كل
ما تحتاج أن تعرفه عن تقديم ورقة علمية في محفل عام
ظهرت هذه المقالة في إحدى زوايا مجلة
الدراسات العليا (الأمريكية) Higher Education
Chronicle في 21 مارس 2008م، و نظراً للفائدة الكبيرة
لهذه النصائح فقد رأت مجلة وجهات نظر في التاريخ Perspective
on History أن تعيد نشرها وهي من ثلاثة أجزاء وهذا هو
الجزء الثاني منها:
هل أنت متوتر؟ هذا جيد، يجب أن تكون متوتراً.
إن القلق يعني أنك جاد في الأمر، وأن الأدرنالين يتدفق، وبدون تدفق الأدرنالين
ستكون متحدثاً مملاً. ولكن كثيراً من القلق سيعرقلك فكثرة هذه المادة لن تجعل
تفكيرك سليما.
فالهدف
من القواعد الآتية لتقديم ورقة في محفل علمي إنما هي لتمكينك من السيطرة على قلقك
بل أن تفيد منه في العمل لك وعلى الدرجة نفسها من الأهمية للنقاش الذي ستقدمه
والموضوع الذي تطرحه.
لقد لاحظت دوروثي كينيون Dorothy
Kenyon وهي من النشاطات البارزات في الحركة النسوية
والتي تقضي معظم وقتها في الحديث للجمهور أن الحديث يبدو دائماً مرتجلاً ولكنه يجب
أن لا يكون ارتجالياً، فإن كنت ترغب في الإمساك بالجمهور فيجب عليك أن تخطط
بعناية.
القاعدة
الأولى:
احرص على ملاحظة قيود الوقت، فالقاعدة
المعتادة أن الصفحة المطبوعة تحتوي على 250 كلمة وتستغرق على الأقل دقيقتين في
القراءة بصوت مرتفع، فلو كان لديك عشرون دقيقة للحديث فيجب أن لا تزيد ورقتك على
عشر صفحات إلى اثنتي عشرة صفحة. ابدأ بورقة تتكون من عشر صفحات. ومن قيود الوقت
الزمن الذي يجب أن يتسلم المناقش في المؤتمر ورقتك. فإرسال الورقة في الموعد يعد
من الذوق الرفيع حيث يتيح له وقتاً لقراءة البحث والتعليق عليها. إن مصالحك
الشخصية تفرض أنك تريد أعمق التعليقات التي تستطيع الحصول عليها وليس مجرد ملاحظات
عجلى، ولا شك أنك ستشعر بالحرج الشديد إذا قام المناقش بالإعلان أن الورقة وصلته
متأخرة جداً مما منعه من تقديم رأي علمي حولها.
القاعدة
الثانية:
اكتب لجمهور حقيقي، فالورقة المكتوبة
لتسمع تختلف جوهرياً عن الورقة المكتوبة لتقرأ. ولكن هذا المبدأ يتم إغفاله بإعطاء
الورقة إلى المناقش الذي سوف يكون أول من يقرأ الورقة، ويعلق عليها أمام الجمهور
وينتقدها، وثمة إغراء بالكتابة من أجل المناقش، ولكن تغلب على هذا الإغراء. وبدلاً
من ذلك اكتب لأولئك الذين سوف يستمعون إليك. راجع النسخة النهائية ملاحظاً
العبارات المختلفة. حوّل الجمل المركبة إلى جمل بسيطة، وقد تكون الجمل المرتبطة
بفاصلة منقوطة أو غيرها من علامات الترقيم مقبولة على الورق لكنها صعبة جداً في
الفهم عندما تطلق في الهواء، فالمستمع لا يمكنه أن ينتظر الخبر أو تتمة الجملة إن
كان الفاصل بينه وبين المبتدأ مسافة طويلة.
استخدم الاقتباسات والأمثلة باعتدال،
فالجمهور يجد صعوبة في فهم الأفكار المجردة المتوالية، فيجب أن يكون الحديث
مرتبطاً بتجربة معاشة. وحاول أن توازن بين الأمثلة والنقاش.
خصص جملة أو جملتين لتشرح القاعدة التي
اعتمدتها في النقاش فالقارئ يرى الهوامش والحواشي بينما المستمع لا يستطيع فلذلك
وضح مرجعتيك.
القاعدة
الثالثة:
تدرب على إلقاء ورقتك، لقد كشف جي فليrلمان
Jay Fliegelman
الأستاذ السابق للأدب في جامعة ستانفورد أن النسخ الخاصة بتوماس جيفرسون Thomas
Jefferson لإعلان الاستقلال عليها ملاحظات غامضة
وكأنها نوتة موسيقية مكتوبة لمغني مع إشارات أين يقف القارئ لالتقاط الأنفاس. في
المرة القادمة التي تحضر فيها مؤتمراً لاحظ كم مرة تنقطع أنفاس المتحدثين قبل
إكمال جملهم مما يخفض فعالية ما يريدون قوله. لذلك خطط مقدماً أن لا ينقطع نفسك،
والخطوة الأولى هو ما ذكرته سابقاً الكتابة الواضحة والجمل التقريرية.
والخطوة التالية الأكثر أهمية هي أن
تقرأ ورقتك بصوت عال لنفسك، أنصت لنفسك وأنت تتحدث ولاحظ متى ينقطع النفس، راقب
نفسك في المرآة إذا كنت تستطيع أن تتحمل ذلك. خذ نفساً عميقاً في بداية كل جملة أو
مجموعة من الجمل القصيرة، استمع لنفسك وأنت تتنفس ولكن الجمهور لن يسمع ذلك. فإن
لم يكن لديك نفساً كافياً لإكمال الجملة بقوة فقسمها إلى قطع أصغر واقرأها بصوت
عال مرة أخرى وضع علامات لتذكيرك متى تأخذ نفساً عميقاً. فإذا كان توماس جيفرسون
قد فعل ذلك فلماذا لا تفعله أنت؟
والآن اقرأ ورقتك أمام شخص آخر بصوت
عال، ابحث عن صديق لا تشعر بالخوف أن تبدو غبياً أو سخيفاً أمامه.
اطبع ورقتك بخط كبير (ليكن بنط 14 أو حتى
16) حتى تضطر أن تتوقف لتعرف أين وقفت وبخاصة إن كنت تلقي بحثك واقفاً. ابحث عن
غرفة بحجم الغرفة التي ستلقي فيها بحثك واطلب من صديقك أن يجلس في آخر الغرفة وقف
أمام المنبر واقرأ ورقتك بصوت عال.
وإذا كنت تتبع قواعد التنفس يجب أن
يكون صديقك قادراً على سماعك، وسيخبرك إذا ما كنت تتحدث بسرعة كبيرة أو في حالات
نادرة ببطء شديد. ويمكن لصديقك أن يخبرك كذلك إن كنت مقنعاً فأحياناً كثيرة يقوم
الإنسان بحذف جمل تكون مهمة في دعم نقاشه.
ملاحظة:
لن تتغير أي من هذه القواعد إن كنت تتحدث أمام اللاقط (الميكرفون) إنما هو حجم
الصوت ولكنه لن يمنحك النَفَس.
والآن
تدرب المرة الأخيرة للتأكد أن أداءك جيد فلا توجد تعثر في النقط ولا تلعثم أو إن
نبرة صوتك خاطئة. وإذا كنت تستخدم الوسائل السمعية البصرية فتدرب على استخدامها.
القاعدة
الرابعة: توقف عن التوتر والعصبية
يجب
أن يكون انتباه الحضور منصباً على كلماتك وتجنب أي شي يصرف انتباههم بعيداً عن
كلماتك ومن بين تلك الصوارف ما يأتي:
1-
الأيدي:
حركة اليدين في الهواء. صحيح أن كثيراً منا نستخدم أيدينا عادة لتأكيد ما نقول،
وبعضنا يحركون أيديهم كل الوقت عدا في بعض الإشارات، فالأيدي ليست جزءاً من
التقديم، يجب أن تختفي الأيدي قدر المستطاع حيث ينبغي أن تكون الأيدي على الجانبين
أو تستند بهما على منصة القراءة وإن كانت ثمة ضرورة فأمسك منصة القراءة وتمسك بها
ولا تتحرك، وإذا كان لديك حافز لوضع يديك في جيوبك فقم بخياطة الجيوب وإغلاقها.
2-
اللعب
بمشابك الورق أو القلم: لا تمسك أي شي في يديك عندما تتكلم أمام الجمهور عدا عندما
تقلب الصفحة.
3-
الورقة
التي كتبت عليها كلماتك: لا تحرك الورقة ولا تمسك بكل ورقة ولا تكوّم الورقة بضعه
فوق بعض وإنما ضعها وفق الترتيب الذي بدأت به. أبعد الأوراق حتى لا يراها الجمهور.
واجعل الأوراق في مجموعتين حتى تعرف المكان الذي تقرأ منه والمكان الذي ستنقل إليه
الأوراق التي انتهيت منها.
4-
أصابعك:
إن الطريقة الوحيدة التي توضح الانتقال من كلماتك إلى الكلمات المقتبسة يجب أن
يكون نبرة الصوت أو عبارة قال فلان أو بداية الاقتباس ونهاية الاقتباس (انتهى
كلامه) وتجنب أن تشير بأصابعك في الهواء كأن تشير إلى علامتي التنصيص.
5-
رأسك:
عادة ما تقدم ورقتك في المؤتمرات واقفاً، وفائدة الوقوف أنك لن تحتاج إلى أن تحرك
رأسك كثيراً لتقرأ الورقة وتلتفت للنظر إلى الجمهور فالفرق كبير جداً عندما تكون
جالساً (جرب ذلك) فعندما تقرأ الورقة وأنت جالس فمن المستحيل أن يكون ثمة اتصال
بصري مع الجمهور ما لم تقطع تسلسل أفكارك. ولا تستطيع أن تأخذ نفساً عميقاً أو
تقدم صوتك بقوة كما هو الحال عندما تكون واقفاً. (لماذا تعتقد أن مطربي الأوبرا
يقفون عند أداء أغنياتهم؟)
القاعدة
الرابعة:
افحص القاعدة مقدماً، فإذا لم يكن هناك
منصة للخطابة فاطلب واحدة، وإن كنت قصيراً تأكد أن الجمهور يستطيع أن يراك أو اطلب
صندوقاً، كن مؤدباً وملحاً. يمكنك أن تشكو من ضعف النظر. ومع ذلك ابحث عن واحدة في
قاعة مجاورة ولا تستسلم حتى لو كنت موضعاً للسخرية.
تأكد من وجود الماء على الطاولة، ولا
عيب أن تحضر معك قارورة ماء وكأس بلاستيك. (ستحتاج إلى الكوب لأنك لن تستطيع أن
تمد نفسك لأخذ القارورة دون إزعاج الجمهور). وإن كنت تتنفس بطريقة مناسبة فلن
تحتاج إلى الماء ولكن من المستحيل أن تتوقع ذلك كما أن الأمر يعتمد على ظروف
القاعة.
افحص التقنية في القاعة التي سوف تستخدمها
قبل الموعد وتأكد أنك مرتاح لاستعمالها وأن مستعد للارتجال لو حدث أي شيء معاكس
كما يحدث غالبا ولو حدث فإن هذا يؤثر في الوقت المخصص لحديثك، وإن ما تمر به من
صراع يحدث قلقاً ينتقل إلى الجمهور وينصرف انتباهه ويجعلك تبدو مغفلاً أو أحمقاً.
القاعدة
السادسة:
لا تكن مرتبكاً فكلما عرفت ما ستقوله أحسن
كلما سيكون اعتمادك أقل على النص وكلما كان حديثك المخطط له سيعطى الانطباع بأنه
أقل رسمية ويعطيك الثقة. ولكما ازداد الارتباط خلال ورقتك الرسمية فإن الخطر
سيزداد في تلعثمك. وفر مهاراتك في الارتجال لفترة الأسئلة والأجوبة لأنك ستحتاجها
حينئذ.
كن مستعداً لتنبيه رئيس الجلسة بقرب
انتهاء الوقت، فأحياناً يصلك هذا التنبيه قبل أن تتوقعه ليس لأنك تأخرت ولكن لأن
المتحدث الذي سبقك سطا على وقتك أو أخذ أكثر من الوقت المخصص له أو لأن الجلسة
بدأت متأخرة وهنا عليك أن تقرأ الجمل الرئيسة في الفقرات الباقية ثم تنتقل إلى
الخاتمة المكتوبة كتابة جيدة وتوقف عندها.
القاعدة
السابعة:
تذكر أنك بين أصدقائك لقد حدث في مشهد
تمثيلي أن كان على الممثلين أن يظهروا في وضع غير مناسب فسئل أحدهم كيف استطعتم
التغلب على الحرج بالظهور في ذلك الوضع، فقال كنّا نتحدث في الاستراحة أننا بين
أصدقائنا وهؤلاء الناس يحبوننا ونحن نحبهم لذلك تمكنّا من ذلك.
إن تقديم ورقة في مؤتمر هو أن تجعل نفسك
معرضاً للنقد وهذا من الناحية الفكرية يعادل الظهور عارياً أمام الناس، إنك تعرض
أفكارك أمام غرباء ولذلك فأنت عرضة لنقدهم، وأنت بالطبع قلق ومن الغباء أن لا
تكون.
لذلك عليك أن تمضي ساعة قبل الجلسة
وحيداً هادئاً لا تتكلم، انظر في ورقتك وفكّر في المتحدثين والجمهور وكأنهم
أصدقاؤك، وفي النهاية وعلى الرغم من المنافسة مع المتحدثين الآخرين والأشياء
الأخرى التي يمكن أن يقوم بها الجمهور فلقد اختاروا الحضور للاستماع إليك، ومن
الواضح أنهم أناس لهم ذوق جيد وحكم سليم، إنهم أصدقاؤك وأنت تتطلع للقائهم بحماسة.
وفي النهاية يمكنهم أن يحكموا عليك،
ولكن دع ذلك جانباً وفي الختام لقد جاؤوا بروح طيبة وأنت مدين لهم للترحيب بهم وهم
يستحقون ترحيبك، وإن كانت متجمداً بالقلق فلن يكون ذلك من العدل ولا من التهذيب
بالنسبة للناس الذين جاؤوا ليستمعوا لما ستقوله.
وعندما تمشي في الغرفة فإن الفكرة التي
ينبغي أن تشغلك أنك سعيد بوجودك هناك، كم هم رائعون هؤلاء الناس في الجمهور، وهذا
صحيح فيما إذا كان عددهم قليل أو حتى 500.
إن الروح الطيبة ستنتشر.
تعليقات
إرسال تعليق