التخطي إلى المحتوى الرئيسي

موقف لويس من القرآن الكريم

 


مقدّمة:

       عرّف العلماء المسلمون القرآنَ الكريم بأنّه "كلام الله المعجز، المنزّل على خاتم الأنبياء والمرسلين، بواسطة الأمين جبريل– عليه السلام– المكتوب في المصاحف، المنقول إلينا بالتواتر، المتعبّد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة، المختَتَم بسورة الناس"([1]). وقد عُني العلماء المسلمون بدراسة القرآن الكريم من حيث تدوينه، وأسباب النزول، والمكي والمدني، والناسخ والمنسوخ، والإعجاز البلاغي والإعجاز العلمي، والمحكم والمتشابه، والتفسير وغير ذلك من العلوم. وهو كتاب هداية، وعلمٍ، ودستورُ أخلاق؛ لذلك حرص المستشرقون على إثارة الشّبهات حوله، فشكّكوا- أولًا- في مصدره الإلهي، وفي المكّي والمدني، والناسخ والمنسوخ ([2]). وغير ذلك من الجوانب في دراسة القرآن الكريم.

      وقد سارَ لويس على نهج المستشرقين فتبنّى معظم الآراء الاستشراقية، ولم يخصّص لويس دراسةً مستقلّة للقرآن الكريم، ولذلك جاءت آراؤه عنه متناثرةً في كتاباته المختلفة، حيث أعطى بعضَ المعلومات عن تعريف القرآن وعن اعتماده "سجلًا تاريخيًّا أو تدوينًا للسيرة النبوية". كما أشار إلى مسألة نقد نصّ القرآن بالطريقة التي تناول فيها اليهود والنصارى نصوصَهم "المقدسة". كما اهتمّ لويس بمسألة الوحي، وأميّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وشبهة الأخذ عن اليهود والنصارى مستدلًّا بزعمه بمسألةِ التشابه بين القصص القرآني والقصص الواردة في العهد القديم (التوراة). كما ناقش بعض القضايا الاجتماعية في ضوء القرآن الكريم.

 

أولًا: التعريفُ بالقرآن الكريم:

      يقول لويس عن القرآن الكريم بأنّه "الكتاب المقدس عند المسلمين، ولكنه ليس مثل الكتاب المقدّس عند النصارى، وهو كتابٌ واحد بالنسبة للمسلمين. ولو أردنا المعنى الحرفي، فهو كلمة الله، أمليَ على نبيه بواسطة جبريل. ويرى معظم المؤرخين أنه سجلٌ أصيل لتعاليم محمد- صلى الله عليه وسلم- ونشاطاته، ويعود تاريخه إلى حياة محمد، صلى الله عليه وسلم، وجمع منقّحًا بعد وفاته. ويختلف القرآنُ عن العهدين القديم والجديد بأنه ليس مجموعة نصوصٍ من كتابات مختلفة، بل هو من عمل كاتبٍ واحد (مؤلّف واحد) أنتج في حياة شخصٍ واحد"([3]) ويضيف لويس قائلًا: "بينما يقبل العلماء الغربيّون- عمومًا- بمصداقية القرآن وموثوقيّته إلّا أنّ العلماء في الاتحاد السوفيتي يرون بأنه حرّر وكتب في عهد الخلفاء"([4]).

        ويشير لويس إلى نظرة المسلمين للقرآن الكريم بقوله: "ووفقًا لعقيدة المسلمين، فإنّ الرسول-صلى الله عليه وسلم- كان الشخص الموحى إليه أوامرُ الله، ليس فقط عندما كان يتْلو النصّ المقدّس الذي أملي عليه، ولكنْ في كلّ ما كان يقوله ويفعله، ولهذا فإنّ القرآن ليس الوحي الوحيد (كلام الله) ولكنّ الحديث أيضًا (كلام الرسول) أصبح ينظَر إليه على أنه مصدرٌ ثان للوحي، وهناك فرق بين الاثنين، فالقرآن حرّر وأذيع في نصّ محدّد بعد وفاة الرسول- صلى الله عليه وسلم- ونظر إليه على أنّه مصدر مقدّس لا يمكن الزيادة فيه أو النقص منه بأيّة طريقة. إنّ مصداقيته ودقّته في التعبير وموثوقيته لا يمكن الشكّ فيها"([5]). وقد قال لويس في موضعٍ آخر: "إنّ القرآن لم يعد المصدر الوحيد كمرشدٍ للسلوك عندما توسّعت الإمبراطورية، بل أضيف إلى ذلك أقوالُ وأفعال الرسول خلال حياته كلها"([6]).

      وهنا يخلط لويس في هذا التعريف بين المعلومات الصحيحة والمعلومات المشوهة، ويتجاهل كثيرًا من حقائق القرآن الكريم. فمِن المعلومات الصحيحة قوله إنّ القرآن هو الكتاب المقدّس عند المسلمين، وأنه كلام الله عزّ وجل، وأنّ الوحي لا يقتصر على القرآن الكريم، بل إنّ حديث الرسول- صلى الله عليه وسلم- من الوحي المقدّس أيضًا. ومن المعلومات الصحيحة أيضًا إشارته إلى أنّ نصّ القرآن لا يمكن الزيادة فيه أو النقص منه. ويتعمّد لويس استخدام أسلوب الإيحاء بقوله إنّه أملي على الرسول بواسطة جبريل بدلًا من استخدام لفظة أوحي إليه أو نزل عليه. فثمّة فرق واضح بين لفظِ "أملي" التي وردت في القرآن عن الأساطير التي زعمَ المشركون أنها تملى عليه، وذلك في قوله تعالى: {وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلًا} ([7]).

       والفرق واضحٌ بين لفظ Dictate "أملي" ولفظ Revea "أوحي" ففي الإملاء يقوم الشخص المملَى عليه بالكتابة، ومن ذلك ما جاء في آية الدّين: {وليكتب بينكم كاتب بالعدل ولا يأب كاتب أن يكتب كما علمه الله فليكتب وليملل الذي عليه الحقّ} ([8]). ولكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كان يوحى إليه القرآن الكريم فيحفظُه، ويحرص على تلاوته في الصلوات وغيرها، ويحفّظه صحابته الكرام، ويقوم أيضًا بالإملاء على كتبة الوحي، وقد أكّدت الآيات القرآنية هذا الأمر، ومن ذلك قوله تعالى: {نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين} ([9]). وقوله تعالى: {تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا} ([10]). وقوله تعالى: {هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هنّ أمّ الكتاب} ([11]). كما وردت لفظة وحي في مواقع عديدة منها قوله تعالى: {وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومَن بلغ} ([12])، وأمّا تكفّل الله- عزّ وجل- بحفظ القرآن فقد جاء ذلك في قوله تعالى: {لا تحرّك به لسانك لتعجل به إنّ علينا جمعه وقرآنه فإذا قرآناه فاتبع قرآنه} ([13]). وقوله تعالى: {سنقرئك فلا تنسى إلّا ما شاء الله} ([14]).

        وقد جعل لويس القرآن الكريم في تعريفه مقتصرًا على تسجيل أعمال الرسول- صلى الله عليه وسلم- ونشاطاته. وفي هذا تجاهلٌ لحقيقة القرآن وإعجازه. وقد أوضح الإمام القرطبي أوجهَ الإعجاز في القرآن التي تتّضح من خلال المجالات التي تناولها القرآن وكان معجزًا فيها جميعًا، وهي: "النّظم البديع المخالف لكلّ نظمٍ مَعهود في لسان العرب وفي غيرها..." والأسلوبُ المخالف لجميع أساليب العرب، والجزالة التي لا تصحّ من مخلوق بحال، والتصرف في لسان العرب على وجهٍ لا يستقلّ به عربي، حتى يقع منهم الاتفاقُ جميعهم على إصابته في وضع كلّ كلمةٍ وحرفٍ في موضعه، ومنها الإخبار عن الأمور التي تقدّمت في أول الدنيا إلى وقتِ نزوله من أميّ ما كان يتلو مِن قبْله من كتابٍ ولا يخطّه بيمينه...، ومنها الوفاء بالوعد المدرك بالحسّ في العَيان في كلّ ما وعد الله سبحانه، وينقسم إلى أخبار مطلقة كوعده بنصر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وإخراج الذين أخرجوه من وطنه.. وإلى وعدٍ مقيّد بشرط كقوله: {ومن يتوكّل على الله فهو حسبه}، {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}، ومنها الإخبار عن المغيبات في المستقبل التي لا يطّلع عليها إلّا بالوحي، فمن ذلك: ما وعد الله نبيه- صلى الله عليه وسلم- أنه سيظهر دينَه على الأديان بقوله تعالى: {هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله}. وقال: {الم. غلبت الروم في أدنى الأرض وهُم من بعد غَلبهم سيغلبون}، ومنها ما تضمّنه القرآن من العلم الذي هو قِوام جميع الأنام، في الحلال والحرام، وفي مسائل الأحكام ومنها التناسب في جميع ما تضمّنه ظاهرًا وباطنًا من غيرِ اختلاف، قال الله تعالى: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرًا}([15]). أما الإعجاز العلمي فقد كتب موريس بوكاي عن ذلك قائلًا: "وأنه لا يتناقض موضوعٌ ما من مواضيع القرآن العلمية مع وجهة النظر العلمية"([16]). ويقول في موضع آخر: "إنّ أوّل ما يثير الدهشة في روح مَن يواجه مثل هذا النصّ لأوّل مرّة هو ثراءُ الموضوعات المعالجة، فهناك الخلق، وعلم الفلك، وعرض بعض الموضوعات الخاصة بالأرض، وعالم الحيوان، وعالم النبات والتناسل الإنساني. وعلى حين نجد في التوراة أخطاء علمية ضخمة لا نكتشف في القرآن أي خطأ. وقد دفعني لأنْ أتساءل: لو كان كاتبُ القرآن إنسانًا، كيف استطاع في القرن السابع من العصر المسيحي أن يكتب ما اتّضح أنه يتّفق اليوم مع المعارف العلمية الحديثة؟"([17]).

         ولا شكّ أنّ لويس يحرص على التشكيك في مصداقية القرآن حينما يزعم أنه جُمع بعد تنقيحه بعد وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، دون أن يوضّح معنى التنقيح. فمثل هذه العملية تحتاج إليها الكتابات البشرية، لكنّ القرآن الكريم لم يحدث فيه أيّ تنقيح حين جُمع أو قبل جَمعه. ولما كان القرآن كلام الله فليس هناك وجهٌ للمقارنة بينه وبين الأناجيل أو العهد القديم. ولكنّ لويس يصرّ على استخدام العبارات التي يودّ من خلالها أنْ يترك في ذهن القارئ أنّ الرسول- صلى الله عليه وسلم- هو مؤلّف القرآن بقوله: "من عمل كاتب واحد". كما أنّ لويس يورد افتراءَ علماء الاتحاد السوفيتي بزعمهم أنّ القرآن حرّر وكُتب في عهد الخلفاء. فليست هذه الشبهة قاصرةً على علماء الاتحاد السوفيتي، بل إنّ لويس وغيره من المستشرقين الغربيّين لا يختلفون كثيرًا عن المستشرقين الشيوعيين سوى أن الشيوعيين يحاربون الأديان جميعًا. وقد أورد ساسي الحاج أقوالَ مجموعة من المستشرقين الغربيين الذين قالوا قولةَ المستشرقين الشيوعيين ومنهم على سبيل المثال جولدتسيهر، ومونتجمري وات، وبلاشير، وكليمان هوار وتسدال وغيرهم ([18]).

       وأمّا قول لويس إنّ الحديث أصبح ينظَر إليه على أنّه وحي، فهل كان غير ذلك في أيّ وقت من الأوقات؟ {وما ينطق عن الهوى. إنْ هو إلّا وحي يوحى} ([19]). وقد قال القرطبي في تفسيرها: "وفيها أيضًا أدلّة على أنّ السنة كالوحي المنزل في العمل"([20]).

ويقول القرطبي في موضعٍ آخر من تفسيره: "أيّ أذن له أنْ يبيّن ما في الكتاب ويخصّ ويزيد عليه ويشرع ما في الكتاب، فيكون في وجوب العلم به ولزوم قبوله كالظاهر المتلوّ من القرآن"([21]).

ثانيًا: الخلفيّة الفكرية للرسول- صلى الله عليه وسلم-:

1- شبهةُ الأخذ عن اليهود والنصارى:

       يقول لويس: "تشير مشكلة خلفية الرسول- صلى الله عليه وسلم- كثيرًا من التساؤلات، فمِن الواضح أنّه كان موضعَ تأثّر باليهودية والنصرانية وذلك لأنّ فكرة التوحيد والعناصر الكتابية الكثيرة في القرآن تثبت ذلك"([22]). ويقول أيضًا: "ولكنّ روايته للقصص الكتابية تشير إلى أنّه قد حصل على معلومات الكتابة بطريقةٍ غير مباشرة. ومن المحتمل أن تكونَ من التجّار والرحّالة اليهود والنصارى الذين كانت معارفهم خاضعةً للتأثيرات المدراشية اليهودية والأبوكريفية"([23]). وقد شكّك لويس في أميّة الرسول- صلى الله عليه وسلم- بأنها قد تصحّ وقد لا تصحّ ([24]).

      إنّ مسألة تأثّر الرسول- صلى الله عليه وسلم- باليهودية والنصرانية من الأمور التي خاض فيها المستشرقون كثيرًا، ومِن هؤلاء توري وإبراهام كاتش وسبرنجر ونولدكه ([25]). ويمكن الردّ على هذه الشبهة في عدّة نقاط، هي:

أ- يجزم لويس أنّ هذه التأثيرات كانت واضحة، ولكنه لم يحدّد لمن؟ وكيف.. ولم يقدّم على ذلك أي دليل؟

ب – إنّ التشابه الموجود بين القرآن والكتب السابقة ناتجٌ عن أنّ مصدر هذه الكتب واحد هو الوحي. ومع التّشابه في الأصول فإنّ التحريف الذي حدث في الكتب السماوية السابقة أخرجَ هذه القصص أو التشريعات عن طبيعتها السماوية، وجعلها أقربَ إلى صنع البشر وتأليفهم. ويرفض مالك بن نبي نظريةَ التشابه بين قصص "الكتاب المقدس" وبين القصص القرآني مشيرًا فيه إلى أنّ هذه المسألة تتطلب افتراضَ وجود تأثير يهودي مسيحي في الوسط الجاهلي.

       وقد أكّدت العديد من الدراسات التي أجريت للكشف عن هذا التأثير في مكة عند البعثة بطلانَ هذا الافتراض، ووجدت "انعدام أي تأثير يهودي مسيحي في الحياة الجاهلية، هو بالتأكيد ما أكّده القرآن الكريم بقوّة، وأيّدته الأخبار المتواترة ([26]). وزيادةً على ذلك كلّه فهذا العصر – الجاهلي– خالٍ تمامًا من الوثائق المخطوطة ذلك أنّ "ثروته الفكرية وأدبه الشعبي لم يحفظْ إلّا بطريق الرواية المشافهة، ذلك الطريق الذي أوصل جوهر التراث إلى عصور الأدب والعلم الإسلامية"([27]). ومن المعروف- أيضًا- أنّه لم تكن توجد ترجمة عربية للكتب السابقة في عهود الإسلام ممّا جعل الغزالي في القرن الهجري الخامس يعود إلى مخطوط قبطي ليكتب ردّه على النصارى. وبهذا يقول مالك بن نبي: "لو أنّ الفكرة اليهودية المسيحية كانت قد تغلغلت حقًّا في الثقافة والبيئة الجاهلية فإنّ من غير المفهوم ألّا توجد ترجمة عربية للكتاب المقدس"([28]).

      وإنّ النظرة العلمية المتّزنة للقصص القرآني وقصص "الكتاب المقدس" تجد اختلافات جوهرية منها أنّ رواية القرآن لقصة يوسف– عليه السلام– مثلًا: "تنغمر باستمرار في مناخ روحاني نشعر به في مواقف وكلام الشخصيات التي تحرّك المشهد القرآني"، بينما تغرق الرواية التوراتية في "وصف الشخصيات المصرية– الوثنية بالطبع– بأوصاف عبرانية.. كما أنّ القصة في التوراة تحمل أخطاءً تاريخية وغير ذلك"([29]). ولو كانت المقارنة للكتابين لتفوق القرآن الكريم لما فيه من سموّ ورفعة بينما حفلت بعضُ قصص "الكتاب المقدس" بأسلوب هابط بذيء لا يليق بوصف أنّه "المقدس" كما في نسيد الإنشاد على سبيل المثال.

     وقد أكّد القرآن الكريم عدمَ علْم الرسول- صلى الله عليه وسلم- بأخبار الأمم السابقة لا هو ولا قومه، ولا بالتفاصيل الدقيقة التي أوردها القرآن الكريم، وذلك في قوله تعالى: {تلك مِن أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل فاصبر إن العاقبة للمتقين} ([30]).

ج – لعلّ لويس ومَن سبقه مِن المستشرقين لاحظوا، بعد نظرة قريبة، وجودَ تشابه بين الإسلام والأديان السابقة.. "ولكنّ النظرة الفاحصة الدقيقة عن قرب تبرز خلافات أساسية"([31]). ومِن هذه الخلافات ما وصل إليه النصارى واليهود من تأليه لأنبيائهم كما فعلوا بعيسى، عليه السلام، وكما فعل اليهود {وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله} ([32]) وكذلك وجود أساطير وخرافات يؤمنون بها كما قصة "العشاء الرباني" و"صكوك الغفران"، وغير ذلك.

د – أمّا مسألة الشكّ في أمّيّة الرسول، صلى الله عليه وسلم، فقد شارك في ذلك مونتجمري وات حيث يقول: "إنّ الإسلام التقليدي يتمسّك بأنّ محمدًا، صلى الله عليه وسلم، كان لا يقرأ ولا يكتب، ولكنّ هذا الادّعاء يشكّ فيه الباحث الغربي الحديث، وذلك لتأييد الاعتقاد بأنّ القرآن معجِز، حيث لا يستطيع شخصٌ أميّ أنْ يأتي بمثل ذلك. وعلى العكس فمِن المعروف أنّ كثيرًا من المكّيّين كانوا يعرفون القراءة والكتابة، وبالتالي فيفترض أنّ تاجرًا ناجحًا مثل محمد لا بدّ أنْ يكون قد عرف القراءة والكتابة"([33]). وقد سبق إلى هذا الرأي المستشرق توري Torrey الذي ادّعى أنّ الرسول- صلى الله عليه وسلم- كان يعرف القراءة والكتابة ([34]) والقرآن الكريم ينفي عن الرسول- صلى الله عليه وسلم- معرفة القراءة والكتابة: {وما كنتَ تتلو من قبله من كتاب ولا تخطّه بيمينك إذًا لارتاب المبطلون} ([35]).

      يقول القرطبي في تفسير هذه الآية: "وما كنت يا محمد تقرأ قبله، ولا تختلف إلى أهل الكتاب، بل أنزلناه في غاية الإعجاز والتضمين للغيوب وغير ذلك، فلو كنت ممن يقرأ كتابًا، ويخطّ حروفًا (لارتاب المبطلون) أي مِن أهل الكتاب".. قال مجاهد: كان أهل الكتاب يجدون في كتبهم أنّ محمدًا- صلى الله عليه وسلم- لا يخطّ ولا يقرأ، فنزلت هذه الآية، قال النّحاس دليلًا على نبوّته لقريش، لأنّه لا يقرأ ولا يكتب ولا يخالط أهل الكتاب، ولم يكن بمكّة أهل الكتاب فجاءهم بأخبار الأنبياء والأمم، وزالت الرّيبة والشّك"([36]). كما ورد في تفسير آية أخرى هي: {الذين يتّبعون الرسول النبي الأمي} فيقول القرطبي (الأمي) منسوب إلى الأمّة الأميّة، التي هي على أصْل ولادتها لم تتعلّم الكتابة ولا قراءتها، ويروي القرطبي أنه ورد في الصحيح عن ابن عمر عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّا أمّةٌ أميّة لا نكتب ولا نحسب"([37]) يؤكّد الباقلاني في كتابه "إعجاز القرآن" أميّةَ الرسول- صلى الله عليه وسلم- بقوله: "إنّه كان معلومًا من حال النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه كان لا يكتب ولا يحسن أنْ يقرأ، وكذلك كان معروفًا من حاله أنّه لم يكن يعرف شيئًا من كتب المتقدّمين وأقاصيصهم وأنبائهم وسيَرِهم..." ([38]). ويضيف الباقلاني قائلًا: "إنّ مَن كان يختلف إلى تعلّم علم ويشتغل بملابسة أهل صنعة لم يخفَ على الناس أمرُه، ولم يختلف عندهم مذهبه، وقد كان يعرف فيهم مَن يحسن هذا العلم وإنْ كان نادرًا، وكذلك كان يعرف من يختلف إليه للتعلّم، وليس يخفى في العرف عالم كلّ صنعة ومتعلّمها، فلو كان منهم لم يخفَ أمرُه"([39]).

وتناول محمد الزفزاف هذه القضية، وأورد نقاشًا لها كما يأتي:

أ- إنّ مسألة أميّة الرسول قد نقلت إلينا بطريقة التواتر.

ب- "إنّه لو تعلم القراءة والكتابة قبل النبوة لاحتاج إلى زمنٍ طويل وتردّدٍ مستمرّ على مَن يعلّمونه... لعلمنا أنه لو كان غير أمي لوجِدَ من قومه مَن يجابهه ويكذبه..." ([40]).

ج- "إذا فرضنا أنّه تعلّم القراءة والكتابة، ولكنه بالغ في إخفاء ذلك لكي يُحكم الحيلة في دعوى النبوة فما أبعدَ هذا الفرض، يخفي هذا الأمر، ويخترع الحيل لستره أكثرَ من ثلاثين عامًا"([41]). والصحيح أكثر من عشرين عامًا.

د- "مَن الذي علّمه؟ إمّا أن يكون مِن أهل الكتاب، وإمّا أنْ يكون من قلائل العرب الذين كانوا يعرفون القراءة، وحينما جاء بالدّعوة كان فيما أذاعته خديجة– رضي الله عنها– بين فريقٍ من قومها: أنّه نزل عليه الوحي يقول له: اقرأ. فقال: ما أنا بقارئ. ثمّ جاهر الرسول بالأمر، وكان فيما ينزل عليه ما يدلّ على أنّه لم يتعلّم. فهل ترى أنّ الذين تعلّم عليهم كانوا يسكتون ولا يفوهُ واحدٌ منهم بهذا لأحدٍ كي توصد أبوابُ تلك الدعوى العريضة في وجه محمّد عليه السلام؟"([42]). وقد ناقش جعفر شيخ إدريس هذه القضية في معرض ردّه على مونتجمري وات، فأكّد أنّ وات "يخلط بين الارتياب والرفض"، وأضاف بأن "للباحث– غربيًّا كان أم شرقيًّا حديثًا أم قديمًا– أنْ يرتاب فيما يدّعيه خصمه تأييدًا لدعواه. ولكن هذا الارتياب ينبغي أن يكون عند الباحث المنصِف خطوات أولى للتثبّت من الأمر.. أمّا أنْ يرفض كلّ ما يدّعيه خصمه مما يؤيّد زعمه لمجرّد أنه يؤيّد هذا الزعم فمسلك لا ينتهجه باحثٌ منصف"([43]) كما تناول الشيخ إدريس روايات نزول الوحي وما ورد فيها من عبارة (ما أقرأ- أو ماذا أقرأ) وبيّن أنّ معناها لا يمكن أنْ يخرج عن كوْن الرسول- صلى الله عليه وسلم- أميًّا لا يقرأ ولا يكتب ([44]).

2- شبهة ُالأخذ عن الحنفاء:

يقول لويس: "ترى السنةُ بعضَ الأخبار عن الحنفاء الذين لم يرتضوا دينَ قومهم الوثني ولم يقتنعوا لا بالنصرانية ولا باليهودية، فيجب أنْ نبحث عن أصول محمد- صلى الله عليه وسلم- عند هؤلاء"([45]) ويشارك لويس في هذه الشبهة هاملتون جب حيث أشار إلى ارتباط الرسول- صلى الله عليه وسلم- بالأحناف، وأنّ الإسلام كان يطلق عليه الحنيفيّة أولًا، ثمّ أصبح اسمُه فيما بعد الإسلام ([46]). ويبدو أنّ المستشرقين عندما فشلوا في إثبات وجود مصدر للوحي في اليهودية والنصرانية، بحثوا عن مصدرٍ آخر من داخل شبه الجزيرة العربية وهو الحنيفية لينسبوا الإسلام إليها. وهي هنا ردّ منهم على أنفسهم بذلك لأنهم كما زعموا أنّ الأحناف لم يقبلوا النصرانية أو اليهودية، ولكنْ لم يوضّحوا عدد هؤلاء الأحناف وكيف كانت صلتُهم بالرسول صلى الله عليه وسلم.

      وقد تحدّث الذهبي في سيرته عن الأحناف مشيرًا إلى أنّ هؤلاء نظروا في اليهودية والنصرانية فلمْ يجدوا فيهما ما يشفي غليلهم لما اعترى هاتين الديانتين من انحرافٍ وزيغ واختلاف ([47]).

     ويؤكّد ساسي الحاج أنّ شبهة الأخذ من الحنفاء لا تستحقّ كلّ هذا الاهتمام من قِبَل المستشرقين بقوله: "إنّ عقيدة الحنفاء غامضة، خاصّة فيما يتعلق بوجود الله ووحدانيته، وليس هناك كتابٌ معيّن يتبعون أحكامه، كما أنّ تصرفاتهم يغلب عليها الطابع الخلقي أكثر من الطابع الديني. وقومٌ هذه هي عقائدُهم المضطربة لا يمكن أن تكونَ أحكامهم وتصرفاتهم من المصادر الرئيسية للقرآن الكريم الذي يحتوي على تعاليم وأحكام واضحة جليّة، لا لبس فيها ولا غموض، شُرعت لتنظيم الإنسانية جمعاء في عباداتها ومعاملاتها"([48]).

      وقد ذكر ابن هشام في السيرة طرَفًا من حديث الحنفاء ومنهم ورقة بن نوفل، وعبد الله بن جحش، وعثمان بن الحويرث، وزيد بن عمرو، وأنهم كانوا لا يقرون قريشًا وما هي عليه من عبادة الأصنام. فأمّا ورقة "فاستحكم في النصرانية واتّبع الكتب من أهلها، حتى علم علمًا من أهل الكتاب. وأما عبد الله بن جحش فأقام على ما هو عليه من الالتباس حتى أسلم ثمّ هاجر مع المسلمين إلى الحبشة... وتنصّر هناك... وأما زيد بن عمرو بن نفيل فوقف فلم يدخل في يهودية ولا نصرانية، وفارق دينَ قومه فاعتزل الأوثان والميتة والدم والذبائح التي تذبح على الأوثان"([49]). وروى عنه أنه اعترف بعدم معرفته كيف يعبد الله ([50]).     لقد كان على لويس أنْ يوضّح فكر هؤلاء الأحناف بدقّة وصلتهم بالإسلام الذي جاء بشريعة متكاملة ونظام عقدي دقيق شامل. أمّا أنْ يطلق الشبهة ويقدّم الافتراض دون مناقشته فليس مِن المنهج العلمي. فلو كانت قريش على علمٍ بأنّ الأحناف لهم يدٌ فيما نزل من القرآن لاتّهموا الرسول- صلى الله عليه وسلم- به، وهم الحريصون على أقلّ شبهةٍ للطعن في الإسلام الذي حاربوه أكثر من عشرين سنة.

      ويعلّق عباس محمود العقاد على هذه القضية بعد ذكر حالة النصرانية واليهودية في جزيرة العرب بقوله: "ينبغي الاحتراس من قول القائلين إنّ أحدًا من أولئك المتحنفين أو الحنفاء تنصّر أو تهّود على مذهب مستوعب لعقائد النصرانية أو اليهودية، فكلّ ما يصحّ من أخبار الحنفاء أنهم كانوا يعرفون أنّ الإيمان بالله الواحد أهدى وأحكم من الإيمان بالنّصب والأوثان"([51]).

3- نزولُ الوحي على الرسول صلى الله عليه وسلم:

تحدّث لويس عن بداية الوحي مشيرًا إلى أنّ ذلك كان نتيجةَ تطوّر طويل أو انفجار مفاجئ كما يشير إلى ذلك القرآن والسنة ([52]).

        لم يحدّد لويس هنا موقفَه حقيقة، هل يعتقد أنّ النداء أو الوحي كان مفاجئًا، أو كان نتيجة تطوّر طويل، كما لم يوضّح معنى عبارة "التطوّر الطويل". فهل النبوة عملية بشرية تمرّ بتطوّرات؟ نعم.. لقد فاجأ الوحي الرسول- صلى الله عليه وسلم- في غار حراء، لكنّه كان بعد إرهاصاتٍ وإعداد للرسول صلى الله عليه وسلم. وقد ثبت في السنة المطهرة بعضُ هذه الإرهاصات، ومنها:

ا- حادثة شق الصدر: وقد وقعت هذه الحادثة مرتين: إحداهما عندما كان طفلًا وقد روى الإمام مسلم هذه الحادثة كما روتْها كتبُ السيرة الأخرى ([53]). وقال فيها السهيلي: إنّ الحكمة منها "لينقّي قلبه من مغمز الشيطان، وليطهر مِن كلّ خلق ذميم حتى لا يلتبس بشيء مما يعاب على الرجال، وحتى لا يكون في قلبه شيء إلا التوحيد"([54]). والحالة الثانية كانت في ليلة الإسراء والمعراج ([55]).

ب- صيانة الله، عزّ وجل، وحمايته له من أفعال الجاهلية كعبادة الأصنام وشرب الخمر واللهو ([56]).

ج- اتصافه، صلى الله عليه وسلم، بصفات الكمال في شبابه حتى لُقّب الأمين ([57]).

د- حبّب إليه العزلة والخلوة والتحنث عندما كان يقترب من الأربعين من عمره حتى كان يذهب إلى غار حراء في شهر رمضان من كلّ عام.

هـ- الرؤيا الصالحة التي كانت تأتي مثل فلَق الصبح ([58]).

ورغم حدوث مثل هذه الأمور في حياة الرسول- صلى الله عليه وسلم- لكنها لم تجعله يتطلّع إلى النبوة أو إلى كتابٍ ينزل عليه، بل لم يكن يدري من ذلك شيئًا، وهو ما أشارت إليه الآية الكريمة: {وكذلك أوحينا إليك روحًا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان} ([59]).

ثالثًا: القرآن والتاريخ:

      تحدّث لويس عن القرآن الكريم واهتمامه بالقضايا التاريخية بقوله: "إنّ أقدم سجل تاريخي للإسلام هو القرآن نفسه، وبالنسبة للمسلمين هو كتاب ديني ذو نصوص مقدسة، وليس كتاب تاريخ، ومع ذلك فهو يقدّم معلومات تاريخية مهمّة بخصوص سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- والمجتمع الذي أوجده"([60]) ويقول في موضع آخر: "إنّ المصدر الوحيد المقبول عمومًا لحياة النبي- صلى الله عليه وسلم- هو القرآن نفسه الذي يعدّ جمعًا لأقوال محمد لأهل مكة وأهل المدينة طوالَ حياته على أنها الوحي المباشر لكلام الله. ومِن القرآن والأدلة المحدودة المتوفّرة من المصادر الأخرى أصبح من الممكن إعادة بناء سيرة محمد- صلى الله عليه وسلم- ولكنْ ليس بالتفاصيل التي توردها السنة والكتَّاب الأوروبيّون الأوائل الذين رجعوا إليها، ومع ذلك كان هذا كافيًا لإبراز الأهميّة الرئيسية لحياته"([61]). وتحدث وليس كما جاء في القرآن بخصوص غزوة بدر، وأنّ القرآن احتفل بإنجاز المسلمين كتعبيرٍ عن رضا الله عزّ وجل ([62]).

      لقد ناقض لويس نفسَه في زعمه أنّ القرآن سجلٌ تاريخي للإسلام، ثمّ نفى هذه الصفة عنه، وفي العبارة الأخرى جعله مصدرًا مقبولًا عمومًا لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم.

فالقرآن ليس سجلًّا تاريخيًّا، إنما هو كتاب هداية، ومن مقتضيات الهداية والاعتبار ذكر الحوادث التاريخية، فإنّ المؤرخين المسلمين عدّوا القرآن الكريم أصدقَ مصدرٍ لسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذا مهدي رزق الله أحمد يذكر أنّ المصدر لسيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- "ينبغي أنْ يكون القرآن الكريم، لأنّه نصّ قطعي الثبوت، بل هو أصحّ نصحٍ عرفته البشرية في تاريخها، وليس من الإيمان أو من أبجديات المنهج العلمي التغاضي عن هذه الحقيقة التي لا تحتاج إلى كثير كلامٍ لإثبات ذلك"([63]). وقد تناول القرآن أمورًا تاريخية أخرى سوى سيرة الرسول- صلى الله عليه وسلم- مثل الحديث عن العرب قبل بعثة الرسول، صلى الله عليه وسلم، وحياتهم الاجتماعية، والسياسية، والدينية، والاقتصادية، والثقافة. كما تناول القرآن الأممَ الأخرى التي كانت في جزيرة العرب ([64]). وإضافةً إلى ذلك فإنّ قصص الأنبياء السابقين وردتْ في القرآن الكريم بأجلى وأصدقِ صورة، ومن لك مثلًا تاريخ بني إسرائيل ومواقفهم مع أنبيائهم، وأحوالهم الاجتماعية والدينية والسياسية، وقصة عيسى عليه السلام في سورةٍ كاملة جاءت باسم مريم عليها السلام.

       أمّا عن تفاصيل السيرة التي زعم لويس أنّ القرآن مقبول عمومًا في وصفه مصدرًا لها، فيقول فاروق حمادة: "وهو أوّل المصادر التي يُرجع إليها في معرفة حياة المصطفى وسيرته، وفي ثنايا القرآن الكريم كثيرٌ من الآيات التي عرضت لحياته قبل البعثة وبعدها كالحديث عن يُتْمه وفقره"([65]). {ألم يجدك يتيمًا فآوى، ووجدك ضالًّا فهدى} ([66]). وأشار حمادة بعد ذلك إلى بعض المواقف والقضايا التي تناولها القرآن، ومن ذلك موقف المنافقين والنفاق في المدينة من الدعوة الإسلامية، والحديث عن الغزوات، فقد نزلت سورة باسم إحدى الغزوات([67]) ويشير حمادة إلى تفرّد القرآن الكريم "بتبيان حالة النبي- صلى الله عليه وسلم- النفسية، وتصوير خلجات نفسِه في كثيرٍ من المواضع، ولولا القرآن الكريم ما كنّا نعرف شيئًا عن ذلك، وهذا أمرٌ مهمّ جدًّا نوازن بينه وبين مجموع سيرته الظاهرة لنتأكّد من صدقه ونزاهته، وليتمّ الربط الصحيح بين تصرّفه الظاهر وممارسته للحياة والدعوة وبين طويّته وسريرته الباطنية"([68]).

      أمّا قول لويس إنّ القرآن الكريم احتفل بانتصار المسلمين في بدر وكأنّ القرآن الكريم في رأي لويس جاء لتأييد المسلمين، وبخاصّة أنه زعم قبل ذلك أنّ المسلمين فاجئوا المشركين في بدر، وغنموا منهم الغنائم والأسلاب ليلمح بأنّ القرآن يشجع حصول المسلمين على الغنائم وعلى النهب. وقد وقع لويس في أكثر من خطأ: أولها تجاهله الحقائق التاريخية في أنّ قريش قد أعدّت لهذه المعركة بخروجها في ألف مقاتل بكامل عدّتهم وعتادهم ومعهم ثلاثمائة فارس، بينما لم يكن لدى المسلمين سوى فرسَيْن ([69]). أمّا الغنائم فقد تولّى القرآن الكريم مسألة تقسيمها في قوله تعالى: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأنّ لله خمُسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كلّ شيء قدير} ([70]). وكيف استدلّ على احتفال القرآن بإنجاز المسلمين، وهو الذي ينسب النصر إلى الله- عزّ وجل- بقوله تعالى: {فلم تقتلوهم، ولكن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ولكنّ الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنًا إنّ الله سميع عليم} ([71]).

رابعًا: القرآن الكريم والقضايا الاجتماعية:

        لقد ناقش لويس بعضَ القضايا الاجتماعية مثل قضية الرقّ والتعصب العرقي، ورجع في ذلك إلى بعض الآيات القرآنية، وقد أرجع بعضَ التشريعات ذات الطابع الاجتماعي إلى القرآن الكريم، فقال: "إنّ القرآن أذيع في مكة والمدينة في القرن السابع الميلادي، ولذلك فالخلفيّة التي يجب أنْ ينظر من خلالها إلى التشريعات القرآنية هي التشريعات العربية القديمة، فقد مارس العربُ الرقَّ بما يشبه الممارسات في العالم القديم، والقرآن يقبل بممارسة الرّق، مع ملاحظة أنّ القرآن نادرًا ما يستخدم لفظة "عبد" التي يستخدم بدلًا منها بأسلوب المواربة عبارة: (ما ملكت أيمانكم). ويعترف القرآن بعدم المساواة الأساسية بين السيد والعبد وحقوق الأول على الثاني"([72]). ويشير لويس إلى قوله تعالى: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمانهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون} ([73]). ويذكر لويس أنّ الإسلام يوصي بالرأفة بالرقيق، ولكنه لا يأمر بذلك فعلًا ([74]). ويستشهد على ذلك بقوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم} ([75]).

      ويتناول لويس مسألة التعصّب العرقي واللوني في القرآن فيقول: "لا يعبّر القرآن عن التعصب للرقّ أو اللون، وربما كان الأكثر أهمية أنّ القرآن لا يظهر أيّ وعي بمثل هذا التعصب"([76]). ويشير لويس هنا إلى قوله تعالى: {ومن آياته خلق السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين} ([77]). وقوله تعالى: {يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عندالله أتقاكم إن الله عليم خبير} ([78]) ويقول لويس بعد ذلك: "إنّ الآيتين تظهران إدراكًا بالاختلاف، بينما تؤكّد الثانية على أنّ التقوى أكثر أهمية من النسب. والأمرُ الذي توضحه الآيتان أنّ المسألة اجتماعية وليست عرقية، وأنها مقابل القَبَلية والأرستقراطية، وليست ضدّ الاعتزاز العرفي"([79]). ويستنتج بعد ذلك قائلًا: "إنّ من الواضح أنّ مسألة العرق ليست مسألة حسّاسة، ولكنها أصبحت كذلك فيما بعد، كما يمكن أنْ يرى من الشروحات حول هذه النصوص من قِبَل المفسرين الذين جاءوا فيما بعد، وكذلك جامعي الأحاديث"([80]). ويضيف لويس بأنّ هذه المسألة لم تكن قضية عرقيةً في بداية الأمر؛ حيث لم يتجاوز الإحساس الطبيعي بالتميز الذي يشعر به كلّ البشر في علاقاتهم بالآخرين ([81]).

       ومِن القضايا الاجتماعية التي حاول لويس أنْ ينسبها للقرآن الكريم ما كتبه عن مطالبة معاوية بن أبي سفيان بدمِ عثمان رضي الله عنهما، حين قال: "إنّ مطالبته بالثأر والانتقام لمقتل عمّه عثمان إنما كان يتصرّف وفقًا للعادة العربية القديمة التي أقرّها القرآن"([82]).

يردّد لويس هنا شبهةً سبقه إليها كثيرٌ من المستشرقين باعتبار الأعراف الجاهلية سواء في العبارات أو المعاملات مصدرًا من مصادر التشريع الإسلامي. وقد استعرض ساسي الحاج أقوال عددٍ من هؤلاء المستشرقين، وأوضح بعضَ العبادات التي وجدت قبل بعثة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وأبقاها الإسلام، وألغى أو أبطل كثيرًا من عباداتهم، وفعل الشيء نفسه بالنسبة للمعاملات، ومن ذلك الإبقاء على صورة من صور الزواج الذي جاء الإسلام وأكّد صحّته ([83]). ويقول الحاج ملخّصًا هذا الموقف: "ونحن لا ننكر وجود مثل هذه الأحكام والقوانين الناتجة عن أعراف الجاهليّين في التشريع الإسلامي، ولا يضير الرسول- صلى الله عليه وسلم- الإبقاءُ على القوانين الصالحة سواء تلك المنظمة للعبادات أو المعاملات، طالما كانت هذه الأحكام تتناسب وفلسفة التشريع الإسلامي لتحقق مقاصدَه التي أنزل من أجلها. ولا يمكن الاستنتاج من الإبقاء عليها تأثّر الرسول بها باعتبارها أمورًا استمدتها من بيئته ولم يوحِ بها الله إليه في محْكم كتابه"([84]).

       ويخطئ لويس حين يتّهم القرآن باستخدام أسلوب المواربة في استبدال لفظ العبد بعبارة "ما ملكت أيمانكم". فقد وردتْ هذه العبارة في سورة النساء وقال القرطبي في تفسيرها: "إلّا أنّ ملك اليمين في العدل قائمٌ بوجوب حسن الملكة والرّفق بالرفيق. وأسند الله الملك إلى اليمين إذْ هي صفةُ مدح، واليمين مخصوصة بالمحاسن لتمكّنها. ألا ترى أنها المنفقة"([85]). كما أنّ من معاني عبارة لويس أنّ في القرآن حشوًا، وهذا ما لم تستطعِ العرب أنْ تقوله وهُم أهل الفصاحة والبلاغة، ويقول الرافعي في ذلك: "فإنّ اعتبار الزيادة فيه وإقرارها بمعناها، إنما هو نقصٌ يجلّ القرآنُ عنه، وليس يقول بذلك إلّا رجلٌ يعتسف الكلام ويقضي فيه بغير علمه أو بعلم غيره...." ([86]). وقد أخطأ أيضًا لويس في فهم الآية الكريمة: {والله فضل بعضكم على بعض في الرزق} فيقول ابن كثير في تفسيرها: "فقال تعالى منكرًا عليهم (على المشركين) أنتم لا ترضون أنْ تساووا عبيدكم فيما رزقناكم فكيف يرضى هو تعالى بمساواة عبيدٍ له في الإلهية والتعظيم"([87]). وحين يزعم لويس عدم مساواة الإسلام بين الرقيق والسيد قلنا أنْ نسأله: فهل مثل هذه المساواة المزعومة وجدت في التاريخ الغربي جميعه؟ أمّا الإسلام فإنّ عدم المساواة في التكاليف الشرعية جعلت حتى العقوبة على الرقيق نصف عقوبة الحر. وزعم لويس أنّ الإسلام أوصى بالإحسان إلى الرقيق ولم يجعل ذلك فرضًا مستشهدًا بآية الزكاة {إنما الصدقات للفقراء والمساكين...} وهذه الآية خاصّة في توزيع الزكاة والأصناف الذين يستحقّونها، ومن هؤلاء الرقيق. فهي حقّ لهم، وذكر القرطبي أنّ الرقيق المكاتب يدخل ضمنَ الغارمين ([88]). ويمكن الردّ على لويس بأنّ مكاتبة الرقيق تصبح واجبة إذا كان الرقيق قادرًا على الكسب، أو كان فيه خير، كما جاء في قوله تعالى: {والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا وآتوهم من مال الله الذي آتاكم} ([89]). وقد اختبار ابن عباس والطبري أنّ الأمر للوجوب، وقد روي عن عمر بن الخطاب (رضي الله عنه): "أنّ سيرين أبا محمد بن سيرين سأل أنس بن مالك الكتابة وهو مولاه فأبى أنس، فرفع عمرُ عليه الدّرةَ وتلا: {فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرًا} فكاتبه أنس. قال داود: وما كان عمر ليرفع الدّرّة على أنس فيما له مباح ألّا يفعله"([90]).

       وتأكيدًا لمسألة أمر الإسلام بالرفق بالرقيق نوردُ بعض الأحاديث النبوية الشريفة، فالحديثُ الأوّل يؤكّد ما ورد في أنّ عدم تسمية الرقيق بالعبد إنما هو تشريع رباني، وليس أسلوب مواربة كما يزعم لويس. فقد روى أبو ذر الغفاري أنّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: "إنّ إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمَن كان أخوة تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم"([91]) كما ورد بالنّهي عن مناداة الرقيق بعبدي، أمتي "وليقل فتاي وفتاتي وغلامي"([92]).

       وقد أخطأ لويس في حديثه عن التعصب العرقي زاعمًا أنّ القرآن تناول هذه المسألة من زاوية اجتماعية وليس كمسألةٍ عرقية، وكان على لويس أنْ يرجع إلى المصادر الإسلامية ليفهم موقفَ الإسلام من التمييز العنصري. فالإمام القرطبي حين يفسر هذه الآية التي استشهد بها لويس: {يا أيها الناس إنا خلقناكم..} بقوله: "فيه سبع مسائل: منها أنه "زجرهم عن التفاخر بالأنساب، والتكاثر بالأموال، والازدراء بالفقراء، فإن المدار على التقوى. أي الجميع من آدم وحواء. ومنها أنّ الشعوب بطون العجم والقبائل بطون العرب، ومنها أنّ الكفاءة في الزواج لا يعتدّ فيها بالعرق أو اللون وإنما تراعى كفاءةُ الدين"([93]). وكيف يزعم لويس أنّ هذه المسألة لم تكنْ موجودة على عهد الرسول- صلى الله عليه وسلم- وكان مِن المسلمين مَن هو مِن أصلٍ حبشي ولونه أسود كبلال الحبشي، رضي الله عنه، وصهيب الرومي، وسلمان الفارسي رضي الله عنهم، فلويس لم يقدّم دليلًا على ما يقول، وهو- بلا شكّ- يتجاهل الحقائق المعروفة من المجتمع الإسلامي الأول.

أمّا بالنسبة للثأر، فقد قضى الإسلام على هذه العادة العربية القديمة، وجعل بدلًا منها القَصاص (القود) أو الدّية. وذلك وفقًا لما جاء في قوله تعالى: {ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليّه سلطانًا فلا يسرف في القتل إنه كان منصورًا} ([94]). وجاء في تفسيرها: "لا يقتل بدلَ وليّه اثنين كما كانت العرب تفعله، ولا يمثّل بالقاتل"([95]). ووردَ في موضع آخر: "إنّ أهل الجاهلية كان فيهم بغي وطاعةٌ للشيطان". ولما لم يكن في الجاهلية دولة وحكومة وأصبح للمسلمين دولة فقط أصبح القصاص حقًّا لوليّ الأمر. وفي هذا يقول القرطبي: "لا خلاف أنّ القصاص في القتل لا يقيمه إلّا أولو الأمر، فرض عليهم النهوض بالقصاص وإقامة الحدود وغير ذلك"([96]).

خامسًا: القرآن الكريم والدراسات النقدية للكتاب المقدس:

        وكما تعرّض "الكتاب المقدس" للدراسات النقدية، فإنّ لويس يتساءل عن غياب مثل هذا النّقد عند المسلمين فيقول: "يعارض الأصوليون علماء العقيدة الليبراليين والمحدثين الذين يميلون إلى نظرةٍ أكثر نقدية تاريخية للنصوص المقدسة. ذلك أنّ علماء العقيدة المسلمين لا يزال ينقصهم مثلَ هذه النظرة الليبرالية والنقدية للقرآن، وهكذا فمعظم المسلمين يلتزمون- على الأقلّ من ناحية المبدأ- النظرة الأصولية"([97]). غير أنّ لويس يجد بغيتَه في باحثَيْن من المسلمين يزعمان أنهما يكتبان نقدًا للنصّ القرآني هما محمد أركون وفضل الرحمن فيقول: "إنّ فضلَ الرحمن يرى الإجابة لمعْضِلة المسلمين هي بالعودة إلى الوحي القرآني، ولكنْ بمنهجٍ فكري جديد- علم عقيدة وفلسفة جديدين يسعيان إلى مناقشة وتشكيل مبادئ أخلاقية وميتافيزيقية ذات مصداقية مستقلة عن السياق الاجتماعي والسياسي الذي يظهر في القرآن"([98]). ويقول لويس عن محمد أركون: "وشبيهٌ بفضل الرحمن الذي يشترك معه في طريقته فإنّ أركون غير راضٍ عن تكرار المقولة الأبدية عن صدق النصّ القرآني، ولكنه غير مستعدّ للتخلّي عنها لصالح علمانية جديدة. إنّ الحاجة- كما يراها أركون- تكمنُ بما يفعله كلّ من اليهود والكاثوليك والبروتستانت المخلصين منذ مدّة بالعهدين القديم والجديد. ولكن هذا- في نظره- لم يقمْ به بعد بجديّة أيُّ عالمِ عقيدة مسلم- أي مناقشة كتاب الله بطريقة يقبلها

 الذّكاء المعاصر. إنّ أركون- العالم المسلم الجزائري والمثقف الباريسي العنيف- يعدّ بدايةً واعدة"([99]).

       لا شكّ أنّ هذه الدعوى التي يتبنّاها لويس سليمةً في ظاهرها؛ فالقرآن الكريم دعا إلى التفكير والنظر، وإلى تحكيم العقل في كثيرٍ من القضايا، وهذه المسائل واضحةٌ بنصّ القرآن الكريم (لقومٍ يعقلون).. يتفكرون، (أفلا ينظرون...) وقد وردت كلمةُ النظر دالةً على النظر العقلي بالإضافة إلى النظرِ الحسّي عشرات المرات، أمّا كلمة عقل فقد وردت كذلك كثيرًا، ومِن ذلك قوله تعالى: {إن كنتم تعقلون}، {فتكون لهم قلوب يعقلون بها}، {أفلا تعقلون}. وقد كان القرآن الكريم أولَ مَن طبّق هذا النقد على نصوص التوراة والأناجيل.

      وإذا كانت دراسة الكتب المقدسة- من خلال علم الدراسة النقدية للنصوص- قد أظهرت نتائجَ حاسمة لم تكنْ في صالح الكتب المقدسة عند اليهود. فأيّ نتائج يتوقّع أن يخرج بها أمثال محمد أركون وفضل الرحمن؟! وقد أثبتت الدراسات النقدية وجودَ تناقضات كثيرة بين الأناجيل ممّا حدا بالكنيسة أنْ أعلنت قبولها لأربعةِ أناجيل فقط، وأمرتْ بإخفاء الأناجيل الأخرى التي أصبحت تعرف باسم "الأناجيل المزورة"([100]).

        والحقيقة أنّ لويس يسير في الخط الاستشراقي المعروف الداعي إلى دراسة القرآن دراسة نقدية كما فعلوا في دراستهم لنصوص التوراة والإنجيل. وفي هذا يقول قاسم السامرائي: "ولما عرف المستشرقون طرقَ نقد النصّ التوراتي والإنجيلي فإنّهم طبّقوا هذا النظام على القرآن فجاؤوا بآراء في الشكّ بـ "النص" أو الرواية، فطبّقوا هذا الشكّ على الإسناد في الحديث"([101]). ويشير السامرائي إلى أنّ مسألة تحقيق النصّ وتطبيق المنهج العلمي الصارم ليست من ابتداع المستشرقين– كما يزعمون–؛ فقد عرفه المسلمون، وإنّ ما زعمه المستشرق ريتر بأنّ المحقّقين العرب اتّبعوا خطا المستشرقين إنما هو مناقضٌ للحقيقة "لأنّ المشتغلين بالمخطوطات العربية يعرفون جيدًا كمْ كان العرب يعنونَ بإخراج النصوص الصحيحة الموثوقة الثابتة عنايةً تفوق ما يفعله محقّقو اليوم من العرب أو المستشرقين"([102]). ويؤكّد هذا ما روي عن زيد بن ثابت- رضي الله عنه- عند جمع القرآن الكريم "أنه كان لا يفعل شيئًا من المكتوب حتى يشهد شاهدان عدْلان أنه كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم"([103]).

       ويعلّق ساسي الحاج على عمل زيد بن ثابت- رضي الله عنه- قائلًا: إنّه "طبق منهج المقابلة والمطابقة في عملِه هذا، وتحرّى الصدقَ والأمانة في هذا الجمع. وهي صفة الباحث العلمي الحقيقي"([104]). وبالرغم من كلّ هذه الجهود التي بذلها المسلمون في تدوين القرآن الكريم واليقين القطعي بدقّة نقله، بالإضافة إلى ما جاء عن تكفّل الله- عزّ وجل- بحفْظه في قوله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} ([105]).

       فإنّ المستشرقين حاولوا أنْ ينقلوا ما قاموا به من نقدِ نصوص "كتبهم المقدسة" ليطبّقوه على القرآن الكريم. ويقول في ذلك ألبرت حوراني: "إنّ العلماء الذين بدئوا بدراسة اليهودية واصلوا دراستهم للإسلام مطبّقين على الإسلام مناهج نقدية تعلّموها من دراستهم الأولى حتى إنهم أخرجوا صورةً مختلفة جدًّا من بعض النواحي عن تلك التي وجدت لدى المسلمين"([106]). وذكرَ حوراني أنّ فلهاوزن وجولد تسيهر كانا من المستشرقين الذين أنفقوا أعمارَهم في دراسة الإسلام باستخدام المناهج النقدية الحديثة ([107]).

وقد قدّم كلّ من مونتجمري وات وريتشارد، بل دراسةً خاصّة بالقرآن تناولا فيها أعمال عددٍ كبيرٍ من المستشرقين في دراستهم للقرآن، وهي في غالبيتها العظمى تستخدم مناهج النقد الغربية، ومن هؤلاء: فيل، وهيرشفيلد، وآرثر جيفري، ورودي بارت، وغيرهم. وقد اعترف المؤلّفان بأنّ "الدراسات الحديثة للقرآن لم تستطع أنْ تثير أيةَ شكوك جدية حول مصداقية النصّ القرآني. ورغم اختلاف الأسلوب الواضح لكنّه أمرٌ لا يختلط فيه القرآنُ مع غيره؛ لأنّ من الواضح أنّ القرآن كلّه يحمل طابعَ التّساوق ممّا يجعل من الصعب الشك في مِصداقيته"([108]). ولكنّ المؤلفيْن يصرّان على أنّ بعض الآيات كانت مثل جدلٍ وشكٍّ من قِبَل عددٍ من المستشرقين، وذكروا أمثلةً على ذلك منها: تشكيك سيلفستر دي ساس في صحّة آية {وما محمد إلّا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتهم على أعقابكم ومَن ينقلب على عقبيه فلن يضرّ الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين} ([109])، مبررًا ذلك بأن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- عندما سمعها صرّح بأنه كأنّه لم يسمعها من قبل. ويبرر المؤلفان ذلك بأنّ القرآن الكريم بنصّه المكتوب لم يكن متداوَلًا حينئذٍ، ومن السّهل على الإنسان أنْ ينسى آية. ويناقش، بل ووات الآيةَ من حيث أسلوبها وتوافقها مع السياق من الناحية التاريخية فيذْكران أنّ الآيات السابقة لها تتحدّث عن غزوة أحد وما أشيع فيها عن مقتل الرسول، صلى الله عليه وسلم، فهي بالتالي متناسبةٌ مع السياق أسلوبيًّا وتاريخيًّا ممّا ينفي كلّ الشكوك حول موثوقيّتها ([110]). ولكنّ المؤلفيْن يوردان كثيرًا من النماذج لهذه الدراسات النقدية التي لا شكّ أنّه لا يمكن أنْ تنال من مصداقيةِ النص القرآني وموثوقيته. ومع ذلك فإنّ اهتمام لويس وغيره من المستشرقين أمثال فضل الرحمن وأركون يجب التصدي له كما يوضّح لنا أهداف المستشرقين الحقيقية حينما يتبنون تشجيع بعض الدارسين المسلمين.

سادسًا: أخطاء أخرى:

     تناول لويس القرآنَ الكريم في معرض حديثه عن اللغة السياسية في الإسلام، فذكر أنّ بعض ألفاظ القرآن مأخوذةٌ من لغات أخرى، ومن الأمثلة على ذلك كلمة "أمّ القرى" زعم أنها مأخوذة من الكلمة اليونانية ميتروبولي Metropolis، وعبارة "الصراط المستقيم" مأخوذة من الكلمة اللاتينية "ستراتا" ويضيف بثقة "ليس غيرها" والتي اشتق منها في اللغة الإنجليزية "ستريت Street" أي شارع ([111]).. وقد قال لويس بهذا الزعم في كتابه "العرب في التاريخ: "هناك كلمات أجنبية حتى في الشعر الجاهلي، وفي القرآن، وعددٌ أكبر في فترة الفتوحات"([112]). الحقيقة أنّ مسألة وجود كلمات غريبة أو غير عربية في القرآن الكريم قد تناولها العلماء المسلمون منذ وقتٍ مبكر، ومِن هؤلاء الإمام الشافعي الذي يقول: "والقرآن يدلّ على أنْ ليس من كتاب الله شيء إلّا بلسان العرب.. ولسان العرب أوسع الألسنة مذهبًا، وأكثرها ألفاظًا، ولا نعلمه يحيطُ بجميع علمه إنسانٌ غير نبي، ولكنه لا يذهب منه شيء على عامّتها، حتى لا يكون موجودًا فيها من يعرفه..." ([113]).

ويستشهد الشافعي- بعد ذلك- بآيات قرآنية كريمة منها قوله تعالى: {قرآنًا عربيًا غير ذي عوجٍ لعلهم يتقون} ([114]). وقوله تعالى: {ولو جعلناه قرآنًا أعجميًّا لقالوا لولا فصلت آياته أأعجمي وعربي} ([115])..

       ومِن أخطاء لويس في ذكر الآيات الكريمة الخطأ في أرقام الآيات ممّا لا يتّفق مع المنهج العلمي الذي يتطلب الدقةَ في الرجوع إلى المصادر، وبخاصّة النصّ المقدس. فمن ذلك أنّه ذكر أنّ آيتي الشورى رقم 7، 8 فذكر أنهما 5 – 6 / 7 – 8([116]). وكذلك ذكر أنّ الآيات من 34 – 38 من سورة سبأ برقم 33 / 34 – 37 – 38([117]). وترجم لويس آية الجزية رقم 29 من سورة التوبة ترجمةً حرفيّة لا معنى لها وذلك بذكر "عن يد" من يد. والاختلاف واضحٌ يدلّ على جهلٍ باللغة العربية وعدم الرجوع لكتب التفسير المعتمدة، فـ "عن يد" تعني كما أشار القرطبي "يدفعها بنفسه غير مستَنيبٍ فيها أحدًا" وقيل "عن يد" عن إنعام منكم عليهم لأنهم إذا أخذت منهم الجزية فقد أنعم عليهم بذلك"([118]).

 



([1]) أمير عبد العزيز. دراسات في علوم القرآن (عمان وبيروت: 1403هـ /1983م) ص10.

([2]) الحاج، مرجع سابق، ص 306.

[3]([3]) Lewis Islam, Vol. I.Op. XVIII

([4]) Ibid, n.

([5]) Lewis, Race and Slavery. Op.cit.p210.

([6]) Lewis. The Arabs, op.cit. p.36.

([7]) الفرقان: آية 5.

([8]) البقرة: آية 282.

([9]) الشعراء: 193 – 194.

([10]) الفرقان: آية 1.

([11]) آل عمران: آية 7.

([12]) الأنعام: آية 19.

([13]) القيامة: آية 16 – 18.

([14]) الأعلى: آية 6 – 7.

([15]) أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي. الجامع لأحكام القرآن (دمشق: 1407هـ / 1987م) ج1، ص 73 – 75.

([16]) موريس بوكاي، القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم. (القاهرة: بدون تاريخ) ص12.

([17]) المرجع نفسه، 145

([18]) الحاج. الظاهرة الاستشراقية. مرجع سابق، ص 30 – 32.

([19]) سورة النجم: 3 – 4.

([20]) القرطبي، ج 17، ص 85.

([21]) المرجع نفسه، ج1، ص38

([22]) Lewis, The Arabs. Op.Cit.p.39.

([23]) Ibid.

([24]) المدراش: نصوص يهودية في تفسير "الكتاب المقدس" في الكتابات الربانية. والتفسير المدراشي لا يسعى للبحث عن المعنى الواضح للنصوص المقدسة بقدر ما يبحث في العلاقات بين الفكرة أو القضية التي يتناولها الكتاب المقدس والمضامين الاجتماعية والثقافية لليهودية الربانية.

John R. Hinnells. (ed.) The Dictionary of Re- 1984. Ligion (New Youk).

والأبوكريفا: مجموعة من النصوص اليهودية التي استبعدها اليهود من كتابهم المقدس؛ لأنّ علماءهم عدُّوها نصوصًا غير موحى بها، ولذا ترى اليهودية أنّ الأبوكريفا تعليمية وليست نصوصًا مقدسة. عن:

R- Kennedy. The International Dictionary of Reilgion (New York: 1984).

([25]) Torry. The Jewish Foundation of Islam (New York: 1933) p.39, Ibraham Katch. Juda ism in Islam (New York: 1954) P.75.

([26]) مالك بن نبي، الظاهرة القرآنية. ترجمة: عبد الصبور شاهين. (دمشق: 1405 / 1985) ص 246 وما بعدها.

([27]) المرجع نفسه. ص 45، وانظر كذلك: محمود زقزوق. الاستشراق والخلفية الفكرية للصراع الحضاري. (قطر: 1404هـ) ص 84 وما بعدها.

([28]) ابن نبي: مرجع سابق ص 246.

([29]) المرجع نفسه، ص 242 ويلاحظ جدول التفاصيل القرآنية في قصة يوسف ص 249 – 241.

([30]) سورة هود: آية 49.

([31]) طيباوي. مرجع سابق، ص38.

([32]) سورة التوبة: آية 30.

([33]) W. Montgomery Watt. Muhammed Prophet and Statesman (Oxford – 1961) p.39 – 40.

وهذا الكتاب مختصر لكتابي وات (محمد في مكة) و(محمد في المدينة).

([34]) Torry. The Jewish Foundation op.cit, p.38.

([35]) سورة العنكبوت: آية 48.

([36]) تفسير القرطبي, مرجع سابق، ج3، ص315 – 352.

([37]) المرجع نفسه، ج7، ص298- 299.

([38]) أبو بكر الباقلاني. إعجاز القرآن. (بيروت: بدون تاريخ) ص49.

([39]) المرجع نفسه, ص50.

([40]) محمد الزفزاف, التعريف بالقرآن والحديث. (بدون ناشر، بدون تاريخ) ص141.

([41]) المرجع نفسه.

([42]) المراجع نفسه، ص142.

([43]) جعفر شيخ إدريس. منهج مونتغمري وات في دراسة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم. في مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية. ج1 (الرياض: 1405هـ) ص205- 247.

([44]) المرجع نفسه، ص225.

([45]) Lewis, The Arabs. Cit., p. 39.

([46]) Gibb. Muhammadanism. Op. cit., p. 26.

([47]) محمد بن أحمد عثمان الذهبي. السيرة النبوية. تحقيق: حسام الدين المقدسي (بيروت: 1401هـ) ص44- 48.

([48]) الحاج. مرجع سابق، ص328.

([49]) محمد بن عبد الملك بن هشام. سيرة ابن هشام. تحقيق: مصطفى السقا وآخرين ط2 (القاهرة/ 1375هـ- 1955م) القسم الأول – ص22- 224.

([50]) المرجع نفسه. ص225

([51]) عباس محمود العقاد. مطلع النور أو طوالع البعثة المحمدية. (بيروت: 1969م) ص81.

([52])  Levis, The Arabs. Op. cit, p. 38.

([53]) صحيح مسلم كتاب الإيمان باب الإسراء برسول الله- صلى الله عليه وسلم- 1/ 147- 148.

([54]) عبد الرحمن السهيلي. الروض الأنف في شرح السيرة النبوية لابن هشام. تحقيق: عبد الرحمن الوكيل (القاهرة: 1410هـ) ج2 ص173.

([55]) صحيح البخاري, كتاب الصلاة. وصحيح مسلم، كتاب الإيمان.

([56]) الذهبي. مرجع سابق ص41- 43.

([57]) أبو جعفر بن جرير الطبري. تاريخ الأمم والملوك. تحقيق: محمد أبي الفضل إبراهيم (بيروت: بدون تاريخ) ج2 ص290.

([58]) فتح الباري, 1/3 ص30.

([59]) سورة الشورى, آية 52.

([60]) Lewis, Islam Vol. I. op. cit, p. xx.

([61]) Lewis, The Arabs. Op. cit., p.38.

([62]) Ibid.

([63]) مهدي رزق الله أحمد. السيرة النبوية في ضوء المصادر الأصلية: دراسة تحليلية. (الرياض: 1412هـ /1992م) ص16.

([64]) المرجع نفسه.

([65]) فاروق حمادة, مصادر السيرة النبوية وتقويمها. (الدار البيضاء: 1400هـ / 1980م) ص23.

([66]) سورة الضحى, آية 6 -7.

([67]) حمادة، المرجع السابق, ص24.

 ([68])المرجع نفسه, ص 27 – 28..

([69])أحمد، السيرة، مرجع سابق, ص338 – 339

([70]) سورة الأنفال, آية 41.

([71]) سورة الأنفال, آية 17.

([72]) Lewis, Rece and slavery. op.cit, 6-7.

([73]) سورة النحل, آية 71.

([74])  Ibid.

([75]) سورة التوبة, آية 60.

([76]) Ibid. p. 21.

([77]) سورة الروم, آية 22.

([78]) سورة الحجرات, آية 13.

([79]) Ibid.

([80]) Ibid. 22

([81]) Ibid.

([82]) Lewis, The Arabs. Op.cit., p. 62.

([83]) الحاج. مرجع سابق، ص319 وما بعدها.

([84]) المرجع نفسه, ص326- 327.

([85]) القرطبي، 2 ج 5، ص20.

([86]) مصطفى صادق الرافعي. إعجاز القرآن والبلاغة النبوية. (بيروت: بدون تاريخ) ص231.

([87]) أبو الفدا إسماعيل ابن كثير. تفسير القرآن العظيم. (بيروت: 1388هـ/ 1969م) ج2 ص577.

([88]) القرطبي، مرجع سابق, 8، ص182.

([89]) سورة النور, آية 33.

([90]) القرطبي، مرجع سابق, ج12 ص245.

([91]) صحيح البخاري، كتاب العتق. فتح الباري، كتاب 49 حديث 2545

([92]) المرجع نفسه, حديث 2552.

([93]) القرطبي، مرجع سابق, ج16 ص340 وما بعدها.

([94]) سورة الإسراء, آية 33.

([95]) القرطبي، ج10، ص255.

([96]) المرجع نفسه, ج2 ص244.

([97]) Lewis, Political Language of Islam. P. 118.

([98]) Lewis. "The Revolet of Islam" In New York Review of Books, June 30, 1983. Pp. 35- 38.

([99]) Ibid..

([100]) بوكاي، مرجع سابق, ص10

([101]) السامرائي، مرجع سابق, ص140.

([102]) السامرائي، دراسة وتقديم لكتاب ابن العمراني، "الإنباء في تاريخ الخلفاء" (الرياض: 1402هـ/ 1982م) ص34.

([103]) محمد علي الصابوني. التبيان في علوم القرآن. (بيروت: 1390هـ / 1970م) ص 63. ورواية مع القرآن في صحيح البخاري بشرح ابن حجر، كتاب التفسير، 65 حديث 4679.

([104]) الحاج، مرجع سابق, س 373.

([105]) سورة الحجر, آية 9.

([106]) Albert Hourani.Europe and the Middle East (London.) p

([107]) Ibid, p. 14.

([108]) W. M. Watt& R. Bell. Introduction to The Qur'an (Edinburgh: 1970) p. 51.

([109]) سورة آل عمران, آية 144.

([110]) Ibid, p.50 – 51.

([111]) Lewis Political Language, Op. cit.p.7

([112]) Lewis, The Arabs. Op.cit, p.134

([113]) محمد بن إدريس الشافعي, الرسالة, تحقيق: أحمد محمد شاكر (بيروت: بدون تاريخ) ص42.

([114]) سورة الزمر, آية 28.

([115]) سورة فصلت, آية 44.

([116]) Lewis, Islam Vol.II p. 195.

([117]) Ibid, p.51.

([118]) القرطبي، ج8، ص155.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...