مشروع إنشاء أقسام الدراسات الإقليمية ومراكز البحوث بالجامعات السعودية

 



إعداد
د. مازن بن صلاح مطبقاني
مركز المدينة المنورة للدراسات الأوروبية والأمريكية
(تحت التسجيل)



المحتويات
مقدمة
الفصل الأول :الدراسات: الإقليمية النموذج الغربي
المبحث الأول: التجربة البريطانية
-      بريطانيا ودراسة الولايات المتحدة
-      الجمعية البريطانية لدراسات الشرق الأوسطBrisim
   المبحث الثاني :التجربة الأمريكية
    - معهد إدموند ولش للخدمات الخارجية
- مركز الدراسات العربية المعاصرة-جورج واشنطن
    - رابطة دراسات الشرق الأوسط بأمريكا الشمالية
المبحث الثالث: التجربة الهولندية
-      جامعة ليدن
-      المعهد الدولي لدراسة الإسلام في العصر الحديث
    - الرابطة الأوروبية لدراسات الشرق الأوسط
المبحث الرابع: التجربة الروسية
-     الدراسات الاستشراقية
-     معهد دراسات الولايات المتحدة وكندا
المبحث الخامس: التجربة الإسرائيلية
    - الجامعة العبرية بالقدس
    - جامعة تل أبيب
                - معهد شيلواح للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية.
-مركز موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
الفصل الثاني:الدراسات الإقليمية في آسيا(اليابان و الصين وماليزيا)
   المبحث الأول :التجربة اليابانية
   - الاستغراب ونشأة الدراسات الإقليمية ودراسات الشرق الأوسط
    -مشروع دراسة المدنية في الإسلام
    -مشروع دراسة المناطق الإسلامية
    -الدراسات الإقليمية بجامعة طوكيو
  المبحث الثاني:التجربة الصينية
-     الدراسات الأمريكية
-     معهد دراسات غرب آسيا وشمال أفريقيا
  - مركز الدراسات الأوروبية بجامعة شاندونج
    المبحث الثالث: ماليزيا- كرسي إدوارد سعيد لدراسات الغرب
الفصل الثالث: حاجة المملكة للدراسات الإقليمية ومراكز البحوث
المبحث الأول: حاجتنا الملحة للدراسات الإقليمية
المبحث الثاني: الإمكانات الحالية وخطوات التنفيذ
الخاتمة


بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
       المعرفة كنز ثمين وهي أهم ما تملك أي أمة من الأمم، ولذلك عندما قامت الدولة الإسلامية في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم حرصت على المعرفة والعلم من أبسط أشكالها وتمثل ذلك في محاربة الأميّة كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم حين جعل فداء أسرى بدر تعليم بعض المسلمين القراءة والكتابة، إلى معرفة اللغات التي كانت الدولة الإسلامية بحاجة إليها. وكان من ذلك أن كلّف الرسول صلى الله عليه وسلم الصحابي زيد بن ثابت رضي الله عنه بتعلم لغة يهود واللغة السيريانية.
        ودأبت الأمة الإسلامية وهي في أوج عزها وحضارتها على التعرف على الأمم والشعوب الأخرى من خلال الترجمة التي بدأت في عصر الدولة الأموية ومنذ وقت مبكر، ثم من خلال الأعداد الكبيرة التي دخلت الإسلام من مختلف الشعوب والقوميات والأعراق. وبالرغم من هيمنة اللسان العربي حيث أصبحت لغة الحضارة العالمية هي اللغة العربية لكن اللغات الأخرى بقيت حية ومستخدمة لدى أصحابها وبخاصة أن الأمة الإسلامية لم تعرف الاستئصال والتدمير للقوميات والأعراق الأخرى، بل أفادت مما لدى الأمم الأخرى.
        وفي العصر الحديث ومع بداية النهضة العلمية في العالم الإسلامي انطلقت البعثات العلمية إلى الدول الأوروبية كفرنسا، ثم إلى بريطانيا وألمانيا وبقية الدول الأوروبية ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية تكون لدينا أعداد هائلة من الباحثين والعلماء الذين يعرفون تلك البلاد.
        ولكننا لم نستثمر هذه المعرفة الاستثمار الصحيح، فلم ينشأ لدينا مراكز بحوث للتعمق في دراسة الشعوب الغربية والحضارة السائدة في هذا العصر بل بقينا عالة عليهم في المجال الفكري والثقافي. بالإضافة إلى أنه لم تنشط لدينا حركة الترجمة كما ينبغي. فقد ذكر تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية في العالم العربي أن ما يترجم في اليونان وحدها يوازي ما يترجم في العالم العربي كله.
        كما أننا لم نفد من أبناء الأمة الإسلامية الذين يعيشون بين أظهرنا فقد عرفت الجزيرة العربية وبخاصة الحجاز هجرات من كل أنحاء العالم الإسلامي، وكذلك بعض الدول العربية المجاورة. ففي مكة المكرمة والمدينة المنورة مسلمون من أبناء جمهوريات الاتحاد السوفيتي (سابقاً)، ومن الصين، ومن بورما ومن أفريقيا من مختلف دولها. وقد استعانت إحدى الجامعات السعودية بباحث من بلد عربي شقيق ليكون خبيراً بلغة الأوردو والفارسية حوالي عشرين سنة. وكم كنت أتمنى لو أن الجامعة ابتعثت أحد طلابها من جذور هندية أو باكستانية لدراسة لغة الأوردو والحصول على الماجستير والدكتوراه بل ربما تكون لدينا نواة قسم للدراسات الأردية.([1])
        ما العمل ونحن نعيش فترة العولمة وثورة الاتصالات والمواصلات؟ هل نبقى نعتمد على الغرب فيما يخبرنا عن حضارته ومدنيته وحياته الاجتماعية والسياسية والثقافية؟ هل يمكن لنا أن نبني مواقفنا الفكرية والسياسية والاقتصادية على معلومات يقدمونها لنا؟
        ويمكننا أن نشير هنا إلى جهود بعض الأقسام والمراكز في بعض الجامعات المصرية كلية اللغات الشرقية بجامعة عين شمس، وجامعة القاهرة وكذلك مركز الدراسات الأسيوية بجامعة القاهرة أيضاً. وهذه المراكز والأقسام تبذل جهوداً طيبة ولكنها لم تصل بعد إلى الغاية  الغاية المطلوبة من إنشاء أقسام عليمة ومراكز بحوث لدراسة الشعوب والأمم الأخرى. أما ما أعلن عنه قريباً من إنشاء مركزين في الجامعة الأمريكية بالقاهرة وآخر ببيروت. ولكن سيبقى المشروع لم يتحقق لأنك ستدرس أمريكا بالمناهج الأمريكية وإن لم يكن كذلك فنحن في دائرة الفكر الغربي والمنهج الغربي. وكم كنت أتمنى لو كانت تلك المنح لجامعات عربية إسلامية، وكنت أتمنى لو لم تكن البيروقراطية والروتين حائلين دون تقديم هذه المنح([2]). وإن كنت على يقين أن الإصرار والمحبة كانا كفيلين بتخطي مثل هذه العقبات. أما ما يوجد في بعض الجامعات المصرية من مراكز لدراسة اللغات الشرقية أو اللغات عموماً فلا يرقى إلى طموحنا من تكوين مراكز لدراسة الشعوب والأمم في جميع النواحي وإن كانت خطوة طيبة في هذا المجال.
        واليوم والحملة الغربية تشتد ضد الإسلام والمسلمين في الغرب وإن حمل كبرها الإعلام الغربي لأنه ينهل من الدراسات الاستشراقية كما يشارك عدد من المستشرقين في هذه الكتابات. بل بلغ الأمر ببعض المستشرقين أن كان لهم دور في صناعة القرار السياسي المحرض ضد الدول العربية والإسلامية ومقللاً من شأنها ومكانتها ومن ذلك على سبيل المثال الاحتلال الأمريكي للعراق وضرورة التعامل مع العرب بالقوة.
        ومما يؤكد أهمية أن ننطلق في إنشاء أقسام أو مراكز لدراسة المناطق ما دعا إليه كل من الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي (وزير خارجية الجزائر سابقاً)، والدكتور جون اسبوزيتو (مدير معهد التفاهم الإسلامي النصراني بجامعة جورجتاون بواشنطن العاصمة الأمريكية) في محاضرتيهما في مهرجان الجنادرية لعام 1423هـ حيث قال الإبراهيمي في محاضرته ما نصه: "فإن الحوار مع الطرف الآخر يفترض معرفته وأقترح بتوجيه الطلبة إلى الدراسات الغربية، فنؤسس في جامعاتنا كراس "للاستغراب" حتى نتعلم لغات الغرب ونُلمّ بأحواله ماضياً وحاضراً"، بل إن الإبراهيمي أضاف بأنه يتمنى لو أنه لم يخرج من محاضرته إلاّ بأن يقتنع شاب سعودي واحد بضرورة دراسة الغرب لكان هذا نجاحاً بالنسبة له.
        أما الدكتور جون اسبوزيتو فقد قال في معرض الرد على بعض الأسئلة حول تناوله للإسلام والمسلمين بأنه يتساءل أين المسلمون الذين تخصصوا في دراسة النصرانية أو اليهودية أو الشعوب الغربية ليكون الحوار معهم، بدلاً من أن يظل الغرب هو الذي يدرس الشعوب الأخرى، وضرب المثال بنفسه حيث كتب عشرات الكتب حول الإسلام والمسلمين.
        ونحن حين ننطلق في هذا المشروع ليس عداوة للغرب كما يقول بعض الغربيين الذين يرون إن "الاستغراب" إنما هو "حرب ضد فكرة معينة في الغرب وهي ليست خاصة بالمسلمين المتطرفين، فالجهاديون الحاليون يرون الغرب على أنه أقل إنسانية ويجب تحطيمه كما لو أنه سرطان. وهذه الفكرة لها جذور تاريخية تسبق كثيراً الإمبريالية الأمريكية والعداوة نفسها قد وجهت ضد بريطانيا وفرنسا وبالدرجة نفسها تجاه أمريكا"([3]) وإنما لحرصنا على معرفة الشعوب الأخرى ولمعرفة الغرب وحضارته بعمق حتى نأخذ من حسناتها ونترك سيئاتها، وكذلك لأننا أمة الشهادة كما قال الله عز وجل (وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً)([4])
        ولما كانت دراساتنا ليست مقابل الاستشراق فإننا لن نتخذ المناهج الاستشراقية التي نادوا بها ولم يطبقوها حقيقة ولكن سيكون لنا مناهجنا الخاصة بنا القائمة على الصدق والحق والعدل والإنصاف والنزاهة. كل ذلك حتى لا نقع في الأخطاء التي انتقدناهم فيها. ولن تكون دراسة الغرب بمناهجه كما قال مصطفى السباعي رحمه الله حين تحدث عن الكتابة عن الغرب بقوله:"سيأتي يوم ننقلب فيه نحن إلى دراسة تراث الغربيين ونَقْد ما عندهم من دين وعلوم وحضارة، وسيأتي اليوم الذي يستعمل فيها أنباءنا وأحفادنا مقاييس النقد التي وضعها هؤلاء الغربيون في نقد ما عند هؤلاء الغربيين أنفسهم من عقيدة وعلوم.."([5])
        بل إن بعض الكتاب العرب المسلمين وغير المسلمين يرون أن العالم العربي الإسلامي ليس مؤهلاً بعد لدراسة الغرب لأننا في نظر هذا البعض لم نمر بالمراحل الفكرية والسياسية التي مرّ بها الغرب، كما أننا غير مؤهلين من الناحية المنهجية.  ولا أعتقد أن حجج هؤلاء تقف في وجه البحث العلمي الصادق والنزيه([6]). فقد ظهر من الباحثين العرب المسلمين من أبدع في فهم الفكر الغربي والأدب الغربي وكذلك في القانون وفي  الطب وفي الفلك والفيزياء وغيرها من العلوم. بل مازلت أذكر حديث الدكتور رشدي فكّار –رحمه الله- حين تحدث عن تخصصه في الفكر الشيوعي حتى إن قطبي الشيوعية كانا يستعينان به في فض بعض الخلافات المذهبية.([7])
        وقد رددت سابقاً على من يرى أننا لسنا مؤهلين لدراسة الغرب بقولي:" هل من الضروري أن يمر المسلمون بالأدوار الفكرية والفلسفية التي مرّ بها الغرب حتى نفهمه؟ وهل من الضروري أن نَنْقُدَ القرآن الكريم والسنّة المطهّرة وفقاً لنقد النص الذي قام به الغربيون لنصوصهم"المقدسة" حتى يمكننا أن نعرفهم؟"([8])
        وفي الصفحات القادمة سأقدم نماذج من اهتمام الدول الأخرى بدراسات الأقاليم للإفادة من تجاربها وذلك في ثلاثة فصول يتناول الفصل الأول الاهتمام بدراسات المناطق وبخاصة العالم الإسلامي في الدول الغربية وقسمت هذا الفصل إلى عدة مباحث تناولت فيه الاهتمام بهذا الأمر في كل من بريطانيا وأمريكا وهولندا وروسيا وإسرائيل. وفي الفصل الثاني تناولت دراسة المناطق في كل من اليابان والصين وماليزيا. أما الفصل الثالث فقد خصصته للحديث عن أهمية هذه الدراسات للمملكة العربية السعودية في مبحثين. بدأتها بحاجتنا الملحة لوجود هذه الدراسات والثاني الجهات التي تحتاج إلى خريجي هذه الأقسام، وكذلك  الإمكانات المتوفرة حالياً لإنجاز هذا المشروع. والله الموفق.



[1] 1- الأستاذ الدكتور سمير إبراهيم نوح في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية من عام 1405إلى بداية عام 1425هـ
1- كما أخبرني  الدكتور سمير عنبتاوي مستشار مجموعة المملكة القابضة الثقافي في حديث خاص في منزل المستشار الثقافي في سفارة اليابان بالرياض قبل أسابيع..
[3] - Ian Buruma. "The Origin Of Occidentalism". In The Chronicle
Section: The Chronicle Review,Volume 50, Issue 22, Page B10.http://www.the chronicle.com
2- سورة البقرة آية 143.

انظر كذلك دراسات أخرى لباحثين غربيين يرون أن دراستنا للغرب إنما هي نوع من الانتقام ، وأننا ننطلق من رأي أن الغرب مجتمعاته منحلة ومتفسخة وأسرته منهارة وأخلاقه محطمة، وغير ذلك ومن هذه الدراسات ما يأتي:
1-Jacke Becker."Ian Buruma and Avishai Margalit. Occidentaqlism:The West in the Eyes of its Enemies. Rashid Khalidi/ Resurrecting Empire: Western Footprints and America's Perilous Path in the Middle East. "To Be Read" Book Review  Column. October 2004. in www.cceia.org
Site of Carnegie Council of Ethics and International Affairs.
2-Stein Tonnesson, Research  Professor at NIAS found at the site www.



1-مصطفى السباعي. السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي"ط2(بيروت: المكتب الإسلامي) 1396هـ/1976م. ص 24
2- انظر كتابي الغرب من الداخل:دراسات للظواهر الاجتماعية .(الرياض: 1425هـ) المقدمة
2 – شريط محاضرة العالم العربي بين المتغيرات والثوابت ، محاضرة ألقيت في الكويت.
3- مازن مطبقاني. الغرب من الداخل:دراسة للظواهر الاجتماعية.ط2(الرياض: المؤلف، 1425هـ/2004م) ص 26 وما بعدها.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية