التخطي إلى المحتوى الرئيسي

الأستاذ الجامعي ودوره في المجتمع

 


يتعرض الأستاذ الجامعي بين الحين والآخر لأنواع من الهجوم ومنها أنه يعيش في برجه العاجي بعيداً عن مشكلات المجتمع وقضاياه وهمومه، أو أنه لا يحاول نشر علمه خارج أسوار الجامعة. ومن الانتقادات الموجهة للأستاذ الجامعي أنه حينما يشارك في الكتابة الصحفية يشغل نفسه بالمشكلات اليومية مثل المرور والشوارع والمجاري والبلديات ويترك القضايا التي تخصص فيها، كما كان انتقاد عبد الله أبو السمح للدكتور أحمد حسن فتيحي الذي كتب عدة مرات حول قضايا العالم الإسلامي مثل الشيشان وكوسوفا والبوسنة والهرسك وقضية فلسطين بدلاً من الانشغال في الكتابة في مجال تخصصه في الطب. فما مدى صحة هذه الاتهامات وكيف للأستاذ الجامعي أن يشارك في الاهتمام بمشكلات مجتمعه فيحصل على فرصة في المنابر الفكرية والثقافية في بلاده للمشاركة بعلمه أو يدافع عن نفسه في مواجهة هذه الاتهامات؟

نبدأ أولاً بانتقاد الأستاذ الجامعي إذا كتب في الصحافة فعليه الالتزام بتخصصه فنقول إن الكتابة الصحفية موهبة ولا يمتلك هذه الموهبة كل أستاذ جامعي؛ ولذلك فإذا امتلك الأستاذ ناصية المقالة الصحفية فإنما هو مواطن يهمه ما يهم إخوانه من المواطنين فعليه أن يشارك بقلمه في طرح هذه المشكلات بأسلوب علمي منهجي. وإن كان من الأفضل أن لا يغرق في الحديث عن هذه المجالات وينسى تخصصه ومجال الثقافة العامة.

ولنا أن نتساءل هل ينتظر الأستاذ الجامعي أن يخطب وُده أو عليه أن يحرص على عرض نفسه أو محاولة اقتحام مجالات العمل الإعلامي الذي يقدر عليه؟ يقول المثل العامي (من يعرض بضاعته تبور)، فهل ينطبق هذا على الأستاذ الجامعي؟ هل المسألة مسألة بضاعة وبوار؟ إن الأستاذ الجامعي قد وصل عبر السنين الطويلة إلى درجة عالية من العلم والمعرفة ومن حقه أن يخطب وُدُه، وأن يُطلب منه أن يقدم علمه لا أن يهمل ولا يُسأل عنه. وعلى المنابر العلمية في البلاد العربية الإسلامية أن تبحث عن ذوي الخبرة والمعرفة وتستضيفهم في البرامج الإذاعية والتلفازية وفي الصحف وفي المجلات وفي الندوات والمحاضرات. لكن ما يحدث في واقع الأمر أن هذه المنتديات والمنابر لا تكلف نفسها عناء البحث وبخاصة أن كثيراً من أساتذة الجامعات عازفون عن الشهرة والأضواء.

ولو نظرنا إلى المحطات الإذاعية والتلفازية في الدول المتقدمة نجدها تستضيف الباحثين وأساتذة الجامعات للتعليق على الأحداث الجارية في مجال تخصصهم، فلا تكاد تخلو نشرة أخبار أو برنامج ثقافي من استضافة هؤلاء. ومن الأمثلة على هذه المحطات إذاعة لندن ومحطة السي إن إن اللتان تستضيفان المتخصصين من الجامعات الأمريكية والبريطانية في الغالب، وتستضيف متخصصين من أنحاء العالم أحياناً.

ولكن الجانب الآخر للموضوع أن الأستاذ الجامعي إنما هو صاحب علم ودعوة فعليه أن يحرص على نشر علمه ومعرفته وأن يعمل ذلك ابتغاء مرضاة الله. وكم من الأجر يناله من يحرص على تعليم الناس الخير كما جاء في الحديث الشريف في وصف الناس ودرجاتهم في العلم والتعلم (مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضاً فكان منها نقية فقبلت الماء فأنبتت العشب الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس فشربوا وزرعوا وأصابت طائفة أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً ) الحديث.

ولمثل هذا الوصف الرائع يحرص صاحب العلم أن ينشر علمه وإن قدوتنا في نشر العم والمعرفة ما فعله الرسولeحين كان يعرض نفسه على القبائل وكان يقول لقريش خلوا بيني وبين الناس. ولعل أهمية نشر العلم تظهر في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه الذي أخبره الرسول صلى الله عليه وسلم بشيء وطلب إليه ألاّ يخبر الناس فيتكلوا ولكنه أخبر بالحديث تأثماً كما قال صاحب فتح الباري وذلك عملاً بحديث الرسول  e(من كتم علماً ألجمه الله بلجام من نار يوم القيامة). وقد فهم من ذلك صاحب مختصر الخليل- كتاب في الفقه المالكي حين قال (ويندب للرجل أن ينشر علمه)

والأستاذ الجامعي في العصر الحاضر من واجبه أن يطرق جميع الأبواب فيكتب إلى الصحف ولا ينتظر أن ينشر له من أول مرة وفي الصفحات المهمة في الجريدة وإن كانت الكتابة المهمة تنبي عن نفسها في أي مكان كانت- ويكرر الكتابة حتى يجد نفسه وقد نشر له بل لعل الصحف تستقطبه للكتابة وبخاصة إذا امتلك ناصية الكتابة الصحفية.

       وعلى الأستاذ الجامعي أن يطرق أبواب الأندية الأدبية فيقترح عليهم رغبته في المشاركة في النشاطات المنبرية فيها فإن هذه الماركة تتيح له أن يقوم ببحث علمي مكتمل الأركان حيث يمضى أشهراً في القراءة والإعداد للمحاضرة. ولا ينبغي أن يأتي إلى المحاضرة وقد نسي عنوان المحاضرة وهو على استعداد ليقول أي شيء. وقد قال أحدهم لأستاذ جامعي أمضى أشهراً في الإعداد لمحاضرته كان بإمكانك أن تقول ما لديك فإنه جديد بالنسبة إليهم. ولكن الحقيقة يجب عليه أن يعد نفسه إعداداً جيداً فقد يكون في المستمعين من هو أعلم منه.


 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...