المرجفون والتصدي لهم (مقدمة كتاب)


ابتليت هذه الأمة منذ نشأتها بعدوين خطيرين، عدو داخلي وعدو خارجي. وكان العدو الداخلي يتمثل في المنافقين واليهود. وقد أطلق عليهم القرآن الكريم المرجفين. ولذلك كان من مهمات الامة الأساسية محاولة الكشف عن النفاق ومظاهره ومحاربة هؤلاء حتى لا ينجحوا في خلخلة الصف الاسلامي.
وقد تنوعت اصناف هذا العدو الداخلي في العصر الحاضر مما يعيق عودة الامة الى سابق مجدها وعزتها وقوتها. وفي هذه الكلمة الموجزة التي اوجهها الى العاملين في مجال الدعوة داعيا الى التنبه الى العدو الداخلي، وليبدأ كل واحد منا بنفسه فيعرض أعماله على الكتاب والسنة فهما المعياران اللذان يجب على الأمة ان تحرص على التمسك بهما كما جاء في حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم أمرين ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا ابدا كتاب الله وسنتي).
        ومن أشد أعداء الأمة الداخليين اولئك الذين يزعمون أنهم وحدهم على الحق دون سواهم بغير دليل من كتاب أو سنة أو فقه، وهم بذلك يسعون في تفريق شمل الأمة، وكأني بهم الذين عنتهم الآية الكريمة (الذين فرّقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء). لقد كَمُل الدين وتمت الرسالة، وقد وضع علماء الأمة الاعلام الأسس والقواعد فأوضحوا ما يسوغ فيه الاختلاف وما لا يسوغ، وأوضحوا لنا بسلوكهم قبل أقوالهم ضرورة وحدة الامة ونبهونا الى مخاطر الفرقة. وهم بذلك يتبعون قول الله عز وجل " واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا " وقوله تعالى (ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) فما بال اقوام منّا لا يكفون عن الطعن في غيرهم دونما مبرر إلا رغبة في الانتصار والغلبة واتباعا لشهوة النفس وهواها. ويكاد هؤلاء من غيظهم ان الأمة تلقت اعمال غيرهم بالقبول ونبذتهم هم لتطرفهم في الطعن والتشنيع حتى لا يكاد حديثهم ان يخرج عن هذا الموضوع، وحتى كادوا ان يترضوا عن الذين اجمعت الامة انهم كانوا من الطغاة.
وثمة عدو آخر يزعم انه يريد مصلحة الأمة (فيما يزعم) ولكن أخطأ الطريق اولئك هم العلمانيون الذين اتخذوا من القومية العلمانية أربابا من دون الله. وهذه القومية لا تختلف عن عصبية الجاهلية التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بتركها بقوله: (دعوها فإنها نتنة) ولما كان من لوازم القومية التمسك بالعلمانية والتفريق بين الدين والسياسة، استنكروا على علماء الأمة الأخيار أن يتحدثوا في الشؤون العامة، ويريدون من العلماء أن يقتصر دورهم على الحديث في أبواب معينة من الفقه الاسلامي لا يتجاوزونها مثل الطهارة والعبادات والزواج والطلاق والحيض والنفاس ... الخ. وقد جهل هؤلاء ان الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم والذين أمرنا ان نتبع سنتهم كانوا من اعلم الأمة بالإسلام، وقد تولوا مناصب السياسة والقيادة. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه تبلغ الدولة الاسلامية في عهده جزيرة العرب كاملة والشام ومصر والعراق وبلاد فارس ويتولى الحكم اثنتي عشرة سنة يمارس السياسة بكل صنوفها. فهل يحتاج علماء الامة ان يغلفوا دعوتهم السياسية بالدين؟ الا بئس ما يحكم العلمانيون!
وفي هذا الكتاب أتناول الإرجاف في مجالاته المختلفة العقيدة والشريعة وفي اللغة وفي الاجتماع. وقد بدأت أواجه الإرجاف منذ بدأت ممارسة الكتابة قبل ما يزيد على أربعين سنة والإرجاف يزداد ويقوى وفي أحيان يطغى ويستبد ويستأسد. ولكن علينا أن نتذكر أنهم سيواصلون الحرب لأن بعضهم أولياء بعض كما قال الله عنهم (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ ۚ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ ۗ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)
والعلاقة بين الكفر والنفاق علاقة وثيقة قوية كما وصفهم الله عز وجل في قوله (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ. لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} الحشر:11-12)
ولكن مع كل هذا الإرجاف والكفر سنظل متفائلين كما علّمنا سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وكما قال الله عز وجل إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (سورة الأنفال آية 36)



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الكلمات النورانية: وتحمل الكل

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة