الحرية الأكاديمية في الجامعات الأمريكية وزيارة مركز الدراسات الشرقية ومركز الدراسات البريطانية 27-29صفر 1427هـ (27-29مارس 2006م)


بسم الله الرحمن الرحيم
          أعلن قبل مدة عن منتديات المعهد الجامعي بفلورنسا([1]) التي يطلق عليها منتديات البحر المتوسط، وهذه المنتديات إنما هي ورش عمل يجتمع في كل ورشة عشرة إلى اثني عشر شخصاً يبحثون في قضايا تخص مجتمعات البحر المتوسط، وقد بدأ عقدها منذ سبع سنوات، أي منذ عام 2000م. وتكون المنتدى هذا العام (2006م) من إحدى عشرة ورشة منها في الاقتصاد وفي السياسة وفي الاجتماع وفي تقنية المعلومات وفي المسائل الحدودية وفي العمران والفن.
           واجتمع شمل المشاركين والمستمعين (وعددهم المستمعين قليل) في تلك الليلة على الساعة السابعة للاستماع إلى المحاضرة الافتتاحية للدكتورة سعاد جوسف بعنوان: "أبيض وأسود: تمثيل العرب والمسلمين الأمريكيين والإسلام في الصحافة الأمريكية المطبوعة) والدكتورة سعاد هي مديرة دراسات الشرق الأوسط وشرق وجنوب آسيا في قسم علم الإنسان بجامعة كاليفورنيا بمدينة ديفيس. وهي حاصلة على الدكتوراه من جامعة كولومبيا بنيويورك عام 1975م، وتقوم بتدريس علم الإنثروبولوجي ودراسات المرأة والجندر في جامعة ديفس، وهي المحررة الرئيسة لموسوعة المرأة والثقافة الإسلامية التي تصدر عن دار بريل، وهي مؤسسة وأول رئيسة لرابطة دراسات المرأة في الشرق الأوسط.
       قدمت الدكتورة جوزيف دراسة ميدانية عن تمثيل العرب والمسلمين الأمريكيين والإسلام في أكبر صحيفتين أمريكيتين هما نيويورك تايمز والواشنطن بوست، وكان مجمل عرضها أن هاتين الصحيفتين أساءتا كثيراً لصورة العرب والمسلمين الأمريكيين وللإسلام عموماً. ولم يسمح الوقت إلاّ بسؤالين أو تعليقين كنت أحدهما حيث سألتها هل هناك رد فعل من المسلمين والعرب على هذه الصحف وما رد فعل هذه الصحف على ردود الأفعال تلك. فأجابت إن هاتين الصحيفتين لا يهمهما كثيراً ردود الأفعال، كما قلت إذا كانت الصحيفتان تقدمان هذه الصورة السيئة فأين الجهود العربية والمسلمة في توضيح صورتهم وصورة الإسلام، أعرف أن المؤتمر السنوي لرابطة المسلمين في أمريكا الشمالية يستقطب أكثر من خمس عشرة ألف مشارك وهم يقدمون صورة رائعة للإسلام، أين الأفلام الوثائقية عنه المسلمين. وكان ردها جيداً بأن الجهود كبيرة والقضية بقدر ما هي مؤلمة فإن المستقبل مشرق.
انطلقت منذ اليوم الأول أشغال الورش المختلفة التي بلغت إحدى عشرة ورشة أذكر فيما يأتي بعضها:
الأولى: الإقليمية والأقلمة في الشرق الأوسط: بحث في النواحي النظرية والعملية.
الثانية: النتائج القانونية الاجتماعية للهجرة في منطقة الشرق الأوسط.
الثالثة: التقسيم أو المشاركة السياسية: إدارة الحدود والأراضي في عالم معولم.
الرابعة: من المحلية إلى العولمة: الفنون المرئية في شرق البحر المتوسط بين الأسواق العالمية والتوقعات المحلية.
الخامسة: مناظرة حول الأسرة في الشرق الأوسط.
السادسة: المشاركة السياسية تحت الحكم الشمولي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
السابعة: النقد الثقافي والنقد الجندري في الشرق الأوسط إسهام الفكري النسوي (نسبة إلى حركة تحرير المرأة) للنقد الثقافي في المجتمعات المتوسطية.
الثامنة: المناقشات العامة حول الإسلام في أوربا: لماذا وكيف أصبح المهاجرون مسلمين.
شاركت في معظم جلسات الورشة الخاصة بموضوع الأسرة وذلك لأنني كنت قد قرأت بعض الأوراق، وكان يهمني أن أعرف ماذا يقولون عن الأسرة في الشرق الأوسط. وقد تناولت هذه البحوث قضايا حول الأسرة في عدن منذ نهاية عهد الاستعمار حتى العصر الحاضر، كما تناولت قضايا التشريعات الخاصة بالأسرة في كل من إيران ومصر وجنوب تركيا. وقدمت باحثتان موضوعين عن الأسرة من خلال مسالة الميراث إحداهما عن الوقف من خلال فتاوى الوزاني في المغرب العربي، بينما كان البحث الآخر حول القضايا الأسرية من خلال وثائق المحاكم المصرية في أواخر العهد العثماني. وتناولت باحثة أمريكية موضوع الحركات المطالبة بحقوق المرأة في المغرب العربي، وكيف أن الأسرة تشكل عائقاً نحو تحقيق المرأة بعض حقوقها.
كان من الملاحظ غياب المعرفة الشرعية المستندة إلى نصوص الكتاب والسنّة أو نماذج من حياة السلف في القرون التي كان التطبيق الإسلامي في أعلى مستوى له. وقد ذكرت لهم أن قضية الوقف مرتبطة بقضية شرعية وهي قول الرسول: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث: علم ينتفع به، وولد صالح يدعو له وصدقة جارية) وعمل الخير أيضاً ينطلق من قول المصطفىe: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟، فقالوا مالنا يا رسول الله، فقال لهم (مالك ما أنفقت، ومال وارثك ما أبقيت)
وفي إحدى الورش عن الجندر قدم بحثان أحدهما عن المشروع الوطني المغربي لإدماج المرأة المغربية في التنمية، وهو مشروع كثر حوله النقاش في المغرب، وقد اعترض عليه العلماء ورأوا فيه خروجاً عن الشريعة الإسلامية في عدد من المواضع. وقدم البحث باحث وباحثة من المغرب. وكانت الباحثة تتحدث بلهجة المنتصر أن المشروع قد أصبح قانوناً وأن الحكومة المغربية استطاعت أن تسكت أصوات المعارضة الإسلامية. وذكرت أنّ المدونة لم تسمح للرجل بالزواج من ثانية إلاّ بموافقة الزوجة الأولى، وأن الطلاق لا يمكن أن يقع إلاّ أمام المحكمة، وتحدثا عن حقوق أخرى، ولكنهما كانا ينتظران أن تساوي المدونة بين الرجل والمرأة في الميرات. وانتقدت المدوّنة أو قانون الأحوال الشخصية الأخير مسألة عقد النكاح أو عقد يسمح للرجل بالممارسة الجنسية بل هو عقد زواج. ولكن أليس من العجب أن الأمة قبلت هذه التسمية ألف وأربعمائة سنة ويأتي من يعترض اليوم على التسمية وحتى على المضمون، ناسين أن القرآن سمّاه (ميثاقاً غليظاً)، ووصف العلاقة بين الرجل والمرأة بالمودة والرحمة وقال عن الزواج (هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهن) وانظر كيف قُدّمت المرأة في اللباس)، واعترضوا على مسألة الطاعة، ومطالبة المرأة بطاعة الزوج. وانتقدوا الاستعمار بأنه كرّس ذكورية المجتمع، مع أن بذور حركة ما يسمّى تحرير المرأة جاء به الاستعمار. ونسوا أن المؤتمر العالمي الثالث للمرأة عقد في الجزائر في مدينة قسنطينة عام 1934م، وغابت عنه المرأة الجزائرية التي رضيت بالحجاب عدا نساء قليلات كنّ متغربات.
وبعد نهاية تلك الجلسة قدمت نسخة من كتاب بعنوان (موقفنا من المشروع الوطني لإدماج المرأة في التنمية) إلى رئيسة الجلسة إليزابيث كسّاب التي تساءلت ما هذا الكتيب؟قلت لها إنه رأي للعلماء المغاربة يعترضون على المدوّنة. فقالت لماذا تروج لهم؟ قلت لها أنا لا أروج لهم ورأيي أنه لا رأي لي حتى أقرأ المشروع كاملاً، ولكن في جلسة علمية كان ينبغي أن يكون هناك توازن في عرض وجهات النظر. فكما سمحت بوجهة النظر المؤيدة للمشروع كان ينبغي وجود الرأي المعارض. ولعلي أكتب رسالة إلكترونية لتلك المرأة. وسألتها ألا تريدين أن تعرفي الرأي الآخر؟
أما البحث الثاني الذي سمعته فهو حول النساء السحاقيات، بين العلن والخفاء. وكانت الباحثة سورية، وكانت تشيد بهذا الأمر وذكرت العديد من الكاتبات اللاتي كتبن عن العلاقات الجنسية بين النساء أو ميل بعض النساء لبنات جنسهن، وذكرت من الكاتبات حنان الشيخ وليلي أحمد، وذكرت من الروايات باب الواد وحجر الضحى وغيرها. وأذكر أن مؤسسة بريطانية مسرحية قدمت إحدى مسرحيات حنان الشيخ في لندن، وافتخرت بها إحدى الصحف العربية الصادرة في الغرب وكأن الأمر فتح كبير مع أن الغرب لا يحتفي إلاً بمن شذ أو انحرف من أبناء الأمة.
ومن الورش المهمة ورشة "المشاركة السياسية تحت النظام الشمولي" وهي برئاسة كل من سلوى زرهوني من جامعة محمد الخامس بالرباط وإلين لست أوكار من جامعة ييل Yale بالولايات المتحدة، وتقول مقدمة الورشة إن المشاركة السياسية في الأنظمة الشمولية قد بدأت في العالم العربي الإسلامي ببعض المشاركة السياسية والحديث عن الانتخابات وغير ذلك، ولكن هذه المشاركة السياسية قليلاً ما تُناقش أو تبحث في المنتديات العلمية. وسيكون الحديث عن المشاركة السياسية في المؤسسات السياسية أو غيرها، وتتناول الورشة المفاهيم الخاصة بالمشاركة السياسية وتعريفها. وهل ما يحدث من بعض المشاركة السياسية هو حقيقة مشاركة أو مجرد ديكور. وتناولت الأوراق المشاركة السياسية عموماً وكذلك التجارب في دول معينة كالأردن ومصر، وكذلك الحديث عن وسائل الإعلام وأثرها في نشر التوعية بأهمية المشاركة السياسية. ومن أبرز الباحثين والباحثات الذين واللاتي قدموا بحوثهم ليل الحمّاد من البنك الدولي بواشنطن حيث كان عنوان بحثها: "المشاركة السياسية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: توسعة الشبكة."




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية