أسبوع التعليم العالم والدراسات العليا

 


ذكرت في مقالة سابقة بأن واشنطن العاصمة ليست عاصمة سياسية فحسب بل هي مدينة عليمة لكثرة ما فيها من معاهد وجامعات ومراكز بحوث، كما إن الفرصة فيها لإتمام الدراسة الجامعية والدراسات العليا كثيرة جداً. ولعل ذلك لمواجهة احتياجات الأعداد الكبيرة من الموظفين الحكوميين الراغبين في الدراسة.

وقد أدركت جامعاتنا هذه الاحتياجات في مجتمع يسعى إلى النمو التطور ففتحت مجال الانتساب وبخاصة جامعة الملك سعود وجامعة الملك عبد العزيز وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وكانت جامعة الملك سعود رائدة في هذا المجال حيث بدأت الدراسة بالانتساب قبل أكثر من ثلاثين سنة.

ولكن الانتساب في الغالب هو لدراسة المرحلة الجامعية الأولى أي مرحلة البكالوريوس أو الليسانس. أما الدراسات العليا فلها شأن آخر. وهو ما أود الحديث عنه في هذه المقالة.

لقد لاحظت أن جامعاتنا التي تفتح المجال للدراسات العليا (الماجستير والدكتوراة) تجد أحياناً صعوبة في الحصول على العدد المناسب من الطلاب مع أن الحد الأدنى للدراسات العليا هو خمسة . وفي بعض الأحيان تبدأ الدراسة بخمس ثم يتقلص العدد إلى أربعة أو ثلاثة. فلماذا هذا العزوف عن الدراسات العليا لدينا في الوقت الذي يرغب الكثيرون في متابعة دراساتهم العليا في الجامعات العربية والأوروبية والامريكية.

فهل من هذه الأسباب أن الدراسات العليا لا تقدم ولا تؤخر في الوضع الوظيفي للموظف؟ أو هل السبب عدم موافقة جهة العمل على التحاق موظفها في الدراسات العليا فلا يرغب المدير أو الرئيس أن يرى موظفه يتقدم عليه علمياً؟ وهل سبب قلة الإقبال من المعلمين أن المدارس تضع شروطاً صعبة للسماح لهم بالالتحاق بالدراسات العليا حتى لا تعاني من نقص في المعلمين في أوقات الامتحانات؟ أو لعل من أعذار بعض المدراء أن الأستاذ اختار تخصصاً في الدراسات العليا يخالف تخصصه في المرحلة الجامعية.

وللإجابة عن هذه العوائق نقول بأن الدراسات العليا ليس هدفها فقط تحسين الوضع الوظيفي فقد يكون هذا صحيحاً بالنسبة للبعض ولكنه حالما يمضي الطالب أو الموظف بعض الوقت في الدراسات العليا حتى يجد أثر الدراسة في توسيع مداركه ومعلوماته. والموظف ذي المدارك الواسعة والأفق البعيد سيكون بلا شك دعامة للإدارة التي يعمل بها حتى وإن كان تخصصه في الدراسات العليا يختلف عن تخصصه في المرحلة الجامعية. ومما يبرر اختيار تخصص مختلف عن المرحلة الجامعية أن كثيراً منّا يدخل الجامعة وهو لا يدري حقيقة ميوله ومواهبه وقدراته أو أن يكون مجموع درجاته في الثانوية فرض عليه تخصصاً معيناً.

    أما بالنسبة لإخواننا المعلمين الذين يعانون من عقبة الإذن لهم بالدراسة فهل يتم التعاون بين الجامعات والمدارس على أن تعقد الامتحانات في المساء، وأن يوضع نظام بحيث يتم السماح لعدد معين من كل مدرسة للالتحاق بالدراسات العليا كل سنة فلا يكون الأمر خاضعاً لمزاج مدير المدرسة أو للعلاقات الشخصية.

وأنتقل إلى قضية أخرى من هموم الدراسات العليا ألا وهي اختيار موضوع البحث وإقراره فما زالت الإجراءات التي تتبعها كثير من الأقسام في الجامعات في المملكة تجعل الدراسات العليا عندنا غير جذابة. فكثير من الأساتذة ينظرون إلى خطة البحث التي يقدمها الطالب قبل أن يشرع في البحث على أنها الخطة النهائية التي يجب أن يكون عليها البحث أو الرسالة. ويعيش الطالب أشهراً عديدة في اختيار الموضوع وإعداد الخطة قد تصل إلى سنة أو أكثر ثم يرفض الموضوع أحياناً مع العبارة أن الموضوع مكرر وأحياناً كثيرة دون إبداء الأسباب. وإن كان الأمر ميسّر في بعض الجامعات حيث تكلّف أستاذاً بالإشراف على الطالب في اختيار الموضوع وإعداد الخطة.

وقد أسرعت بعض الجامعات إلى افتتاح أقسام للدراسات العليا دون إعداد مكتباتها الإعداد الكافي لمتطلبات البحث، وكم قرأت من الرسائل العلمية التي أنجزت في الجامعات الغربية فوجدت أن مكتبة الجامعة التي أعد فيها الباحث رسالته تولت عنه الحصول على كثير من المراجع. ونحن مازلنا نقضي نسبة كبيرة من الجهد في البحث عن المصادر مع أن هذا الجهد ينبغي أن لا يتجاوز العشرة في المئة ليصرف الطالب باقي الجهد في القراءة والتحليل والنقد.

وثمة قضية قريبة من الدراسات العليا وإن لم تكن من صلب الموضوع وهي أن الطالب عندنا في كثير من الأحيان يدرس المرحلة الجامعية الأولى في الجامعة ثم يُختار معيداً فيدرس مرحلتي الماجستير والدكتوراه في الجامعة نفسها ثم يتم تعيينه في مكانه. وهذا الأمر انتبهت إليه الجامعات الأمريكية ففرضت على الطالب أن يذهب ويعمل في جامعة أخرى ثم يعود بعد عدة سنوات. ولعل من أسباب ذلك أن لكل جامعة بيئتها الخاصة بها، فبقاء الشخص في مكان واحد مدة طويلة مدعاة إلى الجمود. ولله در علمائنا كيف كان الواحد يدرس في المدينة المنورة أو مكة المكرمة ثم ينتقل إلى مختلف العواصم العلمية.

 فهل من الممكن أن نوفر الفرص لانتقال الأستاذ من جامعته إلى جامعة أخرى لسنة أو سنتين ونهيئ له الظروف المعيشية المناسبة -من مسكن ومدارس لأبنائه -ليكون انتقاله سهلاً، فكم سيفيد الطلاب وكم سيفيد الأستاذ نفسه. ولا شك في أن انتقال الأستاذ إلى جامعة أخرى لوقت قصير سيقضي على كثير من الأفكار الخاطئة التي يمكن أن يحملها أساتذة جامعة ما عن جامعة أخرى. إن الفرص المتاحة حاليا لالتقاء الأساتذة لتبادل الرأي والاحتكاك الفكري في ندوات أو مؤتمرات ما تزال محدودة، كما إن فرص قيام جامعة بطباعة مؤلفات لأساتذة من جامعات أخرى ستؤدي إلى تشجيع التأليف والنشر في المملكة وهو من الأمور التي يشكوا منها بعض أساتذة الجامعات،  

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية