التخطي إلى المحتوى الرئيسي

عودة واعتذار حول كتاب حسن إبراهيم حسن رحمه الله

       كنت قد كتبت ثلاث مقالات في ملحق الأربعاء بجريدة المدينة المنورة حول كتاب الدكتور حسن إبراهيم حسن تاريخ الاسلام السياسي والاقتصادي والاجتماعي انتقدت بعض ما جاء فيه مما رأيته (في نظري) مخالفًا للمنهج الاسلامي في كتابه التاريخ الاسلامي "وقد تفضل بعض القراء الكرام بتنبيهي الى ملاحظات وقعت فيها في هذا النقد.

       ولما كان الناقد أو المؤرخ كالقاضي فهو بحاجة لوصية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رسالته التي بعثها الى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه يوضح له المنهاج الذي يسير عليه في قضائه فمما جاء في هذه الوصية العظيمة قوله رضي الله تعالى عنه "ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس راجعت فيه نفسك وهديت به لرشدك، فان مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل ..."

    وعوداً إلى الحق فإنني كتبت في مقالي الأول ما نصه: إن من أبرز الأخطاء التي احتوى عليها كتاب حسن ابراهيم حسن: الزعم بأن الشريعة قد أخذت من التشريعات الرومانية، وقد غلف المؤلف قوله هذا بأسلوب بعيد عن الأدب واللياقة" وفي هذه العبارة حكم قاس على كاتب مسلم ذهب الى ما أفضى، وما كان ينبغي لي أن استخدم هذه النعوت، بل كان على أن أورد الشواهد والأدلة على الخطأ العلمي الذي ارتكبه ثم أترك الحكم للقارئ، ولكنى هنا استعجلت فوصفته بما وصفته. ولما لم أكن قد أوردت ما قاله في هذه النقطة في مقالاتي فهذا ما كتبه رحمه الله: "وقد اتسعت معرفته (الرسول صلى الله عليه وسلم) وتجربته بما شاهد من أحوال بلاد الشام وطرق التعامل وأخلاق الناس ومظاهر الحياة في البيئة الرومانية كما وقف على أساليب البيع والشراء مما كان له أعظم الأثر في التشريعات بعد الرسالة "

      أما النقد الثاني الذي سمعته من أستاذ فاضل قال لا مانع عندي أن تنتقد كتاب الدكتور حسن أو غيره، بل إنّي أوافقك فيما قلت، لكن كان ينبغي لك أن توضح مكانة الرجل وعمله في كتابه التاريخ الاسلامي حتى لا تكون ممن ينظر إلى السلبيات فقط، بل لابد للناقد أن ينظر إلى الايجابيات أيضا فوعدت أستاذي بأن أصحح هذا الأمر

      يُعَدُّ الدكتور حسن ابراهيم حسن من أوائل من ألف كتابًا منهجيًا جامعيًا في التاريخ الاسلامي وأن الحاجة ماسة إليه والدليل على هذا كثرة طبعات الكتاب. أود أن أنبه الى أن الكتابة في التاريخ الاسلامي من أشق الأمور وأصعبها ولابد فيها من الجلد والمكابدة والغوص في بطون الكتب التاريخية قديمها وحديثها وقد فعل هذا الدكتور حسن ابراهيم حسن رحمه الله فهو بذلك يستحق الشكر والثناء.

       وهذا الأمر يذكرني بكتاب تاريخ الشعوب الاسلامية لكارل بروكلمان ففيه الأخطاء الطامات (كما يقول المحدثون) ولكن من جمع تاريخ العالم الاسلامي قديمة وحديثه بين دفتي كتاب.

      اننا في الوقت الذي ننتقد هؤلاء يجب علينا أن نقدم البديل. وهناك أساتذة كبار في عالمنا الاسلامي عليهم أن يتصدوا لهذا العمل. ولابد من ذكر موسوعة الأستاذ محمود شاكر القيمة في هذا المجال، فقد كتبت من منظور اسلامي وبقلم إسلامي، ولكن كتابة التاريخ يضعفها عدم التوثيق، ولهذا يظل هذا العمل ناقصًا ما لم توثق معظم المعلومات الواردة فيه، بل حتى كل معلومة صغيرة أو كبيرة.

     كما أود أن أضيف أن الهفوات التي ذكرت لا تنقص من عمل د. حسن ابراهيم حسن رحمه الله فقد رجعت إلى الكتاب ورأيت له ردودًا على كتابات المستشرقين ومصارعتهم ومقارعة الحجة بالحجة.

     ومن ذلك الرد على المستشرقين الذين أنكروا أن رسالة الاسلام كانت للعالم كافة، كما أورد نقد (درمنجهم) على منهج الأب لامانس في دراسة السيرة وقد قدم لذلك بقوله: "يريد بعض المستشرقين أن يقلل من أهمية الرسالة ويحكم على الرسول (صلى الله عليه وسلم) حكمًا جائرًا يدفعهم اليه التعصب والتحزب وبغضهم للإسلام ومقتهم لنبيه. وذلك بتطبيقهم على التاريخ الاسلامي بعض أنماط النقد المتطرف وطرقه القاسية ومن هؤلاء الاب اليسوعي لامانس "

رحم الله الدكتور حسن ابراهيم حسن وغفر لنا وله،

ورب هفوة قادت الى كثير من الحق . والحمد لله رب العالمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...