كتب
الزميل الأخ (الدكتور) عبد العزيز المحويتي "المحاضر بقسم الاستشراق بالمعهد العالي
للدعوة الإسلامية مقالاً في مجلة المنهل العدد 485 الصادر في جمادى الآخرة 1411هـ
حول دائرة المعارف الإسلامية التي تولى إصدارها المستشرقون في طبعتها
الأولى قبل الحرب العالمية الثانية، ثم أعيد إصدارها في طبعة جديدة صدر منها حتى
الآن ست مجلدات (صدرت المجلدات الباقية) زاعمين أن الطبعة الثانية جاءت لتصحيح الأخطاء،
ونقص المعلومات في الطبعة الأولى، ولكنهم عادوا فأصدروا الطبعة الأولى مصورة
تناول المحويتي في مقاله بعض أخطاء هذه
الموسوعة ليخلص إلى الاقتراح على المؤسسات العلمية الإسلامية، وخص بالذكر
"مؤسسة الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية" بتبني مشروع إصدار موسوعة
إسلامية بأقلام إسلامية.
فشكراً للزميل "المحويتي" على
جهده الطيب في هذا المقال حيث أتاح لي الفرصة للحديث عن دائرة معارف إسلامية وهي
تحت الإعداد من قبل وقف الديانة التركي، وأحب أن أذكر -هنا- أن اثنين من طلاب
الدراسات العليا في قسم الاستشراق يقومان الآن بإعداد رسالتي دكتوراه حول دائر
المعارف الإسلامية الاستشراقية؛ إحداهما تتناول جانب العقيدة الإسلامية في الموسوعة
بينما تدرس الأخرى جوانب الحديث والسنة في هذه الموسوعة.
والموسوعة عمل مرجعي يعالج نواحي العلم
المختلفة أو يتخصص في بعضها، ومقسم إلى سلسلة من المقالات. وتذكر دائرة المعارف الأمريكية
الدولية أن الموسوعات ظهرت في اليونان ولكن أقدم عمل ظهر يحمل هذا الاسم هو موسوعة
جوهان هندريش آلستد Johan Heinrich Alsted وتطورت كتابة الموسوعات وبلغت ذروتها في القرنين الثامن عشر
والتاسع عشر.
أما الموسوعات الإسلامية فقد ظهرت منذ وقت
مبكر ولكنها كانت من النوع المتخصص ولعل أقدمها الموسوعات التي كتبت في العلوم
الدينية كالحديث والتفسير والفقه ومعاجم المؤلفين ولم تظهر لفظة موسوعة إلّا
حديثاً وإلّا فالمسلمون قد استخدموا لفظة فهرست ومدونة ومعجم وغير ذلك من الألفاظ.
ولما كانت دوائر المعارف مصادر معرفة تهم
الشخص العادي بحيث تعطيه فكرة عن الموضوع الذي يريد وتعد مدخلاً مهما للباحث
المتخصص لأن كل مادة أو مقالة لا بد أن تضم ثبتاً ببعض المراجع إن التوسع.
ومن المعروف أن الأمم الغربية حريصة على إصدار
الموسوعات بأنواعها المختلفة، وقد أصبح بعضها مشهوراً كالموسوعة البريطانية
والموسوعة الأمريكية كما أن أهل الأديان الأخرى أصدروا دوائر معارف تخصهم فهناك
الموسوعة الكاثوليكية والموسوعة البروتستانتية ودائرة معارف البعثات التنصيرية
ودائرة المعارف اليهودية ولعل هناك دائرة معارف بوذية وهندوكية وغيرها ودوائر
المعارف هذه كتبها أبناء هذه الديانات.
أما المسلمون فلمّا تأخروا عن الركب العلمي
وإن كانوا متأخرين في النواحي الأخرى أيضاً فقد قامت هيئات ومؤسسات استشراقية
فأعدت دائرة معارف الإسلام Encyclopedia of Islam ليعرضوا
الإسلام من وجهة نظرهم وهدفهم أن يقللوا من شأن الإسلام ويصوروه بالصورة التي
تنفّر الناس منه
وهنا انطلق المسلمون لعمل شيء ما، فالأتراك ترجموا هذه الموسوعة وصححوا ما
فيها من أخطاء، كما قامت جامعة البنجاب بترجمة هذه الدائرة وتصحيح ما يمكن تصحيحه
وإضافة مواد جديدة حتى غدت كأنها دائرة معارف أخرى. وترجمت الموسوعة الاستشراقية
إلى اللغة العربية حيث بدأ المترجمون بالطبعة الأولى ثم لمّا ظهرت الطبعة الثانية
ترجموا من موادها لكن هذا العمل لم يتم بعد حيث ترجموا حتى حرف العين. وعلّق
المترجمون وصححوا ولكن هذا العمل على الرغم من أهميته وقيمته لا يعدو أن يكون أشبه
بترقيع ثوب خلق.
ظهرت دعوات مختلفة لإعداد موسوعة إسلامية
بأيدي المسلمين ولكن أوضاع العالم الإسلامي السياسية والاقتصادية والثقافية لم
تسمح لهم- حتى الآن- بظهور عمل جماعي بالرغم من أن عدة مشروعات قد قدمت في هذا
المجال لكنها لم تر النور بعد.
وشاء الله أن يدخر هذا الفضل لمؤسسة تركية
هي "وقف الديانة التركي" الذي تأسس عام 1395هـ(1975م) في أنقره. وقد جاء
في صك الوقف الشرعي أن الهدف من تأسيسه:" أن هذا الوقف يعيين رئاسة الشؤون
الدينية ويدعمها فيما تقوم به من تنوير المجتمع بأمور الدين، وتعريفهم بحقيقته كما
جاء من عند الله ورسوله صلى الله عليه وسلم
ومن الأعمال التي يقوم بها الوقف لتحقيق
هذا الهدف:
"نشر الكتب: سواء كانت مؤلّفة أم
مترجمة: مثل المنشورات المكتوبة والمسموعة المرئية، وفتح المراكز البحوث العلمية
والمكتبات وتشكيل الجماعات لدعوة الناس إلى الإسلام وإرشادهم إليه..."
وقد
أعد وقف الديانة التركي كتيباً للتعريف بهذه الموسوعة وأهدافها وتنظيمها، وفيما
يأتي تلخيص لما جاء في هذا الكتيب حول هذه الأمور:
· هدف الموسوعة: استطاع المسلمون انطلاقاً
من هدي القرآن الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يبنوا أروع الحضارات
التي تمثلت في تاريخ المسلمين الطويل الذي حفل بإنجازاتهم في شتى الميادين السياسية
والاقتصادية والثقافية والعمرانية؛ فازدهرت بلادهم بالمؤسسات العلمية والمنجزات
الحضارية الخالدة
لهذا كان لا بد ربط المسلمين في العصر
الحاضر بعد أن تراجعوا عن مركز القيادة الذي يستحقونه إن عملوا له بجدارة ولا بد
لمثل هذا العمل أن يتم بأقلام إسلامية مخلصة مؤمنة بعقيدتها بدلاً من ترك الأمر
لعلماء الغرب الذين لا يمكن لكتابتهم أن تعكس الحقائق الإسلامية كما هي؛ لا في
مبادئها ولا في المسائل الأخرى المتعلقة بالعلوم الإسلامية ومؤسساتها إذ أن العالم
الغربي ينظر إلى هذه المؤسسات في إطار نظرته الخاصة التقليدية وتتسم هذه النظرة -غالباً-
بالتحيز والتحامل.
· نظام الموسوعة: لقد تأسست الموسوعة الإسلامية
عام 1403هـ(1983م) وتتكون من مجلس الإدارة الذي يملك السلطة على التخطيط اللازم
للموسوعة والقرارات اللازمة لها ومن المديرية العالمة التي تنفّذ كل ما يصدر من مجلس
الإدارة من القرارات الإدارية والمالية والقضائية.
أما من الناحية العلمية فتكون خمس عشرة
لجنة عمليها تثبيت المواد وإحالة طلب كتابتها على الكتاب داخل تركيا وخارجها مع
القيام بالتصحيح والتحقيق العلمي لها، ومن هذه اللجان لجنة التفسير ولجنة التحديث
ولجنة علم الكلام وتاريخ المذاهب ولجنة الفقه ولجنة التصوف.
· خصائص الموسوعة: هذه الموسوعة مؤلفة من
المصادر الأصلية وليست مترجمة وكذا ترتيب المواد المبتكر ومبتدع غير مستنسخ سبقاً
وعناوين المواد التي تثبت بعد تمحيص حوالي 500 مصدر أساسي يبلغ عددها مع إحالة
بعضها إلى بعض 22 ألف مادة
ويرى وقف الديانة التركي أن الموسوعة
ليست بموسوعة التخصص التي يعني بها الدارسون الجامعيون فقط، بل هي كتاب يحتاج إليه
العامة ولا يستغني عنه الخاصة.
· فلنرحب بهذا العمل الإسلامي الجليل داعين
الله أن يوفق القائمين عليها كما نطلب من المؤسسات الإسلامية أن تسهم مع القائمين
على هذه الموسوعة لإنجازها غير منتظرين أن يطلب منّا ذلك رسمياً.
تعليقات
إرسال تعليق