المرأة المسلمة والفكر الاستشراقي -أ. عقيلة حسين


الأستاذة عقيلة حسين

المؤسسة: كلية أصول الدين

           - جامعة الجزائر-

 
الملخص:

إن إنتاج المستشرقين وافر وضخم، فقد طرقوا كل ناحية من نواحي ثقافتنا، وعالجوا كل أمر ذي بال، وشأن في ديننا وحضارتنا، فقد تناولوا بالدراسة، كل مجالات العلوم الإسلامية من قرآن، وسنة وسيرة وحياة الرسول صلى الله عليه وسلم والفقه والأصول، وأحوال المجتمع والمرأة بالدراسة والبحث والتحليل، سجلوا كل ذلك في مؤلفاتهم تسجيلات موجزة أحياناً، ومسهبة أحياناً أخرى، دقيقة تارة وسطحية تارة أخرى، ونزيهة تارة، ومغرضة أطواراً.

كما أنهم قد يكونون في الكثير من الأحيان، أكثر إحاطة بالمصادر، وأبصر بمواضع النقد، وأشد جرأة على النقد، وإبراز العيوب، وإلصاقها بالإسلام والمسلمين.

كما نشروا الكثير من كتبنا القديمة، ووضعوا المئات من الدراسات على تاريخنا السياسي والحضاري، بكل مظاهرة وبواطنه، ومن ذلك المرأة المسلمة من عصر الرسالة إلى الآن.

 

فئات المستشرقين:

1-   فئة من المستشرقين مخلصون للعلم، أوفياء للحقيقة، لهم ثقافة واسعة، واطلاع كبير على العلوم الإسلامية، من تاريخ وأديان ولغة وغيرها، ولهم وفاء للبحث العلمي وتحرر وإنصاف، فكانت دراستهم مثمرة.

2- فئة أخرى من المستشرقين مؤيدون للاستعمار والأساليب الجهنمية التي يستعملها ضد المسلمين، بل هم الوسيلة المهمة والمعين الكبير للاستعمار، فهم الذين يزودون الاستعمار بكل خبايا المجتمعات الإسلامية، التي عرفوها من خلال تجاربهم ودراساتهم لتفاصيل الحياة الشرقية. وأحوال المجتمعات ومواطن الضعف وموضع النقص. فأثرت في دراساتهم مآرب السياسة والتعصب الديني، فوجهوا الحقائق وفسروها بما يوافق أغراضهم. ومن المؤسف أن يسخر هؤلاء العلم الذي يسمو به الإنسان، لإذلال الإنسان أو استبعاده أو الطعن في تراثه وعقيدته بغير حق.

3-   مستشرقون ينشدون للعلم، والبحث عن الحقيقة، إلا أنهم كثيراً ما تنتهي النتائج التي يصلون إليها إلى الخطأ، وتكون الاستنباطات ضالة، وقد تنبه إلى هذا الحقيقة أحد المستشرقين فقال ( إن الباحثين الغربيين الذين يريدون التغلغل في العلوم الإسلامية يلقون عقبات كئود آتية من أن هذه أنها تستخدم، وسائل البحث ي بالنسبة إليهم أجنبية، لأنها تتجاوز ذلك الإطار الضيق الذي يحدق بالعلوم التجريبية الغربية). نظرات استشراقية في الإسلام –محمد غلاب- ص: 14 فباستثناء القلة القليلة من النزهاء من المستشرقين، فإن الاستشراق يشكل الجذور الحقيقية التي كانت ولازالت تقدم المدد للتنصير وللاستعمار، فالاستشراق هو المنجم والمصنع الفكري الذي يمد المنصرين والمستعمرين بالمواد يسقونها في العالم الإسلامي لتحطيم عقيدته، وهدم أفكاره.

فالاستشراق جزء لا يتجزأ من قضية الصراع الحضاري، بين العالم الإسلامي، والعالم الغربي، فقد قال "أيوجين روستو": وهو رئيس قسم التخطيط بوزارة الخارجية الأمريكية عام 1967م ( بجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا، وبين الشعوب العربية، ليست خلافات بين دول أو شعوب، بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية، والحضارة المسيحية، لقد كان الصراع محتداً ما بين الإسلام والمسيحية منذ القرون الوسطى، وهو مستمر حتى اللحظة وبصور مختلفة. ومنذ قرن ونصف خضع الإسلام لسيطرة الغرب، وخض التراث الإسلامي للتراث.

        (أنظر: قادة الغرب يقولون –جلال العالم- ص: 76).

 

المستشرقون والمرأة المسلمة:

لقد عالج المستشرقون كل الموضوعات، وخص اهتمامهم بالمجتمع والأسرة والمرأة المسلمة، فكتبوا الكثير عن أمهات المؤمنين –رضي الله عنهن- وكتبوا عن عائشة بنت طلحة، وعن سكينة بنت الحسين، وعن تعدد الزوجات، ونصيب المرأة في الميراث، وعن الحجاب، وعن سيطرة الرجل على المرأة والأسرة وعن وحشية الرجل العربي تجاه المرأة وغيرها من الموضوعات. ولم يتصف المستشرقون المرأة المسلمة، عبر كتاباتهم الخاصة وعبر الاعتماد على المصادر العربية.

فهم إن اعتمدوا على المصادر على المصادر العربية، اعتمدوا على كتب مشبوهة غير موثوقة، وقد حذر منها العلماء الثقاة ككتاب ألف ليلة وليلة الذي لا يعرف مؤلفه، وحذر منه العلماء، إلا أن المستشرقين اهتموا به كثيراً. فقد أفردوا لهذا الكتاب 35 صفحة في دائرة معارفهم، وأكثر من عشرين من عتاهم وعلمائهم أصدروا أبحاثاًَ ودراسات حول هذا الكتاب، الذي لا يمت بصلة إلى الإسلام وأهله. كما اعتمدوا كثيراً على كتاب الأغاني للأصفهاني اعتمد في كتابه هذا على روايات ضعيفة وموضوعة، وقد جرحت العلماء، وردوا كتابه هذا واعتبره الذهبي من المجروحين، وقال فيه ابن الجزري ( كان يتشيع ومثله لا يوثق بروايته ومن يتأمل كتابه الأغاني رأى كل قبيح ومنكر). أنظر المنتظم6، ص: 40-41.

كما اعتمدوا كثيراً على الروايات الضعيفة والموضوعة والأخبار الخرافية غير المحقة التي تضمنتها كتابات المسعودي والمقريزي والطبري في بعض الأحيان.

وإن لم يعتمدوا على المصادر العربية نسجوا من خيالهم القصص والروايات التي لا أساس لها من الصحة.

 

صورة من طعنات المستشرقين:

لقد بالغ المستشرقون كثير من الإساءة إلى المرأة المسلمة عموماً، وإلى من تعتبرهن قدوتها وهن نساء السلف. فقد أساء المستشرقون إلى أمهات المؤمنين بكلمات دنسة وبحقائق غريبة عن حياتهن وعلاقتهن برسول الله صلى الله عليه وسلم فهم أساءوا إلى أمهات المؤمنين بكلمات دنسة رعناء ضمنوها كتبهم، فقد جاء في الموسوعة البريطانية ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة (Concubines) وتعني السراري والمحظيات.

وقال المستشرق (غوستاف لويون): في كتابه حضارة العرب: ( وضعف محمد الوحيد هو حبه الطارئ للنساء، وهو الذي اقتصر على زوجته الأولى حتى بلغ الخمسين من عمره، ولم يجف حبه للنساء ولم يبال بسن المرأة التي يتزوجها، فتزوج عائشة وهي بنت العشر سنين، وتزوج ميمونة وهي في الحادية والخمسين من سنها، فأطلق محمد العنان لهذا الحب حتى أنه رأى اتفاقاً زوجة ابنه بالتبني وهي عارية، فوقع في قلبه منها شيء، فسرحها بعلها ليتزوجها محمد، فاغتم المسلمون فأوحى إلى محمد بواسطة جبريل الذي كان يتصل به يومياً آيات تسوغ ذلك، وانقلب الانقياد إلى سكوت، فهذا الكلام غير مسلم، ولم يقدروا مقام النبوة حق قدره ولم يصلوا إلى مفهوم تعدد زوجاته والحكمة من ذلك ولا الحكمة من زواجه من زينب رضي الله عنها – لقد نال المستشرقون كثيراً من زينب بنت جحش رضي الله عنها – وأثاروا شبهات كثيرة حولها، وحول زواجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هذه الأباطيل:

1.     تزوجه من حليلة ابنه مع نهيه عن التزوج من حلائل الأبناء..

2.     زواجه من زينب كان نتيجة حب وقع في نفسه عند رؤيته لها وخلوته بها عند غياب زوجها.

3.  إشارة القرآن الكريم إلى هذه العلاقة القلبية بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وزينب. ولهذا عاتب الله رسوله على كتمان هذا الميل القلبي النفسي.

4.     تصوير زينب بصورة المرأة التي تريد أن تثير الرسول الله صلى الله عليه بتبرجها، لفت انتباهه إليها.

5.     أنه صلى الله عليه وسلم رجل شهواني تذوب شخصيته في مخادع النساء.

كما أساءوا كثيراً إلى عائشة فقد جاء في دائرة معارفهم ( لقد قامت أزمة حادة نجمت عن الحادث الذي وقع أثناء وقع أثناء عودة النبي صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق، وقد صحبته عائشة وجلست عائشة تنتظر حتى عثر عليها آخر الأمر شاب جميل هو صفوان بن المعطل السلمي فعاد بها في حراسته إلى المدينة، وكان ذلك زلة كبيرة في الظروف التي كانت سائدة آنذاك، وخاصة وأن الحجاب كان قد فرض على زوجات النبي وكثر القيل والقال وجسم الأمر). وحكى بروكلمان في كتابه تاريخ الشعوب الإسلامية بطريقة أخرى أكثر مساسها بهذه الصحابية المبرأة فقال (فاتفق مرة أن أضاعت الزوجة المفضلة عائشة بنت أبي بكر قلادتها فخرجت تبحث عنها مساء. ففاتتها قوافل الغزاة، ولم تعد إلى المعسكر إلا في اليوم التالي، برفقتها شاب كانت قد عرفته من قبل. وتطرق الشك في إخلاص عائشة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فردها إلى أبويها، ولم يلبث أن برأها القرآن) ويقول عنها لا منس (إن عائشة كان لها ضلع في المؤامرات السياسية، وأنها كانت تؤثر في أحكامه)، أي أحكام الدين من القرآن والسنة.

لقد بالغ المستشرقون عن نق لعبارات غير متورعة، عندما يتحدثون عن شؤون رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تسلم منهم كذلك، أم المؤمنين سوده بنت زمعة فقالوا عنها (كانت سوده عندما تزوجت النبي صلى الله عليه وسلم قد ودعت الشباب، وأخذت تنقل وتثبط كلما تقدمت في السن، وبرم بها النبي حين أسنت وأهملها، وراح يقضي وقتا طويلا مع عائشة الصبية وطلقها في السنة الثامنة للهجرة، لكنها قعدت له وناشدته أن يردها، واعدة إياه أن تهب يومها لعائشة) دائرة المعارف د11، ص: 30.

والصحيح أن سوده وهبت ليلتها لعائشة قبل هذا التاريخ فمثل هذه المفاهيم الخاطئة كثيرة في كتب المستشرقين فالمفاهيم إذن مغرضة، والحقائق مشوهة، والافتراء كثير جدا سواء أكان من نسج الخيال، أو نقلا من الكتب غير الموثوقة والتشبث بالروايات الضعيفة والموضوعية.

كما أتهم المستشرقون أن المسلمين أخذوا من النظام الروماني الكثير من المبادئ، كالسلطة الأبوية، والسيادة الزوجية والوصاية على المرأة، وحجبها ومنعها من الخروج.

فهذا "إمورس Amos" يقول: إن الشرع المحمدي ليس إلا القانون الروماني للإمبراطورية الشرقية معدلا وفق الأحوال السياسية في الممتلكات العربية المدخل لدراسة الفقه الإسلامي – محمد يوسف موسى ص: 94.

إذن فالخلفيات الملموسة والجهود الكبيرة للحركات الاستشراقية، واضحة ترمي إلى تحقيق مجموعة أهداف خطيرة ترمي إلى هدم الأسرة، وتدمير المجتمع المسلم، ودفع المرأة إلى أن تكون أداة للأهواء والرغبات، وإخراجها من مكانتها ورسالتها، وتحطيم القيم الاجتماعية والنفسية في شأن العلاقة بين الرجل والمرأة. فهذا ريمون شار يقول: (إن خضوع المرأة لزوجها كان الأصل في قانونيا القديم. والنصوص التي اتخذتها الثورة الفرنسية انفردت بشن المساواة القانونية المطلقة. فعدلتها المجلة المدنية، التي حددت حقوق الزوجية ثم عادت المرأة شيئا فشيئا إلى اكتساب هذه الحقوق، بفضل القوانين اللاحقة، وهكذا لم تكتسب المرأة المساواة إلا بعناء.

أما المحتوى الهيكلي لمؤسسة الزواج الإسلامي، فإنها بقيت في وضعها القديم العتيق الذي يباين مصالح القرينين. فالمرأة لا تدخل في أسرة زوجها، وليس هناك شيوع في الأموال والحق يقال أن السيطرة تكون لرئيس الأسرة، وسيطرة الذكور مطلقة تغطي هذا التباين المزعوم وتجعله وهميا للغاية من حيث مفعوله مادي. فالسيد والمولى أنيطت بهما مسؤولية الدفاع على النظام الداخلي والخارجي للأسرة أضف إلى ذلك أن اقتصاد العشيرة المطلق يسوغ هذه الأساليب التعسفية التي تذهب النساء عادة ضحية لها، بسبب حرمانهن من الميراث (أنظر مناهج المستشرقين د 2 – ص: 153).


فالمستشرقون أهدافهم صريحة وواضحة ووسائلهم بينة منها:

1-   تشويه صورة القدوة لأمهات المؤمنين وغيرهن من النساء الصالحات الملتزمات بالعفة والحياء.

2-   الوصول إلى كسر حاجز العفة و العرض والخلق الذي يحمي المرأة من السقوط والانهيار.

3-   التركيز على الصحافة والقصة والمسرحية لبث ظلم الإسلام للمرأة، ووحشية الرجل المسلم.

فإذن لم تسلم المرأة المسلمة من دسائس المستشرقين، ولا غرابة فهي مستهدفة كثيرا في مشروعهم التخريبي، الذي لا يمكنه أن ينجح إلا لم تحطم المرأة، وتصبح وسيلة سهلة بأيديهم.

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية