الاستغراب في الدراسات العربية المعاصرة أحمد دومة (الجزائر)

 

 

بسم الله الرحمن الرحيم

 



الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبيّ بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد

فإنّ الإسلام دين الله تعالى الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه، لهداية عباده وصلاحهم في معاشهم وسعادتهم في معادهم، والدعوة إلى هذا الدين القويم هي الأصل والأساس في التعامل مع الذين لم يدِينوا به ولم يدخلوا تحت نَسبه، فهي المحدّد الأصيل والوظيفة ذات الأولويّة في علاقة المسلمين بغيرهم، وما سوى ذلك من أحكام تحكم العلاقة أو تلزم المسلم بموقف تجاه المخالف فهي إنّما تنبع عن موقف الآخرين من الدعوة إلى الإسلام بعد بذل الجهد في عرضها وبيانها على وجهٍ تقوم به الحجّة وينقطع العذر ويَكشف الشبهات، فالإسلام هو هدايةٌ قبل أن يكون براءةً ومفاصلةً، وهو دين الله تعالى لجميع عباده قبل أن يكون هويّةً خاصّةً لمناطق جغرافيّة تتمايز بها عن غيرها.

وبناءاً على هذا فإنّ جعلَ الدعوة إلى الإسلام هي الأولويّةَ في التعامل مع الغرب وتحديد العلاقة معه لا بد أن يكون هو الهاجس والاهتمام الحاضر في الضمير الإسلاميّ دائماً، وأن لا تطغى المحدّدات الأخرى وإفرازات الوقائع التاريخيّة والأحداث المعاصرة على هذا الواجب الشرعيّ والوظيفة النبويّة والمحبة والرضا الإلهيّ.

إنّ التدافع والبراءَ وغيرها من السنن الكونيّة والأحكام الشرعيّة والوقائع البشريّة لا ينبغي أبداً أن يؤدي الانشغال في غمرتها إلى إهمال الدعوة والهداية أو تَصرف عن الاهتمام به، أو تزيحه عن رتبة الأولويّة.

والغرب هو ذلك الكيان الجغرافيّ والحضاريّ الذي نشأ وتكوّن بأسباب وتراكمات تاريخيّة تشكلّت منها البنيّة الفكريّة والسلوكيّة والحضاريّة لسكانه ومواطنيه، وهي مؤثرات معقّدة أدّت إلى قيام نسيج معقّد من الأفكار والسلوكيات، وعملت على ترتيب أنماط معيّنة للعيش، وعقدت حبل الضمير الغربيّ على تصورات ساذجة للكون والحياة والإنسان والمصير، وأقامت حاجزاً كثيفاً بين تلك المجتمعات وبين الهداية الإلهيّة الحقّة، وضربت بأسوار مشيّدة بين الإنسانيّة قسمتها إلى عالمين بل إلى عوالم لم يُكتف بالتأثيرات التاريخيّة والطائفيّة والعرقيّة في تفتيتها، حتى زاد عليها الإنسانُ المعاصر المتحضّر ثقافةً مقنّنة للصراع والهيمنة وفلسفات وأوهام – الما بعد- ممنياً نفسه بتحقّق حلم إنسان ما بعد التاريخ.

لقد أُغلّ الإنسان الغربيُّ بأغلال لا تقلّ عبوديّتها عن سلب حريّة الجسد والرقبة، ووقع في أسرِ رقٍّ أشدّ سَجناً من رقّ الخرافة التي كُبّل أهلها بسلاسل أوهى من خيوط العناكب، وذلك أنّ الخرافة والضلال فيها سرعان ما ينقشع ضبابه فيبصر القلبُ نور الحقيقة، وإن لم يُفكّ صاحبه فما أسهلَ أن يقطع تلك الخيوطَ الواهيةَ لتنطلق إرادته نحو الخير والمثُل، وأما الرقّ الذي وقع فيه الإنسان الغربيّ فقد فُتلت أغلاله بفولاذٍ صلبٍ من الأفكار والمذاهب والفلسفات التي هيأت للغربيّ أنّها تضرب بسيفٍ من العلمِ، وترتكز على بناءٍ محكمٍ من المبادئ والقيم، وتتسامى بدافع نبيلٍ لخدمة الإنسانيّة وتطوّها وسعادتها، وليس الإنسانُ الغربيُّ بذلك الساذج الذي تنطلي عليه تلك الخديعة الحضاريّة لولاَ أنّ النهضةَ الغربيّةَ قد سار فيها خطّ الاختراعات والكشوفات العلميّة والتقدّم التكنولوجيّ في مسارٍ متزامنٍ مع ثورة العلوم الإنسانيّة والمذاهب والفلسفات والانقلاب على الدّين وما وراء الطبيعة، فأقام الغربيُّ من ذلك التزامن رباطاً نشازاً بين خطّين متوازيين لا تلازم بينهما، ممّا أضفى على تلك الأغلال هالةً و أذهل تأملُها والانشغالُ بها والسكرُ بسحر نقوشها وبريقها العقلَ الغربيّ عن ذلك الرقّ الذي لم تشهد الإنسانيّة له مماثلا.

وهذا الغرب بتعقيداته ومؤثراته لا ينبغي إغفال تكوينه ومعطياته في السعي نحو دعوته إلى الإسلام، فلئن كان العلماء والدارسون قد كتبوا في أصنافٍ من المدعوّين والسبل الصحيحة لدعوتهم؛ فإنّ الغرب اليوم صنفٌ متميّز لا تؤتي الدعوة فيه ثمرتها ما لم يتمّ النظر في شُعب عديدةٍ و بناءِ نظامٍ معرفيٍّ ومنهجيّ رصينٍ يُحتذى.

فذلك النسيج المعقّد في أفكاره وسلوكياته وقناعاته وتراكماته التاريخيّة هو الذي يصنع تلك النظرة في الغرب، والتي تجعل مجرّد التفكير في اعتناق الإسلام ضرباً من الخرافة أو الجنون أو الرجعية والانحدار الإنسانيّ، وهي التي تحدّد دوافعه في علاقته بالمسلمين على جميع الأصعدة، وهي التي خلّفته راضيا بالعيش في حياةٍ لا يعلم كيف جاء إليها ولا إلى أين سيصير بعدها، أو يكتفي بمعتقدات مهلهلةٍ لا تبلغ شغاف القلب عن الكون والحياة والمبدأ والمعاد.

لقد وقع الغرب في مأزقٍ حضاريٍّ تجارى به حتى لم يدَع مفصلاً من مفاصل الحياة إلاّ دخله، وهو مأزق وإن كان الغربيُّون عموماً واقعين تحت وطأته إلاّ أنّهم لا يملكون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً إلى التخلص منه، وقصارى ما يفعله الفردُ هو البحث عن السبيل إلى راحة وطمأنينة روحه التي لم تزدها الحضارة الغربيّة إلاّ رهقاً، فتسرّبت إلى أوربا وأمريكا الديانات الشرقيّة وانتشر فيها السحر وطقوس الهنود الحُمر وسادت المذاهب الروحانيّة، وبدأ الإسلام في الانتشارِ مع تلك الموجة من البحث عن الحقيقة والاطمئنان الروحيّ، وتعالت صيحاتٌ عديدةٌ من ذوي الفكر والضمير الحيّ في الغرب فكتبوا في هذا المأزق والحذر منه، وفي السعي نحو منقذٍ وبديلٍ مناسب.

ذلك المأزق هو المنعطفُ التاريخيّ والساعة الحاسمة التي ينبغي استغلالها، فقد آن الأوان ليمدّ الإسلام يدَه لهداية تلك القطعان البشريّة الضائعة، وإنقاذها من مأزق الدنيا وعذاب

الآخرة، فلقد لفّ العالمَ الغربيّ ظلامٌ يشبه ظلام الجاهليّة التي مقت الله تعالى فيها أهل الأرض عربهم وعجمهم إلاّ بقايا من أهل الكتاب، ولعلّ الغرب اليوم قد مُقت فيه جميع من فيه إلاّ بقايا ممّن لم يبلغهم عن الإسلام أدنى فكرة.

لقد آن الأوان لتبليغ الإسلام وبيان مضامينه كدينٍ وحضارةٍ ومنهجٍ فريدٍ للحياةٍ يهضم جميع الأطوار ويستوعب كلّ التجمعات البشريّة، ولن يتمّ ذلك إلاّ بحكمةٍ بالغةٍ يترسّم الدعاةُ خطاهاَ لاحتواء الحضارة الغربيّة الجوفاء.

ولأجل ذلك جاء تقديم هذا التصوّر المقترح كتخطيط مستقبليّ مبنيّ على معطيات ومرتكزات نظريّة ونتائج ميدانيّة واقعيّة يسير وفق منهجيّة علميّة لأجل بناء مفاهيم فكريّة وأطر عمليّة تتبناها المؤسسات الدعويّة وأفراد المسلمين لأجل دعوة المجتمعات الغربيّة إلى الإسلام دعوة حكيمة مثمرة.

ة والسلام على من لا نبيّ بعده وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد

فإنّ الإسلام دين الله تعالى الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه، لهداية عباده وصلاحهم في معاشهم وسعادتهم في معادهم، والدعوة إلى هذا الدين القويم هي الأصل والأساس في التعامل مع الذين لم يدِينوا به ولم يدخلوا تحت نَسبه، فهي المحدّد الأصيل والوظيفة ذات الأولويّة في علاقة المسلمين بغيرهم، وما سوى ذلك من أحكام تحكم العلاقة أو تلزم المسلم بموقف تجاه المخالف فهي إنّما تنبع عن موقف الآخرين من الدعوة إلى الإسلام بعد بذل الجهد في عرضها وبيانها على وجهٍ تقوم به الحجّة وينقطع العذر ويَكشف الشبهات، فالإسلام هو هدايةٌ قبل أن يكون براءةً ومفاصلةً، وهو دين الله تعالى لجميع عباده قبل أن يكون هويّةً خاصّةً لمناطق جغرافيّة تتمايز بها عن غيرها.

وبناءاً على هذا فإنّ جعلَ الدعوة إلى الإسلام هي الأولويّةَ في التعامل مع الغرب وتحديد العلاقة معه لا بد أن يكون هو الهاجس والاهتمام الحاضر في الضمير الإسلاميّ دائماً، وأن لا تطغى المحدّدات الأخرى وإفرازات الوقائع التاريخيّة والأحداث المعاصرة على هذا الواجب الشرعيّ والوظيفة النبويّة والمحبة والرضا الإلهيّ.

إنّ التدافع والبراءَ وغيرها من السنن الكونيّة والأحكام الشرعيّة والوقائع البشريّة لا ينبغي أبداً أن يؤدي الانشغال في غمرتها إلى إهمال الدعوة والهداية أو تَصرف عن الاهتمام به، أو تزيحه عن رتبة الأولويّة.

والغرب هو ذلك الكيان الجغرافيّ والحضاريّ الذي نشأ وتكوّن بأسباب وتراكمات تاريخيّة تشكلّت منها البنيّة الفكريّة والسلوكيّة والحضاريّة لسكانه ومواطنيه، وهي مؤثرات معقّدة أدّت إلى قيام نسيج معقّد من الأفكار والسلوكيات، وعملت على ترتيب أنماط معيّنة للعيش، وعقدت حبل الضمير الغربيّ على تصورات ساذجة للكون والحياة والإنسان والمصير، وأقامت حاجزاً كثيفاً بين تلك المجتمعات وبين الهداية الإلهيّة الحقّة، وضربت بأسوار مشيّدة بين الإنسانيّة قسمتها إلى عالمين بل إلى عوالم لم يُكتف بالتأثيرات التاريخيّة والطائفيّة والعرقيّة في تفتيتها، حتى زاد عليها الإنسانُ المعاصر المتحضّر ثقافةً مقنّنة للصراع والهيمنة وفلسفات وأوهام – الما بعد- ممنياً نفسه بتحقّق حلم إنسان ما بعد التاريخ.

لقد أُغلّ الإنسان الغربيُّ بأغلال لا تقلّ عبوديّتها عن سلب حريّة الجسد والرقبة، ووقع في أسرِ رقٍّ أشدّ سَجناً من رقّ الخرافة التي كُبّل أهلها بسلاسل أوهى من خيوط العناكب، وذلك أنّ الخرافة والضلال فيها سرعان ما ينقشع ضبابه فيبصر القلبُ نور الحقيقة، وإن لم يُفكّ صاحبه فما أسهلَ أن يقطع تلك الخيوطَ الواهيةَ لتنطلق إرادته نحو الخير والمثُل، وأما الرقّ الذي وقع فيه الإنسان الغربيّ فقد فُتلت أغلاله بفولاذٍ صلبٍ من الأفكار والمذاهب والفلسفات التي هيأت للغربيّ أنّها تضرب بسيفٍ من العلمِ، وترتكز على بناءٍ محكمٍ من المبادئ والقيم، وتتسامى بدافع نبيلٍ لخدمة الإنسانيّة وتطوّها وسعادتها، وليس الإنسانُ الغربيُّ بذلك الساذج الذي تنطلي عليه تلك الخديعة الحضاريّة لولاَ أنّ النهضةَ الغربيّةَ قد سار فيها خطّ الاختراعات والكشوفات العلميّة والتقدّم التكنولوجيّ في مسارٍ متزامنٍ مع ثورة العلوم الإنسانيّة والمذاهب والفلسفات والانقلاب على الدّين وما وراء الطبيعة، فأقام الغربيُّ من ذلك التزامن رباطاً نشازاً بين خطّين متوازيين لا تلازم بينهما، ممّا أضفى على تلك الأغلال هالةً و أذهل تأملُها والانشغالُ بها والسكرُ بسحر نقوشها وبريقها العقلَ الغربيّ عن ذلك الرقّ الذي لم تشهد الإنسانيّة له مماثلا.

وهذا الغرب بتعقيداته ومؤثراته لا ينبغي إغفال تكوينه ومعطياته في السعي نحو دعوته إلى الإسلام، فلئن كان العلماء والدارسون قد كتبوا في أصنافٍ من المدعوّين والسبل الصحيحة لدعوتهم؛ فإنّ الغرب اليوم صنفٌ متميّز لا تؤتي الدعوة فيه ثمرتها ما لم يتمّ النظر في شُعب عديدةٍ و بناءِ نظامٍ معرفيٍّ ومنهجيّ رصينٍ يُحتذى.

 

فذلك النسيج المعقّد في أفكاره وسلوكياته وقناعاته وتراكماته التاريخيّة هو الذي يصنع تلك النظرة في الغرب، والتي تجعل مجرّد التفكير في اعتناق الإسلام ضرباً من الخرافة أو الجنون أو الرجعية والانحدار الإنسانيّ، وهي التي تحدّد دوافعه في علاقته بالمسلمين على جميع الأصعدة، وهي التي خلّفته راضيا بالعيش في حياةٍ لا يعلم كيف جاء إليها ولا إلى أين سيصير بعدها، أو يكتفي بمعتقدات مهلهلةٍ لا تبلغ شغاف القلب عن الكون والحياة والمبدأ والمعاد.

لقد وقع الغرب في مأزقٍ حضاريٍّ تجارى به حتى لم يدَع مفصلاً من مفاصل الحياة إلاّ دخله، وهو مأزق وإن كان الغربيُّون عموماً واقعين تحت وطأته إلاّ أنّهم لا يملكون حيلةً ولا يهتدون سبيلاً إلى التخلص منه، وقصارى ما يفعله الفردُ هو البحث عن السبيل إلى راحة وطمأنينة روحه التي لم تزدها الحضارة الغربيّة إلاّ رهقاً، فتسرّبت إلى أوربا وأمريكا الديانات الشرقيّة وانتشر فيها السحر وطقوس الهنود الحُمر وسادت المذاهب الروحانيّة، وبدأ الإسلام في الانتشارِ مع تلك الموجة من البحث عن الحقيقة والاطمئنان الروحيّ، وتعالت صيحاتٌ عديدةٌ من ذوي الفكر والضمير الحيّ في الغرب فكتبوا في هذا المأزق والحذر منه، وفي السعي نحو منقذٍ وبديلٍ مناسب.

ذلك المأزق هو المنعطفُ التاريخيّ والساعة الحاسمة التي ينبغي استغلالها، فقد آن الأوان ليمدّ الإسلام يدَه لهداية تلك القطعان البشريّة الضائعة، وإنقاذها من مأزق الدنيا وعذاب

الآخرة، فلقد لفّ العالمَ الغربيّ ظلامٌ يشبه ظلام الجاهليّة التي مقت الله تعالى فيها أهل الأرض عربهم وعجمهم إلاّ بقايا من أهل الكتاب، ولعلّ الغرب اليوم قد مُقت فيه جميع من فيه إلاّ بقايا ممّن لم يبلغهم عن الإسلام أدنى فكرة.

لقد آن الأوان لتبليغ الإسلام وبيان مضامينه كدينٍ وحضارةٍ ومنهجٍ فريدٍ للحياةٍ يهضم جميع الأطوار ويستوعب كلّ التجمعات البشريّة، ولن يتمّ ذلك إلاّ بحكمةٍ بالغةٍ يترسّم الدعاةُ خطاهاَ لاحتواء الحضارة الغربيّة الجوفاء.

ولأجل ذلك جاء تقديم هذا التصوّر المقترح كتخطيط مستقبليّ مبنيّ على معطيات ومرتكزات نظريّة ونتائج ميدانيّة واقعيّة يسير وفق منهجيّة علميّة لأجل بناء مفاهيم فكريّة وأطر عمليّة تتبناها المؤسسات الدعويّة وأفراد المسلمين لأجل دعوة المجتمعات الغربيّة إلى الإسلام دعوة حكيمة مثمرة.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية