الرحلة إلى السويد (6) محاضرة في المسجد عن الحب في الإسلام


           نسيت أن أذكر أن فتى من غانا يعمل مع رعاية الجاليات ومكتب الإدماج في مدينة هيلسنبوري تحدث عن موقف المسلمين من الشاذين جنسياً وأنهم يعادون هؤلاء أو يقفون منهم موقفاً معادياً، فلماذا؟ قلت له عجيب أمرك، إن هذا العمل تسبب في غضب الله عز وجل ودمر بلدة كاملة وجعل عاليها سافلها، المسلمون لن يحبوا هذا العمل ولكنهم سيعاملونهم كما يعاملون أي شخص آخر غير أنهم لن يحبوهم.  ثم إني عرفت أن بعض الأمهات لا يريدون لأبنائهم أو بناتهن الاختلاط بالشاذين، وقد ترجمت العام الماضي مقالة من جريدة الطلاب في جامعة إكستر تتحدث عن الاعتراف بزواج الشاذين أو المثليين بأنه كارثة على الحضارة الإنسانية، وأن الشذوذ وبائي ، وأن هؤلاء يحبون أن تنتقل العدوى إلى غيرهم.
        والجالية العربية المسلمة تعاني من أمراض كثيرة، فمنهم من اختطفته الحياة الغربية فتنازل عن شخصيته وهويته وذاتيته، وغرق في المتع والملاهي، وعبد الشهوات والمال. ومنهم من انخرط في النشاط الإسلامي وتعصب  لمذهب أو فئة وعادى إخوانه المسلمين. وجاء دعاة من العالم الإسلامي فزادوهم رهقاً، وكانوا ضعثاً على إبالة زادوا النار اشتعالاً، وزادوا الطينة بِلّة، فظهر التمزق والتشرذم  بين المسلمين. بل إنه في وقت من الأوقات كانت الحكومة السويدية ستقدم للمسلمين تمويلاً كبيراً لبناء مشروع معين فتنافس المسلمون فيما بينهم حتى أفسدوا ذلك المشروع. فاللهم هيء للمسلمين قيادة في ديارهم تجمعهم على حبك وحب نبيك وعلى التعلق بالإسلام الصحيح.
        وفي المساء انتقلنا إلى مسجد الرابطة لتقديم محاضرة حول الإسلام والسلام والمحبة. وقدمني شيخ من فلسطين وقال كلاماً طريفاً في التقديم. قال فيه: عرفت الدكتور مازن من خلال موقعه في الإنترنت والذي وضعته في المفضلة، ولكن العجيب أن يهتم مازن بالاستشراق وهو الذي لم يعش في بلد تعرض للاحتلال الأجنبي ولا للغزو الأوروبي ومع ذلك اهتم بالاستشراق. وبدأت المحاضرة أتحدث فيها عن الحب في الإسلام وكان مما قلته في تلك المحاضرة ما يأتي:
        أعلى الإسلام شأن الحب، وأعلى حب هو الذي بين الله وبين عباده، وقد وردت كلمة المحبة في القرآن الكريم عشرات المرات، (يحبهم ويحبونه) (قل إن كنتم تحبون الله ورسوله فاتبعوني يحببكم الله) (إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً كأنهم بينان مرصوص) وقوله تعالى ( قل إن كان آباؤكم أو أبناؤكم .. أحبَّ إليكم ) ومن العجيب أن المستشرقين الذين يزعمون أنهم يعرفون الإسلام يقولون كلاماً بعيداً عن الحقيقة؛ فهذا المستشرق تشيتيك Chittik الذي قضى من عمره أكثر من ثلاثين سنة يدرس الإسلام والتصوف يزعم في كتاب له عن التصوف أن علاقة المسلمين بربهم مبنية على النظرة الصوفية والحب في الصوفية الذين يرون أن الرب قريب من عباده  أما علماء العقيدة فنظرتهم إلى العلاقة بين العبد وخالقه أن الله بعيد عن خلقه متعال وهو المنتقم الجبار، وهذا ما يقول به علماء الكلام. ويستشهد بكلام للبابا يوحنا الثاني (الهالك). فقلت سبحان الله إن ما درسنا في المدارس هو كلام علماء الكلام وهم الذين تعلمنا منهم مسألة الحب لله ولرسوله، فهذا أحد أحاديث الأربعين النووية التي درسناها وحفظناها في السعودية في المرحلة الابتدائية يقول فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه (حديث قدسي) (من عادى لي ولياً فقد آذنته بحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحبَّ إليّ مما افترضته عليه، وما زال عبدي يتقرب إلي حتى أحبه فإذا أحببته صرت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش به ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه)
        وأذكر أستاذاً من الجامعة الإسلامية (السلفية) في المدينة المنورة وهو الدكتور عبد العزيز قارئ كان يخطب في مسجد قباء تحدث في أكثر من خطبه عن الحب بين الله وبين عباده، وعن حب الرسول صلى الله عليه وسلم، فأبدع أيما إبداع، وخرجت وأنا أقول لوالدي رحمه الله كأنه من الصوفية عجيب هذا الكلام.(وكأن في كلام المستشرق بعض الصحة حيث لم نتعود على الحديث عن الحب بقدر الحديث عن الواجبات والعقوبات)، وذكر أن قمة الحب هو حب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي كان حبه لله عز وجل قمة الحب وهذا الذي جعله عندما وصل إلى السموات العلى يقف ثابتاً راسخاً كما وصفه الله سبحانه وتعالى (مازاغ الفؤاد وما طغى)، وقارنه بموقف موسى عليه السلام حينما طلب من الله سبحانه وتعالى أن ينظر إليه فكانت قول الله تبارك وتعالى (إنك لن تراني، ولكن .....) ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذاً من أمتي خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً). ولما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم من أحب الناس إليه قال (عائشة) فقيل من الرجل فقال (أبوها). وتعلمت في تلك الخطبة من الشيخ الدكتور عبد العزيز أن الحالات التي ينبغي فيها أن يصلى الإنسان على الرسول صلى الله عليه وسلم ليست فقط عندما يسمع ذكره بل إن الدعاء يكون أدعى للإجابة إذا كان بين صلاتين أي بعد أن يحمد الإنسان ربه سبحانه وتعالى ويصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يدعو، ويختم دعاءه بالصلاة والسلام عليه، ويصلى الإنسان على سيد الخلق عندما يرى مسجداً، وذكر أموراً كثيرة. ولنتذكر قوله عليه الصلاة والسلام ( أقربكم مني منزلة يوم القيامة أكثركم صلاة علي) وما أعظم الصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام فالله عز وجل وملائكته يصلون عليه، فيا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً) وفي الحديث (من صلى عليّ مرة صلى الله عليه بها عشرا)
        والحب الحقيقي القوي هو الذي جعل الصديق رضي الله عنه عندما مات الرسول صلى الله عليه وسلم يتقبل الموقف بجنان ثابت وقلب شجاع فخرج على الناس وهم في حالة صعبة (وحق لهم) فحمد الله وأثني عليه ثم قال من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وتلا قوله تعالى( وما محمد إلاّ رسول قد خلقت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على اعقابكم، ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً). وانظر إلى الموقف الذي لم يتطلع الصحابة رضوان الله عليهم للإمارة إلاّ فيه حينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في خيبر(سأعطى الراية غداً لرجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله) .
         وأحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم مليئة بالحديث عن الحب ومنها قوله عليه الصلاة والسلام (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وماله وولده) فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه (والله إنك يا رسول الله لأحب إلي من مالي وولدي إلاً من نفسي) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (لا يا عمر) ثم قال عمر (إنك لأحب إلي من نفسي) فقال الرسول صلى الله عليه وسلم (الآن يا عمر) وانظر إلى عمر بن الخطاب ذلك الرجل العظيم يروي عن نفسه كيف عاد إلى الحق وأدرك أن حب الرسول صلى الله عليه وسلم يجب أن يكون فوق حبه لنفسه) فما أعظم الرجال حين يروون عن أنفسهم كيف يرجعون إلى الحق ويسعون إلى القمة. ثم يدعو الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يشيع الحب بين المسلمين بقوله (ألا أدلكم على شيء إن فعلتموه تحاببتم، أفشوا السلام بينكم) ويقول صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لنفسه ما يحبه لأخيه) 


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية