وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة
بسم الله الرحمن الرحيم
ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر
يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت: وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا.
فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل
الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة.
فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من
العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء
العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين
أبناء البلد الواحد.
والأمثلة من القديم كثيرة منها أن
الغساسنة في الشام كانوا يتبعون الإمبراطورية الرومانية بينما كان المناذرة يتبعون
الفرس فكانت الحرب تقوم بين المناذرة والغساسنة وتستمر سنوات طويلة والروم والفرس
في راحة واطمئنان. ووقع بين المسلمين من الحروب والاقتتال في الأندلس حينما استطاع
النصارى أن يحدثوا الفرقة بين أبناء الملّة الواحدة بسبب بعدهم عن دينهم. ومازال
المبدأ الاستعماري معمولاً به حتى اليوم (فرّق تسد) . وقد تذكرت هذا المثل في
الحرب التي دارت بين وكلاء شركتين كبيرتين للمشروبات الغازية فأخذ كل وكيل يرفع
عقيرته بالشتم والانتقاد لوكيل المشروب الآخر. قلنا ليتهما اجتمعا فصنعا مشروباً
جديداً بدل الاقتتال لصالح المصنّع الأجنبي الذي يستنزف مئات الملايين من بلاد
العالم المختلفة.
وفي العصر الحاضر بدأت المعارك بين
أبناء الجلدة الواحدة حينما نشأت الأحزاب
السياسية التي أدخلها إلى عالمنا السياسي الاستعمار بحجة نقل الديموقراطية إلينا
ولله در الشيخ البشير الإبراهيمي حينما كتب عن الأحزاب وذكر أخطارها في تقسيم أبناء البلد الواحد والصراعات الحزبية. ولذلك
عزف العلماء عن تسمية أنفسهم حزباً وإن كان لهم الحق في التسمية أخذاً بما سمّاهم
القرآن الكريم به (حزب الرحمن مقابل حزب
الشيطان.)
ومن الأمثلة على الصراعات الداخلية ما
حدث في كل من الجزائر وماليزيا وفي
فلسطين. ففي الجزائر قتل حتى الآن ما يقارب المائة ألف أو يزيد في معركة لم يكن
أصلاً لها أي مبرر. ولا شك أن بعض الجهات الخارجية تدعم طرفاً مقابل الطرف الآخر
أو تدعم أطرافاً مقابل أطراف أخرى.فليس بخاف أن دولاً أوروبية منحت مساعدات مالية
ضخمة لبعض الدول العربية التي نجحت في قمع الحركات الأصولية، في الوقت الذي تبرعت
فيه دولة أوروبية بإيصال بثها التلفزيوني مجاناً لتلك الدولة مع ما في ذلك البث من
خلاعة وفجور.
وما أن بدأت ماليزيا تسترد بعض عافيتها
من تلك الكارثة الاقتصادية التي حلت بدول جنوب شرق آسيا وشرعت في اتخاذ إجراءات
اقتصادية تبعد عنها شبح سيطرة البنك الدولي فإذ بالمعركة تدور رحاها بين رئيس
الوزراء ووزير ماليته وخليفته وصديقه وصفيه وخليله إلى ما قبل أيام. فكيف يصبح
حبيب الأمس عدو اليوم؟ لا بد للأسرار أن تتكشف يوماً ما!
وجاء واي وما أدراك ما واي وبدأت
المعركة في أرض فلسطين التي لا تحتاج إلى معركة داخلية بقدر ما هي بحاجة إلى توحيد
الصف والالتفات إلى العدو المشترك. فما أن عاد عرفات من واشنطن حتى بدأت حملة
الاعتقالات ضد بعض الفلسطينيين بينما انشغل رئيس وزراء العدو بالجهود المتواصلة
للحصول على موافقة حكومته وقد ذكر في تصريح له بأن أي اتفاق من هذا النوع لا يمكن
أن يكون قراراً فردياً. وبينما بدأ الفلسطينيون بالتطبيق قبل أن يعرض على مجلس
وزرائهم أو المجلس الوطني ما زال الاتفاق لم يناقش في مجلس الوزراء اليهودي ولم
يعرض على نوابهم. فلماذا نسرع نحن في التطبيق ويماطلون هم كل هذه المماطلة؟
وهنا أخذت وكالات الإعلام والإذاعات
الموجهة تظهر نغمة الفرح والسرور بما سيؤول إليه الصراع داخل فلسطين. فهاهي إحدى الصحف العربية الدولية تعلن (
السلطة الفلسطينية تنذر "حماس" بالقوة". وتنقل الصحف أيضاً التصريحات
لقادة حزب حماس بالرد على شرطة السلطة الفلسطينية.
تعليقات
إرسال تعليق