وضع المرأة في المجتمع الغربي


     تعود جذور النظرة الغربية للمرأة إلى التراث اليوناني والتوراتي الإنجيلي الذي أعطى المرأة مكانة تتسم بالاحتقار والتقليل من شأنها. ولو بدأنا بالتراث اليوناني فإنه يذكر أن المرأة خلقها أحد آلهتهم (والعياذ بالله) ومعها صندوق مليء بكل أنواع البؤس والشرور. وتستمر الأسطورة بأن الصندوق قد فتح وانتشرت منه كل أنواع الرذائل والأحزان، وبالرغم من أن الاسم الذي أعطي للمرأة كان في الأصل يعني "التي تعطي بلا حدود" ويعني " التي تعطي كل أنواع الشرور"([1])
وجاءت اليهودية والنصرانية لتضع المرأة في موضع لا تحسد عليه فهذا كتابهم المقدس يذكر قصة خروج آدم وحواء من الجنة بأن ينسب إليها الخضوع للإغواء فتجعل الرجل يتحمل الخطيئة الأصلية التي أصبح يشترك فيها البشر جميعاً، ويرى وحيد الدين خان أن هذه القصة التي تتهم حواء بالأكل من الشجرة المحرمة لم تقتصر على اليهود والنصارى بل انتقلت إلى جميع الأمم. والقرآن وحده الذي صحح هذه المفاهيم حينما نسب الخطيئة لآدم وحواء على الســـواء (فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه) ([2]) مما يعني أن كلاهما تعرض لإغواء الشيطان وكلاهما يتحمل الخطيئة، وفي ذلك يقول القرطبي في تفسيره "أي صرفهما عمّا كانا عليه من الطاعة إلى المعصية "([3])
     أما عن العلاقة بين الرجل والمرأة في التراث اليهودي والنصراني فإن الكتاب المقدس ذكر أموراً منها أن الله (والعياذ بالله) خاطب المرأة بأنه جعل العداوة بينها وبين الرجل وبين نسلها ونسل الرجل وسأشج رأسك وستجرح المرأة عقب الرجل، وفي فقرة أخرى توعد المرأة بمضاعفة أحزانها وحملها وأنها ستنجب أطفالها في الحزن، وستكون لها الرغبة في زوجها الذي سيحكمها.
    وإن كانت النصرانية قد وضعت العلاقة الجنسية في موضع الاحتقار بينما أعلت من شأن الرهبانية التي تعني أن الشخص يستطيع أن يستغني بالروح عن مطالب الجسد ويكون فوق هذه المطالب وكأن الجنس في نظرهم يقابل التدين والإيمان، لذلك حرمت بعض الطوائف المسيحية على رجال الدين فيها الزواج.
وقد فند القرآن الكريم هذه الرهبانية بقوله تعالى (ورهبانية ابتدعوها ما فرضناها عليهم) ([4]) ومع هذا التفنيد فإن سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه أوضحا أبلغ الإيضاح خطأ هذه الرهبانية، ومن ذلك حديث النفر الثلاثة الذين نظروا في عبادتهم فتقالوها فقال أحدهم: أصوم ولا أفطر والثاني قال إنه سيقوم الليل ولا ينام والثالث وعد بأن لا يتزوج النساء فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنه (أتقاهم لله وأنه يصوم ويفطر وينام من الليل ويتزوج النساء، ومن رغب عن سنّتي فليس منّي)
     ونقل وحيد الدين خان عن ألكسيس كارلايل Alexis Carrel حديثه عن الغدد الجنسية في الإنسان بأنه ليست المسؤولة فقط عن الدافع عن ممارسة الجنس للتناسل ولكن هذه الغدد لها تأثير قوي في النشاطات النفسية والعقلية والروحية للإنسان. وأضاف بأنه لم يحدث أن وصل خصي ليكون فيلسوفاً عظيماً أو عالماً أو حتى مجرماً عظيماً"([5])
    أما عن علاقة الرجل بالمرأة فهي بالرغم من أن لها هذه الجذور لكن الثورة الصناعية التي أخرجت المرأة من بيتها وجعلتها شريكة للرجل في الكسب وأعطتها الاستقلال المادي، ولكن لم تحقق مساواة حقيقية بمعايير الغربيين أدى إلى ظهور ما يسمى بدعوة تحرير المرأة وكان أول ظهور لها في منتصف القرن الثامن عشر بظهور كتاب ماري ولستونكرافتMary Wollstonecraft وكانت هذه الحركة ترى أن المرأة قادرة على القيام بأي عمل يقوم به الرجل ولذلك لا بد أن تحصل على الأجرة نفسها. ومع كل الجهود التي بذلتها الحركة فإن المرأة لا تزال تعاني في المجتمعات الغربية وهذا ما تقوله دائرة المعارف البريطانية بأن المرأة ما تزال تحصل على أدنى الأجور وتحتل الطبقة الدنيا من المجتمع. ([6])

     وقد كتب كثير من عقلاء الغرب حول الفروق الحقيقية بين الرجل والمرأة في الخلق والتكوين، وأن هذا الفرق ليس سبباً لتفوق الرجل وسيطرته واستبداده بالمرأة ولكنها فروق يجب أخذها في الاعتبار فهذا البروفسور ستيفن جولدبيرج قد كتب يقول محذراً " الرجال ليسوا أفضل من النساء، ولكنهم مختلفون، إن المخ لدى الرجل يعمل بطريقة مختلفة عن مخ المرأة، وإن الرجال والنساء من ذوي المستوى الذكاء المتساوي يميل الرجال إلى تسجيل درجات أعلى في حل المشكلات المنطقية والتحليلية بينما يكون أداء النساء أعلى في المهارات الشفهية." ويضيف بأن النساء لديهن وعي عاطفي أعظم حتى قبل أن يكون لهن أولاد وإن البنات الصغيرات في الشائع أكثر وعياً وحساسية لمزاج الوالدين من الأولاد الصغار. ([7])
    ويرى كارليل في كتابه الإنسان ذلك المجهول بأن الاختلافات الموجودة بين الرجل والمرأة لا تأتي من الاختلاف الخاص بالأعضاء التناسلية ووجود الرحم والحمل أو من نوع التعليم. إن هذه الاختلافات ذات طبيعية جوهرية. إنها تأتي من الاختلاف الأساسي في الخلايا ومن تلقيح الجسم كله بالمواد الكيميائية التي تفرزها المبايض. ولقد أدى الجهل بهذه الحقائق لدى دعاة (الأنثوية) إلى المطالبة بنوع واحد من التعليم لكلا الجنسين وكذلك المطالبة بقوة واحدة ومسؤوليات متساوية. وفي الحقيقية تختلف النساء بعمق عن الرجال، فكل خلية من جسمها تحمل علامة على جنسها..."([8])
     وتؤكد الباحثة المسلمة لمياء فاروقي أن الحركة النسائية تسعى إلى أن توجد المجتمع الموحد الجنس unisex societyحيث لا فرق بين الرجل والمرأة إطلاقاً وترى الفاروقي أن هذا التوجه يجبر الرجل والمرأة على التشكل في قالب واحد يتسم بالجمود والتدمير بدلاً من الأدوار المختلفة التي أعطيت للرجل والمرأة. ([9])
وقد ظهر من الباحثين الغربيين من يرى أن المرأة أقل ذكاءً من الرجل فقد كتب البروفسور اتش جي أيزنك H. J. Eysenck بأنه يشك دائماً بقدرات المرأة الإبداعية فها هو عدد الشاعرات والأديبات والكاتبات والفنانات أقل كثيراً من عدد الرجال. وهذا الباحث هو الذي ابتكر طريقة قياس الذكاء التي يطلق عليها آي كيو I. Q يرى أن المرأة أقل ذكاءً من الرجل. ([10])
     وبذلت الحركة النسائية الأنثوية (تحرير المرأة) في الغرب جهوداً لا حدود لها ولكنها لم تصل إلى ما أرادت حتى إن دائرة المعارف البريطانية قالت في موضوع مكانة المرأة الاقتصادية بأنها تقبع في أدنى الدرجات من حيث ما تتقاضاه من أجور وكذلك من حيث المكانة، وأن ما تتقاضاه لا يكاد يزيد عن السبعين بالمائة مما يتقاضاه الرجل.
    وإن الناظر لوضع المرأة في المجتمعات الغربية يصيبه الهم والغم لهوانها على أهلها، حتى إن وحيد الدين خان يقول إن الحضارة الغربية بمحاولتها تحقيق المساواة للمرأة فإنها في الحقيقة قدمت لها مكانة غير مساوية على الأبد، وذكر من المشكلات التي تتعرض لها المرأة ومنها التحرش الجنسي في العمل حتى إن نسب من يتعرضن للتحرش الجنسي يتجاوز الأربعين في المائة من العاملات في الحكومة الفدرالية الأمريكية وتصل هذه النسبة إلى درجات أعلى في أماكن أخرى. ([11])
    وكان للعمل المختلط أثره في زيادة حوادث التحرش الجنسي حيث تذكر الباحثة الأمريكية هيلين فيشر أن الاختلاط يؤدي إلى إيجاد محيط يسبب نوعاً من التهيج"([12]) ولم تسلم حتى الشرطيات في بريطانيا من التعرض للتحرش الجنسي من زملائهن حتى إن الحكومة البريطانية كلفت مؤسسة بحثية لدراسة هذه القضية. ([13])
   وقد قامت المعاهد المتخصصة في الغرب بدراسة آثار الاختلاط في العمل فهذا أحد العاملين بمعهد العلاقات بين الجنسين في مدينة سانتا باربرا بولاية كاليفورنيا يقول:" إننا لا يمكننا أن نشرع قانوناً لإبقاء الميول الغريزية خارج نطاق العمل فهذه الميول جزء من شخصية الفرد لا تستطيع أن تعطل أداءها بضغطة زر لأنك موجود في العمل."([14])
    ولكن الأوروبيين يفيقون أحياناً فيرجعون إلى الحق فقد قامت تجربة في بريطانيا قبل عدة أعوام لفصل الذكور عن الإناث في المدارس الثانوية، وتوقع كثيرون الفشل لهذه التجربة بل إن البعض نعتها بأنها عودة إلى الخلف ورجعية. ولكن النتائج التي حققتها التجربة أكدت نجاحها. ([15])
    ولم تكتف المجتمعات الغربية بتعريض المرأة للتحرش الجنسي فإنها تعرضت وما تزال تتعرض للاغتصاب. ونظراً لأن مسألة الاغتصاب من المسائل الشائعة فإنهم اختلفوا في تعريفها، بل هناك اغتصاب في موعد الغرام وقد تقدم مكتب التحقيقات الفيدرالي بوضع تعريف له([16]). ومن شدة انتشار الاغتصاب أنه لم تنج منه شرطية في لندن اغتصبت في القطار وهي في طريق عودتها إلى منزلها. ([17]) ومن الإحصائيات الدالة على عظم مصيبة الاغتصاب ما أوردته إحدى الدراسات الصادرة في واشنطن أعدها مركز الضحايا الوطني ومركز الأبحاث ومعالجة ضحايا الاغتصاب أن ثمان وسبعين امرأة يتعرضن للاغتصاب كل ساعة أي بمعدل ستمائة وثلاثة وثمانين امرأة في السنة. وتضيف الدراسة أن 13% من النساء في أمريكا تعرضن للاغتصاب على الأقل مرة واحدة في حياتهن وأن 61 في المائة منهن كن أقل من 18 سنة و29% منهن كن دون الحادية عشرة من العمر كما أن 32% كن بين سن الحادية عشر والسابعة عشر. ([18])
          ويمكننا أن نذكر مصيبة أخرى تعيش فيها المرأة الغربية ألا وهي تعرضها للإكراه لتمارس البغاء وهو ما يطلق عليه الرقيق الأبيض ولكن هناك نسبة كبيرة من النساء يمارسن البغاء كمهنة. وإن كانت بعض دول آسيا قد اكتسبت سمعة في انتشار الدعارة لكن ثبت أن الشمال الأمريكي ينافس تلك الدول([19]) وقد ذكر محمد صلاح الدين بأن منظمة التجارة الدولية قد أكدت أن ما يقرب من مليوني امرأة قد تركن بلادهن بحثاً عن العمل فإذ بعصابات تقودهن إلى البغاء أو بائعات خمور في الملاهي الليلة في أوروبا. ([20])
    ولعلنا لا ننسى أن الحضارة الغربية قد حولت المرأة إلى مجرد شيء يثير الإعجاب والمتعة وفي ذلك يقول الرئيس علي عزت بيجوفيتش الذي عرف الغرب عن قرب:" إن الحضارة الغربية قد أحالت المرأة إلى موضع إعجاب أو استغلال، ولكنها حرمت من شخصيتها وهو الشيء الوحيد الذي يستحق التقدير والاحترام، وهذا الموضوع مشهود بشكل مطرد وقد أصبح أكثر وضوحاً في مواكب الجمال أو في مهن نسائية معينة مثل " الموديلات " وفي هذه الحالة لم تعد المرأة شخصية ولا حتى كائناً إنسانياً، وإنما هي لا تكاد تكون أكثر من حيوان جميل.([21])





[1] -Maulana Wahiduddin Khan. Woman Between Islam and Western Society. (Kharchi: Hafiz&Sons, 2001) p 17.
[2] -سورة البقرة آية 36.
[3] -تفسير القرطبي، من برنامج إلكتروني من شركة الحادي.
[4] -سورة الحديد آية 29.
[5] -ibid. p 22.
[6] -Encyclopedia Britannica
[7] -Daily Express (London) July 4, 1977 quoted from Wahiduddin Khan, op. cit., p30
[8] -توماس كارليل. الإنسان ذلك المجهول. ترجمة شفيق أسعد فريد (بيروت: مؤسسة المعارف، 1974م) ص
[9] -Lois Lamya’ Al Faruqi. “Islamic Traditions and the Feminist Movement: Confrontation or Cooperation.” In The Islamic Quartely. Vol.XXVII, (No.1) First Quarter 1983 .pp 132-139.
[10] -Khan, Op.cit.,p 32 quoting Illustrated Weekly of India (Bombay) April 2, 1978.
[11] -ibid، p 32.
[12] -عصام مدير وأنس فودة. " مجلة أمريكية تفضح أجواء العمل المختلط" في المسلمون. العدد 601، 25 ربيع الأول 1417هـ (9 أغسطس 1996م)
[13] -The Times (London) July 9th, 1994.
[14] -عصام مدير وأنس فودة، المرجع نفسه.
[15] -عاصم حمدان. " الغرب وتجربة التعليم المختلط " في المسلمون، عدد 502 في 11 ربيع الآخر 1415، 16 سبتمبر 1994م وانظر عبد القادر طاش. " وشاهد آخر من الصين." في المدينة المنورة عدد 12242 في 4 جمادى الآخرة 1417هـ (16 أكتوبر 1996م) حيث تحدث عن تجربة في الصين للعودة إلى المدارس غير المختلطة.
[16] -Sara Crichton" Sexual Correctness has it gone too far." In Newsweek, October 25, 1993
[17] -الشرق الأوسط. عدد 6473، 4 ربيع الآخر 1417 (8 أغسطس 1996م)
[18] -محمد صلاح الدين. " زاوية الفلك يدور بدون عنوان" في المدينة المنورة العدد 9171 في 23 ذي الحجة 1412هـ
[19] -- الشرق الأوسط، عدد 6494 في 8 /9/ 1996م.

[20] -محمد صلاح الدين. " معايير أخلاقيات الغرب." في المدينة المنورة عدد 12254 في 16 جمادى الآخرة 1417هـ (2 أكتوبر 1996م)

[21] -علي عزت بيجوفيتش، الإسلام بين ا لشرق والغرب، ترجمة يوسف عدس (الكويت وألمانيا: مجلة النور ومؤسسة بافاريا، 1414هـ ص 264.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية