السياحة رائجة في هذه المدينة ولكن سوّاح
هذه الأيام غالبيتهم من الأوروبيين أو من أهل بولندا من مدن أخرى فلم أر عرباناً
ولا غيرهم من ذوي الأنوف الفطس (شغلتهم التسونامي والزلزال) ومن مظاهر السياحة
توفر السيارات الكهربائية التي يمكن أن تقل ما لا يقل عن عشرين شخصاً يقودها شباب
وفتيات وقليل من العجائز. كما أن هناك العربات التي تجرها الأحصنة وأيضاً رأيت
نساءً يقدنها. أما الحافلات الضخمة التي تقل السياح فما أكثرها، وتذكرني بالحافلات
التي تشتريها بعض الشركات الكبرى لدينا من خردة أوروبا لنركب فيها أو يركب فيها
ضيوفنا وهي حافلات قد أكل الزمان عليها وشرب وأصبحت غير صالحة للاستخدام الآدمي في
أوروبا فيأتون بها إلينا (قصة الحافلات الصينية التي أقحمت في موسم الحج قبل سنوات،
وفي فمي ماء) وكأنها ملابس البالات أي المستعملة أو المهترئة الأوروبية. والعجيب
أن تلك الشركات لا تستحي ولا تخجل حيث تترك الكتابة الأوروبية وكأننا أغبياء لا
نفهم، وقديماً قيل: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت". ومن مظاهر الاهتمام
بالسياحة أن تجد العديد من الخرائط للمدينة بعضها صفحة واحدة صغيرة غير مطوية مثل
تلك التي يوزعها الفندق الذي نزلت فيه، وخرائط أخرى كثيرة. فهل رأى أحد خريطة
القاهرة أو دمشق أو عمّان أو الرباط؟
ومن مظاهر الاعتناء بالسياحة وجود أنواع
كثيرة من الفنادق والخانات وبأسعار مختلفة، ولم أر الفنادق ذات النجوم الكثيرة مثل
الذي نزلت فيه سابقاً ولا بد أن تكون موجودة ولكنها لا تزحم وسط المدينة والحمد
لله.
وبعد زيارة الجالريا عدت أبحث عن السوق
المغطى فلم أعثر عليه على الرغم من أنني مشيت بعض الشوارع مرتين ولم أحفظ اسمه ولا
مكانه في الخريطة (لا بد من زيارة ثالثة لمدينة كراكوف لأعود لذلك السوق إن شاء
الله) وفيما أنا ضائع إذ برجل يقف إلى حائط ومعه خريطة فقلت له أنت ضائع مثلي قال
نعم فسألني من أين أنت، فقلت له، وتبادلنا الحديث فإذ به متخصص في الإعلام وجاء
لحضور مؤتمر وكان مما قاله إن الإعلام الغربي وبخاصة البريطاني تسيطر عليه عدة
شركات على رأسها ميردوخ اليهودي. وجاء ذكر الفرنسي دومنيك كان الذي يحاكم في
أمريكا هذه الأيام على تحرشه الجنسي بعاملة النظافة في فندق سوفوتيل في نيويورك،
ويقول عبد الباري عطوان إن حظه العاثر أن تلك المرأة التي تحرش بها مسلمة مصلية
عابدة فيا ويله، ولكن للأمريكان أجندة خاصة فقد صنعوا من الحكاية فيلماً هوليوديا
من الطراز الأول كما فعلوا في محاكمة أو جي سمبسون. فقلت لعلهم أرادوا خدمة
ساركوزي فقال كلاهما يهودي فلماذا يخدمون واحداً ضد الآخر.
من مظاهر السياحة في البلد كثرة المقاهي
المفتوحة وعلى الرغم من أن المطر قد ينزل في أي وقت فهي مزودة بمظلات ممتازة ولكن
ما أن ينزل المطر حتى يفرنقع الناس أي يتفرقوا. والمطر في اليوم السابق لمغادرتي
نزل مدة ساعة تقريباً فبدأت الغيوم تتكاثف وبدأ الرعد يقصف بعنف وعنف شديد حتى
تخال إن الرعد الذي سمعته في ساعة بقدر ما أسمع من رعد في الرياض مدة سنة كاملة.
والحديث عن تصريف المياه أمر قديم مكرر فلا تكاد ترى قطرة ماء باقية في الشوارع
بعد نزول كمية كبيرة من المطر.
رأيت عدداً من المتسولين في كراكوف وهم
رجال ونساء ولكن للحقيقة أقول لقد كانوا متسولين محترمين قليلي الإلحاح، فإن صمت
أو قلت لا ذهبوا، وكلهم تحدثوا بالبولندية عدا متسول واحد كان يتحدث بإنجليزية
جيدة.
ومن مظاهر الاهتمام بالسياحة وجود الباعة
المتجولين والأسواق المفتوحة للصناعات اليدوية الخفيفة، وما أكثرها. وقد لفت
انتباهي أن الملابس التقليدية القديمة ذات الألوان الزاهية التي تشبه الملابس
الفلاحية أو البدوية ولكنها في الوقت نفسه تدل على أن ملابس النساء كانت طويلة وقد
بدا هذا واضحاً في بعض الدمى التي تباع هنا وهناك. ولمّا كانت السياحة لا تعني
النهب والنصب والاستغلال فأعتقد أن البولنديين اكتشفوا هذا فأسعار الحساء على سبيل
المثال عشرة زوتات في الشارع أو في المقاهي المفتوحة المرتبطة بمطاعم ولم تزد عن
12 زوتا في الفندق الذي نزلت فيه (ثلاث نجوم) كما أن سمكة تروات بعشرين زوتا سعر
معقول جداً.
وهنيئاً للعالم الأول كما يسمى أن المصانع
تقدم له الدرجة الأولى من بضائعها فقد طلبت الشاي فما أن تضع القرطاس في الكأس حتى
يصبح لونه أسوداً وطعمه لذيذ وله نكهة لا نعرفها في الشاي عندنا، فهل المصانع تأتي
لنا بالنفايات أو هل المستوردون الأشاوس (وهم أشاوس على الشعوب كما قال الشاعر أسد
عليّ وفي الحروب نعامة) فتجارنا الأشاوس يقبلون بالمواصفات الدنيا أو حتى يطلبونها
ويبيعون لنا البضائع بأغلى الأثمان. وأضرب لكم مثالاً فسيارة أمريكية موديل 2004 ليس
فيها كيس أمان للراكب بجوار السائق مع أنها أصبحت إلزامية في السيارات في أمريكا
قبل ذلك بعشر سنوات أو أكثر... وبالإضافة إلى التجار الأشاوس فلدينا هيئة
المواصفات والمقاييس التي تضع علامة الجودة على مياه إفيان أو فولفيك وتترك عشرات
الأصناف من المياه لا تدري عنها أو لا تفحصها، وقد يشتكون بقلة الموظفين أو ضعف
الإمكانات فقد ذكر لي أحدهم أن له قريب أثرى ثراء فاحشاً من خلال هذه المؤسسة وليس
له مؤهلات ولا تجارة (يحتاج الأمر إلى تحقيق و استقصاء) ولكن يبقى السؤال لماذا
المواصفات الدنيا في أسواقنا أو حتى لا مواصفات. وهكذا نبتلى بما يدمر حياتنا
وأرواحنا من خلال السيارات والأدوات الكهربائية والغذاء. وقد قرأت قبل مدة أن
وزارة التجارة أمهلت تجاراً استوردوا أدوات كهربائية مواصفاتها رديئة مدة سنة حتى
يبيعوا ما لديهم من بضائع فمن مات فهو في عنق وزارة التجارة إن صح الخبر. والأشاوس
الآخرون وهم خط الدفاع الأول هم رجال الجمارك ولن أفصل في الأمر.
وقد لاحظت أن البولنديين يعاملون السياح
معاملة طيبة وليس من الصعب أن تجد من يتحدث اللغة الإنجليزية. ويساعدون الأجنبي
متى ما احتاج للمساعدة. ولاحظت لديهم الميل لتأنيث الأسماء فمدينة وارسو هي
وارسوفا، وكراكوف كراكوفا وغير ذلك وفي لغتهم بعض الموسيقى مما يشبه اللغة
الإيطالية ولا أعرف من أين جاء هذا مع أن لغتهم تبدو قريبة من اللغة الألمانية
ولكنهم في كل مكان.
وبولندا دولة يغلب على أهلها المذهب
الكاثوليكي وتكثر فيها الكنائس وارتباطهم بالكنيسة كما قيل كان له دور في تحرير
بولندا من الشيوعية. وقد لفت انتباهي أن أحد سائقي التاكسي قد وضع صورة البابا في
سيارته قرب عداد الأجرة. ويبدو أن الكاثوليكية لا تحرم القمار أو أحياناً من أجل
المال يضعون الدين جانباً فصالات القمار المسمى (كازينو) موجودة في الكثير من
الفنادق حتى الفنادق المتواضعة مثل الفندق الذي نزلت فيه. وكنت أعتقد أن تلك
الصالات توجد فقط في الفنادق الضخمة ذات النجوم الخمسة وأكثر.
من المناظر الطريفة في بولندا احتفاظ نسبة
من البولنديين من جميع الطبقات بشنباتهم أو شواربهم وحتى أحد كبار المسؤولين إما
رئيس الوزراء أو الجمهورية له شنب خفيف. فهل هذا من بقايا تأثير العثمانيين. ومن
بقايا آثار العثمانيين كثرة محلات الكباب، والكباب يعني لديهم الشاورما، ومعظم هذه
المحلات ليس فيها لحم حلال وإنما اللحم المذبوح بالصعق الكهربائي. وأتعجب نحن
المسلمين كيف نغفل عن تثقيف العالم بفائدة الذبح الحلال وكيف أن تصفية الدم من
الذبيحة مفيد صحي.
تعليقات
إرسال تعليق