الغرب والحركات الإسلامية


       جاءني صحافي شاب اطلع على بعض كتاباتي المتواضعة عن الاستشراق والتنصير ومعه مجموعة من الأسئلة يريد إجراء لقاء صحافي في إحدى صحفنا المحلية، فنصحته أن يبحث له عن فنان او لاعب كرة ، أو كاتب من الذين تحتفي بهم تلك الصحف التي يتعاون معها هذا الصحافي ولكنه أصر على تقديم الأسئلة وطلب إلي الإجابة عنها وأضاف بأنه يريد الإجابة بإسهاب. وأحمد الله عزوجل أن مكنني من الكتابة في الموضوعات التي طلبها. ومضى الشهر والشهران واللقاء لاينشر فهل أضيع جهد هذا الصحافي وجهدي؟
      لذا قررت أن أجعل من موضوعات أسئلته مقالات لهذه الزاوية، والصحافي الشاب هو الأخ (الابن) اسماعيل فتح الله. وكان أحد أسئلته: لماذا يهتم الغرب بدراسة أحوال الجماعات الإسلامية؟
وكانت الاجابة:
      ان اهتمام الغرب بدراسة الجماعات الإسلامية يعود إلى حركات التحرر التي ظهرت في العالم الإسلامي ضد الاحتلال الأوروبي حيث أن الذين قادوا الجهاد هم الجماعات  الإسلامية ، ولعل من أقدم الكتب التي صدرت في هذا المجال كتاب وجهة العالم الإسلامي الذي ألفه المستشرق هاملتون جب وآخرون حيث ركزوا فيه على الجماعات الإسلامية التي عملت على الدعوة إلى عودة الإسلام ليقود الجهاد ضد الأجنبي، لكن هذه الجماعات لم تكن على درجة من التنظيم والتخطيط بحيث تواصل نشاطها حتى تصل إلى حكم بلادها بعد رحيل المحتل الأجنبي. ولكن لاينبغي ان نلقي كل اللوم عليهم فإن الحكومات الاستعمارية حرصت على تسليم الحكم إلى من تثق فيهم انهم سوف يواصلون خط التغريب في جميع مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والاجتماعية،وكأن المحتل لم يرحل . وكما قيل ((ذهب المحتلون البيض وبقي أذنابهم السمر)).
      ومن هنا كان لابد للعلماء من أن يعودوا مرة اخرى للتحرك لمحاربة الفساد في شتى مجالات الحياة وكانت هذه هي نقطة الانطلاق الجديدة للجماعات الإسلامية تدعو اولا إلى العودة إلى العقيدة الصحيحة بعد ان اعترى عقائد المسلمين بعض الانحراف ودخلت حياتهم بعض الممارسات الخاطئة بسبب تشجيع الحكومات التي خلفت الاحتلال، وثانيا الدعوة إلى عودة الإسلام ليكون المهيمن على جميع شؤون الحياة.
       أما اهتمام الغرب بالجماعات الإسلامية فهو امتداد لدعم الغرب للحكومات التي وثق بها وسلمها مقاليد الحكم عند رحيله، هذا من جهة ومن جهة ثانية أنه امتداد لعداء النصرانية للإسلام (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم) . وثمة سبب آخر وهو أن الاسلام يدعو على استعلاء المسلم وعدم القبول بالخضوع لأحد وبالتالي فعودة الإسلام للحكم يعني ان تخسر الدول الغربية نفوذها وسيطرتها على كثير من مصالحها في العالم الإسلامي وهي مصالح حيوية بالنسبة للغرب، وقد تعود الحصول عليها بلامشقة وبأبخس الاثمان.
     كما أن الجماعات الإسلامية تشكل تهديدا لهيمنة الغرب الفكرية والثقافية في العالم الإسلامي فلماذا لايدرسها حتى يستطيع مواجهة تقدمها وعرقلة مسيرتها؟ وقد ظهرت اصوات كثيرة في الغرب تنادي بضرورة تكثيف الجهود لدراسة الجماعات الإسلامية خاصة بعد سقوط الشيوعية المدوي ولم يبق للغرب – في نظره- من عدو سوى الإسلام . ولتوضيح ذلك أضرب المثل بدراستين حديثتين نسبيا احداهما صدرت بعنوان الأصولية في العالم العربي تأليف رتشارد هرير دكمجيان (وان كان قد عاونه فيها عدد من الباحثين) تتناول بالدراسة اثنتين وتسعين جماعة إسلامية في العالم العربي. أما الدراسة الأخرى فهي عبارة عن محاضرة جلسات الكونجرس الأمريكي في أشهر يونيه ويوليه وسبتمبر 1985 وقد نشرت باللغة الانجليزية نشرا محدودا ، ولكن استطاع الدكتور أحمد خضر إبراهيم أن يترجم جزءا كبيرا منها ونشره في مجلة المجتمع الكويتية. وهذه الدراسة بلغت صفحاتها 442 صفحة. (وقد حصلت عن نسخة منها عن طريق أخ مسلم أمريكي تعمل زوجته في إحدى الجامعات الأمريكية)
       ولايعتمد الغرب على علمائه وباحثيه فقط في دراسة الحركات الإسلامية أو الجماعات الإسلامية فإنه يستعين لذلك بكثير من الباحثين المسلمين وبخاصة أصحاب الاتجاهات العلمانية واليسارية فهؤلاء يشكلون عيونا مأجورة أحيانا وبلا أجر أحيانا أخرى . ومن الوسائل في الحصول على خدمات هؤلاء أن يقدم إليهم منحا للبحث والدراسة في جامعات الغرب أو ان يستضيف كبارهم كأساتذة زائرين.
       وهذا أوفر على الغرب من الناحية الاقتصادية فبدلا من إرسال الباحثين الامريكيين او الأوروبيين إلى العالم الإسلامي فيتكلفون بذلك نفقات ضخمة وفي النهاية لايستطيعون الحصول على المعلومات بالدقة التي يوفرها لهم هؤلاء العلمانيون اليساريون.

     ولابد ان نضيف أن الغرب وهو يدعو إلى النظام العالمي الجديد الذي يزعم أنه يجب أن يسوده السلام واحترام حقوق الإنسان وحق الشعوب في حكم نفسها وفي امتلاك ثرواتها يجب ان لا يخشى الجماعات الإسلامية أو الحكومات الإسلامية هذا إن صدقت مزاعمه في هذا النظام الجديد؛ ذلك ان الجماعات الإسلامية هي خير من يحترم حقوق الآخرين ويدعو إلى السلام لأن الإسلام هو دين السلام الحقيقي، وقد عرفت البشرية الحضارة الإسلامية التي اتاحت الفرصة لجميع الشعوب والأديان بالعيش في ظلالها والتمتع بحقوق لم يصل إليها العالم بعد. كما لم تعرف الحضارة الإسلامية استغلال ثروات الشعوب او الهيمنة الاقتصادية أو السياسية او الفكرية.
 المدينة المنورة (ع9167)في 19/ 12/ 1412هـ20/ 6/ 1992م

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية