التخطي إلى المحتوى الرئيسي

من يحكم أمريكا؟: البدائل النظرية جورج وليام دمهوف G. William Domhoff أبريل 2005م

 

        توجد خمس نظريات متنافسة تحاول أن تفسر بناء السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، وتُعدُّ نظرية سيطرة – الطبقة التي طوّرتها في كتبي وناقشتها من خلال شبكة المعلومات الدولية النظرية الأكثر توافقاً مع نظرية السلطة التي طوّرها عالم الاجتماع مايكل مان Michael Mann

أما وجهات النظر الأربع حول السلطة في الولايات المتحدة فقد تم تفسيرها ونقدها من وجهة نظرية الشبكات الأربع. وسأقدم ملاحظات حول نظرة السلطة العامة في الحضارة الغربية وادعاءاتهم حول طبيعة بناء السلطة في الولايات المتحدة.

تعد النظرية التي يُطلق عليها التعددية الأكثر بروزاً ومنافسة والتي تنطلق من نظرية المجتمع العامة والتي طوّرها المنظرون الليبراليون في حالة الولايات المتحدة أن هناك مراكز متعددة للسلطة (وبالتالي استخدم مصطلح التعددية)

والبديل الثاني هو نظرية استقلالية الدولة، فهي نظرية عامة حديثة في الحضارة الغربية تؤكد أن الحكومة قوة مستقلة دائماً والفضل يعود جزئياً إلى سيطرتها على الجيش، وتقول بالتالي إن الحكومة في الولايات المتحدة هي أهم مركز للسلطة. وثالثاً هناك نظرية أكثر حداثة وهي نظرية النخبة التي تقول إن قادة المنظمات الكبرى لا بد أن يسيطروا على كل المجتمعات واسعة النطاق بما فيها الولايات المتحدة.

وأخيراً هناك الماركسية التي تقول دائماً أن أصحاب الأملاك قد حكموا على مر التاريخ الغربي ويستنتج مؤيدو هذه النظرية أن هناك هيمنة طبقية في الولايات المتحدة.

وقبل مناقشة هذه النظريات مع التركيز على الاختلافات والقصور علينا أن نفهم أن هذه النظريات تتلاقى في بعض القضايا وبخاصة في مستويات التحليل الأكثر عملياً؛ فمثلاً تتحدث النظرية التعددية أن  كثيراً من "مجموعات المصالح" تتصارع حول سياسات الحكومة. ويبدو هذا مختلفاً جداً من التأكيد الماركسي بين طبقتين اجتماعيتين متنافستين: الطبقة الرأسمالية والطبقة العاملة. وتواصل الماركسية بالقول إن الرأسمالية لديها "أجزاء" fractions أو أقسام Segments يمكنها أن تختلف بعضها مع بعض ويؤكدون أن الطبقة العاملة كذلك تتكون من طبقات متعددة وبالتالي مقسمة داخلياً سياسياً.

وفي النظرة التعددية تشكل مجموعات المصالح تجمعات حول قضايا كثيرة. أما بالنسبة للماركسيين فإن التجمعات هي أساساً أجزاء من الطبقة تجتمع حول قضايا أساسية بالنسبة للرأسمالية. ويرى كثير منهم أن الطبقة الرأسمالية نادراً ما تكون متحدة حول البؤرة السياسية عدا حول القضايا الرئيسية وتصبح الطبقة العمالية متماسكة ومعارضة للرأسماليين وأقل حدوثاً. ويوافق معظمهم أنه في معظم الأوقات ولكن ليس غالباً أن هناك تحالفات بين مجموعة أو أخرى من الطبقة الرأسمالية، ومجموعة أو أخرى من الطبقة العمالية، وهكذا فيمكن أن يتفق أصحاب النظرية التعددية والماركسيين حول من يتعامل مع من حول قضية معينة.

أو خذ نظرية النخبة التي تؤكد على الاعتمادية بين النخبة وغير النخبة والتي يقال إنها تصنع الحدود لما يمكن أن يفعله جانب للآخر، يمكن لمعظم التعددين أن يتفقوا على ذلك الادعاء، ومن جهة أخرى لا يمكن للماركسيين أن يوافقوا على الاعتمادية لأنهم يرون الصراع بين الطبقات المتنافسة على أنها أكثر أساسية من أي اعتمادية مؤقتة. ومن الواضح أن الماركسيين سيقولون إن الرأسماليين يحتاجون العمال لتحقيق الأرباح ويحتاج العمال إلى الوظائف من أجل العيش، ولكن مثل هذه الأحوال القاسية لدى العمال لا بد أنها اعتماد متبادل.

 

التعددية

 هي النظرية التي تشبه إلى حد بعيد وتقابل الادعاءات الموجودة في الكتب المدرسية في المدارس الثانوية وفي الإعلام الجماهيري الذي يؤمن به معظم الأمريكيين، والنقطة الأبرز أنه لا يوجد طبقة مسيطرة أو مجموعة من النخب ذات القاعدة المؤسساتية لديها سلطة مسيطرة. هناك نقص كبير في السلطة والثروة ولكنها موزعة بين مجموعات كثيرة. وهذا يعني أن هناك تعددية في الحكّام وليس طبقية هرمية أي أن مجموعات مختلفة لها سلطة في قضايا مختلفة.

تعتمد التعددية على صورة اقتصاد السوق المفتوح حيث يتنافس السياسيون على  تأييد الناخبين في ساحة الانتخابات كما يتنافس الرأسماليون على المشترين في السوق. وكما يعطي نظام السوق للمستهلكين الحرية والسيادة كذلك يفعل النظام السياسي يعطي الناخبين السيادة. وبسبب هذه العلاقة بين الناخبين والمسؤولين المنتخبين تجد الحكومة محايدة في الخلافات بين المجموعات وبالتالي ليس لها مصلحة أصيلة خاصة بها وبالتالي بين المصالح المتنافسة، وهذا يشبه الحَكَم أو القاضي.

ومن وجهة النظر هذه تتدفق السلطة من الشعب. وتشكل المجتمعات في الديمقراطيات الرأسمالية جماعات اختيارية تحاول أن تؤثر في الرأي العام وتضغط على المسؤولين المنتخبين وتدعم المرشحين السياسيين المتعاطفين في العملية الانتخابية. ويستشهد التعدديون بالدراسات التي تظهر الارتباط بين الرأي العام وقرارات الحكومة على موثوقية هذا التحليل.

ويقوى عود بعض المجموعات الحرة بتحولها إلى مجموعات مصالح جيدة التنظيم والتي تبنى غالباً على المصالح الاقتصادية (مثال الصناعيين والمصرفيين واتحادات العمال) ولكن هناك مصالح أخرى كذلك (مثال البيئية والمستهلك ومجموعات الحريات المدنية) وتتحد هذه المجموعات اعتماداً على الموضوع المعين. ويشير التعدديون هنا إلى نجاحات المجموعات غير المرتبطة بالأعمال مثل اتحادات البنائين من الثلاثينيات حتى الستينيات أو المدافعين عن البيئة أو المدافعين عن المستهلك كدليل على نظريتهم.

ويؤمن معظم التعدديين أن قادة المؤسسات منقسمون جداً فيما بينهم ما يجعلهم غير قادرين على الهيمنة على الحكومة. ويدعون أن هناك انقسامات بين ملّاك ومدراء المؤسسات الكبيرة وأن المؤسسات منظمة ضمن مجموعات مصالح صغيرة غالبا ما تتجادل فيما بينها.

ومن وجهة نظر الشبكات الأربع أن التعددية توجد في الغالب في حاجة لأن السجل التاريخي ولا يدعم نظراتها المبنية على النظرية الليبرالية أن التاريخ بكامله إنما هو أساساً "  الرأسمالية السفر المقدس" (Mann,1986,p.534) لم تبدأ المجتمعات البشرية بأفراد في قمة طاقتهم في رعاية أنفسهم وهو الافتراض الأساسي للتعددية حول طبيعة الإنسان وإنما بفرق صغيرة متعاونة اشتركت في اللحم في مجتمع ذي طراز قائم على المساواة (Boehm,1999)لم يبحث الأفراد عن ملكية خاصة ولم ينشئوا أسواقا وبعدها قرروا لتطوير الدولة كقاض ومنظم كما في أسورة العقد الاجتماعي.

ولم تكن الأسواق هي الطريق الوحيد للتطور الاقتصادي الجيد كما يدّعي الليبراليون. ولم تكن الإمبراطوريات العسكرية في الماضي مجرد عقبات طفيلية للتطور الاقتصادي. لقد شجعوا أحياناً مثل ذلك التطور. وزيادة على ذلك فالنظرية العامة المبنية كما هي في النظرية الاقتصادية للسوق تخفق في فهم أن الإطار للتنظيمات العادية أمر مطلوب قبل تطوير الأسواق. لقد وفرت التنظيمات الدينية والسياسية السياق التنظيمي للأسواق حتى تتطور وكما يشرحها مان Mann

التنافس المنظم ليس "طبيعيا"فإذا لم ينحدر التنافس إلى الشك المتبادل والعنف وينتج عنه فوضى فإنه يتطلب تنظيماً اجتماعيا مفصلاً ورقيقاً يحترم أساسيات الإنسانية والسلطات وصراعات الملكية لعناصر السلطة المتعددين اللامركزيين. (Mann, 1986, p. 534)

ومان كذلك شديد النقد لليبرالية بخصوص نظراتها للعلاقة بين الطبقات الاجتماعية والدولة لأنها تتجه لرؤية الدول والطبقات الاجتماعية على أنها في تضاد جذري:

تنظر الليبرالية إلى حقوق الملكية على أنها نشأت من الصراعات بين الأفراد لاستغلال الطبيعة لكسب الفائض فيها وتحويله إلى ملكية الأسرة والنسل. وفي هذه النظرة تعد قوة الشعب أساساً شيئاً خارجياً بالنسبة لحقوق الملكية. ويمكن للدول أن تنظم حقوق الملكية أو يمكن النظر إليها كتهديد خطير لها ولكن الدولة ليست جزءا من إيجاد حقوق الملكية. ومع ذلك فقد رأينا مراراً أن هذا ليس حقيقة تاريخية. لقد ظهرت الملكية الخاصة في المقام الأول ثم تم تشجيعها من خلال الصراعات والميول للانشقاقات لمنظمات السلطات العامة. (Mann, 1986, p. 536)

وعلى الرغم من أن الليبرالية تخفق كإطار عام لفهم بناءات السلطة عبر الزمن والأمكنة فإن الكثير من علماء الاجتماع في الخمسينيات وبدايات الستينيات اعتقدوا أن هذا معقول – بشكل من التعددية- للحالة الخاصة بالولايات المتحدة والتي لديها اقتصاد السوق ونظام ديمقراطي انتخابي. ومع ذلك فإن أحداث الستينيات والسبعينيات بالاشتراك مع بحوث بناء السلطة أثاروا أسئلة جادة حول النظرية مما تسبب في فقدانها لوجاهتها لعقد أو عقدين. وفي تلك النقطة بدا لعدد متزايد من علماء الاجتماع أنه كان للمؤسسات سلطة مسيطرة وأن الدولة لم تكن مستجيبة لمصالح الجمهور. ومنذ ذلك الوقت عادت النظرية التعددية إلى التركيز على ما يبدو أنه نجاح لمجموعات مصالح ليبرالية مثل المهتمين بالبيئة وحركات المستهلِكين في السبعينيات.

لا شك أنه كان هناك الكثير من الانتصارات الحقيقية لمجموعات مصالح جديدة من خلال حركة الحقوق المدنية والحركة النسوية وحركات أخرى لمجموعات وحقوق الأفراد وحرياتهم ولكن الانتصارات بالنسبة للقضايا المتعلقة بالمؤسسة وسلطة الطبقة كانت قليلة وبعيدة فيما بينها. ولا يمكن ما لا يمكن تأكيده بما فيه الكفاية أن حقوق الأفراد شيء واحد ولكن سلطة المجموعات أو الطبقات بخصوص قضايا السياسات شيء آخر وكذلك هي النجاحات بالنسبة لحركات البيئة والمستهلكين دليل على التعديدية كما سنوضح بعد قليل.

وأكثر بيان تفصيلي للرؤية التعددية المعدلة أطلق عليها التعددية الجديدة تقترح أن "الليبرالية الجديدة" قد برزت في شكل جماعات الضغط الخاصة بالمواطنين (Berry 1999) وتركز هذه النظرة على المعارك بين مجموعات المصالح الليبرالية واليمين المسيحي حول قيم ثقافية وهي ليست من النوع الذي يكسبه مجموعات المصالح الليبرالية غالباً وإنما هو أمر لا علاقة له بالأمر في تحليل سلطة المؤسسات. وتؤكد التعددية الجديدة أن المؤسسات الرئيسية وبخاصة مؤسسة فورد مولت العديد من مجموعات مصالح المواطنين في انطلاقتها وهذا ما يجعلهم كائنات معتدلة ضمن المجتمع المتعاون وليس مجموعات مصالح مستقلة. ومع ذلك يجيب هؤلاء المنظرون أن مثل هذه المجموعات هي الآن مستقلة بسبب الأموال التي جمعوها من خلال البريد المباشر والجهود الاتصالية.

وفي الحقيقة تبقى كثير من مجموعات المصالح معتمدة على مؤسسات ومن السخرية أن مؤسسات أعمال وبخاصة مجموعات البيئة والداعمة لذوي الدخل المحدود من الأقليات معتمدة على الأموال من مؤسسات ضمن مخيم المحافظين المعتدلين في المجتمع. وهذا يجعل دور منح المؤسسات في الحد الأدنى كتأثيره على المنظمات نفسها ويهمل أيضاً أهمية الأموال السرية في عمل تلك المنظمات

تعد كل مجموعات البيئة جزءاً من التعددية ولكن المجموعات الأصل في مجال تشكيل السياسيات تمول من قبل مؤسسات كبيرة كجزء من الجناح المحافظ المعتدل في شبكة التخطيط السياسي فيها. (Domhoff, 2005,Chapter 4; Robinson,1993) وحقاً فعلاً لقد أثار البيئويون اليساريون والليبراليون عواطف الرأي العام حول قضايا البيئة وأوجدوا مراقبين (كلاب حراسة) تلقى تقاريرهم الاهتمام في الإعلام الجماهيري وطوروا أفكاراً جديدة وتقنيات للسيطرة على التلوث والتي قبلت تدريجيا من قبل مجتمع المؤسسات التجارية. ولكن لم يكونوا قادرين منذ عام 1975 أن يمرروا أي تشريع يعارض المؤسسات التجارية وهم أهم مجموعة سياسات في المجتمع التجاري. وقد أصبحت الحركة البيئوية ككل والجناح الليبرالي بصفة خاصة أكثر هامشية من ناحية السلطة مما لها من سمعة لدى الجمهور.

وقد تطورت حركة المستهلِك من الحركة التي نشأت في الستينيات واستطاعت أن تمرر كثيراً من قوانين حماية المستهلك بين عام 1967و1974. (Vogel,1989) ومع ذلك هناك دلائل أقل على سلطة مجموعات المصالح في هذا القصة كما يلاحظ لأول وهلة ذلك أن مجموعات التجارة إما وافقت على التشريع أو أدخلت تعديلات بالقوة لجعله مقبولاً. ومع أن غرفة التجارة الأمريكية سجلت اعتراضاتها المعتادة فلم يكن ثمة اعتراض من عالم الأعمال لأي من التشريعات الخاصة بحماية المستهلك في الستينيات والذي يعني أن مجتمع الأعمال لم يهزم في هذه القضايا وإنما المجموعات المنافسة (Domhoff 1990, chapter 10)وكان الاستثناء  المهم هو اعتراضات الصناعة على التعرفة القومية وقانون سلامة المحركات وهو جهد ناجح لتطبيقها عليهم لجعل السيارات أكثر أمانا (Luger, 2000)

لقد انكشف الضعف العميق لحركة المستهلِك منذ مدة بعيدة ترجع إلى عام 1978عندما تعرض اقتراحها المعتدل لإنشاء وكالة للدفاع عن المستهلِك من قبل تجمع رجال الأعمال ومجموعات السياسات المختلفة من خلال مجموعة قضايا المستهلكين Consumers Working Group. وعلى الرغم من أييد الرئيس جيمي كارتر فقد رفض القانون المقترح من قبل مجموعة التصويت المحافظة في مجلس النواب. وأخفقت حركة المستهلك كذلك في كل تشريع آخر تقدمت به في تلك الفترة. وباستعراض النجاحات والإخفاقات للنشطاء في مجال المستهلك من نقطة الفرصة المواتية في التسعينيات فإن أوسع دراسة تستنتج أن التعدديين مخطؤون في الادعاء أن التنظيم "الجديد" ابتداءً من السبعينيات يختلف عن أشكال التنظيم قبله حتى وإن كان يغطي مجالات واسعة من الصناعة (Maney & Bykerk, 1994) ويستنتج المؤلفان عموماً أن التجارة هي القوة المسيطرة في مجتمع مجموعات المصالح على الرغم من مجموعات المصالح غير التجارية في السبعينيات.

وفي الحقيقة وعلى عكس ادعاء التعدديين الجدد فإن الهزيمة المهمة الوحيدة لأي مجتمع تجاري منذ الستينيات هو إنشاء إدارة الأمن المهني والصحة عام 1970 والتي عارضت بشده قادة المؤسسات التجارية في سابقة توسيع التنظيمات الحكومية وإمكانية تقوية الاتحادات. وحتى هنا فإن التاريخ التالي لهذه الوكالة الجديدة هو تعليمي من ناحية القوى التجارية من خلال جماعات الضغط والتصارع التشريعي الداخلي. وبحلول الثمانينيات من القرن العشرين كما تظهر الدراسات التفصيلية فإن المؤسسات التجارية حولت الوكالة إلى "سجين سياسي"من خلال التأخيرات في تقديم المعلومات والتعديلات التشريعية مخفضة قوتها وانتصاراتها التشريعية مما قلل قوتها أكثر والتخفيضات في الميزانية مما جعل عمليات التفتيش أقل وظاهرية أكثر. وحتى نجعل الوضع أصعب على التعددين نقول إن هذه التغييرات حصلت على الرغم من العاطفة الشعبية القوية في صالح فرض قوانين سلامة في مكان العمل. (Noble, 1986; Szasz, 1084)

وحتى العلاقات بين الرأي العام والنتائج التشريعية لا تعد بالضرورة دليلاً على وجهة نظر التعدديين. فمثل هذا الادعاء يغض الطرف عن الحقيقة أن مجتمع الأعمال ينفق أموالاً طائلة للتأثير في الرأي العام من خلال شبكات تشكيل الرأي العام التي تمتد من إدارات العلاقات العامة في المؤسسات التجارية الكبرى التي تتخصص في العلاقات العامة إلى المنظمات غير الربحية الكثيرة التي تركز على التأثير في الرأي العام في قضية واحدة فقط مثل السياسة الخارجية أو الاعتقاد أن الاقتصاد واتحادات التجارة (Domhoff,2002) وهذه تهمل حقيقة أن تفضيلات الجمهور الليبرالي حول نطاق واسع من البرامج الاقتصادية –التوظيف الحكومي والتأمين الصحي المدعوم من الحكومة ، وزيادة الحد الأدنى من الأجور—لم تحقق أبداً

 

نظرية استقلالية الدولة

نظراً لأن الحكومة الفيدرالية في واشنطن والجيش كانا غير مهمين نسبياً في التاريخ الأمريكي حتى الحرب العالمية الثانية وما بعدها فإن معظم المحللين للسلطة في الولايات المتحدة قد بدؤوا بالافتراض أن المجموعات الخاصة أو الطبقات الاجتماعية لـ "المجتمع المدني" يسيطرون على الدولة. وهكذا فإن التركيز الرئيس كان على القوة النسبية لمجموعات المصالح المختلفة أو الطبقات الاجتماعية.

لقد كان معظم المحللين ذوي التركيز على "مركزية المجتمع" من التعدديين. وهذا يعني أنه يجب عدم الأسف على سيطرة المصالح الخاصة على الدولة وذلك لانخراط مجموعات مختلفة. وأما القليل من المحللين المتمردين ضمن المجتمع الأكاديمي—فلويد هنتر Floyd Hunter و سي رايت ميلز C. Wright Mills والماركسيين وغير الماركسيين من المنظرين الذين يقولون بسيطرة الطبقة مثلي- يقاومون رؤية التعدديين العامة فقط من ناحية القول أن السلطة كانت في يد القلة: النخبة المؤسساتية بالنسبة لميلز Mills والرأسماليون الأثرياء بالنسبة للماركسيين، والاثنان معاً بالنسبة لهنترHunter ولي. وهذا يعني أن المتمردين كانوا يركزون على مركزية المجتمع مثل التعدديين ولا يضعون تركيزاً خاصاً على الدولة.

وعلى العكس من نقطة البداية العامة فإن نظرية استقلالية الدولة تؤكد على أنّ السلطة المسيطرة موجودة في الحكومة. وليس لدى المواطنين عموماً أو لدى طبقة مسيطرة. واتباعاً للاستخدام الأوروبي فإن المدافعين عن هذه النظرية الذين يطلقون على أنفسهم الآن المؤسساتيين التاريخيين يستخدمون عبارة "الدولة" بدلاً من "الحكومة" للتأكيد على استقلالية الحكومة من بقية المجتمع. ويطلق على استقلالية الدولة عادة "الحكم الذاتي " "Autonomy"ويقال إن ذلك لعدة أسباب: (1) احتكارها الاستخدام القانوني للقوة داخل البلاد؛ (2) دورها الفريد في الدفاع عن البلاد ضد الأعداء الخارجيين و(3) قوتها التنظيمية والضريبية. والشكر لهذه السلطات مما يجعل الموظفين الحكوميين قادرين على الدخول في تحالفات مع هذه المجموعات في المجتمع سواءً كانوا في مجال الأعمال أو العمل أو الأحزاب الحكومية إن كانوا يشتركون مع الدولة في هذه الأهداف. ويعتقد المنظرون المؤمنون باستقلالية الدولة أن الخبراء المستقلين يمكن أن يكونوا أقوياء لأن لديهم المعلومات المهمة للموظفين الحكوميين.

وبالنسبة للمنظرين المعتقدين باستقلالية الدولة أن الدولة تستطيع وتتصرف بالفعل لمصالحهم التي هي الاستقرار والتوسع. ففي العالم الرأسمالي يبذل قادة الدولة قصارى جهدهم لإبقاء الرأسمالية في صحة جيدة لأن ذلك في مصلحتهم من ناحية إيرادات الدولة ومن أجل السكان المدنيين السعداء وليس لأن همهم الأول والأهم في الرأسمالية والرأسماليين.

ويفتخر منظرو الاستقلالية بادعائهم القيام لأول مرة بإنشاء كيفية "منطق بناء الدولة والدول النظام الدولي للدول لا يمكن اختصاره على المنطق الاقتصادي أو الطبقي" (Orloff,1993, p.85) وفي الواقع كانت هذه الفكرة أمراً جديداً لبعض المنظرين. وهي أساسية لنظرية الشبكات الأربع مثلاً.

ولا يصر منظرو استقلالية الدولة على أن الدولة موجودة في كل مكان وقوية ومستقلة حيث يمكن أن يستولى عليها أو يسيطر عليها مثلاً. وفي أعلى مستوى تجريدي فإنهم بالتالي يؤكدون أن الدولة "من الممكن أنها مستقلة" (Skocpol, 1979 p. 29; Skocpol, 1980) والمشكلة هنا هي أنهم يدعون أنهم يقفون مع الفكرة وحدهم متجاهلين كلياً أن ميلز Milles الذي لم يشيروا إليه مطلقاً قد وضح هذه النقطة المهمة منذ مدة طويلة (Mills 1956 pp.170,227; Mills 1962, p. 119) وبالتالي أوجدوا رجل القش ليجعلوا أنفسهم فيما يبدو متفردين ومبدعين.

وحتى مع فكرة إمكانية الاستقلال المتوفر كطريقة للتسليم أن هناك سيطرة مؤسسية في الولايات المتحدة يصرون على أن يعطوا الدولة الأمريكية استقلالاً معتبراً. ومع ذلك هناك أسباب عديدة لماذا لا تكون هذه الاستقلالية واضحة في الولايات المتحدة. إن استقلالية الدولة تكون ممكنة فقط عندما تكون الدولة موحدة وغير قابلة للاختراق من قبل الموظفين أو ممثلي المنظمات الخاصة. ولكن الحكومة الأمريكية ليست كذلك بالنسبة للأمرين. ولأسباب تاريخية – انظر النقاش حول التاريخ الأمريكي في الوثيقة الخاصة بنظرية الشبكات الأربع—إنها حكومة مقسّمة تماما ومفتوحة للعناصر الخارجية وبالتالي عرضة للسيطرة من خلال العملية الانتخابية ومن خلال التعيينات ومجتمع الأعمال وشبكة صناعة السياسات. إن حركة أعضاء قيادة المؤسسة التجارية بين القطاع الخاص والحكومة يشوشون الخط بين المجتمع التجاري والدولة والذي لا يناسب فكرة استقلالية الحكومة.

وزيادة على ذلك فإن النقص في الموظفين القائمين بالتخطيط في معظم الإدارات التنفيذية جعل من الممكن لشبكات صناعة السياسات الخاصة أن تنتعش. وبالتالي فإن تقسيم الحكومة الأمريكية إلى المستويات القومية ومستوى الولاية والمستوى المحلي يساعد على شرح لماذا يمكن أن يكون نمو الائتلاف قوياً في معظم المدن.

وعلى المستوى العملي يستخدم منظرو استقلالية الحكومة ميزانية متزايدة وعدداً متزايداً من الموظفين كمؤشر على سلطة الوكالة أو الوزارة ضمن الحكومة. وبصفة أعم يقال إن التوسع المدعى للحكومة الفيدرالية إنما هو دليل جيد على قوة موظفي الدولة. ولكن منظري استقلالية الدولة مخطؤون لأسباب ثلاثة عندما يستخدمون زيادة الميزانية الفيدرالية وعدد موظفي الوكالات كمؤشر على السلطة. أولاً لا يدل حجم الحكومة بالضرورة على أي شيء عن كيفية السيطرة عليها، فيمكن للحكومة أن تنمو ولا تزال يُسيطر عليها من قبل مجتمع المؤسسات التجارية. ولذلك السبي ليس ثمة بديل عن الدراسات التاريخية التي تستخدم مؤشراً أو أكثر للسلطة.

وثانياً كان النمو الحكومي في الفترة من الستينيات حتى التسعينيات على مستوى الولايات والمستوى المحلّي لا يتناسب مع صورة حكومة فيدرالية قوية تبالغ في مصادرها. وثالثاً وكما تكشف أكثر الدراسات تفصيلاً وعمقاً لميزانية الحكومة الفيدرالية أن الميزانية تراجعت في الحجم من 1950 إلى عام 1977 بنسبة 8,8 في المائة في حين أن نسبة نمو الناتج المحلي مع الأخذ في الاعتبار العوامل المتحيزة الكثيرة مثل التضخم. (Berry &Lowery) واستمر التراجع من عام 1980عندما كان الإنفاق الفيدرالي 21,6بالمائة من الناتج المحلي حتى عام 2000 عندما بلغ الرقم 18,7في المائة. وبدأت النسبة المئوية تتصاعد في الأربع السنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين ولجزء طيب بسبب الزيادة الضخمة في العناية الطبية والمساعدات للزراعة. ولكن لا أحد يمكن أن يدعي أن إدارة بوش كانت دليلاً على استقلالية الحكومة.

وتتناقض الاتجاهات في أعداد موظفي الحكومة الفيدرالية مع توقعات نظرية استقلالية الدولة. فقد انخفضت أعداد الموظفين المدنيين والعسكريين في التسعينيات من ناحيتي الأرقام المجردة وكنسبة من عدد السكان الكلي للبلاد. وزيادة على ذلك فإن معظم موظفي الحكومة لهم علاقة بالجيش وأعماله. والاستنتاج الوحيد الذي يظهر من مقارنة الوزارات المختلفة في الفرع التنفيذي هو أن وزارة الدفاع قزمت كل الآخرين موظفة أكثر من نصف الموظفين الفيدراليين عندما نضم إليهم الموظفين في الجيش. وعندما يحتسب فقد الموظفين المدنيين فتلك الوزارة لا تزال أكبر بثلاث إلى سبع مرات من أقرب منافس لها. وإذا ما حسبنا إدارة المحاربين القدامى كجزء من الجيش كما ينبغي فعندئذ يكون الجزء المدني من الحكومة الجزء الأصغر من الصورة العامة.

أما الادعاء من قبل منظري استقلالية الحكومة أن الخبراء لديهم دور مستقل في تطوير سياسات عامة جديدة في الولايات المتحدة فيمكن دحضه بالحقيقة أن هؤلاء الخبراء إنما هم جزء من المؤسسات ومن شبكات تطوير السياسات الممولة من قبل المؤسسات. وصدق منظرو استقلالية الدولة أن الخبراء يقدمون كثيراً من أفكار السياسات ولكنهم لا يرون أن أكثر الخبراء أهمية يختارون ويتم تبنيهم من قبل واحدة أو أكثر من المنظمات ضمن شبكة السياسات وأن أفكارهم تناقش وتنتقد من قبل قادة المؤسسات التجارية قبل أن تظهر في تقارير واقتراحات.

وعندما يلتفت منظرو الاستقلالية الحكومية إلى الأحزاب السياسية والاختلافات بين المجموعات حول قضايا سياسوية معينة يشبهون في ذلك التعدديين. ويرى هذا بوضوح في أفضل كتاب حول استقلالية الحكومة في المجتمع الأمريكي وهو كتاب سكوكبول الذي صدر عام 1992م(Skocpol )"حماية الجنود والأمهات: الأصول السياسية للسياسة الاجتماعية في الولايات المتحدة"([1]) Protecting Soldiers and Mothers: The Political Origins of Social Policy in the United States  والذي عالج المرحلة التقدمية. وقد كتبت نقداً مطولاً لهذا الكتاب حيث أظهرت كيف أن نظرية استقلالية الدولة عندما تطبق على الولايات المتحدة تتحول إلى التعددية متجاهلة كل الوقت الصراع الطبقي الذي يحملق في وجهها.

لا شك أن الدولة الأمريكية قوية جداً. والسؤال من الذي يسيطر على الدولة؟ هل هم المسؤولون المنتخبون أو المسؤولون المعينون أو الموظفون الدائمون (كما يدعي منظرو استقلالية الدولة) أو مجتمع المؤسسات التجارية الذي يمول المسؤولين المنتخبين ويساعد كثيراً من المعينين (كما يدعي منظرو سيطرة الطبقة) أو الجمهور العام الأمريكي من خلال الأحزاب السياسية والانتخابات ومجموعات المصالح وجماعات الضغط وقوة الرأي العام (كما يدعي منظرو استقلالية الدولة)؟

 

نظرية النخبة:

تتقاطع نظرية النخبة اليوم مع نظرية الشبكات الأربع في عدة نقاط ولكنها تختلف في غيرها. فنقطة الانطلاق في نظرية النخبة الحالية أن القادة يسيطرون على كل المجتمعات الحديثة (يطلق عليهم النخب) من المنظمات الكبيرة المبنية بيروقراطياً سواءً كانت هذه المنظمات تجارية أو لا ربحية أو حكومية. ويؤكد منظرو النخبة مثل غيرهم من منظري السلطة أن المواطن العادي يملك أحياناً القدرة لوضع الحدود لتصرفات النخبة وبخاصة عندما تكون النخب في صراع داخلها.

ولكن نظرية النخبة تضع تركيزاً على الطبقات أو الصراع الطبقي أقل من الضروري من أجل أن تفهم السلطة في الولايات المتحدة. وبالتالي لا تقدر تماماً إلى أي حد يسيطر المدراء وملاك المؤسسات التجارية النخب المبنية على المؤسساتية في الولايات المتحدة. فمثلاً نجد أن معظم الرسميين المنتخبين ضمن النخب السياسية يعتمون على الأسر الثرية وقادة المؤسسات التجارية من أجل الدعم المالي المبدئي. ويقين القادة العسكريين من قبل المدنيين الذين يحصلون على السيطرة على الفرع التنفيذي. كما لا يركز منظرو النخبة التحيز الطبقي المتأصل في شبكة تخطيط السياسات وغيرها من المنظمات غير الربحية في الولايات المتحدة والذي يجعل القادة والخبراء في هذه المؤسسات ثانويين بالنسبة لقادة مجتمع المؤسسات التجارية.

ويقود النقص في الاهتمام بالصراع الطبقي منظرو النخبة ليفهموا الخلافات بين المنظمات المسيطر عليها من المؤسسات التجارية والمنظمات التي قاعدتها تنطلق من الطبقة العاملة وبخاصة النقابات. وكما يؤكد منظرو النخبة أن الرأسماليين والطبقة العاملة يعتمدون على بعضهم البعض ولكنهم لا يضع الحدود ماذا يستطيع الواحد أن يفعل للآخر. وزيادة على ذلك فإن قادة النقابات يعملون مع قادة المنظمات التجارية حالما تتأسس النقابات كما تؤكد نظرية النخبة.

ومع ذلك فإن كثيراً من أهداف قادة النقابات تبقى مبنية على الطبقية. فهناك صراع رئيسي بينهم وبين قادة المؤسسات التجارية الذين يرون النقابات بصفتهم أعداء قاتلين ويفعلون كل ما يستطيعون لاقتلاعهم. وزيادة على لذلك فقد هزم قادة النقابات مرات ومرات من قبل قادة المؤسسات التجارية منذ أواخر الثلاثينيات مما جعلهم نخبة من درجة ثانية في أفضل أحوالهم. وعلى العكس من كثير من الدول الأوروبية حيث يملك قادة النقابات قوة أكبر لأن الرأسماليين مقيدون من قبل النخب الأرستقراطية والحكومية في سبيل إقصاء النقابات وهناك لا قيود على هجوم المؤسسات التجارية على النقابات في الولايات المتحدة (Mann,1993; Voss,1993) وهكذا فثمة اختلافات بين الولايات المتحدة ومعظم الدول الأوروبية مما يجعل نظرية النخبة أكثر تطبيعاً في تلك الدول مما هي في الولايات المتحدة

وأكثر عموميا إنه مزيج من رؤية من نظريتي التنظيمية والطبقية ما يفسر قوة المجتمع المالي الأمريكي. وهنا حيث يكون أعظم تطبيق لنظرية الشبكات الأربع لمزحها للنظريات التي أبرزت مفهومي التنظيم والطبقة. تخلق الرأسمالية طبقة التملك ذات مصادر اقتصادية ضخمة وإمكانية السلطة السياسية. وكذلك تولد صراعات طبقية حول الأجور وقواعد العمل والضرائب والتنظيمات الحكومية. واستجابة لذلك استطاع ملاك المؤسسات في الولايات المتحدة أن يخلقوا نطاقاً واسعاً من المنظمات أعطتهم مصادر مؤسساتية استطاعوا من خلالها تنظيم وجعل مصادر طبقتهم مشروعة وتمكينهم من السيطرة على الصراع الطبقي. إن التفاعل بين الطبقة والإلزام التنظيمي في قمة كل المنظمات الأمريكية بما في ذلك المؤسسات الحكومية هو الذي يقود إلى سيطرة الطبقة في الولايات المتحدة.

 

الماركسية

       تشبه الماركسية نظرية الشبكات الأربع في شموليتها للتاريخ الغربي وكذلك نقطة البداية لنظرية السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية.  وبذلك الخصوص فإن كلا النظريتين تتسمان بأنهما أكثر عمومية من التعددية ونظرية استقلالية الدولة ونظرية النخبة.  وقد أوجد كلٌّ من كارل ماركس Karl Marx  (1818-1883( وفريدريك إنجلز (1820-1895) الماركسية التي لها على الأقل خمس جوانب وقد أنتج كل واحد منها كميات ضخمة من الأدبيات التي تحتوي:

·      نظرية ذات قاعدة فلسفية ديالكتيكية حول كيف يقرأ التاريخ والتي استعيرت من هيجل Hegel وقلبت رأساً لعقب بجعل العالم المادي والصراع الاجتماعي وليس صراع الأفكار محركاً للتاريخ.

·      نظرية اجتماعية عن الهيمنة الطبقية

·      تفسير كيفية عمل الرأسمالية

·      نقد أخلاقي للمجتمع الرأسمالي.

·      ثروة من التطبيق السياسي بخصوص إزالة الرأسمالية وتأسيس الاشتراكية.

سوف يتركز هذا القسم على نظرية الهيمنة الطبقية وسياسات إحلال الاشتراكية محل الرأسمالية لسببين. أولاً لم تعد النظرية الدايلكتيكية في التاريخ بإصرارها على نتائج حتمية ذات مصداقية في ضوء أحداث القرن العشرين حتى لدى معظم الماركسيين. وثانيا كثير من الادعاءات حول العمل الداخلي للرأسمالية مثل نظرية القيمة والعمل ونزول معدل الربح بنسبة كبيرة. أما التركيز على طول المدة من أجل أن يحقق الرأسماليون الربح وصراع الطبقات لا تزال واقعاً ولكنها يمكن أن تضمن في النظرية الاجتماعية للهيمنة الطبقية التي تناقش هنا.

وبنزع كل أساسياتها ("قوى الإنتاج") يقود إلى إنتاج مزيد من البضائع التي يمكن أن تستهلك فردياً وبالتالي تقود إلى إمكانية الصراع حول كيفية توزيع الفائض. وفي حين تتطور قوى الإنتاج فثمة مزيد من التقسيم للعمال وكذلك مزيد من الصراع حول الملكية وسيطرة الآلات ("علاقات الإنتاج"). وفي حين ينقسم الناس إلى ملاك وغير ملاك هناك كلٌ من مزيد من الإنتاج الكلي العالي ومزيد من الاستغلال لغير الملاك (والذين هم في مراحل مختلفة من التاريخ في أدوار العبيد والخدم والفلاحين والأحدث "العمال") وهذا ما عناه ماركس عندما قال إنّ التاريخ إنما هو تاريخ الصراع الطبقي. إن الصراع الطبقي هو القوة الدافعة للحضارة الغربية.

ويفترض هذا الإطار الذي يعرف بـ "المادية التاريخية أن مستوى التطور لقوى الإنتاج هو الذي يشكل البناء الأساسي لـ "علاقات الإنتاج. وتقوم علاقات الإنتاج بدورها بتشكيل المؤسسات السياسية والعادات والأفكار حول العالم. وتحدث ماركسيون متأخرون حول "القاعدة"و "البناء الأكبر " حين مناقشتهم للعلاقة بين "صيغة الإنتاج" (مركب القوى وعلاقات الإنتاج) والمؤسسات السياسية والأيديولوجية. في حين قال آخرون إنّ "علاقات الإنتاج" تتضمن العلاقات السياسية ولذلك لم يكن ثمة حاجة لمثل هذا التفريق.

ومهما كانت الطريقة فإن المادية التاريخية تقرر أن الطريقة المعينة تاريخيا التي يوجد فيها الناس البضائع والخدمات هي القاعدة لأنظمتهم السياسية والدينية والفلسفية وبالتالي إعطاء الأولوية  لـ" الاقتصاد" والجوانب المادية من الوجود الإنساني. ولكنها ليست حتمية اقتصادية بالمعنى الضيق في العقلية الرأسمالية تعكس رجعياً في الوقت من قبل اقتصاديي السوق الحرة والتعدديين مثلا رفع اهتمام الفرد بنفسه إلى أعلى مستوى أو العمل حتى يصبح أغنى شخص. لقد رأى ماركس البشر أنهم أكثر تعاونا وتشاركاً من ليبراليي السوق الحرة والتعدديين الذي هم فعلاً أصحاب الحتمية الاقتصادية.

وضمن هذا السياق للبناء الاقتصادي الاستغلالي والمتقلب تم تطوير "الدولة" لحماية أنفسهم وملكيتهم الخاصة لوسائل الإنتاج. وعندما يصل النظام الاقتصادي الاجتماعي المرحلة الإنتاجية العليا يطلق عليه الرأسمالية والفائض الاقتصادي يسمي "المسلوب" من العمال كفوائد من خلال المؤسسات الاجتماعية العادلة التي تعرف بأنها "السوق"والذي يحل محل أشكال السلب المباشر والإجباري المستخدم في الأنظمة الاجتماعية المبكرة. ومع ذلك فنظام السوق ليس عادلاً لأن لديه توجهاً قوياً لدفع الأجور إلى مستوى البقاء على الحياة بسبب الحقيقة أنه هناك عمالاً أكثر مما هو ضروري.  وبتعبير آخر عجز العمال الذي أجبرهم على بيع جهدهم من أجل البقاء أحياء هو السبب خلف ما يحتفل به الاقتصاديون على أنه السوق "الحر" ويجعل الرحب ممكناً.

إن حقيقة أن على العمال أن لا يملكوا شيئاّ ولا قوة لهم حتى يحقق الرأسماليون الأرباح من الجهد البشري هي إحدى النقاط الأساسية من الناحية النظرية والأخلاقية بين الليبراليين/التعدديين والماركسيين. ينكر التعدديون أو يتجاهلون هذا الادعاء والذي هو عدواني بالنسبة للماركسيين لأنهم مهتمون بالمساواة والعدل الاجتماعي.

وعلى الرغم من كل فوائد السوق كطريقة في تنظيم اقتصاد عالي الإنتاج ومرن فإن الماركسية الكلاسيكية تؤكد أن طبيعته استغلالية ويولد مزيداً من عدم الرضي لدى العمال من ناحية الغربة النفسية (بسبب سيطرة الملّاك على طاقاتهم الإبداعية) ويأس اجتماعي (بسبب الأجور المنخفضة وسوء أوضاع العمل) وحين يدرك العمال مصيبتهم المشتركة يتعاونون في تكوين نقابات وأحزاب سياسية. وفي سياق مزيد ومزيد من الأزمات الاقتصادية مثل الكساد أو التضخم الهارب يدركون أيضاً أن لديهم المعرفة والخبرة لوضع نظام اجتماعي أكثر عدلاً. يصارعون لإزالة النظام الرأسمالي وإحلال نظام تعاوني يسمى "الاشتراكية" محله حيث يملك الجميع وسائل الإنتاج من خلال حكومة تعاونية. وبالإضافة إلى ذلك فإن السوق تستبدل بتخطيط ديمقراطي وحكومة منتخبة ديمقراطياً. وسوف يشارك المواطنون في الخطة من خلال الاجتماعات المحلية مع المخططين.

وعلى الرغم من أن العمال لا يفهمون الحقيقة أن الخطوة الأولى الاشتراكية—وبعدها الشيوعية، وهي مرحلة أكثر تقدماً من الاشتراكية—أمر حتمي للماركسية الطبقية لأن المشكلات الاقتصادية والصراعات الاجتماعية التي تتطور ضمن مجتمع رأسمالي ناضج تماماً لا يمكن حلها. وهكذا فالرأسمالية تحمل في داخلها بذور دمارها، ولكن العدل الواضح للعيان للسوق وقابلية انتشار الرأسمالية يخفي هذه الحقيقة عن العمّال. إنه يخلق فيهم "وعياً زائفاً"حول مصلحتهم والتي يمكن التغلب عليها تدريجيا فقط. إن هدف الأحزاب السياسية الماركسية هو مساعدة العمال للتغلب على وعيهم الزائف وإزالة الرأسمالية التي هي المهمة التي كلف بها المال من قبل العملية التاريخية.

(وهنا يجب أن نلاحظ أن انهيار الاتحاد السوفيتي والتوجه نحو اقتصاد السوق من قبل الشيوعيين الصينيين قد استدعى التساؤل حول فرضية الحتمية بالنسبة للماركسيين المعاصرين. وهناك الكثيرون الذين يعيدون التفكير في هذه المسألة)

تطور طريقان من الماركسية من أجل إحلال الاشتراكية محل الرأسمالية، أحدهما فكر أنه من الممكن العمل ضمن النظام الانتخابي وأن يصبحوا أغلبية في البرلمان مما يمكنهم من جعل الاشتراكية شرعية. وعدم قدرة دعاة هذه الطريقة أن يكسبوا أغلبية الناخبين أجبرتهم على تخفيف موقفهم لكسب مزيد من الدعم وبالتالي يصلون إلى حلول وسط مع الرأسمالية. وأصبحوا يعرفون بالديمقراطيين الاجتماعيين. لقد حاولوا أن يستخدموا الضرائب العالية لتوفير خدمات صحية عالية وتقاعد جدي وفوائد أخرى للعمال.

أما الطريق الثاني السياسي فقد اعتقد أن البرلمانات مجهزة وأن الرأسماليين سوف يستخدمون القوة للبقاء في السلطة تماماً كما فعل ملّاك الإقطاع والملوك. وسيحدث الصراع العنيف حالاً أو فيما بعد. وقد دعا مؤيدو هذا الرأي إلى الأحزاب الثورية التي ستعد لقلب نظام الحكم والاستيلاء على السلطة وإلغاء الرأسمالية بالقوة. وكان لينين المثال لمن حمل هذا الفكر في القرن العشرين ونجح في المهمة وهو قائد الثورة البلشفية خلال الحرب العالمية الأولى.

وقد أصبح الماركسيون الذين يؤيدون طريق الثورة بالماركسيين اللينيين. وقد أصبح هؤلاء بعد الثورة البلشفية هم والديمقراطيون الاجتماعيون أعداء عداوة مريرة لأسباب كثيرة.

(هناك تفصيلات أكثر حول نقدي للماركسية تجده في الرابط الآتي:

http://sociology.ucsc.edu/whorulesamerica/theory/marxism.html



[1] http://sociology.ucsc.edu/whorulesamerica/theory/skocpol.html قدم المؤلف نقداً موسعاً لهذا الكتاب في الرابط الموضح.

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...