حوار مع فيتالي ناؤمكين Vitaly Naumkin


الإسلام وسلطة الدولة في الشرق الأوسط ووسط آسيا



أجرى الحوار هاري كريسلرHary Kreisler معهد الدراسات الدولية بجامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي.

ترجمة مازن مطبقاني

مرحباً بكم في حوار مع التاريخ. أنا هاري كريسلر من معهد الدراسات الدولية ضيفنا اليوم هو فيتالي ناؤمكين رئيس المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والسياسية في موسكو، ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية. هو أيضاً محرر مشارك في مجلة فوستوك أوريون وهي مجلة تصدر عن أكاديمية العلوم الروسية. والضيف أستاذ زائر في قسم العلوم السياسية بجامعة كاليفورينا بمدينة بيركلي لهذا الفصل الدراسي حيث يقوم بتدريس مادة علمية.

ويتكون اللقاء من الفقرات الآتية:

-الخلفية الشخصية

-الإسلام

-الرؤى الروسية للإسلام

-الوضع العراقي

-الخاتمة

 


الخلفية الشخصية


·       أين ولدت ونشأت؟

ولدت ونشأت في مدينة  يكاتيرنبيرج Yekaterinburg، وهي المدينة نفسها التي ُوِلد فيها بوريس يلتسن أول رئيس لروسيا، وهي مدينة معزولة جداً لأنها كانت المكان الرئيس الذي تركز فيه جزء كبير من الصناعات الحربية للاتحاد السوفيتي (سابقاً). ولذلك كنا نحس بأننا منعزلون عن العالم لأنه لم يكن هناك أجانب عندما كنت شاباًً. وفي مدرستي كانت معارفنا حول العالم قليلة جداً جداً. وهذه المعارف حصلنا عليها من خلال التلفاز ومن وسائل الإعلام ومع ذلك كنّا معزولين جداً. ولذلك كان اختياري الذهاب إلى موسكو لدراسة العلاقات الدولية والشرق الأوسط أمراً غير عادي.

·       قبل أن نتحدث عن ذلك أخبرنا كيف صاغ والداك رؤيتك للعالم. هل كنتم تتحدثون كثيراً عن العالم؟

لا، لقد دهشا لاختياري لأنهما كانا يعداني لوظيفة أخرى. لقد كانا من أهل المسرح. فقد كان والدي مديراً للباليه في المسرح المحلي وكانت هذه هي خلفية أسرتي. وكان جدي ضابطاً في الجيش القيصري، ومات منذ سنوات عديدة. وكان والدي في البداية راقصاً عظيماً في موسكو، وبعد ذلك ذهب إلى سيبيريا لسبب ما، واستقر في سفيردسلوسكSverdslock وأصبح مديراً للباليه واستطاع أن يواجه تلك السنوات الصعبة، وأمي كانت أيضاً راقصة في المسرح، ولم يكونا مهتمين كثيراً بالسياسة وكانا مهتمين بقراءة الأدب والروايات والفنون. قرآ الكثير وكانا مهتمين بكل شيء، ولكن يهتما بالسياسية احترافاً. وعليه فإن اهتمامي بالتاريخ والعلاقات الدولية في العالم كان مبنياً على تعليمي الذاتي وقراءاتي.

·       هل ذهبت إلى موسكو وكان لديك ميل إلى الدراسات الدولية أو أنك اكتسبت هذا الاتجاه فيما بعد؟

لقد اكتسبت ذلك عندما كنت في يكاتيرفبيرج، وقررت الذهاب.

 وعندما تخرجت من المدرسة الثانوية ذهبت إلى جامعة موسكو حيث درست التاريخ والعلاقات الدولية كتخصص رئيس ودرست أيضاً اللغة العربية كواحد من تخصصاتي.



·       ما الذي جذبك إلى الشرق الأوسط كموضوع للدراسة؟

الله أعلم. لقد كان الشرق في تلك الأيام مثيراً وقرأت الكثير عنه. لقد وجدته جذاباً ومشوقاً جداً بصورة غير عادية. ربما بسبب حقيقة أنه كان بعيداً جداً من المكان الذي عشت فيه ونشأت فيه. لقد وجدت الشرق الأوسط ممتعاً جداً وبخاصة التاريخ واللغة والثقافة. لقد كنت أحلم بذلك.

·       ما السنة التي حصلتَ فيها على درجة الدكتوراه؟

حصلت على الدكتوراه عام 1972م.

·       ومن الواضح أنه كانت لديك إمكانات لغوية فأنت تتلكم العربية والفرنسية والإنجليزية والروسية.

نعم ودرست الفارسية قليلاً ولغة نادرة أيضا في المنطقة لغة جزيرة نائية في المحيط الهندي وهي اللغة السقطرية، كانت هوايتي أن أدرس هذه اللغة وأسافر إلى هناك.

·       للقيام بالبحث؟

نعم لقد قمت ببعض البحوث ونشرت عدة كتب عن هذا الأمر.

·       إن تعليمك وتركيزك على الشرق الأوسط حدث عندما كان الاتحاد السوفيتي قائماً ولذلك فإنني أرغب في معرفة كيف أثر سقوط الاتحاد السوفيتي وسقوط الشيوعية عليك شخصيا والطريقة التي ترى بها العالم؟

     لا، لأن تفكيري لم يتغير ويمكنني القول إنه أثّر في رؤيتي للعالم. فقد كنت دائماً مؤيداً للتغيرات الليبرالية في بلادنا وفي كل أنحاء العالم. ولكن انهيار الشيوعية غيّر أوضاعنا كباحثين لأن كل شيء كان يتم بدعم الدولة وتوجيهاتها قبل انهيار الاتحاد السوفيتي. لقد كان صعباً لبعض الناس أن يجدوا مكانهم في الحياة الجديدة.

     لقد كان صعباً نوعاً ما، ولكن كان مثيراً أن يعيش الإنسان بطريقة مختلفة. أعتقد أنني كنت قادراً بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أن أجد مكاني في هذا العالم. إن اتصالاتي الدولية ساعدتني كثيراً، واهتمامي لم يكن منصباً على الشرق الأوسط وحده ولكن كان لدي أيضاً اهتمام بأواسط لآسيا ودول القوقاز لأنني كنت مهتماً بكل المناطق الإسلامية. ولذلك كنت مهتماً بالإسلام وكان جزءاً من بحوثي قبل انهيار الاتحاد السوفيتي. وربما بعد الانهيار اهتممت أكثر بالدول المستقلة الجديدة أو الجمهوريات السوفيتية السابقة بسبب أنها أصبحت من العالم الإسلامي.

·       لدي رغبة في معرفة كيف تطورت كليبرالي في حقبة الاتحاد السوفيتي. هل هو بسبب كونك أكاديمي أو بسبب نوعية القراءات التي كنت تقوم بها أو ماذا؟

     أعتقد أن سبب ذلك يعود جزئياً لأسباب شخصية لأنني كنت أكاديمياً، وبسبب كوني كنت أتعامل مع قضايا لم تكن أيديولوجية إلى حد كبير بالسبة للحكومة وللحزب وتتعلق بأجزاء أخرى من العالم . ومثال على ذلك الدراسات الأمريكية والدراسات الأوروبية أو الدراسات السوفيتية أو التاريخ الروسي أو مشكلات روسيا. ولذلك لم تكن رؤيتي حول روسيا جزءاً من بحوثي. فما كنت أقوم به من بحوث كان حول الشرق الأوسط ووسط آسيا والقوقاز والإسلام. ولذلك أعتقد أن الدراسات الاستشراقية التي كنت مختصاً فيها(على الأقل حتى انهيار الاتحاد السوفيتي حينما أصبحت مهتما بالسياسة الروسية ومشكلاتنا الداخلية كذلك) لم تكن محكومة بالشكل الذي عليه الدراسات المتعلقة بالسياسة الروسية والمشكلات الداخلية. لقد كان هناك فرصاً أكبر للتعبير عن النفس في هذه الدراسات.



الإسلام

·       وبهذه الخلفية، وبسقوط الاتحاد السوفيتي وأهمية وسط آسيا في الوعي  العالمي منذ الحادي عشر من سبتمبر كيف تقوم التجربة السوفيتية في وسط آسيا لإدخال العصرنة إلى حياة تقليدية جداً؟

أعتقد أنه كما في حالة كل تجربة استعمارية، هناك توازن بين الجانبين السلبي والإيجابي لها فمن ناحية نمتدح التجربة لما أدخلته من تحديث، لأن تلك الدول كانت كما نراه في أفغانستان. لقد كانت مناطق قبلية ذات اقتصاد وبنى اجتماعية متخلفة. فعندما جاءت روسيا إلى أواسط آسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في حقبة الإمبراطورية الروسية كانت الفكرة أو المفهوم للتحديث تقريباً ناجحة، وحتى بعد الثورة وتحت الحكم السوفيتي. وبالطبع كان هناك جوانب سلبية كثيرة للتحديث، ولكنها لا تختلف عما فعله الحكم السوفيتي لكل أجزاء الاتحاد السوفيتي بما في ذلك روسيا. ولكن فيما يتعلق بمناطق الاتحاد السوفيتي ولا سيما الجمهوريات السابقة فإن التحديث كان من أبرز الإنجازات للنظام القديم بالرغم من كل تلك الجوانب السلبية التي نعرفها جميعاً.

·       هل تعتقد أن مبادئ العقيدة الإسلامية متوافقة مع التحديث والعصرنة؟ ويتساءل المرء أحياناً عمّا إذا كان التوافق نتيجة لما ارتكب ضد العالم الإسلامي إما من قبل الإمبريالية أو الرأسمالية أو الشيوعية في ظل الاتحاد السوفيتي أو عمّا إذا ما كان هناك أجزاء أخرى من مبادئ الإسلام غير متوافقة مثلاً مع متطلبات التحديث مثل فصل الدين عن الدولة والحكومة.

    إنه سؤال صعب. أعتقد أن الإسلام يمكن ربطة بالتحديث ويمكن تحديثه. لا نستطيع أن نقول أن أي دين غير متوافق مع التحديث لأن كل الأديان مختلفة، ولكن الأديان الإبراهيمية- متشابهة. وفي الوقت نفسه الإسلام دين خاص جداً لأنه يربط الدولة بالدين إلى حد كبير. إن مفهوم الدولة والحكم كان دائماً جزءاً من التعاليم الإسلامية، وكانت الدولة الإسلامية الأولى – دولة الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) دولة دينية. وهذا أحد الأسباب التي يبدو فيها الإسلام مسيطراً على الجزء الأكبر من حياة الفرد ومسيطراً على الدولة كذلك.

     ولذلك إلى أي مدى يمكن أن تتحقق العصرنة في البلاد الإسلامية؟ نعرف بأنه يوحد الكثير من دعاة التحديث في الإسلام. هناك الكثير من المفكرين بداية من القرن التاسع عشر الذين كانوا يحلمون بتنظيم الإسلام في كل مكان ابتداءً من محمد عبد ه في مصر، وكذلك في روسيا وفي أواسط آسيا. وكان موجوداً ما يعرف بالجد الذين كانوا محدّثين والكثير من المجموعات التي كانت تحلم بتحديث  العالم الإسلامي.  وما يعرف بالنهضويين الذين كانوا أصوليين يهدفون إلى إحياء فكرة الدولة الإسلامية والعودة إلى الأيام الخوالي للدولة الدينية الأولى في العالم الإسلامي.

     أعتقد أنه غير المنطقي أن نفرض التغيرات على العالم الإسلامي بالقوة أومن الخارج. فكلما ضغطت على العالم الإسلامي فإنك توجد أرضية أوسع للأصوليين والتقليديين لاستغلال الوضع ليدافعوا عن قيمهم.إنّ أي مجتمع في العالم الإسلامي هو مجتمع تقليدي لاسيما لو كان مجزءً وتقاليده جزء من هويته. إنك لا تستطيع أن تنظم نوعاً من الغزو الثقافي. إن الضغط الثقافي الناتج من زيادة التطور هو في حد ذاته كبير لدرجة أن أصبح عند الناس رد فعل ضده. إنهم يحاولون حماية قيمهم. وهذا يوجد الأرضية للتعبئة السياسية من جانب قوى الشر التي تريد أن تستغل الوضع للوصول إلى السلطة. إنهم يفكرون بالسلطة و لاشيء غير السلطة.

·       دعنا نناقش الحرب الباردة والديناميكية التي قادت الاتحاد السوفيتي ليغزو أفغانستان وقادت الولايات المتحدة الأمريكية للرد على ذلك الغزو. فما تبع ذلك كان عقداّ من الصراع السري والعلني. وفي المقابل ماذا كانت أهمية الدينامكية والتدمير الذي حدث لخلق الوضع الحالي الذي يبدو فيه أن الأصوليين هم أصحاب اليد العليا على الأقل، كما يقدم الإسلام نفسه عالمياً؟

    إن غزو أفغانستان كان من أكثر أخطاء الحكومة السوفيتية جدية ومأساوية، لقد كان أكثر من خطأ، لقد كان في الحقيقة جريمة. إنه لم يخدم أي من مصالح شعب الاتحاد السوفيتي في تلك الأيام وحتى النظام نفسه، ذلك أنه ساهم في انهيار الاتحاد السوفيتي عموماً. لقد خلق الكثير من المشكلات لسنوات عديدة بين الروس والعالم الإسلامي كذلك.

    إن الذاكرة التاريخية قوية جداً في المجتمعات التقليدية والتاريخ موجود في قلوب وأرواح الناس في تلك الدول، والناس لا ينسون مآسي الحرب. ولكن النتيجة السلبية {المباشرة} والتي كانت بسبب عقلنة ومنطق الحرب الباردة أيدت الولايات المتحدة القوى الإسلامية التي لم تكن فقط تقاوم الاتحاد السوفيتي كغاز – كانت تلك القوى الإسلامية على حق في محاولة فعل ذلك- ولكنها في الوقت نفسه ضد التحديث؟ هذه القوى التقليدية كانت إحيائية وأصولية تعمل ضد عملية تحديث البلاد المفروضة من السوفيت في تلك الأيام. وبغض النظر عن الشيوعية أقول بأنه كان من المستحيل أن تتخيل أن أفغانستان قد تتحول إلى دولة شيوعية.

·       لهذا أنت تتحدث عن سياسات القوى الكبرى؟

نعم، ولكن النتيجة كانت من ناحية العامل الأساس لانهيار الاتحاد السوفيتي، أزمة رئيسة لروسيا ما تزال قائمة. ومن ناحية أخرى أصبح لدينا حركات إسلامية أصولية قوية مؤيدة من الغرب من تلك الأيام عندما كان {القادة الغربيون} يرحبون بأن يحارب أسامة بن لادن ضمن صفوف أولئك الذين ساعدهم الغرب، والذين وجدوا تمويلاً من السعودية، ودعماً عسكريا من باكستان، وكانوا مؤيدين من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

·       ما الدور الذي تراه للسعودية في إضافة   مزيد من الإثارة لما حدث في تلك المناطق؟

السعودية بلد مهم جداً؟ إنه مهم لأنه مهد الوهابية، التي هي نوع خاص من الإسلام الخالص بالرغم من أنهم لا يرغبون أن يطلق عليهم وهابيين بل سلفيين أو أتباع الإسلام الأصلي أو إسلام الدولة الأولى. إن السعوديين طالما أيدوا كل أنواع الحركات التي تدعوا إلى الصحوة والأصولية في العالم.

     وبالمناسبة يقول السعوديون الآن أن الغرب مدين لهم على الأقل في أمرين: لقد تحدثت إلى أحد أعضاء الأسرة الحاكمة، فقال:" الغرب مدين لنا بأمرين: الأول ساعدنا الولايات المتحدة في تنفيذ خطة مارشال لأننا قدمنا لأوروبا بترولاً رخيصاً، وثانياً وساعدناهم في تحرير أوروبا وروسيا أيضا من الشيوعية، لأننا ساعدنا نضال المجاهدين في أفغانستان. لقد فجرت الوضع كله وتحررت أووربا الشرقية من الشيوعية.

    هذا صحيح جزئياً ولكن ما هي خطة هؤلاء السعوديين؟ إن لديهم خطة مختلفة. إن العائلة الحاكمة التي حدّثت جزءاً من المجتمع، لها علاقات صداقة مع الغرب. ولديهم أيضاً خطتهم في تحديث المجتمع والاحتفاظ في الوقت نفسه بالقوة في أيديهم. ولكن هناك كثير من القوى داخل مجتمعهم ولهم أجندة مختلفة في بناء دولة إسلامية في العالم كله ويدعمون أولئك الذين يعملون كإرهابيين ضد –عملياً – ضد الحضارة الإنسانية.

·       هل ثمة شيء آخر غير الأثر الذي تركه السعوديون والنزاع الثنائي بين السوفيت والولايات المتحدة ما الشيء الآخر الذي تعتقد هو الذي يقود الديناميكية والتي تقود إلى تقوية الحركة الأصولية العالمية؟

      هناك العديد من العوامل الاجتماعية السياسية بما في ذلك الفجوة الكبيرة بين الدول المختلفة والمناطق المختلفة والقوى الاجتماعية المخلتفة. كثير من هذه الدول يحكمها طغاة ونقص واضح في الديموقراطية في هذه الدول وأحياناً غياب أي عنصر من الديموقراطية. وأيضا لا يوجد أي مشاركة من الشعوب ولا مشاركة على الإطلاق في صناعة القرار. لا يمكن تمثيلهم بأي شكل.

     إن مشكلة التعبير عن الذات قوية لدرجة أن الناس يجدون في البديل الإسلامي شيئاً يمكنه أن يغير في أوضاعهم وفي حياتهم. إنهم غير راضين بهذه الأوضاع. ولذلك عندما اختفي البديل اليساري(الاشتراكي أو الشيوعي) لأنه لا يوثق به كان الخيار الوحيد هو الإسلام وربما الإسلام المتطرف لأنهم يقترحون حلولاً سهلة. لذلك " أهلاً وسهلاً بعودة دولة الخلافة أو الجماعة الإسلامية، حيث سيكون الجميع متساوين"

     إنها نفس الأفكار التي استخدمها الشيوعيون: العدل الاجتماعي توزيع الثروة على الجميع. وسوف تشاركون في هذه الأشياء من خلال الآلية الإسلامية وستكون عادلة. ستكون الدولة عادلة مع الجميع. ليس الأمر مجرد صدفة أن كثيراً من أتباع الفكر الاشتراكي السابقين أو الأفكار القومية العربية وذلك لأن القومية العربية أيضاً شكّك فيها نفسها سقطت) أصبحوا أصوليين. إنهم تحولوا لتأييد الإسلاميين لقد أصبحوا مشايعين لحركات الإسلام المتطرف.

       يمكن أن نفسر التحول من خلال المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والثقافية. فمعادة الغرب أيضاً جزء جوهري في هذه العملية. والناس يشعرون بالإحباط والمعاناة لأنهم يدركون أن الغرب قوي جداً؛ وغزا مجتمعاتهم بما في ذلك الإعلام الجماهيري والمعلومات والتعليم والثروة والتكنولوجيا وكل شيء. لديهم هويتهم الخاصة إنهم يريديون أن يحموا أنفسهم من هذه الضغوط القوية.

    أعتقد أن الغرب عامة{بما في ذلك} أوروبا تحتاج أن تمارس ضبطاً للنفس أكبر. يجب أن نكون حذرين حول التدخل في شؤون الإسلام. يجب أن نساعد في تعزيز التحديث ولكن بحذر شديد، وبدون حرج هذا لأنه يذكرهم بالماضي. إذا كنا نريد أن نغير كل شيء ونفرض هذه التغيرات بالقوة حسنا سوف نتصرف تماماً مثل البلاشفة. لقد كان لديهم الفكرة نفسها في تغيير كل شيء وهو تصدير الثورة. إنني أعتقد أن تصدير الديموقراطية ليس أقل ضرراً من فكرة تصدير الثورة.

الرؤى الروسية للإسلام.

·       هل وصفك وتحليلك يوحيان بأن مصالح روسيا وأمريكا متوافقة كثيراً في التعامل مع ذلك الجزء من العالم في الوضع الحالي؟

   تماماً: أعتقد أن هناك توافق كامل في التعامل مع تلك الأجزاء من العالم ولدينا مصالح مشتركة. هذه مصالح لتوفير الأمن لنا جميعاً. إن روسيا تنظر لنفسها كجزء من العالم الغربي وتريد أن تكون حليفاً قريباً من الولايات المتحدة. وأعتقد أن سياسات السيد بوتن لاسيما منذ الحادي عشر من سبتمبر دليل واضح على هذا الاتجاه.

      إن فكرة بوتن الأساسية هي فكرة تحديث. إنه يريد تحديث البلاد وهو مستعد ليعمل كل ما يحتاج إليه لتحقيق ذلك. بالطبع التناقض الأخير في مسألة العراق حالة خاصة جداً. ولكن عموماً يوجد توافق واضح للمصالح الأمنية والمصالح الاقتصادية. وأرى أن روسيا مهتمة بالوجود الأمريكي في العالم اقتصادياً وسياسياً. ولكن كما قلت سيكون من غير المناسب أن نفهم هذا على انه موافقة على تغيير العالم وفقاً لوصفتنا بالقوة ومحاولة تسريع كل هذه التطورات. إنني من أنصار التدرج ولذلك فكل هذه الأنظمة يمكن أن تمر بمرحلة تطور كما حدث للأنظمة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي وأوروبا. لقد نجحوا في ذلك.

·       قبل أن نتحدث أكثر عن العراق دعنا نتحدث عن كيفية تعامل روسيا مع الأصولية الإسلامية ومسائل الحكم الذاتي لمناطق معينة ضمن حدودها. كيف تقوّم طريقة تعامل أنظمة ما بعد الاتحاد السوفيتي مع مقاطعة الشيشان؟

      لروسيا سجل سيئ في التعامل مع الشيشان ومع ذلك فإنني أقول إن موقف الحكومة الروسية عموماً تجاه المناطق الإسلامية وتجاه الإسلام وأولئك الذين يسعون نحو الحكم الذاتي والأقليات الإثنية، هذه السياسة ليست سيئة على الإطلاق. ليس سيئاً على الإطلاق. لدينا استقلال ذاتي واسع لكل المناطق، وهناك كثير من التسامح من الكرملين تجاه هذه المناطق. أعتقد بأن الحكومة حذرة حول إعاقة التغيرات أو محاولة توسيع سيطرتها على مجالات ذات حساسية للمسلمين.

·       هل ما وصفته ينطبق أيضاً على فترة السوفيت؟ أو هل هذا الآن فقط؟

الاتحاد السوفيتي كان مختلفاً؟ أنت تعرف أنه كان مثيراً للجدل. فمن جهة كان هناك جوانب إيجابية على سبيل المثال فمثلاً نشر التعليم والثقافة في مناطق معينة. وكذلك تطوير نخب محلية، وربما نخب إثنية وغير ذلك. ولكن عموماً أحدثت السياسة القومية السوفيتية الكثير من التدمير للشيشان وكان البعد الإلحادي البولشفي أكثر تدميراً. كان هناك الكثير من الأشياء الإيجابية في وسط آسيا في المنطقة الإسلامية ولاسيما في مجال التعليم والتحديث ولكن الشيشان كانت حالة مؤسفة جداً.

   ما حدث أن تلك المنطقة قد عزلت. فمن جانب كانت ثارات الماضي حيث كانت هناك حرب قوقازية كبرى القرن التاسع عشر. والآن السؤال هو لماذا- إذا كان السبب هذا هو الرئيس كما يعتقد بعض الشيشان - لا تقوم بعض المجموعات العرقية الأخرى في شمال القوقاز بثورات مماثلة؟ في داغستان مثلاً الأمام شامل بطل تلك الحرب في القرن التاسع عشر الذي كان أفارياً من داغستان، ولم يكن شيشانياً. فمعظم الأئمة كانوا أفار فالعنصر الأفاري كان هو الأساس. وبالنسبة لداغستان ليس هناك أي مشكلة. وكذلك الأنجوش مع أنها مجموعة قريبة جداً للشيشان إلاّ أنها مسالمة حداً وليس لهم أي مشكلات مع موسكو.



·       لماذا الشيشان مختلفون هكذا؟

      لماذا يختلف الشيشان؟ إن الشيشان أصحاب عقلية مستقلة جداً. وأعتقد أنهم أصحاب عقلية خاصة جداً، وثقافة سياسية خاصة للعنف حيث إنهم رُحِّلوا – وكثير من المجموعات العرقية رُحِّـلَت: بعضها يعيش الآن براحة إلى حد بعيد، وبالطبع لم ينسوا الترحيل. ولكن الشيشان مختلفون. لديهم ذاكرة تاريخية قوية وثقافة عنف قوية، وحب قوي للحرية وعقلية خاصة ساعدتهم على بدء هذا التمرد. في البداية كان هذا التمرد أو هذه الأفكار مؤيدة لسوء الحظ من قبل بعض الديموقراطيين من المركز لأن الفكرة الرئيسية لبعض الديموقراطيين في بداية التسعينيات كانت العمل على استبدال الحزب القديم الذين كانوا يحكمون تلك المناطق بأناس جدد. لقد كانوا يتخيلون، وكان لديهم بعض التوهم حول الحقيقة بأن السيد دوداييف قد كان شخصاً جديداً ، جنرالاً جديداً.

·       شيشاني؟

     كان جنرالاً شيشانياً دُعِم على أساس أنه شخص(جديد) بدلاً من بيروقراطية الحزب القديم، ليكون حليفاً جيداً لروسيا الديموقراطية الجديدة. وكان خطأً لأنه جاء بأفكار مجنونة.وأنا لا أقول أنه لم يكن لهم حق للصراع من أجل الاستقلال ولكن كان عليهم أن يستخدموا وسائل شرعية لذلك. وما حدث تحت حكم دوداييف هو أن أصبحت الشيشان مكاناً للخطف، وللنشاطات الإجرامية صارت جزءاً من حياتهم الاعتيادية. لقد حاول أن يغير طريقة الحياة التقليدية للشيشان وأن يحولهم إلى الحكم الإسلامي بالمعنى الأصولي ووقعت كثير من الأشياء السيئة. وطبعاً ما زلت أعتقد أنه كان خطأً أن بدأ الكريملين الحرب. لقد كانت ما تزال هناك فرصة للتعامل مع المشكلة بالطرق السلمية ولكن هذا لم يحدث.

    والآن تخلينا جميعاً عنها. وكلنا نرى كل النتائج السيئة للحالة. فما زالت الحرب قائمة بالرغم من أن المرحلة النشطة للحرب قد انتهت. لدي تفاؤل حذر. وهناك فرصة لحل المشكلة. ولذلك أعتقد أن كلا الجانبين الشيشان والحكومة يجب أن يكونوا أكثر تسامحاً وأن يستخدموا طرقاً أحسن للتفاهم وأن يحاولوا حل المشكلة سلمياً.

·       هل العصيان هناك أو أي كان المصلح المناسب عدم الرضي و نحو ذلك متأثر بالقوى الخارجية سواءً في الدعم الملموس أو هل في الإيديولوجية؟

     كثيراً، ويمكنني القول إنها بشكل عام حركة عصيان، وبشكل عام أيضاً حركة انفصالية، فجزء معين من الحركة إرهابي. ليس كل المقاتلين الشيشان إرهابيون ولكن بعضهم كذلك. وبعضهم إرهابيون دوليون. وإنهم مؤيدون بالإرهاب الدولي.

     لقد استمعت إلى محاضرة قدمها السيد أحمدوف وزير خارجية الحكومة الشيشانية غير المعترف بها وذكر فيها أن الشيشان الآن منقسمون ويتصارعون فيما بينهم. وهذه نتيجة مأساوية للحرب لأن الصراع ليس بين الشيشان والروس إنه صراع بين الشيشان أنفسهم. معظم الشيشان يعيشون في مناطق روسية خارج الشيشان.

     والأمر الثاني أن الشيشان الذين كانوا يعيشون في ظل هذه الظروف{تحت الحكم الروسي} كانوا مستعدين لقبول أي مساعدة من أي جهة تؤيدهم. ولذلك فالمساعدة كانت تأتي من منظمات دولية – إرهابية، ومتطرفة، ومنظمات إسلامية تهدف إلى تأسيس دولة إسلامية في شمال القوقاز. ونحن كلنا نعرف كل ذلك. وألمس عندما أسافر في الشرق الأوسط كم هو كبير هذا الدعم، فعندما تذهب إلى السعودية واليمن وأي دولة تستطيع أن ترى أن هناك تأييداً للمقاتلين الشيشان. الناس يتبرعون بالمال. وكثير منهم يؤيدون هذا التمرد العسكري. والناس عندما يطلب منهم دعم الشيشان الذين يعانون من حكم كافر سيقدمون المال، وهذا المال لا يستخدم لأغراض طيبة. وأحياناً يستخدم المال في تجارة المخدرات ولقتل الناس. وعموماً فهذا جزء من المعركة ضد الغرب وضد النصارى التي تقوم بها القوى الإسلامية.

   ولكن ليس كل الشيشان من هذا النوع. أنا بعيد عن وصف كل الشيشان بأنهم إرهابيون. هناك أناس انفصاليون، وهناك ضحايا أبرياء أجبروا  على ذلك . وليس لديهم أي خيار سوى دعم هذه الحركة. وهذه هي  أكبر مأساة في الوضع الحالي. إنّ من العصب على السيد بوتن إيجاد طرق لحل هذه المشكلة. ولكن القادة الروس يحاولون وسيكون هناك انتخابات واستفتاء ، وهذا قد يساعد على حل المشكلة.

·       بما أن أهداف الحركة الإسلامية الدولية(الأصولية)تماثل أهداف حركات مختلفة تسعى إلى للاستقلال أو الحكم الذاتي ضمن دول قومية فإن أول سؤال يتبادر إلى الذهن حول مسألة إسرائيل والفلسطينيين هو: هل تعتقد أن الدول العربية والإسلام الدولي يمكن أن يحملوا أنفسهم على القبول بوجود إسرائيل كدولة بالرغم من أن بعض المجموعات الإرهابية الأصولية قد تعارض هذا الوجود؟

     أعتقد أن الدول العربية أو كثيراً منها قد قبلوا بوجود إسرائيل. وأول هذه الدول مصر التي هي قد تكون هي الدولة الأساس وأهم دولة عربية ممكن. الآن بالطبع يوجد أصوليون يستغلون كل فرصة لقتل فكرة الاعتراف بإسرائيل من قبل العرب. ولكن لسوء الحظ الوضع سيئ جداً بالنسبة للعلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين حيث الأرضية خصبة للمجموعات الإسلامية والمجموعات المتطرفة لاستخدامها. أنت تعرف أنهم يقولون: "ليس من وسيلة لتحرير بلادنا إلاّ بالنضال باستخدام الوسائل كافة". والتاريخ يبين أن كثيراً من حركات التحرر تلجأ ليس إلى استخدام العنف فحسب ولكن للإرهاب لتحرير أنفسهم من ما يعدونه غزواً من حكم خارجي وهذا صحيح.



حالة العراق

·       دعنا نتحدث الآن قليلاً عن العراق. لقد درست العراق، وكنت هناك. وكان لك دور في المفاوضات خلال حرب الخليج الأولى وما إلى ذلك. ما طبيعة ذلك النظام؟ ما أهم شيء بالنسبة للجمهور الأمريكي الذي ربما لا يكون أمامه كل الحقائق ليفهم ذلك النظام؟

    أعتقد أنه نظام خاص جداً، ولكن إذا ما رجعنا إلى الوراء قليلاً يمكننا أن نرى أنه كان في العالم العربي في مرحلة ما في الخمسينيات والستينيات عدد من الحركات التي كان يؤيدها الغالبية من العرب، وكانت هي حركات قومية وعلمانية. الحركة الأولى الناصرية. كانت هذه الإيديولوجية مؤيدة من قبل كثير من الناس، وكان بعد ذلك البعثية وعقيدة البعث التي ولدت في نهاية الأربعينيات، وقد تكون أول حركة قومية عربية ولدت في سوريا. وكانت هي الحركة الثانية. وبعد ذلك جاء ما يطلق عليه حركة القوميين العرب. وكانت هذه الحركات الثلاث حركات قومية تدعو إلى فكرة الدولة العربية الواحدة والأمة العربية والتحرير.

    الناصرية ماتت عملياً ولا يمكن اعتبارها قوة سياسية ولكن البعثيون بقوا، وبقي نظامان بعثيان: الأول النظام العراقي، والثاني النظام السوري وهو نظام بعثي ونظام علماني.

     إنه من الصعب علينا أن نتخيل هذا النظام يقيم علاقات مع الإسلاميين المتطرفين أو المجموعات الإرهابية. فبالنسبة لي فإن المناقشات عن هذه الصلات لا معنى لها لأن البعثيين وكل القوميين العرب كان ينظر إليهم دائماً من قبل المجموعات الإسلامية الإرهابية والمتطرفة بأنهم أعداءهم لأنهم لا يسمحون لهم بأن يعملوا ضمن هذه الدول على كسب الأنصار والتأييد.

    وكانت الحرب الأساسية هي بين هذين القسمين- القوميين العرب العلمانيين والإسلاميين- في كل هذا التاريخ. والنظام العراقي كان من هذا النوع من الأنظمة. وبالطبع إنه نظام وحشي، وطبعاً كان يضطهد الشعب. يستحق هذا  النظام أن ينتقد ولكن في الوقت نفسه كان صدام حسين مؤيداً من قبل دول كثيرة من ضمنها الولايات المتحدة الأمريكية عندما بدأ حربه ضد إيران. يجب علينا أن ندرك أن العراق كان مؤيداً ضد إيران.ويمكنك أن تقول أنه كان أخف الشرين في تلك الأيام كما يقول بعض الناس، ومع ذلك فإن كثيراً من الزملاء الأمريكيين الذين خدموا في الإدارة ما زالوا يقولون:" نعم كان من الخطأ تأييد صدام في نهاية الثمانينيات. ولكن من يعلم فقد يكون  صدام حسين ونظامه عندهم بعض الإشارات والوهم بأنهم كانوا سيؤيدون حتى لو غزو الكويت.

     ويرى العراقيون، على الأقل الشعب، وعلى الأقل المثقفون وليس فقط البعثيين يعتقدون أن لهم حقاً قانونياً في أن يبحثوا عن حل للصراع مع إيران بسبب المنافذ إلى الخليج الفارسي( العربي)، ويعتقدون أن النظام الإيراني بوصوله إلى شط العرب ليس فيه إنصاف للعراق. ولديهم القضايا نفسها مع الكويت مهما كانت الحكومة في العراق. والعراق سوف تحاول أن تنتصف إذا كان هناك حكومة جديدة. وسوف تحاول الحصول على حق الوصول إلى الخليج، من المؤمل عن طريق التفاوض ولكن لديها مصالح أمنية شرعية في حل مشكلات الوصول إلى الخليج الفارسي. إنها موجودة ويعترف بها المتخصصون والخبراء في كل مكان.

     أحدث النظام العراقي في الستينيات والسبعينيات بعض التغيرات الإيجابية في البلاد. كان هناك بعض التطور وكان كثير من الناس راضين بوضعهم.

     لقد قابلت عراقيين كثير يسافرون في كل العالم موظفين وحتى مدرسين لقضاء إجازاتهم في أوروبا يشترون سيارات ويتفسحون مدة شهرين في هذه الدول لهذا لا يمكننا القول أن كل الناس في حال سيئة وأن الكل مضطهدين,

    وبالطبع فإن كل هذه الأنظمة سيئة السجل في موضوع حقوق الإنسان فمن هو صاحب السجل الحسن في مجال حقوق الإنسان في الشرق الأوسط، ومن هو صاحب السجل الديموقراطي؟

    ولو كنا نتكلم عن صلات هذا وذلك النظام مع المتطرفين بهذا، انظر إلى الباكستان على سبيل المثال ففيها طالبان وكثير من القاعدة موجودون فيها. والباكستان أنتجت بطريقة غير شرعية الأسلحة النووية. والحكومة لا تسيطر على جزء من أراضيها. وفيها الكثير من المؤيدين للمنظمات الإرهابية ضمن الحكومة أو المنظمات الحكومية وضمن القوات المسلحة وبخاصة في الاستخبارات الذين كانوا يدعمون طالبان لسنوات عديدة وكثير من الباكستانيين يمكن أن يكونوا حتى الآن متورطين بعلاقة مع طالبان.

      أعتقد أنه من المهم لنا جميعاً أن نركز جهودنا لأننا شركاء في تحالف محاربة الإرهاب، وفي هذه الحرب الكونية ضد الإرهاب. إن الهدف الأساسي هو الإرهاب الدولي حيث  ما زال هناك أماكن يجد فيها الإرهابيون ملاذاً آمناً. سمعت من بعض المعلقين من القنوات التلفزيونية هنا وهناك بأنه ما زال يوجد للقاعدة مؤيدون في الولايات المتحدة الأمريكية. لا أعتقد أن في العراق أرضاً خصبة لدعم الإرهاب الدولي. إنه نظام علماني. مستواه سيئ من ناحية حقوق الإنسان. ولكن هذا النظام يريد أن يستمر في البقاء في السلطة وما تزال  توجد فرصة ضئيلة للاتصال به والتفاهم معه على أساس الالتزام بكل قرارات الأمم المتحدة.

·       لذلك فأنت مقتنع أن النقاش حول أخطار أسلحة الدمار الشامل وأخطار العلاقات  بالإرهاب تحتاج إلى أن تقيّم في سياق ما يحدث في المنطقة من أحداث أخرى. أعتقد بأن الإدارة ستجادل بأن العراق تجاوز الخطوط ومن المؤكد أن هناك أنظمة في المنطقة خالفت أنظمة حقوق الإنسان ولكن لا أحد استخدم الأسلحة الكيميائية ضد شعبه مثل العراق ضد الأكراد ولا أحد – باستثناء باكستان- لأنني أعتقد أن النقطة التي أثرت لها أهميتها قد تحرك بوضوح وبقوة للحصول على أسلحة الدمار الشامل.

الهند

·       الهند نعم إنها هي وليست بلداً عربيا، ولكن لنعد للموضوع..

·       أعتقد أن قوة حجتك تدعو إلى السؤال عن الفكرة بأنه كان من الضروري التدخل في العراق مقابل أي مكان آخر، ولكن من المتجذر في سياسة إدارة الرئيس بوش فكرة أن العرق يمكن أن يكون منطلقاًً لدمقرطة المنطقة كلها. أنت لا تعتقد بذلك، أليس كذلك؟

      آمل حدوث ذلك وسنكون جميعاً سعداء لو أن الجميع تحول إلى الديموقراطية في العالم. ولكن السؤال هو هل من الممكن تحقيق ذلك بالقوة العسكرية، وما هو تكاليف هذا السلوك، وهذا العمل؟ إن النتائج قد تكون مناقضة لما نتوقع. إن أجندتكم هي الديموقراطية ولكنها قد تقود إلى الفوضى في ذلك البلد وفي كل العالم الإسلامي. وهناك أيضاً خطر آخر لأن البلد مجزئة، إلى حد كبير وفيها العرب وسنّة وشيعة وأكراد وكثير من الفرق التي تكره بعضها البعض لسنوات عديدة.

    إن البلاد تحكم من قبل أقلية سنّية، من قبل حزب البعث. ولكن من الخطأ أن تتخيل بأن الموجود هو نظام بدكتاتور واحد. ما هو موجود نظام عميق الجذور هناك نظام عميق الجذور وفيه كثير من الناس الذين يؤيدون هذا الرجل:أعضاء الحزب وضباط الجيش وأجهزة الأمن. ماذا ستفعل بهؤلاء الناس؟ سيكون هناك كثير من الانتقام. وكثير من الناس سيكونون منتظرين ليحصلوا على الامتيازات نفسها التي كانوا يحصلون عليها وسيكون هناك الكثير من الدماء في هذا البلد. ولذلك فهل ستشرك هؤلاء الناس؟ ما هي خطتكم؟ حتى الآن لم أسمع أي شيء، إنني  لست متأكداً مما إذا كان أي شخص لديه رؤية واضحة حول من سيكون الحكام الجدد. وحينها سيكون هناك حسابات قديمة جداً لا بد من تصفيتها في هذا البلد.

   كذلك الذي سيحدث للتوازن الهش في البلاد يمكن أن يقود إلى بعض الصراعات الحادة بين الأتراك والعراقيين أو الأتراك والأكراد. إن تدخل الأتراك خطير جداً ولن يكون سهلاًً. وبدون تركيا لا تستطيعون عمل أي شيء وبها ستوجدون مخاطر جديدة وأعتقد أن تقدير مستوى الخطر مبالغ فيه بالطبع. إن صدام حسين لا يمكنه أن يمثل خطراً رئيسياً لأي أحد حتى لو كان لديه عدة صواريخ تتجاوز التسعين ميلاً التي حددتها قرارات مجلس الأمن.

   في السنوات الإحدى عشر الماضية لم يقم صدام حسين بأي عمل إرهابي. لم يلجأ العراقيون للإرهاب. وهذا مدهش أيضاً. إنه يعمل كثيراً من الأشياء السيئة ولكنه ليس إرهابياً دولياً، وليس لديه ارتباطات في نظري مع أي شخص آخر. وحتى لو كان هناك بقايا سلاح، وهل من السهل على الإرهابيين الإسلاميين أن يصلوا إليها أكثر من وصولهم إلى السلاح الباكستاني على سبيل المثال. أو الأسلحة الكيميائية المتوفرة في كثير من دول المنطقة؟

    إننا نعلم أن كثيرا ًمن الدول تقوم بتجارب في مجال الأسلحة الكيميائية والبيولوجية. وببساطة لا نعرف أي الشركات الأوروبية ساعدت العراق.   

وتوجد إشاعات أنهم –ربما- حاولوا أن يفعلوا ذلك في مصر. وأيضاً في بعض دول شمال أفريقيا، و في بعض دول جنوب شرق آسيا- إننا لا نعرف. هناك الكثير من الفرص أن تبيع قنبلة قذرة وأن تستخدم المخلفات الذرية التي دفنت حتى في أواسط آسيا. ولذلك من يعلم أين سيكون الإرهابيون؟

يجب أن نركز على الهدف وأن لا نسمح لهم أي يعملوا ما يريدون. ولكن فكرة من نوعية الفكر البلشفي، تحويل العراق إلى منطلق لنشر الديموقراطية بفرض صراع داخلي ليست فكرة جيدة جداً.



الخاتمة

·        أشعر أنك بناءً على سعة معرفتك ودراستك للمنطقة، تقول أن الولايات المتحدة وكذلك في بعض الحالات روسيا في الماضي قد تجاهلتا تعقيدات الإسلام والعالم العربي ولم يركزا كفاية على التجزءات ودرجة المعارضة التي خلقها التدخل  ومحاولات فرض القيم الغربية أو خطة أمن غربية.هل هذه هي العناصر الرئيسة المفقودة والتي نسيء فهمها في ذلك الجزء  العالم في الوقت الذي نطور فيه سياساتنا؟

     أنت على حق، يجب علينا أن نعترف بالحقيقة أن علينا أن نتعايش مع بعض الأشرار. إنه أمر حتمي.  يجب علينا أن نفهم كل ذلك التعقيد في وضع الشرق الأوسط لأننا أحياناً نكون راضين عن أنظمة سيئة، وأشخاص سيئين وهم أصدقاؤنا. أنا أقول نحن الآن في الموقع نفسه. نحن حلفاء- الغرب وروسيا وهما سيان في نظري. وللمسلمين وللعرب الأمر كله واحد فهم أحياناً يبدون أصدقاء ولكن لا زالت لديهم كثير من المشكلات مع مواطنيهم مما يجعلهم مؤيدين لأكثر الحركات عنفاً وتطرفاً وتشدداً.

     وفي الوقت نفسه هناك دول وحكومات قد لا نكون مسرورين منها، ولكنهم مازالوا يتحركون باتجاه الديموقراطية. انظر إلى إيران أنا مندهش من حقيقة أن الرئيس خاتمي قد تم انتخابه بانتخابات حرة. لم يكن مؤيداً من قبل المجموعة الحاكمة من الملالي الذين كانوا يؤيدون رئيس البرلمان. وهذا يعني أن هناك عناصر ديموقراطية في إيران وهذه العناصر أقوى مما هي في كثير من دول المنطقة ممن هم أكثر وداً تجاه الولايات المتحدة الأمريكية ولكنهم ليسوا متقدمين كثيراً على طريق الديموقراطية. وهذا أمر لا بد أن نأخذه في الاعتبار. يجب أن نؤيد بعض قوى التغيير والتحديث وحتى بعض العناصر المعتدلة في الحركات الإسلامية وإدماجهم في المجتمع الحديث وتحويلهم إلى أصدقاء لنا وليس لإبعادهم.

      لست ضد التغيير ولكن أعتقد أن تذهب الحرب كلما كرهنا شخصاً ما وأن يسجل في تاريخنا، على سبيل المثال، ما يوصف بالحرب العربية الأمريكية فإننا لن نخدم مستقبل في العلاقات الأمريكية العربية. والأمر نفسه يقال عن العلاقة بين روسيا والإسلام. لا أعتقد أن هذه الحرب في الشيشان تخدم أمننا مائة في المائة والتي ربما كانت ضرورية. والآن من الضروري أن نفعل شيئاً. لا نستطيع فقط أن نسحب قواتنا وأن نتركهم. من المستحيل، ولن يمكن فعل ذلك. ولكن أحياناً من الأفضل أن تجد وسائل للتفاهم وأن لا تذهب إلى الحرب في أي وقت تكون الحرب ممكنة.

·       بروفيسور ناؤمكين أود أن أشكرك كثيراً على تلك الملاحظة وأن تأخذ من وقتك لتزور جامعة بيركلي هذا الفصل الدراسي وأيضاً أن تكون ضيفنا في هذا البرنامج. شكراً كثيراً.

شكراً لك، وإن ذلك مما أسعدني وهو شرف أن أفعل ذلك.

شكراً لك وشكراً لك لمشاركتنا في هذا الحوار مع التاريخ.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية