التخطي إلى المحتوى الرئيسي

إنهم يسخرون من اللغة العربية

                                  بسم الله الرحمن الرحيم

      تعلمت اللغة الإنجليزية قبل أكثر من عشرين سنة (والآن أكثر من أربعين سنة) وحتى لا أنسى هذه اللغة أحرص على مشاهدة بعض الأفلام الأجنبية بين الحين والآخر فأطرب للغة الإنجليزية التي تستخدم في هذه الأفلام. وأعلم أن الغربيين أيضاً لهم لغات عاميّة مثلنا، وتكثر في بعض أفلامهم اللغة الدارجة والسوقية بل إنهم زادوا على ذلك فأصبح في بعض أفلامهم لغة غير مهذبة. ولحرصهم على ذوق المشاهد فإنهم يصنفون أفلامهم حسب لغتها وحسب مناظرها. فمن التصنيف اللغوي أن بعض الأفلام تضم لغة غير مهذبة أو حتى فاحشة –مثل كتابات سلمان رشدي.

     أما الأفلام العربية فليس لها تصنيف حتى الآن وليس لدينا نقد سينمائي يوضح لنا الغث من السمين وإن كان الغث هو الغالب – ولا حول ولا قوة إلاّ بالله-وأقصد بالتصنيف ليس فقط بين الأفلام التي تتحدث الفصحى والعامية ولكن أيضاً من الناحية الفكرية والثقافية. صحيح أن في عالم الفن ما يسمى أفلام المقاولات وهناك الأفلام الكثيرة التي تخزن في العلب وتباع في محلات الفيديو ولكن أريد أن يكون لدينا جهة ثقافية موثوقة تصنف الأفلام، وأن لا يكون لها ارتباط بجهات الرقابة الرسمية التي لديها معايير معينة تبحث عنها ولكن أريد جهات ثقافية مستقلة تستطيع أن تحكم على الإنتاج السينمائي والتلفزيوني حكماً شاملاً يوضح مدى ارتباطها بقيم المجتمع المسلم أو بعدها عن هذه القيم والثوابت.

      وأما السخرية من اللغة العربية فأمرها عجيب فقد كتب الدكتور عبد القادر طاش رحمه الله ذات مرة عن ما يسمّى لبننة القنوات الفضائية حيث انتشرت – وما زلن منتشرات- المذيعات اللبنانيات يتحدثن باللهجة اللبنانية في كل البرامج. ومن عجب أنهم يجرين الحوارات مع علماء ومثقفين وأساتذة جامعات باللهجة اللبنانية. قد يكون مسموحاً إلى حد ما أن تكون اللغة المحكية هي لغة الحوار مع رجل عامي في الشارع أما في الحوارات الثقافية فلا بد أن تجد هذه القنوات من يتقن اللغة الفصحى. ويعجبني في هذا المقام التلفاز السعودي والتلفاز السوري على الحرص على اللغة العربية الفصحى.

     ومن مظاهر السخرية باللغة أن أحد المسلسلات التي تبثه إحدى الفضائيات العربية يتضمن مشاهد محاكمة وحوارات بين المحامين والقضاة، فيتحدث القاضي باللغة العربية الفصحى ثم يعوّج لسانه أو ينحدر إلى العامية. فيقول مثلاً: تعلم يا سيادة القاضي أن القانون في الحتّة دي مش واضح. أو يقول مثلاً: ونحن هنا أمام معضلة مش سهلة ولازم …. فأصيح فيه فضّ فوك. يعجبني حين يتكلم المحامي أو القاضي باللغة الفصحى فهم في الغالب حريصون على استخدام لغة عالية ولكن عندما ينحدر إلى استخدام العامية يسقط من عيني. ولا أعرف من كاتب الحوار أو مؤلف القصة فإنها والله مؤامرة خبيثة وخطيرة أن يفعل باللغة العربية هكذا.

    ومن مظاهر السخرية باللغة العربية أن لا تكون اللغة الفصحى لغة إلاّ للمسلسلات الأجنبية المدبلجة حيث الحديث عن الخيانات الزوجية وعن الغرام المحرم وعن الإجرام وعن العلاقات الشاذة وغير ذلك. فكأّن لغتنا الفصحى لا تصلح إلاّ لهذه المسلسلات السيئة التجارية التي تصل حلقاتها إلى أكثر من المائة.

   أين المسلسلات العربية الإسلامية كقصص من حياة التابعين أو قصة صلاح الدين الأيوبي التي ينشط اليهود والغربيون في هذه الأيام لتشويهها حتى يوهموا الأمة الإسلامية أنه لا أمل أن يظهر فيها مثل صلاح الدين؟ وقد أعجبني مقال للدكتور أمين ساعاتي حول هذا البطل المسلم وما يتعرض له في الإعلام الغربي. وقد فاته أن يذكر أن صلاح الدين حين بدأ حياته السياسية اهتم بالعلم والعلماء حتى إنه جمع قادته ذات مرة وقال لهم " لا تظنوا أني بسيوفكم وحدت البلاد، إنّي وحدتها بقلم القاضي الفاضل".

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...