حافلات على مد النظر


(المدينة المنورة العدد 11816 في 16 ربيع الأول 1416هـ/ 12 أغسطس 1995م)

    بدأت حافلات الحجاج تصل إلى المدينة المنورة مع قدوم شهر شوال وأخذت أعدادها تتزايد تدريجيا، فكان العدد الذي يصل في البداية قليلاً ثم أخذ يزداد حتى إن إدارة المرور أقامت مركزاً مؤقتاً عند التقاطع الذي يقع عند مدخل الهجرة (مخطط الأمير نايف) للإشراف على هذا التقاطع، وبمضي أيام شوال وذي القعدة أصبحت أعداد الحافلات تصل إلى الألوف وكان يمكن أن يوصف هذا المنظر بحق (حافلات على مد البصر) فكتبتُ العبارة في ورقة منتظراً أن أجعل منها مقالة.
وقد حان موعد كتابة المقالة بعد أن كتب الأخ الدكتور وحيد حمزة هاشم مقالته حول هذا الموضوع في صحيفة المدينة المنورة في 27 محرم 1416هـ بعنوان "سكة حديد بين مكة المكرمة والمدينة المنورة" وقدّم فيها اقتراحات بناءة لدراسة إمكانية إنشاء سكة حديد بين المدينة المنورة ومكة المكرمة مروراً بجدة مشيراً إلى أن هذا المشروع يعد مشروعاً حيوياً من الناحية الاقتصادية وكان مما كتبه الدكور وحيد عن الأهمية الاقتصادية للمشروع بأنها تتركز في ثلاث نقاط هامة: الأول سرعة حركة نقل البضائع وإيصالها بين المدينة ومكة، والنقطة الثانية هي العوائد الاقتصادية والاجتماعية العالية التي ستتحقق من وراء تلك الحركة والنقطة الثالثة قلة كلفة الشحن وما سيؤدي إليه ذلك من انخفاض تكلفة الشحن وبالتالي تكلفة البضائع (وبخاصة الفواكه والخضار) وتخفيف الضغط على الخطوط السعودية، واقترح الدكتور وحيد هاشم أن يمر الخط بجدة ويمتد إلى المشاعر المقدسة فيسهل عملية نقل الحجاج وتخفيف حركة السير المعيقة والمكلفة في عمليات التصعيد أو النفرة أو الترحيل.
واستجابت صحيفتنا (المدينة المنورة) فأجرت استطلاعاً حول الموضوع تحدث فيه المشاركون وهم من أهل الاختصاص والخبرة في شؤون النقل والمواصلات والاقتصاد فأشاروا إلى نواح متعددة في هذا الشأن.
ولما كان الموضوع مهماً وحيوياً وخطيراً وكاتب هذه السطور شاهد عيان (ما يُقال) على تجمع الحافلات في المدينة المنورة حيث كنت أمر بالقرب من مركز تفويج الحجاج بالمدينة المنورة يومياً وأحياناً أكثر من مرة واحدة في اليوم الواحد، فقد شاهدت ألوف السائقين والمعاونين الذين يرابطون بالقرب من حافلاتهم بلا عمل ينتظرون أن يكمل الحجاج زيارتهم لينقلوهم إلى مكة المكرمة.
هذه الأعداد الضخمة من السائقين تُستقدم فقط في الموسم لتعود لبلادها بعد نهاية الحج وتحتاج هذه الأعداد الضخمة من السائقين والمعاونين والفنيين إلى رعاية اجتماعية تشغل وقت فراغهم في أوقات انتظارهم في المدينة المنورة أو في مكة المكرمة أو في جدة.   
أما في الوقت الحاضر فإنهم لا يجدون سوى مساجد حي الهجرة يلجؤون إليها في أوقات الصوات وما بين الصلوات بحثاً عن المكان الملائم المكيّف.
إن هذا الموضوع يستحق منّا فعلاً الاهتمام والدراسة لما فيه من فوائد ولعله يصل إلى درجة الضرورة ومن الطريف أن أول مقالة لي في صفحة الرأي كانت بعنوان (سكة حديد الحجاز هل تعود؟) بتاريخ 13/3/1412ه، وقد كتبت حينها أقول فإن سكة الحديد ستكون فرصة عظيمة لاستثمار اقتصادي بشري هائل فكم من الشباب سينضم إلى هذا القطاع الحيوي فنكون قد قدّمنا آلاف الفرص الوظيفية واستشهدت في المقال نفسه بما كتبه الأستاذ أحمد جمال "رحمه الله تعالى" في صحيفة أخبار العالم الإسلامي التي تصدر عن رابطة العالم الإسلامي حيث أشار الأستاذ جمال إلى أن كثيراً من المواطنين يطالبون بإعادة الحياة لسكة حديد الحجاز ولعل وزارة المواصلات تجيبنا عن هذا السؤال ثم تمضي في عزيمتها الأولى لتحقيق هذا الأمل الذي فيه خير كثير لشعوب الدول التي تمر بها.
فهل نبدأ بالسكة بين مكّة المكرمة (والمشاعر) والمدينة المنورة ثم نكمل المشوار إلى تبوك (بوابة الشمال) فالأردن فسوريا فتركيا ون تركيا ترتبط السكة الحديد بأوروبا، والمسؤولون في بلادنا الغالية لا يفتؤون يعملون لكل ما يمكن أن يدعم تقدم هذه البلاد وتطورها في جميع المجالات.
أود أن أُضيف أن سكة حديد مكة المكرمة ستمر بالعديد من القرى فتنتعش اقتصادياً واجتماعيا وثقافياً، ولعلها تعيد تنظيم التوزيع السكاني فبدلاً من القرى الكثيرة المتناثرة فيقل عدد القرى وترتفع الكثافة السكانية بعد دراسة أنسب الأماكن للتجمعات السكانية.
وقفة: تتنافس أوروبا واليابان على إنتاج أسرع القطارات وأجودها، فهل يدخل العالم الإسلامي إلى هذه الصناعة فيكون القطار الإسلامي الأسرع والأحسن مادياً والحجم بركة لنقل الحجاج والمعتمرين والدعاة؟

        

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية