كلمة أنا وطلاب البحث العلمي
القصة طويلة بدأت منذ مدة طويلة أتلقى
أسئلة واستفسارات من طلاب الدراسات العليا وبخاصة في البحث في مجال الاستشراق،
وتنوعت هذه الأسئلة بين أسئلة مباشرة لاقتراح موضوعات لرسائل الماجستير والدكتوراه،
فأعتذر أن اقتراح موضوع للدراسة أو لرسالة جامعية يتطلب معرفة الأستاذ بالطالب
وإمكاناته العلمية وتوجهاته وقدراته اللغوية وغيرها وربما اقترحت على أحدهم
اقتراحات عامة مثل دراسة كتاب وأخبر الطالب أن الكتاب موجود في مكتبة كذا ويفاجئني
بأنه قمة في الكسل ويطلب أن أقوم بتصوير نسخة له من الكتاب وبعثها في البريد
السريع وربما لم يشر لاسمي مرة واحدة في الرسالة أو الشكر وهذا حدث في اقتراحي على
طالب أن يدرس كتاب العالم العربي اليوم لمؤلفه مورو بيرجر وأشرت له أن
الأستاذ محمد قطب رحمه الله تحدث عنه بتفصيل في كتابه المستشرقون والإسلام
ونظراً لتعدد هذه الرسائل فإنني سأوردها
هنا مرقمة وكيفية معالجتي لها
1-وصلتني رسالة من طالب
مجهول يطلب أن أقترح عليه موضوعاً للدكتوراة لأن القسم رفض موضوعات تقدم بها فكتبت
أرد عليه ما يأتي:
أجبته يا أخي الكريم تريد كتابة رسالة دكتوراه ولا
تجد وقتاً لتكتب رسالة تطلب استشارة من أستاذ، أليس من المناسب أن تقدم نفسك، من أنت
وفي أي جامعة وما الموضوعات التي اخترتها، عادة أساتذة القسم أعرف بما يمكن للطالب
أن يدرس وبما يمكن أن يوافقوا عليه من موضوعات. استشرتني وقد أختار قضية في الاستشراق
وهذه تتطلب لغة أجنبية فهل لديك معرفة عميقة بالإنجليزية، أو الفرنسية، أو الألمانية،
أو الاسبانية؟ ابحث عن أستاذ صاحب شخصية قوية في القسم أو الكلية واستشره فلعله إن
اقترح موضوعا دافع عنه وساندك وأرشدك، أما أنا فلا أعرفك ولا أعرف اهتماماتك أو قراءاتك
فكيف أقترح موضوعاً، إن استطعت ارجع إلى مجلة الإسلام المعاصر فقد كان فيها باب يقترحون
فيه موضوعات للدراسة أو زر قسم الرسائل واقرأ توصيات بعضها فلعل أحداً أشار إلى قضية
تستحق البحث، وفقك الله
أحيانًا أشفق على بعض السائلين، فأطلب منه
أن يقدم لي مقترحا أو مقترحات لأساعده في تطوير أحدها، أو لإبداء الرأي فيها،
ولكنني لا أقترح موضوعات؛ لأن اقتراح الموضوع أيضًا يتطلب معرفة وخبرة بشخص الباحث
حتى لا نسيء إلى الموضوع المقترح إذا لم يكن مناسبا لهذا الباحث أو ذاك أيضًا!
2-رسالة
ثانية يقول صاحبها: "عندي موضوع بحث ابي (لا يعرف كيف يقول أرغب أو أريد فهو (يَبي)
(يبغى بالحجازي) استفيد منك لو سمحت
فكان ردي أن تعجبت من الأساليب الحديثة
في طلب المعرفة ولعلي أضفت أنه لا ولن يعرف الاستشراق من قرأ بضع كتب أو قام
بزيارة خاطفة أو حضر مناسبة عابرة، بل من اقتحم وتعمق وحاور ودرس، فالذين يكتبون
عن الاستشراق يقفون عند إدوارد سعيد او مصطفى السباعي رحمه الله الاستشراق
تجاوزهما كثيرا وكل يوم يزداد توسعا وعمقاً
3-
راسلني عن طريق الواتساب يطلب رأيي في دراسته لمعهد بروكنجز فسألته أو تعرف
الإنجليزية وهل تستطيع أن تسافر إلى هناك، قال سأستعين بمترجمين ولا أستطيع السفر
فقلت له أنت تتعلم السباحة على السرير أو على الرمل، ابحث عن موضوع آخر
ومن النصائح التي قدمتها أنني قلت لهم: عندما
كنت أبحث عن استشارة أو معلومة كنت أبدأ الرسالة بالتعريف بنفسي (فلان ابن فلان) طالب
دراسات عليا (ماجستير ثم دكتوراه) وأذكر اسم القسم والكلية والجامعة والبلد، ثم تخصصي
وسبب اهتمامي ثم موضوع الاستشارة أو المعلومات المطلوبة وإن كان البحث دكتوراه فأذكر
رسالتي في الماجستير ومتى نوقشت وإن نشرت فأذكر ذلك (وبخاصة تقديم الدكتور أبو القاسم
سعد الله) وأبدأ بعبارات التبجيل والثناء على الأستاذ وسمعته العلمية وإنجازاته وربما
أذكر بعض إمكاناتي في البحث من إتقان لغة ما، وغير ذلك
وقد
اكتشفت هذه الطريقة دون تعليم من أحد سوى أن والدي رحمه الله علّمني احترام المعلم
وتبجيله وكذلك ما عرفته من السيرة النبوية الشريفة وبخاصة حديث هذا جبريل أتاكم ليعلمكم
دينكم
4-رسالة
بعثت بها إلى مبتعث مهتم بالاستشراق
عدت والحمد لله إلى الرياض حيث إقامتي
المؤقتة وأعدت قراءة رسالتك موضوعك يستحق البحث وأنت في عقر دارهم فأقدر على معرفة
ما ترجموا ويترجمون، وطالما تعجبت لماذا لم يترجموا للمعاصرين من أمثال الفاروقي
والندوي والمودودي (ترجموا قليلاً لسيد قطب ) ولم يترجموا لمصطفى السباعي (المرأة
بين الفقه والقانون ) أو (السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي) وترجموا لفاطمة
المرنيسي ونوال السعداوي ولم يترجموا ما كتبه إسماعيل المقدم عن المرأة في الإسلام
ولم يترجموا ما كتبه أدباء محترمون مثل الرافعي ومحمود شاكر وأبعث لك بحث عن الأدب
العربي في كتابات المستشرقين لترى ما ترجموا ولماذا اهتموا بنجيب محفوظ ولم يهتموا
بنجيب الكيلاني أو على أحمد باكثير، والموضوع طويل وليتنا نلتقي فالحديث ذو شجون
5- بما أنكم مختصون
بالاستشراق هل يمكنكم أن تدلوني على كتب المستشرقين المترجمة إلى العربية الخاصة
بالدراسات الإسلامية عموما والحديث النبوي خصوصا؟ والهدف الاطلاع على كلامهم من
غير مرجع وسيط. شكر الله لكم.
وأجبته
لا أعرف لهم كتبا مترجمة غير كتابات
جولدزيهر وشاخت، ولكن المعرفة الحقيقية لا تتحقق إلّا إذا أتقنت لغاتهم ولا تهمل
ما كتبه الأعظمي وقبله السباعي رحمه الله
تردني أسئلة كثيرة من طلاب تدور على
أمرين:
- طلب مصادر لموضوع معين.
- أو طلب مقترح لموضوع جديد للكتابة عنه
للماجستير أو الدكتوراه.
وهذان السؤالان مزعجان حقيقة، وتارة أكتم
انزعاجي وأحاول أن أجيب بلطف، وتارة أتجاهل، بحسب صيغة الطلب، فبعضهم مثلاً يريد
أن يكتب في موضوع معين ويطلب مني مصادر! فإذا كان غير قادر على الوصول إلى مصادر
موضوعه فهو غير مؤهل للكتابة فيه أصلاً.
وأريد أن أوضح رأيي هنا:
السؤال الأول دليل غياب أبجديات البحث
العلمي عن بعض الطلاب، فمعرفة مفاتيح البحث هي من الأبجديات التي يُفترض بكل طالب
أنه تعلمها في مراحله المبكرة. كيف تبحث؟ وأين؟ وكيف تميز بين الغث والثمين (أو
السمين)، وهذا يختلف من تخصص لآخر.
السؤال
الثاني تعبير عن فشل (ضعف) مناهج التعليم؛ لأن الطالب إذا لم يخرج من دراسته لمقرر
أو مقررات بتساؤلات تشغله وتحفزه للبحث في بعضها على الأقل، فمعنى ذلك أن ثمة
مشكلة: إما فيه أو في المقرر! ومن ثم فعليه أن يتداركه فورًا.
خير الموضوعات الذي ينبع من داخلك،
ويشغلك ويؤرقك، لأن موضوع الماجستير والدكتوراه يتأسس على علاقة حميمية بينك وبينه
(شغف)، ولا ينبغي لهذه العلاقة أن يعكرها شيء حتى تستطيع أن تبدع أو تقدم إضافة
تستحق.
هكذا يظهر لك أن البحث ليس مسألة تقنية
أو روتينية، ولا مسألة تأكل بها وتتعيش من خلالها، بل هو في الدرجة الأولى (نمط
حياة)، ولا يمكن أن تكون باحثا أحيانا أو لبعض الوقت، هذا طبعًا إذا كنت تريد أن
تترك بصمة أو تقدم عملاً جديرًا بالقراءة.
تعليقات
إرسال تعليق