أيام ليست من العمر في تركيا الحبيبة

بسم الله الرحمن الرحيم
تركيا
15شوال حتى 5 ذي القعدة 1436
الموافق من 31 يوليو حتى 20 أغسطس 2015
        هل أبدأ بالحديث السياحي الرحلاتي أو الحديث الفكري؟ سأبدأ بالسياحة ولن أذكر كل التفاصيل لأن بعضها قد ضاع وها قد مرّ على بداية الرحلة سبعة أو ثمانية أيام. كانت الوجهة السياحية الأولى مسجد السلطان أحمد أو المسجد الأزرق، ركبنا سيارة أجرة بعشرين ليرة تركية ووصلنا إلى منطقة قريبة فطلب منّا السائق النزول لأن الشوارع مزدحمة وقد أصبحنا قريبين جداً من المسجد، نزلنا وبدأنا السير على الأقدام حتى وصلنا باحات المسجد وواصلنا السير حتى اقتربنا من مسجد أيا صوفيا أو متحف أيا صوفيا الذي كان مسجداً فحوّله العلمانيون متحفاً يقف السوّاح طوابير طويلة لمشاهدة ما بداخله ولم ندخله هرباً من الزحام،(عاد منذ أشهر إلى مسجد والحمد لله) ثم اهتدينا إلى طريقة للوصول إلى منطقة السلطان أحمد حيث ندفع ثمن تذكرتين بالحصول على قطع بلاستيكية بثماني ليرات ولا يحتاج هاشم وفاطمة للدفع وعرفنا الطريق من السلطان أحمد حتى السوق المصري وإلى السوق المغطى أو بايزيد.
        وكان لي موعد عند مسجد الفاتح (ولا يحب الأتراك آل التعريف، فيقولون مسجد فاتح) فكان نصف الطريق نزولاً والنصف الآخر صعوداً ووصلنا وتجولنا في أنحاء المسجد ومن هناك سرنا في طريق بحسب الخريطة فوصلنا سوق بايزيد أو السوق المغطى وواصلنا السير حتى وصلنا السوق المصري.
هربنا من سائقي سيارات الأجرة لعدم وجود ثقة فيهم أو تخوف متأصل، فنسأل سائق سيارة الأجرة عن الأجرة فيقول العداد ونخشى من العداد لأنه يستطيع أن يجعل مشوار العشرة ليرات بعشرين أو حين يطلب أجرة محددة يبالغ في الأجرة وأحياناً بعد أن نركب ويبدأ العداد في العمل يوقفه ويفرض ما يريد ولكنه لا يدري أن سيّارته تتعطل أو يصيبه بلاء بما أخذ من أجرة مبالغ فيها، وهل رأيت سائق أجرة أصبح ثرياً، يبقى السائق سائق إلى أن يموت.(لابد أن أستثني السائق الصالح الذي يخاف الله فيضع الله البركة في رزقه ويصبح ثرياً)
     وركبنا الحافلة بعد أن حصلنا على البطاقة الإلكترونية ويصبح المشوار زهيد الثمن واستخدمناها في ركوب العبّارة والترام فما أروعك بلدية إسطنبول، ولكن أزعجني في الترام أن الركاب في الغالب لا يتركون أماكنهم للسيدات أو لكبار السن فيجلس الشاب يعبث بهاتفه المحمول وتقف تتمنى أن يقوم أو تصيبه داهية على قلة ذوقه، كما أن الازدحام يعرض النساء لملامسة الرجال ومن كان عنده غيرة يرفض ذلك لذا قررت أن أنتظر أكثر أو أن أركب الترام في غير أوقات الذروة.
     جئت ذات يوم إلى السوق المصري من فندق بارسلو بعشرين ليرة فأراد سائق أن يُرجعني بأكثر من أربعين ليرة فحدثت مشاجرة بالأيدي فنزلت دون دفع الأجرة فسقط هاتفي المحمول وبعض الأغراض فعاد بعد قليل وأرجع الهاتف والأغراض الأخرى ولكنه أصر أن يأخذ نصف الأجرة وأنني يمكن أن أعود معه بعشرين ليرة فيكون المشوار بأربعين ولكني رفضت وانتظرت في الخلاء حتى رزقني الله بسائق فركبت بأجرة معقولة. وهنا أذكر سائقاً جزائرياً قال لي عليك أن تدفع حتى لا تخسر عمرك أو تدخل في مشكلات حتى تتدخل الشرطة. فقلت صدق السائق وأخطأت على إصراري فعمر الإنسان أغلى من الأربعين ليرة.
     تعج ساحات مسجد السلطان أحمد والفاتح والسوق المصري بالباعة الجائلين ولكنه ليس الازدحام المزعج وهؤلاء يبيعون الذرة المسلوقة والمشوية والكستناء المشوية (والطريف أن الكستناء في تركيا كل العام) وبعض الأشياء الأخرى كلعب الأطفال والجوارب ويسمونها الشُرّاب كما نقول في العاميةّ بينما يقول المغاربة التقاشر ولا أدري من أين جاءوا بهذا الاسم. وتختلف أسعار الذرة والكستناء من مكان لآخر فكلما كان سياحياً كانت الأسعار أعلى ولكنها لا تزيد عن ليرتين وفي الأماكن الأقل زحاماً ليرة ونصف.
        وجدنا محلات تسوّق تسيل لها لعاب الأوروبيون والعربان فالبضاعة عموماً جيدة وأسعارها معقولة بل رخيصة وكان عند كثير من المحلات تخفيضات جميلة صادقة وقد أدركت أن تركيا تعيش في رخاء ووفرة وتوفر كثيراً من الأشياء لا تتوفر في غيرها. وهذا ذكّرني بالولايات المتحدة الأمريكية في وفرة المعروض ورخصه ولكن باختلاف أن الأمريكان يسرقون العالم ويوفرون في بلادهم من أمور الدنيا من تذاكر الحافلة حتى المأكولات بينما الأتراك شعب يعمل وليس في ثقافته أو سياسته سرقة الشعوب الأخرى ونهبها. ولا ننسى أن في تركيا بركة الحلال وبركة فتح أبوابها للشعوب المضطهدة المظلومة فما أكثر العراقيين والسوريين والمصريين وكثير من الأجناس والشعوب التي لا يمكن إحصاؤها. ما أروعك يا تركيا حتى وقع في نفسي أن أصف أردوغان العظيم أنه ممن "يحمل الكل ويغيث الملهوف ويكرم الضيف ويصدق الحديث ويعين على نوائب الحق"
     لاحظت في الأتراك عدم المرونة عموماً في البيع فإما أن تشتري أو تترك حتى تأكد ما أعرفه عن الأتراك من عناد ورأس يابسة؟ ولكن ربما كان هذا في التعامل السياحي ولكني مع ذلك أتوقف عن الحكم لأن المدة غير كافية لإصدار الحكم.
        صعدت إلى مكان قريب من الفندق في بورصة فوجدت عدداً من المقاهي الخالية من الزبائن ومواقف الحافلات شبه المزدحمة، فهو بالتالي ليس شعب مقاه ولا تكثر فيه البطالة أو الهروب من العمل للجلوس في المقاهي.


تركيا واللقاءات الفكرية
        ما أن دلفت إلى الطائرة وقبل أن أصل إلى مقعدي لمحت الدكتور أحمد ويصال (وأضاف إلى لقبه التركي) وهو صديق قديم باحث في علم الاجتماع وخريج جامعة جنوب إيلينوي، لقيته أول مرة في مؤتمر في الجامعة اللبنانية الأمريكية ولقيته بعدها مرات ومرات في مؤتمرات أخرى في القاهرة وفي أنقرة وفي إسطنبول وفي الأردن. سلّمت عليه وعلى زميله مدير معهد التفكير الاستراتيجي في أنقره وهو معهد تابع لحزب العدالة وكان يرأسه وربما مؤسسه الدكتور يسن أقطاي.
        حينما التقيت الدكتور أحمد وكنّا نسير في أحد شوارع بيروت دارت بيننا أحاديث حول إنشاء تجمع لعلماء الاجتماع العرب والأتراك. ولأنه في تركيا التي تسمح بإنشاء هذه التجمعات وليس ثمة قيود فقد بدأ في المؤتمر الأول في أنقره برعاية معهد التفكير الاستراتيجي المقرّب من حزب العدالة والتنمية ثم كان المؤتمر الثاني في القاهرة أيام الدكتور مرسي رحمه الله قسم العلوم السياسية برئاسة الدكتور باكينام (حضرت في أنقرة) (ست بألف رجل) وعقد الثالث في إسطنبول والرابع بجامعة فيلادلفيا بالأردن، والمؤتمر الخامس سيعقد بعد شهرين إن شاء الله في مراكش بجامعة القاضي عياض.(وصلنا مراكش وألغي المؤتمر بحجة عدم الحصول على الإذن)
      في لقائنا القصير قلت لهما إلى متى يظل التجمع منظمة غير منظمة؟ متى يُصبح له قانون أساسي وعضوية ومقر ورئيس وقانون انتخاب؟ لا يصلح أن يستمر مثل هذا التجمع المبارك دون تنظيم ثابت. وأرجو أن أقدم ورقة بهذا الأمر في المؤتمر القادم إن شاء الله.

اللقاء الثاني:
       وكان اللقاء الثاني بالدكتور محمود صيفي الحسيني الذي عرفته في ليدن وفي جامعتها وفي أثناء حضوري أحد المؤتمرات وعندما جئت لأقضي شهر تفرغ في جامعتها، وقابلته في المدينة المنورة في أوائل رمضان عام 1436ه برفقة عدد من المسلمين الجدد ودعاني لإلقاء محاضرة فيهم. ولقيته في مكة في مركز الدراسات العلمية في ندوة دائرة المعارف الإسلامية المكية. فكان اللقاء في إسطنبول عرفت عنه من خلال الفيس بوك أو تويتر فرتب لي لقاء مع جمعية الحكمة للعلوم والصداقة صاحبة النشاطات العلمية المتعددة وكان اللقاء مع الشيخ عبد الخالق الشريف والدكتور الفقيه عبد العزيز وتم الاتفاق على أن أقدم محاضرة لطلابهم في الجمعية الذين يأتون من أنحاء أوروبا عن الاستشراق وسبل مواجهته وربما كذلك عن دراسة الغرب. ولكن اللقاء لم يتيسر ربما لقصر المدة التي مكثتها في تركيا أو انشغالهم ببرنامجهم.
اللقاء الثالث:
      الدكتور أمجد يونس الجنابي: عرفته عندما أنجز رسالة الدكتوراه عن المدرسة الألمانية وآثارها في الدراسات القرآنية بعث لي بنسخة مع مرفقاتها وخرائطها فلما اطلعت عليها رأيت أنها تستحق النشر فبعثتها إلى مركز تفسير للدراسات القرآنية موصياً بنشرها فتحمسوا لذلك وطلبوا مني أن أكتب عنها تقريراً ففعلت وتم نشرها وطبعت طبعتين (طبعت الطبعة الثالثة وربما أكثر، فالحمد لله)  فكان من توفيق الله عز وجل له ولي. عرف أنني في إسطنبول فتحدثنا واتفقنا على اللقاء فكان لقاءً ممتعاً مفيداً وفي أثناء الحديث خبرني أن له ابن عم هو الأستاذ عبد الرحمن الأحمد الجنابي يقوم على الأكاديمية الدولية للتنمية والتطوير فدعاني ابن عمّه للعشاء ولزيارة الأكاديمية وبعد العشاء اتفقنا أن أشاركهم في نشاطاتهم في مخيم الأكاديمية في صقاريا بجوار الجامعة أو ضمن مباني الجامعة. وكان من المشاركين في اللقاء أخ متخصص في دراسات الشرق الأوسط بإحدى الجامعات التركية فتحدثنا عن التخصص ومن اخترعه فأشار إلى أنه مخترع أمريكي لاهتمامها بالمنطقة وأحوالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهو كما قلت له تخصص هجين يجمع مختلف التخصصات وأخشى أن ينطبق عليه المثل "سبع صنايع والبخت ضايع" فلا هو مؤرخ ولا هو عالم اجتماع ولا هو عالم في الشريعة وإنما خليط من هذا وذاك.
     وسافرت إلى صبنجة ومعشوقية ولا أعرف الفرق كثيراً بينهما وإنما هي شلالات وبحيرة، وتم الاتصال من الأستاذ عبد الرحمن أنهم يرغبون في المحاضرة يوم العاشر من أغسطس وفي ذلك اليوم جاءني أحد الإخوة وسافرت إلى صقاريا من صبنجة أو معشوقيه وكان اللقاء بالشباب رائعاً (سأقدم ملخصاً للمحاضرة فيما بعد إن شاء الله)
وإلى اللقاء في المقالة التالية بإذن الله


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية