جامعة الأمير عبد القادر الإسلامية
-قسنطينة
المركز الوطني للبحوث في عصر ما قبل
التاريخ وعلم الإنسان والتاريخ
ملتقى
النخب الجزائرية والحركة الإصلاحية في النصف الأول من القرن العشرين
20-22
أبريل 2015م
بسم
الله الرحمن الرحيم
المقدمة
لا بد لكل دارس للمرحلة التي كانت جيوش
المحتل تربض على بلادنا العربية الإسلامية أن يمر معه مصطلح النخبة،
ويتكرر المصطلح كلما جاء الحديث عن الذين اجتالهم الاحتلال ودرسوا في مدارسه وجامعاته
وداروا في فلكه وعملوا في الإدارات الاستعمارية موظفين وتابعين له. ومرّ عليّ
مصطلح النخبة في بحث قدّمه مستشرق هولندي اسمه يون يانسن في المؤتمر العالمي الأول
للإسلام والقرن الواحد والعشرين وكان بعنوان "فشل البديل الليبرالي"
فأعجبني بحثه لما فيه من حكم صحيح ولكني اعترضت على تسمية بعض الليبراليين بالنخبة
مثل مصطفى أمين وعلى أمين وفؤاد زكريا وسعد الدين إبراهيم ورفعت السعيد وغيرهم،
فقلت له بعفوية هؤلاء ليسوا نخبة حقيقية بل هم نخبة مزيفة لأنهم فقدوا هويتهم
وانحازوا إلى فكر المحتل المستعمر.
وهنا تذكرت أنه كان للجزائر من يطلق عليه
المحتل الفرنسي النخبة وهؤلاء كانوا من الذين درسوا في مدارسه
وجامعاته ومن الذين عملوا في مؤسساته وإداراته وعاشوا حياتهم كأنهم فرنسيين؛ فقدوا
هُوُيتهم ولغتهم وربما حتى دينهم كما وصفهم محمد السعيد الزاهري رحمه الله في
كتابه الإسلام في حاجة لدعاية وتبشير
وكان لابن باديس رحمه الله موقفاً مختلفاً
فهو لم يعلن العداء لهذه النخبة بل عدّهم إخوانه وأبناءه وحرص على الاتصال بهم
والاجتماع به وحضور بعض مناسباتهم مثل الملتقى السنوي للمعلمين، كما كان يتصل
بالتجار ويحرص على أن يجمع كل أطياف المجتمع في المؤتمر الإسلامي العام عام 1936م
بل حتى قبل ذلك حين كان يكتب في صحفهم بأسماء مستعارة كما كتب في صحيفة النجاح
مثلاً
سوف يتناول هذا البحث الموجز التعريف
بالنخبة عندنا وعند الغربيين، وهل يستحق من أطلق عليهم الغرب لقب نُخبة هذا اللقب،
وفي مبحث آخر نتناول مجمل مواقف ابن باديس من هؤلاء وكيف تعامل معهم، ثم نقدم بعض
النتائج والتوصيات
المبحث الأول
تعريف النخبة عند الغربيين وعند المسلمين
يعرف أحد القواميس (Dictionary.com) أن النخبة تعني "الأكثر قوة وثراءً ومواهب أو الأكثر تعليما
في مجموعة ما أو مجتمع" ([1])
بينما تعرفها الموسوعة
المجانية ويكيبيديا بأنها "مجموعة صغيرة من الأشخاص المسيطرين على موارد
مالية ضخمة وقوة سياسية تأثيرية كبيرة. بشكل عام، النخبة تعني مجموعة من الأشخاص
الأكثر قدرة من غيره". ثم تقسم النخبة إلى عدة نخب سياسية
واجتماعية واقتصادية ودينية. ولكن التركيز في كل هذه التعريفات على التميز في ذلك
المجال وبخاصة التميز المادي المحسوس ([2])
ودون
الدخول في تفاصيل تعريفات الغربيين للنخبة فهم أصحاب القوة والقدرة والموهبة
والاستطاعة الذين يملكون أمرهم وأمر غيرهم بانتخاب أو بغير انتخاب ويحكمون
ويسيطرون.
أما النخبة عندنا فأجد أن العبارة الأقرب إلى معنى النخبة هي الصفوة وهي ما يعرفها لسان العرب بأن ينسبها إلى الاصطفاء وهو الاختيار وهو افتعال من الصفوة ومنه النبي صلى الله عليه وسلم صفوة الله من خلقه ومصطفاه والأنبياء المصطفون إذا اختاروا وفي قاموس المعاني النخبة هي نخبة: مجموعة غالبا ما تكون صغيرة ومنتقاة بدقة وتمتاز بالثروة أو التكوين والثقافة أو التدريب أو المركز الاجتماعي أو السلطة السياسية إلى غير ذلك. ويضيف القاموس نُخْبَةُ الْمُجْتَمَعِ: الْمُخْتَارُونَ مِنَ الْمُجْتَمَعَ الَّذِينَ لَهُمْ مُؤَهِّلاَتٌ مُعَيَّنَةٌ. ومن مرادفات النخبة كلمة الصفوة وجاء في معجم المعاني الجامع ما يأتي: صَفْوة كلّ شيء: ما صفا منه وخلُص، أحسنه وخياره (يستوي فيه المفرد والجمع والمذكّر والمؤنث) صَفْوة القول / البضاعة، كَانَ مِنْ صَفْوَةِ الْمُجْتَمَعِ: مِنْ نُخْبَتِهِ، مِنْ خِيَارِ النَّاسِ
صَفْوَةُ القِدْرِ:
زُبْدَتُهُ، خُلاَصَتُهُ
وقد وضع ابن الجوزي كتابه صفة الصفوة الذين هم في نظره أولياء الله عز وجل وهم الصفوة من البشر وبدأ بالرسول صلى الله
عليه وسلم ثم صحابته الكرام عليهم رضوان الله عز وجل.
أما عندما حلّ المحتل الأجنبي الذي نسميه
خطأً المستعمر (ويسميه الدكتور مولود قاسم رحمه الله الاستدمار والاستخراب) فقد اجتال
بعض أبنائنا درسوا في معاهده ومدارسه وعملوا في مؤسساته واندمجوا فيه كلياً أو
جزئياً، بل ظهر أناس منّا لم يتعلموا كلمة من لغات المحتل الأجنبي ولم يدخلوا
أبواب مدارسه أو معاهده وجامعاته وصاروا من المحبين لهذا المحتل المنبهرين به
المتفانين في حبه فنالوا الحظوة عنده في الظاهر والاهتمام فأطلق عليهم النخبة.
ويربط بعض الباحثين الغربيين النخبة بالطبقة الاجتماعية وعلاقتها بالمال والسلطة
ويتحدث عن أن النخبة هي من نالت نصيباً من التعليم الغربي أو درست في مدارس الغرب
أو لها حظ من معرفة الغرب [3]
وقد كتبت ذات مرة عن التغريب فمما قلت:
"وفي العصر الحديث انطلقت جيوش اوروبا تحتل البلاد وبأسلوب أكثر تطور
وفعالية. فالجيش الفرنسي مثلا عندما احتل الجزائر وجد بلدا ينتشر فيه العلم بنسبة
اعلى من نسبة التعليم في فرنسا ومع ذلك فقد زعمت فرنسا ان مشروعها كان بقصد تحضير
هذه الشعوب. ولكن حالما استتبت الامور لفرنسا شرعت في محاربة التعليم الاسلامي
فاستولت على الاوقاف واغلقت المدارس وهدمت كثيرا من المساجد ولم تسمح بالتعليم على
نطاق واسع انما اختارت نسبة ضئيلة من الشعوب المحتلة لإدخالها في المدارس الفرنسية
واطلقت فرنسا على هؤلاء النخبة او (الصفوة) ومكنتهم من منابر التوجيه والسلطة
والحكم، حتى زعم المستشرق الأمريكي الصهيوني برنارد لويس أن الحكام الغربيين اذا
كانوا قد أحدثوا ثقبا صغيرا في الحاجز بين الهوية الاسلامية والهوية الغربية الا أن المسؤولية الكبرى تقع على كاهل الحكام المتغربين ولكن المستشرق لا يحدثنا عن
الذي أدى بهؤلاء الحكام الى هذه الحال ومن الذي مكن لهم.([4])
ولتكوين هذه النخبة قام المحتل بتشجيع الأخذ بالحضارة الفرنسية وقيمها حيث بذل غاية
الجهد لاستخلاص نخبة من أبناء المغرب العربي تسير في ركابها وتتخلق بأخلاقها، حتى
أن أحد العلماء صور أحد هؤلاء بأنه كان متفرنسا في كل شيء "في عقليته وأدبه،
وفي أخلاقه وعاداته، وحتى في اللغة العامية التي يتكلمها، فهو لا يقيم الصلاة، ولا
يصوم رمضان ولا يحرّم ما حرّم الله، ولا يؤمن بأن القرآن تنزيل من الله بل يحسبه
من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ([5]).ومما
يؤكد هذا ما جاء في إحدى الوثائق الصادرة عن عمالة الجزائر عام 1931 جاء فيها:
"أخيراً الطلاب المسلمون في معاهدنا ومدارسنا الثلاث يؤلفون مجموعة بمجموعهم
مدرسة أكثر ليبرالية وأكثر سهولة لتقبلهم فلسفتنا ومعنوياتنا حيث أظهروا عدة أفكار
ومبادئ إيجابية وهم المؤيدون لعلمنة المجتمع الجزائري، هؤلاء فقط يرحبون بطلاق
تركيا من الإسلام."([6])
لم
تكن سياسة الاستعمار الفرنسي تميل إلى نشر التعليم على نطاق واسع بين الجنسين ولا
إلى التجهيل المطبق، إنما كان هذا الاستعمار يسعى دائما إلى تكوين نخبة من أبناء
الشعوب المستعمرة ذكورا وإناثا يغذيهم بأفكاره ومبادئه ثم يعهد إليهم بالمراكز
القيادية ([7]).
وقد
قام كتّاب غربيون بانتقاد تلك النخب التي صنعوها أو أطلقوا عليها زوراً وبهتاناً
"نخبة" ومن هؤلاء ريتشارد هرير دكمجيان حيث أرجع التخلف في العالم
العربي إلى ما يأتي:
1- الفساد والقهر في حكم النخبة – وهذه النخبة ذات
قاعدة شرعية ضعيفة.
2- صراع الطبقات، ويفرد دكمجيان ذلك بقوله:"كان أول نتائج نقص كفاءة النخبة وفساد حكمها هو تزايد سوء التوزيع في الثروة
في كل قطر عربي تقريبًا". ويضيف بأنه على الرغم من الوعود التي قدمتها النخبة
خلال عشرات السنين فإن عددًا كبيرًا من الحكومات العربية قد فشل في إقامة عدالة
اجتماعية ([8]).
وممن انتقد من أطلق عليهم الغرب
النخبة المستشرق الهولندي يونس يانسن عندما قدم محاضرة بعنوان
"فشل البديل الليبرالي" تناول
فيها عدم قدرة "النخبة العلمانية" من أمثال فؤاد زكريا، وفرج فودة،
ومحمد سعيد العشماوي، ومصطفى أمين وأمثالهم على كسب الجماهير بالرغم من انتشار
كتبهم وطباعتها باستمرار. ولعل السبب في هذا الفشل أن هؤلاء يعيشون بعيداً عن
تطلعات الجماهير. ([9])
وكان لي مناقشة معه حول تسمية هذه الفئة بالنخبة بأن النخبة هي الصفوة وأفضل ما في
المجتمع ولكن هؤلاء لا يستحقون هذه اللقب لأنهم مصنوعين في الخارج وفكرهم لا ينبع
من تراث الأمة وقيمها ومسلماتها.
وأختم
حديثي عن النخبة بما وصفهم به جمال الدين الأفغاني بقوله: "علمتنا التجارب
ومواضي الحوادث بأن المقلدين من كل أمة المنتحلين أطوار غيرها يكونون فيها منافذ
وكوى لتطرق الاعداء عليها ويصير اولئك المقلدون طلائع لجيوش الغالبين وأرباب
الغارات يمهدون لهم السبيل يفتحون الابواب ثم يثبتون أقدامهم ويمكنون سلطانهم"([10])
المراجع
العربية
-الأفغاني،
جمال الدين. العروة الوثقى. الطبعة الأولى، بيروت: دار الكتاب العربي،
1389ه، 1970م
-البصائر، العدد 110 في 21 صفر 1357هـ(22 أبريل 1938)
-بعزيز
بن عمر. من ذكرياتي عن الإمامين الرئيسين عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير
الإبراهيمي. منشورات الحبر: بني مسوس، ط 2، 2007 الصفحات 85 و86 نقلاً عن
http://www.aliklil.com/vb/showthread.php?p=472053
-دكمجيان،
ريتشارد هرير، الأصولية في العالم العربي ترجمة عبد الوارث سعيد، المنصورة:
دار الوفاء 1409 هـ -1989 م. ص 55.
-محمد
السعيد الزاهري، الإسلام في حاجة لدعاية وتبشير، (الجزائر، بدون تاريخ)
-صحيفة المدينة المنورة، عدد11424 في 2
صفر الخير 1415هـ الموافق 11 يوليو 1994م
-مازن
مطبقاني، عبد الحميد بن باديس: العالم الربّاني والزعيم السياسي، دمشق: دار
القلم، 1410ه1990م
-مرحوم،
علي، مقابلة شخصية في 19/2/1404 الموافق 23 نوفمبر 1983م في منزله بالقبة في
العاصمة الجزائر
-الموسوعة
العربية المجانية (ويكيبيديا)
(http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%AE%D8%A8%D8%A9 السبت 28آذار 2015 الساعة
السادسة صباحاً)
المراجع
الأجنبية
http://dictionary.reference.com/browse/elite
- Halpern, Manfred. The Politics of Social
Change in the Middle East and North Africa, (Princeton: Princeton
University Press, 1970) 4th printing
- Saeed, Edward Orientalism,
London and Henely: Routledge & Kegan Paul Ltd. 1978. P245.
-Johannes Jansen. “The Failure of the
Liberal Alternative”. A paper presented to the First International
Conference on Islam and The Twenty-First Century.
[1] http://dictionary.reference.com/browse/elite
[2]
(http://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%86%D8%AE%D8%A8%D8%A9 السبت
28آذار 2015 الساعة السادسة صباحاً)
1 -Manfred
Halpern. The Politics of Social Change in the Middle East and North Africa, (Princeton
:Princeton University Press, 1970) 4th printing
[4]- صحيفة المدينة المنورة، عدد11424 في 2 صفر الخير 1415هـ
الموافق 11 يوليو 1994م
[5]
- محمد السعيد الزاهري، الإسلام في حاجة
لدعاية وتبشير، (الجزائر، بدون تاريخ) ص 12
[6] Situation Politique et
administrative, Alger, Jan.1931
[7] Edward Saeed. Orientalism, London
and Henely: Routledge & Kegan Paul Ltd. 1978. P245.
-[8]ريتشارد
هرير دكمجيان، الأصولية في العالم العربي ترجمة عبد الوارث سعيد، المنصورة:
دار الوفاء 1409 هـ -1989 م. ص 55.
[9] -Johannes
Jansen. “The Failure of the Liberal Alternative”. A paper presented to
the First International Conference on Islam and The Twenty-First Century.
[10] -جمال الدين الأفغاني. العروة الوثقى. الطبعة الأولى، بيروت:
دار الكتاب العربي، 1389، 1970، ص 59
[11]
- الشهاب، ج8 م 8 ص
401-409، غرة ربيع الأول 1351ه-أغسطس 1932م (عن كتابي عبد الحميد بن باديس
العالم الربّاني والزعيم السياسي، دمشق: دار القلم، 1410هـ، ص 89
[13]- المرجع نفسه.
[15]
-عبد
الحميد بن باديس العالم الرباني والزعيم السياسي، مرجع سابق ص 69
[16] - بعزيز بن عمر. من ذكرياتي عن الإمامين
الرئيسين عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي. منشورات الحبر: بني
مسوس، ط 2، 2007 الصفحات 85 و86 نقلاً عن
http://www.aliklil.com/vb/showthread.php?p=472053
تعليقات
إرسال تعليق