من الكتاب الجديد هذا هو أبي
بسم الله الرحمن الرحيم
علمت من ابنتي أسماء أنها سوف تشرع في كتابة مذكراتي باعتباره أول كتاب ستقوم بنشره بحسب وعد دار النشر، وسوف تتحدث عنّي بصيغة ضمير الغائب وهذا يريحني من الحديث عن نفسي وبخاصة لدى أسماء المادة الأولية وافية وتستطيع تحويلها كما تشاء ولن أتدخل فيا سوى أنني ربما أطلب منها مسألة واحدة ألا تبالغ في الحديث ومع ذلك فربما ليس من حقي ذلك، وأتخيل أنها ستتحدث عنّي بصفتي شاهد على مراحل مهملة من تاريخ بلادنا والعالم الإسلامي.
البداية:
تخرجت
في الثانوية العامة العلمي عام 1383هـ(1968م) ولم أكتب مو ضوع تعبير (إنشاء) يستحق أكثر من سبعة من عشرة وكان الغالب حصولي على
خمسة من عشرة فلم ينتبه أستاذ لغة عربية أنني سأكون كاتباً على الرغم من الصلة
والصداقة التي جمعتني من أستاذ اللغة العربية الأستاذ (الدكتور فيما بعد) محمد
العيد الخطرواي، ولكن كان لي سمعة طيبة أنني قارئ جيد.
وكانت البعثة إلى الولايات المتحدة
الأمريكية من عام 1388إلى 1393هـ(1968-1973م) وبعد عودتي إلى المملكة حصلت على
وظيفة مترجم في صحيفة المدينة المنورة والتي لم تدم أكثر من أسبوعين لخلاف بين
رئيس التحرير العم عثمان حافظ ومدير عام المؤسسة عثمان الفضل. ولكنني خلال هذين
الأسبوعين خربشت بضعة أسطر اطلع عليها مشرف الصفحة الأدبية الأستاذ سباعي عثمان
رحمه الله فنشرها وكانت أول مرة أرى اسمي منشوراً في صحيفة. وبعد قليل تشجعت وكتبت
مقالة طويلة بعنوان (عندما تصبح القيم فريسة للمادة)
وكانت علاقتي بالصحافة قديمة منذ المرحلة
المتوسطة حينما كلفني العم مهدي عسري رحمه الله (صهر الشيخ مصطفى الأماسي) أن أجمع
له أعداد صحيفة المدينة المنورة حينما يسافر صيفاً إلى أبها (رجال ألمع) وكنت أمر
يومياً على مكتبة ضياء في شارع العينية لأحصل على عدد الصحيفة وكانت تحجب في بعض
الأيام لمقالات أو أخبار لم تعجب الرقيب. وبالطبع كنت أتصفحها فالصحافة في تلك الأيام
صحافة فكر ورأي أكثر منها صحافة خبر وصورة.
وبعد خربشاتي الأولى واطلاعي على صحف
أخرى مثل عكاظ والبلاد والندوة والجزيرة والرياض واليوم تعرفت إلى الكتّاب
واتجاهاتهم واتجاهات الصحف عموماً، ولكني لم أتوقف عند الصحف المحلية والمجلات
المحلية فقد كان لي اطلاع على مجلات وصحف عربية مثل المجتمع الكويتية والبلاغ
والنور وبعض الصحف المصرية.
استمرت صلتي بالصحافة وأصبح لي علاقات
داخل هذه الصحف وبخاصة صحيفة المدينة المنورة وعرفت من الاتجاهات تلك
الأيام الدعوات إلى التغريب ومنها خروج المرأة إلى العمل والتوسع في ذلك والدعوة
على استحياء إلى تحررها، والتوسع في تعليم اللغات الأجنبية على حساب اللغة
العربية، وتقليد الغرب في نواحي الحياة المختلفة ومن ذلك محاربة ما أسموه الزواج
المبكر.
كان لي زاوية في ملحق ذات الخمار بعنوان
(كلمة رجل) وقد أعجب والدي رحمه الله العنوان ولم يناقشني مرة واحدة في محتوى تلك
المقالات، ولكني كنت ألمح السرور والرضا في ملامحه. وكان يشجعني على الاستمرار في
الكتابة، حتى لو نُشر لي في صفحة بريد القراء ويضيف سوف تصل في يوم من الأيام أن
يُنشر لك في صدر الصحف.
وقد تحقق هذا في أول مقالة كتبتها لصحيفة
(المسلمون) فنشر في صفحة الرأي مع كبار الكتّاب من أنحاء العالم الإسلامي وقد
أخبرني الدكتور عبد القادر طاش (رئيس التحرير) رحمه الله أنهم في المطبخ الصحفي
أشادوا بمقالتي لأنها لم تكن مجرد خواطر وكلمات مرصوصة، بل تضمنت حقائق علمية
ومعلومات موثقة.
كان الهدف من الكتابة الصحفية في الأساس
الدعوة إلى الله على بصيرة عملاً بقوله تعالى (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على
بصيرة أنا ومن اتبعن) وقوله صلى الله عليه وسلم (نضّر الله امرءا سمع مقالتي
فوعاها فبلّغها إلى من لم يسمعها، فربّ مبلّغ أوعى من سامع)
وفي هذا الطريق لا بد أن يصطدم الكاتب
بمن يرفض النور أو الهداية أو يكون قد ضلّ عمداً أو جهلاً وقد صادفت من هؤلاء
الكثير. ومن الموضوعات التي دخلت في جدالات مع كتاب آخرين موضوع النهضة والتقدم في
مجال السياسة، والاقتصاد، والاجتماع، والأدب. ومن تلك المقالات مقالة الزواج
المبكر وفوائده، وهو رد على محررة صفحة المرأة في عكاظ سارة القثامي التي كتبت ضد
الزواج المبكر، ومقالة (بل في الندوة ما ينتقد) ومقالة (الغرب والتفكير المنطقي)
ومقالة (الغيرة على الإسلام ليست ترفاً) رداً على سعيد السريحي الذي انتقد الشعب
البنجلاديشي لتظاهره ضد الكاتبة المارقة تسليمة نسرين، وفي مجال الأدب كتبت حول
الحداثة وكتبت حول الاقتصاد أرد على من زعم أن النظام الرأسمالي مستمر ولن ينهار
فكتب مقالة بعنون (بل نهاية الرأسمالية)
وفي مجال السياسة كتبت حول العداء الغربي
للإسلام والمسلمين رداً على مقالة عبد الله أبو السمح (عداء الغرب للإسلام
والمسلمين وهم) ومن الطريف أن دخل في النقاش الشيخ الدكتور صالح الحميد والشيخ
الغفيص وغيرهما
ومن الموضوعات التي كتبت فيها كثيراً
قضية الاستشراق والدراسات العربية والإسلامية في الغرب، وقد بلغت مقالاتي المئات
وربما الألوف لأنني كتبت مقالة يومية أو أكثر مدة تسعة أشهر وهذه المقالات واحدة
في صفحة الرأي وفي الصفحة الإسلامية في الصحيفة نفسها ومقالة في الملحق الإسلامي
بجريدة عكاظ بالإضافة إلى مقالات متفرقة في الجزيرة وفي البلاد وفي المجتمع. وكان
لي مقالتان في مجلة الخطوط السعودية أهلاً وسهلاً إحداها بعنوان (ماذا تعرف
عن الاستشراق) والثانية (متى يبدأ علم الاستغراب؟) وعرفت أن عدد قراء تلك المجلة
قد يصل إلى المليون قارئ.
اللقاءات الصحفية والتلفازية
وفقني الله عز وجل أن أكون ضيفا في
العديد من اللقاءات الصحفية والتلفازية وقد بدأت بعد زيارتي للجزائر وإنجاز رسالتي
للماجستير حول تاريخ الجزائر، ثم تعددت اللقاءات في الصحف، والمجلات المحلية
والعربية، والدولية. كما كنت ضيفاً للعديد من اللقاءات التلفازية والمشاركة في
ندوات بالإضافة إلى أنني قمت بإجراء لقاءات صحافية وتلفازية وإذاعية كنت فيها
المذيع المقدم والمعد.
ومن طرائف المشاركة التلفازية أنني دعيت
للمشاركة في برنامج حول القراءة وكان يشرف على البرنامج الدكتور في الإعلام خالد
أبو الخير فقمنا بالتدرب على اللقاء وأتذكر أنني كنت في اللقاء مرتبكاً متوتراً
وكنت أمسك بذراع الكرسي فكانت يدي أجمد من الخشب، وكان لقاءاً سيئاً بكل معنى
الكلمة
ولكنني لم أتوقف فكنت ضيفاً في كثير من
البرامج التلفازية أكون الضيف وأحياناً أعدّ الأسئلة للمحاور، وفي أحد اللقاءات
قال لي الدكتور عبد الرحمن قدح باللهجة المكّاوية قعدت لك (أي راقبت بشدة) فقلت له
كم تعطيني فقال تسعة من عشرة، وقلت له لا أعطي نفسي أكثر من ستة. وفي مرة أخرى
سألني زميلي الدكتور حميد ناصر الحميد هل كنت تقرأ من ورقة لقد لاحظت أنك تسترسل
في الحديث فقلت له لم أكن أقرأ وليس من المناسب أن يقرأ الضيف في الإجابة عن
الأسئلة.
المحاضرات العامة
وللمحاضرات العامة قصة طويلة تبدأ من النادي
الأدبي بالمدينة المنورة حين كنت أعمل محاضراً بالمعهد العالي للدعوة الإسلامية
ولم يكن عدد الطلاب في القاعة يزيد على عشرين طالباً وأحياناً لا يتجاوزون أصابع
اليد الواحدة. وكان موقفهم في الغالب التلقي وقليلاً ما يثيرون الأسئلة أو النقاش
لهيبة الأستاذ وأحيانا رغبة في الحصول على الدرجات. وهنا اردت أن أخرج من هذا الحو
لأقدم محاضرة عامة.
وقبل أن أتحدث عن تجربتي في تقديم
المحاضرات العامة سأتحدث قليلاً عن حضوري المحاضرات العامة التي بدأت بحضور
محاضرات الأستاذ الشيخ محمد قطب رحمه الله في قاعة كلية العلوم بجامعة الملك عبد
العزيز بعنوان منهج التربية الإسلامي وحتى إنني في المحاضرة الأولى أحضرت المسجل
الكاسيت وسجلت تلك المحاضرة. وتوالي حضوري لهذا النشاط الذي كان يقدم المحاضرات
علماء غير الأستاذ محمد قطب ومن هؤلاء الشيخ مصطفى العالم والمحامي عبد الله رشوان
والشيخ سعيد حوّى والأستاذ ناجي الطنطاوي وغيرهم.
وكنت أطرب لمحاضرات الأستاذ محمد قطب
الذي كان يتدفق علماً وكأنه يقرأ من ورقة مع أسلوب شيق ولا تفوته الطرفة والنكتة
كعادة إخواننا المصرين. وحلّقت مع الشيخ سعيد حوى رحمه الله وحديثه عن الإسلام
والأمة الإسلامية وعظمتها وكيف أن المسلم ينبغي أن يكون الأول في مجاله. والطريف
أنني حينما كنت أحضر لم أكن لأقدم الأسئلة أو أطلب المداخلة حتى شاء الله وانتقلت
إلى الرياض فكانت محاضرات مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية فغالباً كان
لي تعليق أو سؤال أو نقاش وكان الدكتور يحيى بن جنيد (المعروف بالساعاتي) يحثني
على السؤال والتعليق فربما كان يعجبهم ما أقدمه من نقاش أو سؤال وقد يكون أحياناً
قوياً وعنيفاً وصادماً مثل المحاضر الذي جاء من فرنسا ليقدم محاضرة عن الدراسات
العربية والإسلامية هناك فقلت له بعد أن قدمنا لك واجب الضيافة والكرم فهذه
الدراسات ليست بالصورة الوردية التي رسمتها وإلّا كيف تستضيف جامعاتكم من يطعن في
الإسلام ويشوه صورته من أمثال محمد أركون وبسام الطيبي وعلى مراد وغيرهم.
ومن المحاضرات التي حضرتها في النادي
الأدبي في المدينة المنورة محاضرة الدكتور حسن ظاظا (المتخصص في اليهودية)
فأعجبتني المحاضرة وطلبت أن ألتقي به في اليوم التالي، ومحاضرة حسين العسكري عن
الإعلام الإسلامي (حصلت على نسخة من المحاضرة) وكتبت عنها مقالة
قلت إنني شعرت أن المحاضرات في المعهد مع
جمهور محدود من الطلاب لا تلبي طموحاتي فقررت أن أذهب إلى رئيس النادي وأطلب منه
أن أحاضر في النادي (طالب دكتوراه ولم يكن معتاداً أن يحاضر من في هذه المرحلة.
فوافق ووعدته أن أحضر له نص المحاضرة ونتفق على الموعد
كتبت المحاضرة وكانت عبارة عن تقرير عن
رحلة علمية قمت بها إلى كل من جامعة برينستون بالولايات المتحدة وجامعة لندن،
وذهبت إلى أستاذ اللغة العربية الصديق الدكتور أحمد الخراط ليراجع ما كتبت لغوياً واقترح
أن يكون عنوان المحاضرة من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر، ثم ذهبت إلى الدكتور
محمد كامل خطاب (رحمه الله) أستاذ الإعلام والمذيع المشهور أن يدربني على تقديم
المحاضرة فكانت الجملة الأولى اعتذار عن تقصير معين فقال لي احذف الاعتذار فمهما
كانت محاضرتك قوية فالاعتذار يجعلها ضعيفة في نظر الجمهور ثم نصحني أن أتحدث أحياناً
بصوت مرتفع حسب الموضع ولا يكون صوتي رتيباً.
وبالفعل ذهبت لتقديم المحاضرة وكان من
الحضور أخي الدكتور عبد الكريم رحمه الله وابني غيث وحضر الدكتور أكرم ضياء العمري
والدكتور سعدي الهاشمي والدكتور إسماعيل عمايرة وجمع ليس بالقليل. وبدأت أقرأ
المحاضرة كلمة كلمة وأنا متوتر وشربت كل قوارير الماء أمامي وظننت أنها محاضرة
سيئة، ولكن قيل لي إن صوتي كان ثابتاً وأدائي جيداً ناجحاً.
وفي المحاضرة ذكرت أنني حصلت على رسالة
ماجستير من جامعة برينستون حول التنصير في الخليج العربي فقال لي احد الحاضرين
هاتها نقوم بترجمتها فقررت أن أترجمها بنفسي وتم ذلك وطبعت ثلاث طبعات والحمد لله.
وما أن انتهت المحاضرة حتى أُعلن عن محاضرة لرئيس القسم الأسبوع المقبل وعرفت أنهم
أرادوا إزالة الآثار السيئة لمحاضرتي الضعيفة في نظرتهم. وتحولت المحاضرة إلى كتاب
بالعنوان نفسه ثم أصبحت في طبعة ثانية بعنوان بحوث في الاستشراق الأمريكي
المعاصر
تعليقات
إرسال تعليق