب الأطفال وما تخلل ذلك من سفر قطعنا فيه ما يزيد على مائة وسبعين كيلو متر في كل اتجاه أعطى الرحلة طعماً آخر، وكان من أجمل المناظر أشجار الزيتون تلك الشجرة المباركة التي ورد ذكرها في الآية 19 من سورة النور (اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ المِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وبالإضافة إلى شجر الزيتون فهناك أشجار اللوز بألوان زهرها الأبيض الجميل التي أتمنى لو أن المغرب زرعها تجارياً لغطى احتياجات العالم العربي من اللوز بدلاً من اللوز الأمريكي الذي غزا العالم وليس له طعم جيد. ومع اللوز فهناك أشجار الجوز أو القرقاع كما يسميه المغاربة أو القعقع كما يسمونه في الحجاز أو عين الجمل كما يسميه المصريون. وأشجار الجوز كانت مجردة من الأوراق تنتظر فصل الربيع، ولكن كان الجوز منتشراً في كل مكان ويباع بأسعار تكاد تكون زهيدة، ولا أعرف هل يصدر المغرب هذه الثمار؟ كما أن الأشجار تبدو متباعدة مع أن الأرض خصبة والمطر والحمد لله وفير.
        ومن الأشجار التي تنتشر في المنطقة شجر الأرقان التي تنتج ثمراً يشب اللوز ولكنه ينتج زيتاً لا ينتج في أي مكان من العالم وله خواص كثيرة في معالجة بعض الأمراض ومنها أن تناول حبة لوز واحدة صباحاً وأخرى مساءً تساعد في علاج السكري، ويستخرج من لوز هذه الشجرة زيت خاص يستخدم في الطعام وفي بعض مواد التجميل. وقد زرنا عدداً من المصانع البسيطة التي تصنع بعض مواد التجميل من الأرقان. وقد أخبرونا أنهم يستغلون اللوز وقشره.

        ما لم ألاحظه في طريقنا إلى الشلالات قطعان الماشية فهي قليلة، كما لم ألاحظ كثرة زراعة العنب كما هي في الجزائر أو في إسبانيا حتى إنني كنت مع مجموعة من طلاب جامعة الملك عبد العزيز وسافرنا من مدريد إلى غرناطة بالحافلة فكنا نرى مزارع العنب وكنت أقول لزملائي هذه الخمور. فهل حمى الله المغرب من صناعة الخمور أو ابتليت بها كما غيرها؟
وكانت مناظر الخضرة والأرض الخصبة الحمراء والمياه تفرض عليّ أن أسأل لو كان كل مغربي يملك شجرة زيتون واحدة على الأقل لما وُجِد فقير في هذه البلاد، وهو الأمر الذي فكرت فيه حين رأيت بعض الأطفال في مصر يتسولون –قبل ثورة 25 يناير-كيف يجوع شعب وعنده النهر العظيم المقدس؟ لو أن المصري رمى حفنة من القمح لأصبح حقلاً من القمح استطاعت مصر أن تكتفي ذاتياً بل أن تكون سلة غذاء العالم العربي بدلاً من الاعتماد على القمح المستورد من أمريكا أو روسيا أو غيرها. وقد قيل إن الدولة التي لا تملك خبزها لا تملك قرارها السياسي.
أما الطريق إلى أوزود أو شلالات أوزود ويسهل على المغاربة أن يقولوا كاسكيد (شلالات باللغة الفرنسية) فهو طريق ضيق والأرض في غالبها سهلية وطينية فكان بالإمكان أن يكون الطريق أوسع وبخاصة أن حافلات السياح لا تنقطع، فلماذا لا تستغل مداخيل السياحة لتوسعة الطريق، وهم حين يوسعون الطريق يستطيعون أن يزيدوا أعداد السياح، بل ليتهم يفكرون في أن يكون هناك سكك حديدية فهذه بالإضافة إلى خدمة السياح تسهم في نقل المنتوجات الزراعية من تلك المنطقة.
بعد ثلاث ساعات كانت لنا في بداية الرحلة وقفة عند مقهى ومحطة، وتنتشر في المغرب محطات باسم (إفريقية) وهي إن صحت الأقوال نوع من الاحتكار وهو أمر شائع في بعض البلاد الغنية حيث يزداد الغنى غنى ويزداد الفقير فقراً. والعجيب أن ديننا الإسلامي حرّم الاحتكار فقد جاء في الحديث الشريف (الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون) وفي حديث آخر (لا يحتكر إلا خاطئ)، وفي هذه المحطة تناولت فنجاناً من القهوة المرة العلقم. وقد شربت المر مراراً قهوة وغير قهوة، وأشد أنواع المرارة مرارة الظلم.
واشتريت في هذه المحطة لوحاً من الشكولاتة باللوز وتعجبت أن ثمنها ثمانية دراهم دون أن أتنبه إلى عبارة كتبت على الغلاف (بديل الشكولاتة) وكتبت (بذيل) وأكلت منها قليلاً تحليلاً للثمن ورميت الباقي لأن البديل لم يكن كالأصل.
وصلنا أوزود فقابلنا دليل أجرته ثلاثة يورو عن كل فرد، ويتحدث الفرنسية والإنجليزية والعربية وقد كان لطيفاً مبتسماً ساعدنا كثيراً في حركة هاشم وفاطمة في بعض الممرات الضيقة أو الصعود والهبوط. وما أن بدأنا السير لمشاهدة الشلالات حتى واجهتنا بعض القرود التي تكثر عادة في المناطق الجبلية وأخذ السياح يطعمون القرود ويتفرجون عليها وهي تقوم بحركاتها المختلفة وبعضها قليلة الأدب. وقام هاشم وفاطمة بمحاولة إطعام القرود. ثم سرنا في دروب متعرجة وقبل أن نصل إلى مكان تدفق الشلال من الأعلى مررنا بمعمل لمواد التجميل المستخرجة من زيت الأرجان وقامت بعض العاملات بشرح عملية استخراج الزيت من لوز الأرغان (يشبه اللوز العادي المسمى عندنا اللوز الحجازي أو اللوز البجلي) وهي صناعة تتميز بها المغرب وأتمنى أن تنشط أكثر لتنافس الصناعات الأوروبية والأمريكية. وأتعجب أن هذا الشجر لا ينبت كما يقول المغاربة سوى في منطقة مراكش وأغادير والصويرة (أي الجنوب المغربي).
ووصلنا إلى المكان الذي تتدفق منه مياه الشلالات واستمتعنا بذلك المنظر البديع والتقطنا الصور المختلفة (ستظهر في ملاحق الكتاب) والحقيقة إنها أجمل بكثير من الصور التي وجدها في الإنترنت. وجمال المناظر وروعتها لا يعود إلى ما فيها من جمال رباني فقط ولكن للأجواء النفسية التي كانت سائدة في الرحلة برفقة خديجة وهاشم وفاطمة.
وبدأنا النزول في طريق متعرج حتى وصلنا إلى مصب الشلال والبرك الكبيرة التي تحدث عند المصب وتعد مكاناً جميلاً للسباحة لو كان الجو أكثر دفئاً، وهناك بعض المراكب أو المعديات البدائية التي تقدم جولات في البركة أو البحيرة الصغيرة للاقتراب من مصب المياه والاستمتاع بمنظر الشلال عن قرب والتمتع برذاذ المياه البارد، كما تقوم هذه المراكب بنقل السياح من طرف إلى الطرف الآخر لإكمال الجولة وبخاصة لمن لا يحب السير فوق الحجارة أو الجسور الخشبية البدائية التي فيها بعض المخاطرة.
مكثنا فترة من الوقت عند مهبط الشلال والتقطنا مزيداً من الصور ثم انتقلنا إلى الطرف الآخر من البرك أو مهبط المياه لنبدأ رحلة الصعود إلى الأعلى. وكانت المحطة الأولى في الصعود الوقوف في مطاعم أنشئت هناك خصيصاً للسياح. وكانت الخيارات طاجين لحم بالخضروات (الجزر والبطاطس) أو الدجاج بالخضار، ومشوي الدجاج فطلبنا صحنين أحدهما طاجين اللحم والثاني الدجاج المشوي، ويقدم مع الوجبة الماء والخبز وسلطة متواضعة من الطماطم (المطيشة عند المغاربة) والخيار وبضع حبات من الزيتون.
ومن طرائف الوجبة أن النادل أصرّ على أن صحنين لا يكفيان ونحن أربعة (هاشم وفاطمة مجموع أعمارها عشر سنوات) فقلنا له هذا ما نريد. ولقد كان الطعام لذيذاً فيبدو أن اللحم كان طازجاً أو هكذا بدا لنا وكذلك الدجاج. وحين جاء وقت الحساب أراد النادل أن يحاسبنا على ثلاث وجبات (90×3) فقلنا له لقد طلبنا وجبتين فقط فلماذا تحسبها ثلاثة وهنا تدخل سائق الحافلة ليقول له إننا مغاربة (زوجتي) فيجب أن يكون الحساب (85×2) وهذا ما دفعنا. وأتعجب لماذا يصر العاملون في المطاعم السياحية على استغفال السياح والنصب عليهم. لو أردت أن أحاسبه لقلت له هل تتناول أنت مثل هذه الوجبة في بيتك بتسعين درهماً؟ هل يليق بك أن تأكل حراماً أنت أو صاحب المطعم؟ أهكذا علّمنا الإسلام؟ ألا يعرف حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم (أيما جسد نبت من الحرام فالنار أولى به)






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية