التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من الدكتور قاسم السامرائي حول رسالة الدكتوراه

 

بسم الله الرحمن الرحيم

17/11/1988

الأخ الكريم مازن المطبقاني سدد الله خطاك إلى التوفيق

سلام الله عليك

      سررت برسالتك وسعدت أيضا بعزيمتك وتصميمك على السير في الطريق على وعورته وأشواكه، وعجبت من شدة مراسك ومثابرتك فإن هذه خصال أحبها في كل مسلم وأود أن يتحلى بها كل مؤمن بأمته الكسلى المتناومة قسراً على القذى والهوان فإن فيك وفي أمثالك ممن تتوقد الجرأة وتتناهي الغيرة في قلبه لأملاً حلواً أرجو أن يتحقق، فقد مللت يا مازن من هؤلاء "الخبزيين" (من الخبز) الذين تراهم هناك حولك فقد كانوا السبب الأكبر في استقالتي وهجري السعودية على حبي الدافق لها ولأهلها وتعبت من غلبة النفاق العلمي والادعاء  الفارغ والاتهامات السريعة والأحكام التي  يبرأ الإسلام وشريعته منها فحسب بل حتى شرائع أهل الكفر والعربدة. وكنت أكثر ما أرثي لأمثالك من الطلبة الذين يتحملون نتائج الجهل والاستعلاء العلمي الفارغ الكاذب وهو نفاق فاضح.

     أما ما قصدت من دراسة المستشرقين: أفراداً" أن ننظر إلى مراسلاتهم السرية وتقاريرهم السياسية وهذا لا يكون إلّا بعد موتهم نزولهم إلى جهنم لأنهم في هذه الكتابات أصدق ما يكونون وقد ظهر لي هذا واضحاً من كتابات جولدزيهر وسنوك هور خرونيه ونولدكه وغيرهم وهذه ظهرت منشورة في لايدن حديثاً ومثل هذا ما ظهر في كتاب بالفرنسية نشر في (لوفان) حديثاً أيضاً عن ماسنيون فقد كان قسيساً رسمياً "بالسر" وبموافقة البابا وجاسوساً فرنسيا ومستشاراً للحكومة الفرنسية في الشؤون الإسلامية في شمال أفريقية والمشرق وقد اعتمد مؤلف هذا الكتاب على الوثائق السرية.

                تريد مني توضيحاً حول موضوعك لأنك تجد في رسالتي السابقة إليك ما يصدك ويوقف اندفاعك لا يا بني فما قصدت أن أصدك عن البحث ولا أمسك زمامك أو عنانك على الجري ومن أنا حتى أفعل هذا فليس لي في القافلة بعير ولا حتى بغل وكل الذي أردت قوله لك أن موضوع هذا اليهودي الصهيوني لم يستكمل جوانبه بعد وهو لذلك لن سيكون غير أصيل علمياً ، ثم ما أدري ماذا ستكتب عنه ما هو معروف من كتاباته المنشورة ويبقى السؤال معلقاً أين الجديد الأصيل في أطروحتك يا فتى وكل ظني الخائب أن مشرفك أعلى الله كعبه في العلم سيقرأ ما تكتبت وسوف ينبهر حتى قطع النفس بالجديد عليه وهكذا تكون الدرجات. أما أنت يا ولدي وما سوف تنتهي إليه وما سوف يلقاه منك طلبتك بعد عمر كعمر النسور إن شاء الله فعلمه عندك.

               وبمناسبة الحديث عن الغلام برنارد لويس فإن قسماً من أقسام الجامعة هنا دعاه لألقاء محاضرة عامة عن "الإسلام والدولة" فقامت قيامتنا وأجبرنا الجامعة على سحب الدعوة والسعيد عنّ بعيد.

            لقد ضحكت طويلاً من زميلك المسكين وأشفقت عليه لأنه لا يعرف حراً من الإنجليزية وعرض عليه دراسة دائرة المعارف الإسلامية فاحمل له مشاعري الإشفاقية التي لا تغنيه من ألم وتوجع، ولكن المصائب إذا عمّت هانت وله فيك وفي زميلك الآخر أسوة "غير حسنة"

           اكتب لي ولا تتردد -أنت وزملاؤك- إذا غُمّت بكم السبل وأردتم شيئاً من هنا فإنه أكثر ما يسعدن أن أخفف من "لهفة المفجوع" وحيرة الضائع لعلمي الأكيد بما تلقاه ويلقاه زملاؤك الأحبة عليَّ

               وسلامي لكم جميعاً

                                                                       قاسم السامرائي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...