الحلقة الثانية تركيا ملخص محاضرة في صقاريا


اخترت أن يكون موضوع محاضرتي للشباب الذين تجاوزوا المائة والخمسين شاباً عراقياً "دراسة الاستشراق طريق إلى دراسة الغرب أو إلى معرفة الغرب". أعددت عدداً من البطاقات وما أن بدأت حتى تركتها جانباً وتحدثت بما يوافق التسلسل التاريخي للأحداث وبما يناسب المقام فما ذا قلت؟
بدأت بحمد الله عز وجل والثناء عليه والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ثم شكرت الأستاذ عبد الرحمن الأحمد الجنابي على كريم دعوته لي للقاء الشباب هنا في صقارية والحديث إليهم. ولم أنس أن أشكر الأخ الصديق الدكتور أمجد الجنابي على تعريفي بالأكاديمية ومديرها الأخ عبد الرحمن.
طربت حقيقة لفكرة الأكاديمية وهي الاعتناء بالشباب وبخاصة المتخصصين في العلوم الاجتماعية والأدبية ولا أقول الإنسانية لأن ربطها بالإنسان إنما المقصود به فصمها عن الله والوحي والإسلام فلا يمكن أن تكون الجغرافيا أو التاريخ منقطعة الصلة بالله عز وجل كما قال أستاذنا محمد قطب رحمه الله.
وتأتي أهمية العلوم الاجتماعية أنني شاهدت مقطع فيديو ينتقد تجربة الإخوان في مصر وأنهم لم ينجحوا لأن قياداتهم تخصصوا في الطب والكيمياء والفيزياء والهندسة ونجح الأتراك مثلاً لأن قياداتهم درست الاقتصاد والإدارة وغيرها من العلوم الاجتماعية. فقلت قد يكون لبعض حديثه بعض الوجاهة والصواب ولكن فاته أن الذي يعرف الإسلام حقيقة وتربى على مائدة القرآن والسنّة وتربى في مدرسة الإخوان فقد تعلّم الإدارة والاجتماع والسياسة والاقتصاد وأضرب مثالاً واحداً من السيرة عن الإدارة وعملياتها التي نتعلمها في الكتب التي تأتينا من أمريكا بخاصة ففي غزوة الأحزاب قام الرسول صلى الله عليه وسلم بالعملية الإدارية بخطواتها التي يحدثوننا عنها من تحديد اليد العاملة المطلوبة والمدة وتوزيع العمل والإشراف والمتابعة وكان معسكره صلى الله عليه وسلم على جبل ذباب حيث مسجد الراية ثم انتقل إلى مكان آخر بعد الانتهاء من حفر الخندق.
وكذا الأمر في السياسة وفي القيادة العسكرية (كتب باحث عسكري أمريكي عن قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم العسكرية ونُشر الخبر قبل أيام)
وتحدثت عن دراستي للاستشراق منذ كنت طالباً في جامعة بورتلاند الحكومية وفي زيارتي للمكتبة وجدت مجلات "الشبكة" و"الموعد" ومجلات هابطة أخرى كانت تصل السعودية تهريباً في الستينيات والسبعينيات الميلادية وبعض كتب التراث وبخاصة ما يتحدث عن ممارسات نادرة شاذة ولم أكن أعرف أن هذا هو الاستشراق أو هو نموذج من الاستشراق فأمضيت خمس سنوات أدرس خليطاً من المواد من العلوم والآداب حتى رجعت وبدأت أدرس التاريخ.
ولكن قبل أن ألتحق بقسم التاريخ كنت أبحث عن وظيفة وفي تلك الأثناء كانت فرصة للقراءة المكثّفة في الإسلام وحوله فقرأت كتب المودودي والندوي وسيد قطب ومحمد قطب وسعيد حوى رحمهم الله وكتب القرضاوي. فما أن التحقت بقسم التاريخ حتى كنت طالباً مختلفاً نوعاً ما؛ فلمّا كانت السنة الأولى وكان الكتاب المقرر هو كتاب الإسلام السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لـ حسن إبراهيم حسن فأعادني إلى الاستشراق الذي عرفت طرفاً منه في جامعة بورتلاند ولكني الآن على بصيرة نوعا ما.
وفي تلك السنة كتبت عشر ورقات أنتقد كتاب حسن إبراهيم حسن وقدمتها لأستاذي الدكتور جمال عبد الهادي فتعجب من طالب في السنة الأولى ينتقد كتاباً مقرراً وكانت انتقاداتي أن المؤلف يقدم آراء المستشرقين على ما جاء في القرآن الكريم كما في الحديث عن سبب انهيار سد مأرب فذكر فان فلوتن وغيره ثم قال وجاء في القرآن. كما أنه يورد بعض شبهات المستشرقين على أنها حقائق مسلّم بها.
وهذا رابط للمقالة
وبدأت الكتابة في مجلة المجتمع الكويتية سلسلة مقالات بعنوان (مشاهدات عائد من أمريكا) فلمّا وصلت الحلقة الثالثة وعرف الدكتور جمال عبد الهادي قال لي مازن توقف عن النشر في مجلة المجتمع فأنت في قسم معظم أساتذته متغربون ولو عرفوا أنك تنشر في مجلة إسلامية لن تتخرج، وكانت مقالتي التي كتبت مسودتها ولم أرسلها بعنوان (أمريكا تحتضر) ونشرت بعد ثلاثين سنة في كتابي رحلاتي إلى أمريكا الذي صدر عام 2005م
ومما دعاني لمعرفة الغرب وحبائله ومكره أن الصحوة الإسلامية كانت قد انطلقت في المملكة وبخاصة جدة حيث كانت القلب لهذه الصحوة بمحاضرات الأستاذ محمد قطب رحمه الله (منهج التربية الإسلامي) والذي سبقه في محاضرات يوم الأحد الشيخ محمد متولي لشعراوي رحمه الله. وفي الوقت نفسه كانت مساجد جدة تعج بالخطباء الكبار من أمثال الدكتور محمد الحصري والشيخ حسن أيوب والدكتور كمال عيسى وكان الشيخ عبد المجيد الزنداني لا يغيب كثيراً عن جدة حتى كأنه مقيم والشيخ الزبيري وغيرهم كثير. وكان يحضر إلى جدة بعض رموز الدعوة والحركة الإسلامية من أمثال رشوان والشيخ سعيد حوّى ومصطفى العالم وكل هذا أسهم في تكويني العلمي وزيادة الوعي بخطورة الفكر الغربي والاستشراق.
ولمّا كنت موظفاً في الخطوط السعودية حضرت دورة في الإشراف الإداري في عام 1975 عقدت في إسطنبول فكانت المفاجأة أن الرحلة تمر بأثينا ثم إسطنبول فأعلنت المضيفة أننا على مقربة من القسطنطينية وهو الاسم القديم لإسطنبول قبل أن يفتحها المسلمون فكان لا بد من تنبيه كبير المضيفين ولكن لأنها يونانية فقد أصرّت على اسم قسطنطينية.
كان اختيار إسطنبول مقصوداً لنطلع نحن القادمين من بلد للدين مكانته المرموقة إلى بلد علماني متغرب لنطلع على مظاهر التغريب في الشوارع والميادين والمؤسسات ولكن فاتهم أننا رأينا بلداً فقيراً ينتشر فيه النصّابون والبلطجية ويحكمه العسكر وضعف التدين والوضع الاقتصادي حتى إن الناس كانوا يحرصون على صرف العملة الصعبة من بعض الأفراد فيتعرضون للنصب والاحتيال كما حدث مع أحدهم أراد أن يصرف مائة دولار فناوله المحتال دولاراً واحداً وهرب.
واستمرت مسيرتي مع الاستشراق من خلال حضور المؤتمرات فراعني أننا فئران المعمل لهؤلاء الناس وإن كان أي توجه للإسلام وبخاصة الحركات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان المسلمين كانت دائماً موضع الريبة والشك والانتقاد. وليس للإسلام حرمته فكل شيء معرّض للنقد والتجريح حتى تقدم شاب في يوم من الأيام في مؤتمر لشباب المتخصصين في دراسات الشرق الأوسط ليتساءل هل يمكن للإسلام أن يحكم أو يقدم نظاماً سياسياً، فكانت إجابته بالطبع لا فأي إسلام سنأخذ أو نتبع: أهو الإسلام السنّي أو الإسلام الشيعي أو الإسلام الصوفي أو الإسلام الشعبي؟
هنا تنبهت مرة أخرى إلى ضرورة دراسة الغرب ومعرفته وتحويله إلى موضع درس لنا كما يدرسوننا وعرفت أن المر ليس صعباً لو توفر القرار السياسي الواعي المدرك لمسؤوليته فالغرب يكاد يكون كتاباً مفتوحاً ومن أول ما عرفت عن الغرب أن في بريطانيا تصدر سنويا تقريراً بعنوان استطلاع لساكني بريطاني (HOUSHOLD SURVEY) وكان أول تقرير اطلعت عليه لعام 1993م بعد عدة مراسلات مع مطبعة الحكومة حتى كتبت لهم في رابع رسالة: لقد عقّبت عليكم ما فيه الكفاية: نفذواً مباشرة، فوصلني التقرير دون ثمن. ثم تغيّر عنوان التقرير إلى العيش في بريطانيا (LIVING IN BRITAIN) وأصبح متوفراً في الشبكة وقد كانوا يشترطون من قبل أن يطلعوا على البحث المعد حول بريطانيا ولكن يبدو أنهم تراجعوا
اهتم الدكتور محمد بن سعود البشر بما صدر في أمريكا فترجم كتاباً بعنوان يوم أن اعترفت أمريكا بالحقيقة وقد أفدت منه في كتابي الغرب من الداخل: دراسة للظواهر الاجتماعية الذي نشر في طبعتين لم تجد الطبعة الثانية موزعاً فصرت أوزعها مجاناً وفي إحدى زياراتي إلى بريطانيا حرصت على قراءة الصحف وبعض ما يصدر في الغرب من كتب عن المجتمعات الغربية وتعرفت لاتجاهات معينة في تلك المجتمعات منها مثلاً كتاب كاثلين باركرأنقذوا الرجل أو الذكور تنقذوا الأسرة ودعوة كاتبة غربية للمرأة بأن تقبل بهيمنة الرجل في كتابها الزوجة المستسلمة وكتاب فوكوياما الانهيار العظيم وكتاب أمريكا اليتيمة عن الأبناء بلا آباء أو الحياة في أسرة بوالدٍ واحد، ودعوة أو مناشدة لإعادة الدعاء في المدارس وغيرها. وهناك إحصائيات وزارة العدل الأمريكية عن الأوضاع الاجتماعية في أمريكا
كما إنني كنت في زيارة لجامعة في كولورادو فوجدت كتاباً منهجياً بعنوان العنف ضد النساء الأمر الذي يؤكد وجود العنف ضد المرأة حتى تطلّب الأمر أن تكون مادة في علم الاجتماع يُؤلّف فيها الكتب. كما ترجمت فصلاً من كتاب علم الضحية عن الإعلام الإلكتروني وأثره في الأطفال ومحاولات المفكرين والمصلحين وعلماء الاجتماع أن يوقفوا الإعلام المخرّب ولكنهم لم يُفلحوا حيث إن من يملك الإعلام أقوى من أي دعوة لإصلاحه. ومن الدعوات ضد السينما الأمريكية وإفسادها للمجتمع وعدم تمثيله التمثيل الحقيقي بل محاولة إفساده أيضاً كتاب مايكل ميدفيد أمريكا وهوليوود
وحدثتهم أننا عندما كنّا أمة لديها التوق المعرفي والوعي درسنا العالم وعرفناه ابتداءً من كتب الملل والنحل وكتب الفرق ثم الرحلات كرحلات ابن فضلان وابن حوقل والإدريسي الجغرافي وكتب ابن بطوطة وابن جبير ثم مذكرات السفراء المسلمين في أوروبا وأمريكا وكنات الاعتبار لأسامة بن منقذ، ولا أنسى أبي الحسن البيروني الذي عاش في الهند أكثر من عشر سنوات وعرفها معرفة عميقة وكتب كتاباً جامعاً في أديانها ولغاتها ومعتقداتها.
فما ذا قدم طلابنا المبتعثون في أنحاء العالم وهل لديهم التوجيه ليدرسوا الشعوب والأمم الأخرى امتثالاً لقوله تعالى (وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا)؟
وإلى اللقاء في المقالة التالية إن شاء الله






تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية