بقلم ديفيد دمكيDavid
Dumke[1]
رئيس مؤسسة أمين Amein
المقدمة
كما أنه من الصعب على العالم العربي فهم
السياسات الأمريكية ومجلس الشيوخ بصفة خاصه، فإنه من الصعب على السياسيين
الأمريكيين إدراك تعقيدات الشرق الأوسط، وهنا تكمن المشكلة لأنننا نعيش في عالم تصنع
الانطباعات صورة غير دقيقة ولو جئنا نقوّم السنوات الثلاث الأخيرة فإن التحليل
المبسّط مسؤول عن العديد من القرارات غير الموفقة وغير المفيدة تلك التي اتخذها مؤيدو
ومعارضو الحوار. إن هدف العاملين لتحسين الروابط بين العالم العربي والولايات المتحدة
يجب عليهم أن لا يكتفوا بإنفاق مزيد من الأموال بل عليهم أن يفهموا الخطر السياسي.
يجب أن لا تكون العملية باختصار: جاهز أطلق صوّب بل يحب أن تكون: جاهزاً، صوّب
أطلق
عملية
اتخاذ القرار في مجلس الشيوخ
أ-
مقدمة
وتاريخ
من الصعب على أي شخص
غير أمريكي أن يتصور أنه بالإضافة إلى وزير الخارجية فإن لدى أمريكا خمسمائة وخمس
وثلاثون وزير خارجية وأقصد هنا أن 435 عضواً من مجلس الممثلين (الكونجرس) و100
نائب يقومون بدور دستوري أساسي في السياسة الخارجية الأمريكية. فعندما سئل هاري
ترومان عمن يصنع السياسة الخارجية الأمريكية أجاب بصراحة "أنا" وربما
كان هذا هو الحال في أثناء الحرب العالمية الثانية ولكن منذ ذلك الوقت وربما عدا
سنتين بعد الهجمات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر رأينا مجلس الممثلين
(الكونجرس) يقوم بدور متزايد في السياسة الخارجية سلباً أو إيجاباً وكما لاحظ دي
تشيني الذي كان مسؤولاً حينذاك عندما كان يتحدث عن جهود الكونجرس الذي كان يسيطر
عليه الديموقراطيين بتعطيل السياسة الخارجية للرئيس رونالد ريجان: كان على الرئيس
أن يتحمل كل عضو من الكونجرس بآلة تصوير وبطاقة ائتمان ليتنقل حول العالم لعقد
اتفاقات مع رؤساء الدول"
إن الرئيس بصفته قائد القوات المسلحة
ورئيس الفرع التنفيذي مسؤول عن أجندة أمريكا الدولية من خلال اقتراح السياسات
وتنفيذها. إنه الكونجرس الذي يشكل السياسة وأكثر أهمية يموّل تنفيذها ويمنح الرئيس
عادة احترام تأييد الكونجرس، ومع ذلك فإن معظم الرؤساء عانوا من الكونجرس عدا في
حالات استثنائية. ففي عام 1812م قاد صقور الكونجرس التوسعيون الرئيس إلى حرب مع
بريطانيا، وفي عام 1848م صوّت المجلس لإعلان أن الحرب الأمريكية "غير ضرورية
وغير دستورية" ومنذ عهد قريب صوّت المجلس لتحديد تصرفات كلينتون العسكرية في
البلقان بينما رفض النواب المعاهدة التي اقترحها بيل كلينتون حول الحظر الشامل
للتجارب النووية.
لا يمكن لأحد أن يناقش من وضع الأجندة
الدولية عندما كان فراكلين روزفلت رئيسا وقد أفاد روزفلت من مجلس الكونجرس ذي
الأغلبية الديمقراطية في أثناء أزمة عالمية قوية ورئاسة قوية. وواجه ترومان
المشكلة نفسها حتى بعد أن أمر بإرسال القوات إلى كوريا دون تعميد من الكونجرس. وفي
عام 1957رفض الكونجرس أن يسمح للرئيس آيهزنهاور باتخاذ عمل عسكري هجومي في الشرق
الأوسط على الرغم من أن الكونجرس وافق على خطته الإقليمية، وعلى العكس من ذلك وقبل
هذا التاريخ بعامين أعطى الكونجرس موافقته لاتخاذ أي عمل عسكري يختاره للدفاع عن
تايوان.
وشكلت فيتنام تغيراً حاداً في تصرفات
الكونجرس في مجال السياسة الخارجية، ففي بداية حرب فيتنام استطاع ليندون جونسون أن
يوقع قرار خليج تونكن والذي أعطاه القدرة على استخدام كل القوة الضرورية للتصرف في
جنوب شرق آسيا. وبحلول عام 1975 لم يستطع الرئيس فورد أن يقنع الكونجرس لتقديم
مساعدات مالية لنظام سيجون المضطربة. وقد قسمت عدم شعبية الرئيس الحزب الديموقراطي
فبالنسبة للعديد من الديموقراطيين لم يكن فقط مناسباً لمعارضة الحرب ولكنها أثبتت
شعبيتها سياسياً. وحين انتخب ريتشارد نيكسون رئيساً عام 1968والذي زاد الحرب
اشتعالاً واجه كونجرساً معادياً نتيجة زيادة انقسام تذاكر التصويت. وقد حدث هذا
لأول مرة منذ مائة وعشرين سنة أن واجه رئيس مجلس ممثلين معادي بالكلية مع سيرة
المعارضة على كل من مجل الممثلين والنواب. وقد أدخل هذا تحزباً في المعادلة
السياسية. ومنذ ذلك الحين أصبح المعتاد أن تكون الحكومة منقسمة وليس الاستثناء.
ب
– قوة الكونجرس
تنقسم
قوة الكونجرس إلى أربع أقسام عامة: اللجان والقيادة والتجمعات العفوية واللاعبون
المستقلون. تتمدد السلطة وبخاصة مع الدور الذي يقوم الإعلام في سياسات الكونجرس.
لقد صممت هيئتي الممثلين وهما البرلمان ومجلس النواب بطريقة مختلفة. ففي مجلس
النواب يكون الانتخاب كل سنتين مما يجعله أقرب للمواطن حيث إن هذه المدة قصيرة
ولذلك فمجلس الممثلين أكثر حساسية للأخبار وأكثر ميلاً لاتخاذ القرارات المبنية
على السياسة. أما النواب فينتخبون لمدة ست سنوات ويكون ثلث المقاعد معروضة
للانتخاب كل سنتين. ولذلك فمجلس النواب أكثر حكمة وهي هيئة أقل تسيسا وإن كان
على الأقل من الناحية النظرية ووفقاً للدستور. ومجلس النواب هو الذي يتعين عليه أن
يصادق على المعاهدات والتعيينات في الفرع التنفيذي.
وينظم الكونجرس من خلال لجان، فاللجنة
مكلفة بإدارة قضايا معينة، فبعض اللجان مثل الطاقة والتجارة تتمتع بمجال ونفوذ
أكبر من غيرها، وتقوم لجنة الكونجرس للعلاقات الدولية ولجنة مجلس النواب للشؤون
الخارجية ولجان المخصصات لديها مسؤولية أساسية بالسياسة الخارجية حيث تعقد جلسات
استماع وتقدم تشريعات للكونجرس لمناقشتها ويمكنها التأثير في السياسة ليس بسلطتها
ولكن بقدرتها من خلال الإعلام وغيره على تشكيل القضايا. ويستخدم توم لانتوس Tom
Lantos (ديمقراطي عن كاليفورنيا) وهو صاحب مكانة في
الحزب الديموقراطي في لجنة المجلس للعلاقات الدولية يستخدم هذه المكانة في كل من
الدعوة إلى حقوق الإنسان ودعم الأجندة المؤيدة لإسرائيل وفي النهاية فإن لجنة
المخصصات تمول البرامج حيث يملكون أعظم تأثير في النواحي المالية. وكما قال عضو
الكونجرس عن ولاية واشنطن عن الحزب الديموقراطي:" إن لجنة المخصصات هي يوجد
المال والمال حيث يكون النفوذ.
والميل الحزبي لديه تأثير متنام على
قرارات السياسة الخارجية وتقوم رئاسة الحزب بوضع الأجندة. فاليوم بعد تولي توم دو
لايTom De Lay من تكساس مؤثراً بصفة خاصة فدولاي حزبي عنيف
تبنى حزب الليكود واليمين المسيحي المتطرف ونجح غالباً في هزيمة سياسة كلينتون
الخارجية وبخاصة فيما تعلق بالتصويت حول كوسوفا وسلطة التجارة السريع. وليس
الجمهوريون وحدهم الذين يستخدمون السياسة الخارجية لتحقيق مكاسب حزبية ولكنهم
سيطروا على الكونجرس منذ عام 1994 ففي الثمانينيات مثلاً أطلق المتحدث باسم المجلس
جيم رايت (ديموقراطي -تكساس) حواراً مع حكومة ساندانستا Sandinista
في نيكاراغوا. وقادة الحزب هم الذين يضعون تقوم
الكونجرس باتخاذ القرار حول الموضوعات التي ستناقش ويصوت عليها والقواعد التي
تستخدم لمناقشة أي تشريع تتم مناقشته.
وغالباً حتى الإدارة لا تستطيع أن تمنع التصويت
في مجلس الكونجرس فالممثل دولاي أجبر المجلس لتخصيص مساعدة إلى لبنان على الرغم من
المعارضة من بوش في البيت الأبيض، وبدعم من دو لاي تم تمرير التعديل 216-210 وكانت
هذه أول هزيمة لبوش في البيت الأبيض. وقريباً رتب دو لاي موعداً للتصويت على قانون
محاسبة سوريا. وعلى خلاف التصويت على لبنان فإن البيت الأبيض عكس موقفه من معارضته
الأصلية للتشريع وأعلن أنه يؤيد القرار خوفاً من المغامرة والخسارة.
وهناك تجمعات عفوية تعمل في الكونجرس وهذه
التجمعات تنظم أحداثاً وتطلق مبادرات تشريعية وتروج لقضايا معينة لتأييد هدفهم
وتغطي هذه التجمعات نظاماً واسعاً من القضايا؛ فمثلاً تجمع صناعة السيارات وتجمع
التجارة الأفريقية وتجمع الجيش وحتى تجمع الإسمنت لها وجود. وهناك العديد من
التجمعات التي تتبع دولاً أو عرقيات معينة مثل تجمع السود في الكونجرس ويمكن
للتجمعات أن تكون أدوات مهمة شريطة أن يكون رئيس التجمع نشيطاً. ولكن هذه التجمعات
ليس لها سوى أهمية هامشية وأنها موجودة على الورق فقط عندما تظهر سياسة يمكن أن
تؤثر عكساً في الصناعة والبلاد والقضايا محل الاهتمام.
ولا يلتزم الكونجرس بسياسات الأحزاب،
وللحزبية مكانة مهمة ولكن الحزب لا يضع الأجندة لأعضائه ولا يحدد قدرتهم على السفر
أو الحديث إلى الأعلام أو الدخول في اتفاقات لسن قوانين ، وهذا يعطي الأعضاء قدرة
على الحركة، وحيث إن كل عضو يتم انتخابه من قبل المنتخبين باسمه وليس بقائمة الحزب
فلذلك لدى هؤلاء اهتمام بدعم أنفسهم والتصرف باستقلالية وفي بعض الحالات يستطيع
المستقلون أن يحققوا تأثيراً مهماً في عالم السياسة الخارجية مثل ريتشاردسون Bill
Richardson الذي يعمل في الكونجرس من الحزب الديموقراطي
عن نيومكسيكو قام بمهمات دبلوماسية خطيرة إلى أماكن مثل كوريا الشمالية. وسبيه
بذلك قيام ثلاثة من أعضاء الكونجرس بزيارة العراق قبل اندلاع الحرب في محاولة
لإقناع السياسيين العراقيين أن يتعاونوا مع الأمم المتحدة. وهاك دافعان لدبلوماسية
رجال الكونجرس أحدما اهتمام أصيل في القضية أو للظهور بمظهر رجل الدولة.
اتخاذ
القرار
ما
الذي يحرك الكونجرس؟ ثلاثة عناصر هي: (1) الاحتياجات التصويتية (2) الإيديولوجية،
(3) الحزبية، وتحت هذه العناصر الثلاث أضف ثلاثة مكونات يمكن أن تتداخل: رد الفعل
للأحداث وإرضاء بعض مجموعات المصالح وثالثاً حماية المصالح الضيقة وباختصار فإن صناعة السياسة
الخارجية هي عملية سياسية أصيلة. لا شك أن أعضاء الكونجرس يريدون أن يفعلوا الأفضل
ولكن ليس إذا كان تصويتاً معيناً سيكسر رقابهم وكما قال أحد المتخصصين في العلوم
السياسية: "عدد الشهداء قليل في البيت الأبيض."
لقد كتب ديفيد مايهو كتابه "العلاقات
التصويتية" ليس حول السياسة الخارجية ولكن حول الكونجرس عموماً وفيه يصرح
مايهو وأوافق على ذلك إن الدوافع التصويتية هي العنصر الأساس في كل التصرفات في
الكونجرس. إن الهدف تحقيق المكاسب السياسية وتجنب السقطات. إن أهم وظيفة لهم هي
خدمة المصالح المحلية وبخاصة تلك المتعلقة بالأعمال. ويسعى الأعضاء بناء ائتلافات
تجعل إعادة الانتخاب سهلة. وهو ما يفسر لماذا يكون عضو الكونجرس منطقة كثافة العرب
فيها عالية مثل ديترويت متعاطفاً مع المشاعر الفلسطينية بينما عضو من منطقة العمال
في بتسبرج من الأقرب أن يؤيد مواقف لاتحادات العمال.
لا يسعى الأعضاء ببساطة للقبول لدى
مجموعات معينة ولكنهم في الغالب يحاولون أن لا يؤذوهم، فإيذاء مجموعات مصالح معينة
قد تكون قوية يعيق قدرة العضو على تناول أولوياته التشريعية، فإذا كان الشرق
الأوسط ليس مهماً لإعادة انتخابهم أو أهدافهم السياسية فمعظمهم يكون غير مستعد
لقبول النتائج سواء كانت حقيقية أو متخيلة أو دفعاً للإزعاج. فمعظمهم يتبعون
الحكمة القديمة: إذا لم تستطع تحمل الحرارة فاخرج من المطبخ.
والأيديولوجية هي سبب آخر لنشاطات
الكونجرس حول السياسة الخارجية فكل عضو من مجلس الشيوخ أو النواب قامت حملته على
قضية هي التي تسببت في انتخابه، فالجمهور المحافظ الذي جعل موضوع الإجهاض أساساً
في حملته سيكون نشطاً في هذا المجال والمرشح المؤيد لإسرائيل سيتصرف وفقاً لذلك.
ولكن علينا أن لا نهمل النوايا الشريفة
فعضو الكونجرس السابق شارلي ويلسون من تكساس قاد الجهود الأمريكية لتمويل
المجاهدين في أفغانستان في الثمانينيات لأنه كان يعارض الشيوعية بقوة، وقد سجلت
جهوده مؤخراً في كتاب من تأليف جورج كرايل George Crile "حرب شارلي ويلسون" ورجال الكونجرس الذين سبق ذكرهم
بذهابهم إلى العراق لمنع وقوع الحرب فعلوا ذلك بناء على قناعتهم السياسة. لقد أطلق
عليهم ثلاثة بغداد من قبل برامج الدردشة الجمهورية والمحافظة؟
والعنصر الثالث يلعب دوراً وهو الحزبية.
إن هدف كل من الحزب الديموقراطي والجمهوري هو بناء أقوى تحالف ممكن وكسب معظم
الأصوات والسيطرة على البيت الأبيض والمحافظة على الأغلبية في الكونجرس. إن بناء
القوة الحزبية بما في ذلك تطوير التحالفات مع ساحة الأعمال والمنظمات الاجتماعية
والمنظمات السياسية التي تمثلهم في واشنطن.
[1]-يعمل
ديفيد دمبكي حالياً رئيسا لشبكة المعلومات الأمريكية الشرق أوسطية ومسؤول مجموعة
ميد أمر وقد عمل ديفيد في الكونجرس في وظائف متعددة خلال العقد الأخير ومن ذلك
مدير القسم التشريعي لدى الممثل في الكونجرس جون د. دنجل John D. Dingel
تعليقات
إرسال تعليق