التخطي إلى المحتوى الرئيسي

لقاء قناة المستقلة الفضائية بلندن



أعد اللقاء وحاور الدكتور مازن المطبقاني الدكتور محمود السيد الدغيم وكان هذا اللقاء يوم
10يوليو 2006م
قام بتفريغ الشريط الابن الأستاذ أحمد السهيمي
      السلام عليكم ورحمة الله وبركاته مشاهدينا الكرام نحييكم من قناة المستقلة في لندن ونرحب بضيف حلقتنا لهذا اليوم الدكتور مازن بن صلاح المطبقاني ...الأستاذ المشارك بقسم الثقافة الإسلامية بجامعة الملك سعود.
      وقد ولد الدكتور مازن في الكرك بالمملكة الأردنية الهاشمية في الثالث من جمادى الآخرة سنة 1369للهجرة الموافق للثاني والعشرين آذار مارس 1950 للميلاد، وقد نال شهادة البكالوريوس في التاريخ عام 1397للهجرة من جامعة الملك عبد العزيز آل سعود بالمملكة العربية السعودية ...ثم نال شهادة الماجستير في التاريخ سنة 1406للهجرة من الجامعة نفسها، وكان موضوع رسالته جمعية العلماء المسلمين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية.  وبعد ذلك نال شهادة الدكتوراه سنة 1414للهجرة من قسم الاستشراق بكلية الدعوة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالمدينة المنورة، وكان موضوع أطروحته الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي: دراسة تطبيقية على كتابات المستشرق برنارد لويس
     ابتعث الدكتور مازن للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية بعد حصوله على الثانوية العامة من سنة 1388حتى سنة 1393 وتعددت دراسات الدكتور مازن وتخصصاته ... عمل فترة اثنتي عشرة سنة ونيف في الخطوط السعودية وقد حضر العديد من الدورات العلمية
     حضر وحاضر في الكثير من المؤتمرات العربية والإسلامية والدولية ... وأنجز الدكتور مازن مطبقاني العديد من الكتب...ومنها كتاب عبد الحميد بن باديس العالم الرباني والزعيم السياسي، وكتاب من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر، وكتاب الغرب من الداخل دراسة للظواهر الاجتماعية، وكتاب المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق، وكتاب الاستشراق المعاصر في منظور الإسلام، وكتاب أثر المملكة العربية السعودية الرائد في الاهتمام بالدراسات الاستشراقية في عهد الملك فهد بن عبد العزيز ...
       وقد قام الدكتور مازن بتحقيق كتاب نبش الهذيان من تاريخ جورجي زيدان للشيخ حسن الحلواني المدني ...وترجم عن الإنجليزية كتاب أصول التنصير في الخليج العربي ... وترجم كتاب صراع الغرب مع الإسلام تأليف آصف حسين
     وشارك الدكتور مازن مطبقاني في الدورات والندوات العلمية ...والأكاديمية ومنها الندوة التي عقدت في جامعة نيويورك حول الرقابة الإعلامية والمصالح القومية في الجزيرة العربية، والمؤتمر الأول حول العالم الإسلامي والقرن الواحد والعشرين في هولندا ... والمؤتمر العالمي الثاني الذي عقد في تونس حول المنهجية الغربية في دراسة العلوم الإنسانية والاجتماعية في العالم العربي وتركيا...  والمؤتمر الدولي حول الاستشراق والدراسات الإسلامية والذي نظمته كل من جامعة عبد المالك السعدي والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة في تطوان بالمغرب...والمؤتمر الدولي الخامس والثلاثين للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية...الذي عقد في بودابست في المجر ...ونظمه الاتحاد الدولي للدراسات الآسيوية والشمال أفريقية ... وكتب الدكتور مازن مئات المقالات والبحوث في الصحف والمجلات... وعدداً من البرامج الإذاعية والتلفزيونية ...وهو يمارس نشاطه من خلال العديد من المنظمات الأدبية والتاريخية والثقافية حيث أنه من أعضاء رابطة الأدب الإسلامي العالمية...ورابطة دراسات الشرق الأوسط ... بالولايات المتحدة الأمريكية  ... والجمعية التاريخية السعودية ..واتحاد المؤرخين العرب ..ومعهد الشرق الأوسط بواشنطن ..واللجنة الأمريكية لمكافحة التمييز ..ومركز دراسات الشرق الأدنى والأوسط ..بجامعة لندن .. فأهلا بكم مشاهدينا الكرام ومرحبا بضيفكم وضيف قناة المستقلة ...الدكتور مازن المطبقاني .. راجين لكم متابعة مفيدة
  ونبدأ حوارنا بالعودة إلى الجذور ...فأهلا بك دكتور مازن في هذه الحلقة ..لكي تتواصل مع مشاهدي قناة المستقلة ..في أنحاء العالم ..
-        شكرا لكم على استضافتي في هذه القناة المميزة
-        نبدأ عادة في هذا البرنامج برنامج عالم الكتب هو تقديم تجارب تشجع الأجيال الصاعدة ..حينما كنا نحن في سن الشباب ..حين كنا نرى الكتب ..ونرى فلان ألف عشرة كتب أو خمسة عشر كتاباً ..أو مائة كتاب كابن الجوزي ..الذي ألف ألف كتاب ..كنا نقف مشدوهين أمام هذه الأعمال ..ولكن الحقيقة هذه التجارب مفيدة حينما تعرض للجيل ..فلا يعود الشباب يستصعبون هذه الأعمال..وإنما من خلال هذه التجارب يستفيدون ..وينتجون حتى في المستقبل ..فبداياتك..نعود إلى البداية ..حيث كانت الولادة في الكرك وطبعا الكرك لها دور تاريخي مشهور ..في أيام الأيوبيين.. وما بعدهم...الدراسة الابتدائية كانت في الكرك؟ أم أين؟
-        في الكرك إي نعم ...
-        والإعدادي والثانوية؟
-        في المدينة المنورة
-        إذا أنهيت مرحلة الطفولة في الأردن؟
-        نعم
-        ثم انتقلت إلى المدينة المنورة ...حرسها الله
-        آمين
-        وحين ذاك درست الإعدادية والثانوية ...
-        ما هو تأثير الأساتذة عليك كطالب ... من الذي بقي عندك أثر فلا بد لأي تلميذ سواء في الابتدائي أو الإعدادي أو الثانوي...يتخذ من أحد أساتذته نبراسا يهتدي به .. ويتبع أسلوبه ...
-        أذكر من الأساتذة ...أستاذ اللغة العربية ..في الثانوية ..وهو الدكتور محمد العيد الخطراوي .درسنا اللغة العربية ...وأذكر أن أول موضوع إنشاء كتبت عنده أعطاني خمسة من عشرة..فظننت أن خمسة من عشرة قليلة جداً..يعني أنني اعتدت في المرحلة المتوسطة .. أن أحصل على سبعة وثمانية وأكثر من ذلك ...لكني اكتشفت أن معايير الدكتور الخطراوي ..كانت أكثر صرامة ..من الأساتذة السابقين ..حتى إنني اقترحت على الأستاذ أن يقرأ كل طالب كتاباً خلال الأسبوع وفي أحد الأيام يقدم موجزاً لهذا الكتاب ..تجربة الدكتور الخطراوي أيضا أفادتني في أنه درسنا وكان يحمل شهادة الليسانس أو البكالوريوس ..في اللغة العربية ..وعنده أيضا ليسانس في الشريعة .. وفي التاريخ ... ثم بعد مدة وجدت أن الخطراوي ..من أستاذ ثانوية أصبح أستاذا جامعيا..ومن الأساتذة الذين تأثرت بهدوئهم و أسلوبهم في التدريس ..الدكتور محمد العروسي ..كان يدرسنا علم الحديث ..وأيضا بعد سنوات ..علمت أنه ذهب إلى بريطانيا وحصل على الماجستير والدكتوراه ..في الدراسات الإسلامية .. هناك أساتذة آخرون أثروا في حياتي لكن أجد هذين النموذجين من أبرز من تأثرت بهما ...في مواصلة الدراسة والوصول إلى مرحلة متقدمة من الناحية العلمية.
-        بعد دراسة الثانوية اتجهت باتجاه التاريخ فدخلت قسم التاريخ ... هل كنت الأسباب برغبة في دراسة التاريخ أم أن المجموع لم يؤهلك إلا إلى التاريخ (ابتسامة المقدم) هنا طبعا المجموع قد يلعب دوراً أساسياً في تغيير اتجاه الدراسة وقد تكون الرغبة ..
-        الأمر الأول ليست القضية قضية مجموع، لأن الذين تخرجوا في الثانوية ..سنة 1388-1968 .. لم يتجاوزوا 750 في المملكة العربية السعودية وكان ترتيبي 99مكرر..
-        وكان تقديري 71 بالمائة و71 بالمئة في تلك الأيام كان جيد جدا وأعلى ..لأن الدرجات في تلك الأيام أقل بكثير مما يحصل عليه الطلاب هذه الأيام فما كان هناك من يحصل على 99 و95 ..فــ75-80 كان أعلى شيء ..فكانت درجاتي في المرحلة الثانوية جيدة ..ولم أختر التاريخ مباشرة بعد الثانوية وإنما حصلت على بعثة للدراسة في الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الإدارة الصناعية، وكان الأمر مفتوحا للطالب أن يختار التخصص الذي يريد، والأهل كانوا يصرون على دراسة الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء. وهذه من الأشياء التي ابتلي مجتمعنا بها ...بأن لا قيمة إلا لمن يحصل على الشهادة في الطب والهندسة والعلوم، وتهمل المواد الأدبية. أو لا يدخل الأقسام الأدبية إلا الطلاب الذين حصلوا على أقل الدرجات وربما الأقل قدرات علمية وفكرية. فلذلك أمضيت خمس سنوات في أمريكا ... لم أعرف التخصص الذي أريد، وقد أصابني ما يعرف بالثورة على الشهادات والتعليم المنتظم ولم أرغب أن أتخصص في العلوم على الرغم من أنني درست  العديد من المواد في العلوم كالكيمياء والفيزياء والرياضيات ودرست مادة في الجغرافيا وفي علم النفس كما درست عددا من المواد في قسم اللغة الإنجليزية. لكن بعد ما مرت خمس سنوات شعرت أنني لا بد أن أرجع إلى السعودية، لكن لما رجعت كان الحصول على الوظيفة أمرا صعبا لا بد من شهادة، فذهبت إلى الجامعة كانت الفرصة للانتساب في جامعة الملك عبد العزيز في قسم التاريخ أو علم الاجتماع أو اللغة الإنجليزية أو الإدارة والاقتصاد، فاخترت دراسة التاريخ وحصلت على الشهادة في ثلاث سنوات ونصف.
(ملحوظة: أدرك والدي رحمه الله فيما بعد أهمية التخصصات الأدبية وبخاصة أهمية القلم والأدب فقال لي ذات مرة الطبيب يعالج عدداً معيناً كل يوم، وفي نهاية الأسبوع يكون عالج عدداً من الناس، وفي الأسبوع التالي يأتيه الأشخاص نفسهم، وهو يعالج أمراض الأبدان، ولكن صاحب القلم يتوجه إلى جمهور بعشرات الآلاف فمقالة واحدة قد تؤثر أضعاف ما يفعله الطبيب في سنوات، وهي موجهة للعقل والقلب والروح، وآثارها أبقى وكنت قد بدأت الكتابة الصحفية فكأنه رضي عن تخصصي في التاريخ وممارستي الكتابة الصحفية رحمه الله رحمة واسعة)
-        بعد الحصول على الشهادة في كلية الآداب قسم التاريخ، أنت دخلت بالنسبة للماجستير ..فاخترت موضوع ..طبعا هو قريب من حيث الشعور العام ..باعتبار أن القضايا العربية والإسلامية هي قضايا مترابطة ..لكن ما هو السبب ؟ لاختيارك جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ودورها في الحركة الوطنية الجزائرية
-        أولا بدأت باختيار موضوع آخر وهو رشيد عالي الكيلاني وثورته ضد بريطانيا عام 1941
-        في العراق؟
-        في العراق وصرفتني ظروف عن هذا الموضوع ...يعني عدم رغبة القسم التسجيل في هذا الموضوع .. وكان هناك أحد الأساتذة ...واسمه لؤي يونس البحري ...اقترح علي موضوع الجزائر ..
-        هل البحري عراقي ؟
-        نعم عراقي ..
-        هنالك أنا أتذكر اسم واحد أنا أتذكر ..اسمه على ما أعتقد يونس بحري ..
-        والده ..
-        نعم ..هذا كان في ألمانيا أثناء الحرب العالمية الثانية وله أشياء كثيرة ..
-        نعم .. وبعد أن عاد من ألمانيا ..أسست محطة الشرق الأدنى ..
-        معروف ..
-        وكان هو رئيسها ..
-        المهم الدكتور لؤي ..عاش في الجزائر فترة ..وعرف الموضوعات التي درست هناك ..فأخبرني بأن هذا الموضوع لم يدرس .. وغامرت بأن قبلت الموضوع ..لأن ذكرى الثورة الجزائرية ..كانت في وجدان المسلمين والعرب ..جميعا ..يعني في الخمسينيات ..عندما كنت في المرحلة الابتدائية ..أذكر أن هناك جمع تبرعات في المدرسة الابتدائية للتبرع ..للثورة
-        الجزائرية ..
-         الحديث دائما عن الثورة الجزائرية ..أذكر أيضا ..في إحدى المرات وأنا في الدراسة في أمريكا ..حضرت فيلماً عن الثورة الجزائرية ..وشاهدت كيف فعل أبطال الجزائر ..في المحتل الفرنسي ..وكيف كانت تضج القاعة بالتصفيق عند نجاح أي عملية فدائية..ضد المحتل..فهذا بقي في نفسي ..فلما أخبرني أو اقترح علي الدكتور لؤي ..هذا الموضوع..أسرعت إلى المكتبة ..وجدت كتباً قليلة جدا عن الجزائر في مكتبة جامعة الملك عبد العزيز .وهذا بسبب ضعف التواصل بين دول العالم العربي ..
-        ومن المعوقات ..
-        ومن المعوقات للبحث العلمي .. أنني وجدت عدداً  قليلاً  من الكتب في مصر أيضاً ومع ذلك استطعت وضع خطة لبحث .. وقبلت في الجامعة ثم بدأت في السفر إ‘لى الجزائر .. وساعدني في ذلك أنني كنت في تلك الأثناء أعمل موظفا في الخطوط السعودية ..
-        جيد..بالنسبة عندما قامت هذه الثورة ..في الجزائر ..طبعا لعب العلماء دورا أساسيا في هذه الثورة ..وكذلك لعب العلماء دورا أساسيا في الثورة المصرية أيضا ..ولكن نجد في كثير من الدول ..يتم توظيف الدين في الثورات .. وعندما تنتصر الثورة ..يتم استبعاد الدين ..ورجال الدين ..إلى آخره وربما ..يتم الضغط عليهم أيضا ..فما هي الأسباب بتقديرك باعتبارك درست هذه التجربة الجزائرية ..
-        هذه المسألة تسمى سرقة الثورات ..وهناك كتاب لرئيس وزراء إندونيسيا الأسبق ..محمد ناصر ..بهذا العنوان تقريبا ..فالعلماء لا شك أنهم هم الذين أعدوا الشعب الجزائري ليثور ..يعني ما كان لهذا الشعب بعد مائة وزيادة مائة وعشرين سنة .. والاحتلال استمر مائة واثنتي وثلاثين سنة ..منها من 54إلى 62 الثورة ..كان الشعب الجزائري قد فقد إلى حد كبير هويته الجزائرية .. وانتمائه ..العربي الإسلامي ..فقيض الله جمعية العلماء لتقوم بدور كبير ..ويمكن أن يكون حلقة كاملة عن جهود جمعية العلماء ..وجهود الشيخ عبد الحميد بن باديس .. والبشير الإبراهيمي ..والطيب العقبي ومبارك الميلي ..في إعادة الهوية في إحياء الهوية العربية الإسلامية ..ومقاومة الفرنسة ..لأن فرنسا في عام 1930 بعد مرور قرن على الاحتلال .. أرادت أن تحتفل لمدة ستة أشهر بالقضاء النهائي على الهلال والقضاء النهائي على الإسلام .. فجاء العلماء وبدأوا حركتهم ..لإعادة هذه الهوية ..فكان بدون الهوية العربية الإسلامية .. لا يمكن أن تقوم ثورة .. كيف سرقت منهم الثورة .. أنه في أثناء قيام الثورة العلماء كثير منهم ..استخدمتهم الثورة للدعاية لها .. ولجمع التبرعات وللدعم .. من العالم الإسلامي .. وما بقي إلا عدد قليل من العلماء ..الذين استمروا في الجزائر.. لا شك أن التلاميذ وعلماء آخرون ..يعني مثل العربي التبسّي الذي اختطف وقتلته فرنسا.. لكن القيادة كانت بيد غيرهم .. وكأنهم تراجعوا عن الأدوار الأساسية في المعركة ..فاختطفت الثورة منهم ..يعني من الصعب تحديد سبب معين لهذا ..لكن كما قلت في أكثر من بلاد ..كان العلماء هم الذين يقودون .. هم الذين يشعلون الفتيل ..هم الذين يهيئون الشعب ..حتى إن الثورة كانت تستخدم لفظ الجهاد ..والامتناع عن الكبائر .. لكن بعد ذلك جاء من لا علاقة له.. بالعلم والعلماء..لكن يجب أن ننظر إلى تخطيط الغربيين ..فيمن يسلموا أمر البلاد بعد أن تستعيد استقلالها..
-        طبعا هذا له علاقة بموضوع أطروحة الدكتوراه بالنسبة لك ...أنت بعد أطروحتك في الماجستير ...حول الثورة الجزائرية ودور العلماء ...بالتأكيد لاحظت هذه الملاحظات، كيف أن هنالك من رجال الاستشراق ...من يروج لعملائهم الذين ينقضون فيما بعد، يعني بعد أن تنتهي المعركة ..ينقضون لجني الغنائم .. وهذا شيء يعني معهود فبدراستك بالنسبة للدكتوراه ...الاستشراق والاتجاهات الفكرية في التاريخ الإسلامي ولكن تخصصك في الدراسة التطبيقية على برنارد لويس، فلماذا اخترت برنارد لويس؟
-        يعني المعلومة الأولى ...أنني كان ينبغي أن أبحث في الاستشراق الفرنسي امتدادا لبحثي في الماجستير في الجزائر ولكن الظروف لم تسمح (يمكن الرجوع إلى لقاء الدكتور مازن في منتديات الصفوة لمعرفة الأسباب بالتفصيل) فكان لا بد أن أنتقل للاستشراق الإنجليزي، وبرنارد لويس أيضا حسبما اقترح علي الدكتور محمد حرب له تأثير كبير في مجال التاريخ ومجال السياسة فشخصية كبيرة كان لا بد من دراستها والبحث فيها. لم يكن شيء معين لفت انتباهي في برنارد لويس غير خطورته وأهميته في مجال الاستشراق يعني هذا الرجل الذي ترأس قسم التاريخ من 1959إلى 1974م في جامعة لندن وله المئات من البحوث وعشرات الكتب وحضر مئات الندوات والمؤتمرات، وكتب الكثير من المقالات الصحفية وأصبح مستشارا للسياسيين كان لا بد من معرفته معرفة عميقة، كان هذ الموضوع مناسبا لدراسة الاستشراق والتعمق في شخصية من الشخصيات البارزة في الاستشراق
-        هل وجدت فارقا بين الاستشراق الفرنسي والاستشراق الإنجليزي؟
-        يعني الاستشراق الفرنسي يرتبط دائما بالسياسة، وإن كان حتى الاستشراق الإنجليزي هناك ارتباط بالسياسة، عندما أعددت كتابي المغرب العربي بين الاستعمار والاستشراق (مادة الكتاب هي المادة التي أعددتها لخطة البحث للدكتوراه في الاستشراق الفرنسي، يعني أن إعداد الخطة حتى لو لم تقبل يعد بحثاً علمياً مفيداً) وجدت أن كثيرا من المسؤولين الفرنسيين الذين عملوا في مناصب في حكومة الاحتلال في الجزائر وفي تونس وفي المغرب هم مستشرقون أيضا، والاستشراق الفرنسي صريح في مسألة الاندماج ... ومحاربة الهوية العربية الإسلامية .. إلغاء الهوية العربة الإسلامية. الاستشراق الإنجليزي ليس أقل منه لكنه أقل صراحة في هذه الحرب
-        يعني باطني
-        باطني... يعني بريطانيا أرسلت مسؤولاً عن التعليم في مصر هو القس دنلوب ليكون وزيراً للمعارف أو مستشاراً لوزير المعارف فيضع المناهج التي تحقق إذابة الهوية ومحوها دون ضجة أو اعتراض من المصريين (يقبلون وهم يضحكون كما يقول المثل)
و           أواصل الحديث عن الفرق بين الاستشراق الفرنسي والإنجليزي؛ ففرنسا كانت أصرح ومن ذلك أنها كانت تصر على عدم التصريح أو السماح للجزائريين بفتح المدارس، كما كانت تمارس مضايقة العلماء وتسعى بشتى الوسائل في فرض الفرنسة، وهذا ما أكده الدكتور أحمد بن نعمان حين ذكر في لقاء في قناة اقرأ أن ديجول الذي ينسب إليه أنه أعطى الجزائر الاستقلال أخذ أكثر من ثلاثين ألف من شباب الجزائر عشية الاستقلال ليتعلموا في فرنسا..حتى إذا عاد الاستقلال إلى الجزائر ...عاد معه هؤلاء العدد الضخم الذي تعلم في فرنسا ...وأصبحت لهم السيطرة على البلاد كما نشاهد هذه الأيام.
بالإضافة إلى الجنرالات...
-        الجنرالات أيضا تخرجوا من الأكاديميات الفرنسية، ويحكمون الشعب الجزائري ظاهرا بعقلية جزائرية وباطنا بعقلية استعمارية.
-         ننتقلا الآن إلى كتابك الذي كتبته عن عبد الحميد بن باديس العالم الرباني والزعيم السياسي. فلماذا اخترت هذا العالم بالذات؟
-        عندما درست جمعية العلماء المسلمين الجزائرية كان لا بد أن أتعرف إلى شخصية رئيس الجمعية ولد هذا الرجل سنة 1307هـ 1889م وبعد أن حفظ القرآن في سن الثالثة عشر انطلق إلى تونس ليدرس في الزيتونة، وبعد أن أنهى دراسته في الزيتونة ذهب إلى المدينة المنورة، وعاش هناك ثلاثة أشهر لتلقي العلم، وكان اللقاء بينه وبين الإبراهيمي ... شخصية ابن باديس شخصية كما يقولون (كاريزمية) ..لها تأثير عجيب جدا ..يعني هذا الرجل الذي أنا وصفته بدقة الحجم وصغره ..حتى أتخيل فيه ملامح دقة ساقي عبد لله بن مسعود رضي الله عنه
        هذا الرجل هو الذي دق مسامير نعش فرنسا في الجزائر يعني حتى عندما يقولون كيف تحررت الجزائر من فرنسا...فلا بد من العودة إلى شخصية الشيخ عبد الحميد بن باديس الرجل الذي كان يعمل ليل نهار كان لديه طاقة غير عادية، ومن شده إخلاصه للجزائر لم يستطع أن يكون زوجاً، ويعيش حياة زوجية عادية مثل بقية الناس؛ تزوج وبعد قليل طلق زوجته، وعاش للدعوة كان يعيش في غرفة صغيرة فوق الجامع الأخضر ويعطي من الدروس خمسة عشر درسا يوميا وكان يقوم برحلات حول الجزائر حتى إنه زار الجزائر من أقصاها إلى أقصاها: يتصل بالناس ويحاضر ويدرس، ويقود وينظم..ثم عندما تقرأ ما كتبه وما جمع من كتاباته ..في مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير .. ومجالس التذكير من كلام البشير النذير تجد ثروة رائعة من العلم والمعرفة الإضافة إلى الجهاد العجيب، في محاربة الاستعمار، إنه كان يقلق فرنسا حقيقة.
-        يعني يمكن أن نقول إنه اقتدى بالإمامين أحمد بن حنبل وابن تيمية رحمهما الله طبعا هما المعروف لم يتزوجا ولم يتفرغا للعائلة –الإمام ابن تيمية رحمه الله لا خلاف أنه لم يتزوج أما الإمام أحمد بن حنبل فقد كان له ولد فكان يكنى بأكبر أبنائه صالح واشتهر ابنه عبد الله الذي كتب المسند عن أبيه -ولا لهذه الأمور، لأن القضايا الكبرى فعلا تتطلب كافة الوقت بالنسبة لحياة الإنسان، قضية الاستشراق ...أنت بعد ذلك ركزت على الاستشراق بشكل كبير، مصطلح الاستشراق هو مصطلح عائم، حقيقة هذا المصطلح يعني مثل مصطلح الاستعمار. كلمة استعمار من التعمير بينما الاستعمار الاحتلال هو للتخريب وليس للتعمير، فقضية الاستشراق قضية هذا المصطلح أنا أجد أن فيه خلط كبير ...حينما نقول المستشرق الروسي طيب هذا لم يستشرق باتجاه الشرق وإنما اتجه جنوبا ..أو المستشرق الياباني الذي يتجه غربا ..إذا كلمة استشراق بحد ذاتها ليست دقيقة من حيث المصطلح، هنالك من استخدم مصطلح المستعربين ..إذا كان يبحث في الشؤون العربية فيمكن أن نقول مستعرب، لكن ماذا نقول عمن يبحث في الشئون الإسلامية هل نقول متأسلم بينما هو يسعى لتدمير الإسلام؛ يعني الحقيقة أنا أجد أنه لا زال لدينا أزمة في المصطلحات، أيضا لأن هذه المصطلحات أيضا لم نصنعها نحن ..وإنما صنعت في الخارج ثم صدرت إلينا ورددت عندنا قضية الاستشراق هنالك كتاب لأحد المشايخ في دمشق يقول :أجنحة المكر الثلاثة هو الشيخ عبد الرحمن بن حبنكة الميداني
-        يقول الاستعمار والاستشراق والتبشير فما هي العلاقة الحقيقية بين الاستشراق والتبشير والاستعمار؟ أو الاستخراب أنا أسميه أفضل.
-        نبدأ أولا بكلمة استشراق، العجيب أن الكتابات كثيرة التي تبدأ بتعريف الاستشراق تبدأ من الناحية اللغوية استشرق الألف والسين والتاء طلب علوم الشرق
-        الأحرف الزائدة
-        الأحرف الزائدة، لكن الحقيقة أن كلمة استشراق في أصلها اللغوي في المعاجم الأوربية كما بحث فيها الدكتور السيد محمد الشاهد بأنها تعني المعرفة، والنور والضياء فالشرق هو منبع النور والضياء، والهداية والعلم
-        والرسالات السماوية.
-        والرسالات السماوية فلذلك عندما بدأ الأوروبيون نهضتهم من أين يأتوا بالمعرفة والعلم؟ كان لا بد أن يتجهوا إلى العالم الإسلامي ليطلبوا النور والهداية ولذلك الكلمة (orient) (orientate) و (orientation) تعني الموظف عندما يبدأ في وظيفة جديدة يعطى دورة أو تدريب على التعلم أو فهم الشيء فالاستشراق في أصله هو محاولة المعرفة والفهم والاستنارة كما هو الإشراق والإغراب أو الشروق مقابل الغروب ..والضياء مقابل الظلام فهذا هو أصل كلمة استشراق، لكن بعد ذلك أدخلوا فيها ناحية التعريف اللغوي  و متى دخلت في قاموس لاروس ..في القرن الثامن عشر ..إنما الأصل طلب الغربيين للنور والهداية والمعرفة والعلم من العالم الإسلامي، وعندما ترى أن النهضة الأوربية قامت على ترجمة تراث الأمة الإسلامية في جميع العلوم ..حتى إنهم في بعض العلوم سرقوا بعض الإنجازات العلمية العربية عندما ترجموها ونسبوها إلى أنفسهم..مثل اكتشاف دورة الدم لابن النفيس.
-        وكروية الأرض.
-        وغيرها من المعارف، فهذا بالنسبة للمصطلح الأمر الآخر هناك تعريفات أخرى للاستشراق ، كتبها أو ذكرها إدوارد سعيد في كتابه المشهور الاستشراق سنة 1978م..وربط فيها بين لعلم والمعرفة والهيمنة والسيطرة،أو تمثيل الآخر، ثم هناك تعريف للدكتور أحمد عبد الحميد غراب يحدد فيه أن الاستشراق هو بحوث ودراسات يقوم بها أكاديميون نصارى من أهل الكتاب (يهود ونصارى) بهدف كذا وكذا، والاستشراق مصطلح الأوربيون رفضوه عام 1973م في المؤتمر الدولي للجمعية العالمية للاستشراق ..الذي عقد في باريس وكان بمناسبة مرور مائة سنة على بداية هذه المؤتمرات، رفضوا كلمة استشراق وبدأوا يستخدمون ألفاظاً أخرى ومنها العلوم الإنسانية حول العالم الإسلامي، دراسات الشرق الأوسط، الدراسات الإقليمية، وغيرها من المصطلحات، لكن الأصل في الاستشراق هو ارتباط دراسة اللغة العربية واللغات الإسلامية: كالأوردو والتركية والفارسية، ودراسة فقه اللغة ...الشخص ينطلق من معرفة اللغة إلى البحث في كل شيء يخص الإسلام والمسلمين، الآن يعني هناك من يرفض مصطلح الاستشراق وهم بخاصة الدول الغربية بريطانيا وأمريكا وبعض الباحثين الغربيين في ألمانيا وغيرها من الدول، لكن هذا المصطلح موجود في روسيا، وفي ألمانيا ثمة جمعية استشراقية أيضاً
-        فما الاستشراق، ما أهداف الاستشراق؟ هي دراسات حول العالم الإسلامي سواء قام بها روسي أو حتى قام بها صيني، الآن عندك دراسات الشرق الوسط في الصين ودراسات للشرق الوسط والعالم الإسلامي في اليابان.
-        حتى الاتحاد السوفيتي السابق كانت فيه جمعية المستشرقين السوفييت...وكانت ضخمة جدا ...
-        والجمعية الأمريكية للمستشرقين.
-        ترجمت كتب كثيرة في كافة المجالات ...يعني هنالك يعني كلمة استشراق حينما نقول اتجاه الشرق أنا أرى أيضا أن هذا الشيء لا يعبر بشكل دقيق لأن قنوات الاتصال بين العالم العربي والإسلامي ...وأروبا التي بدأت في وقت مبكر كانت إما عبر الأندلس بواسطة هذا الجيل الذي تخرج من المهجنين الذين كانوا يتقنون اللغة العربية ويتقنون اللغات المحلية وكانوا عبارة عن صلة وصل مابين الثقافة العربية في الأندلس ومابين الثقافات الأوربية ... أيضا مدارس الأندلس لعبت دورا أساسيا في تعليم الأوربيين...والكتب التي يهتم بها الأوربيون وترجموها إلى اللاتينية بالإضافة كانت هناك قضية الحرب الصليبية ...أثناء الحملات الصليبية كانت هناك قنوات اتصال بدأت مثلا في فرسان القديس يوحنا فرسان مالطا ..هذه المنظمة التي بدأت كمنظمة صحية ولكن في الحقيقة كانت تضم أيضا مستشرقين .. كانوا يبحثون بكل شيء وكانوا يرسمون الخرائط ويدرسون المجتمع، ويتسللون تحت مسميات مستشفيات (hospitals)، وكان هناك في مرحلة لاحقة قضية صقلية، التي شكلت أيضا عبارة عن صلة وصل، يعني لا نستطيع نحن أن نقول الاستشراق بدأ في القرن كذا واستمر في قرن كذا ورفض في قرن كذا وإنما هو الحقيقة عبارة عن اتصال بين الأمم بشكل سابق وبشكل لاحق وبشكل مستمر، وهنالك نقطتان نقطة أهداف الاستشراق ونقطة مناهج البحث، أنا لا أرى أي خطورة في مناهج البحث التي يمكن أن نستفيد منها واستفدنا منها أيضا، لكن قضية الأهداف لا تتطابق مع مناهج البحث .. فما رأيك في قضية الفصل بين أهداف الاستشراق وبين مناهج بحث الاستشراق.
-        أولا الاستشراق بدأ بقرارات بابوية ...يعني الذي دعا أوربا إلى الاهتمام بالعالم الإسلامي ...وبترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة اللاتينية وبعد ذلك للغات الأوربية المختلفة كان بقرارات بابوية، وأيضا كان هناك قرار بابوي في القرن الثالث عشر بإنشاء ست كراسي لدراسة اللغة العربية، في باريس ولندن وروما وسالونيكا وباليرمو والمهم إنه كان هناك توجيه كنسي للاهتمام بالعالم الإسلامي، ولأن الكنيسة رأت ما كان تحت يديها من بلاد نصرانية... أوكانت نصرانية كالشام ومصر وشمال أفريقيا قد أصبح منطقة مسلمة فكان لا بد أن يعرفوا ..فهي مراحل:
المرحلة الأولى: دعوة من الكنيسة لدراسة العالم الإسلامي، ودراسة النصوص الإسلامية، ومحاولة مجادلة المسلمين وتشويه صورة الإسلام في نظر الأوربيين حتى لا ينجذبوا لهذا الدين الذي اكتسح الممالك النصرانية، صحيح أن بعض القرارات البابوية لم تنفذ مباشرة، يعني في بريطانيا في سنة 1632م أنشئ كرسي الدراسات العربية في جامعة كمبريدج وفي سنة 1636م في جامعة أكسفورد، ولم تصبح الدراسة العربية والإسلامية أو الدراسة عن العالم العربي والإسلامي دراسات منهجية لها أقسامها إلا في آخر القرن الثامن عشر  عندما أنشئ في باريس في سنة 1795م معهد دراسة اللغات الشرقية الحية  الذي ترأسه المستشرق سيلفستر دو ساسي، الأصل أن الاستشراق نشأ في أحضان الكنيسة .. وبالتركيز على الجانب الديني في مواجهة هذا الدين المنطلق بسرعة؛ الذي اكتسح أوروبا ثم إنه لما فشلت الحملات الصليبية، رأى هؤلاء أن هذا الدين لا يقاوم ولا بد إذا من معرفته والاستمرار في دراسته ...ثم جاءت مرحلة الاستعمار والمرحلة الاقتصادية وحتى الوقت الحاضر.
-        هذا بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية التي تتخذ من روما مركزا لها ولكن الكنيسة الأرثوذكسية لها تجربة سابقة على ذلك ...قضية الجدال الذي كان يحصل بين المسلمين وبين المسيحيين الأرثوذكس بالنسبة لزمن القياصرة الذين كانوا يتخذون من بيزنطة أي القسطنطينية أو إسطنبول مركزا لهم ..فقد حفظت لنا في كتب التراث الكثير من المناظرات التي حصلت بين الإمام الباقلاني الذي كان يرسله العباسيون ليناقش الروم حتى في أماكنهم وهنالك أشياء مشهورة حول ذلك فقضية الجدل والنقاش كان موجود ومستمر من قبل تلك الفترة .. لكن قضية القرار الذي جاء بعد ذلك بالنسبة لروما، هو قرار لاحق لما سبقه وبالتأكيد له خطة ومناهج مختلفة هما كان سابقا، بعد هذا النقاش في قضية الاستشراق وأهداف الاستشراق ماذا يقابل هذا الاستشراق، يعني لدينا الآن قسم كبير يصفون أنفسهم بأنهم من المتنورين، باعتبارهم درسوا مثلا في الغرب، ونجد أن البعض منهم قد انسلخ عن مجتمعه، يعني وبشكل أدق ما يطلق على المستشرقين يعني هؤلاء المستشرقون يخدمون بلادهم ..بكافة تحركاتهم الظاهرة والباطنة، المعلنة وغير المعلنة ..لكن المقابل من الجهة الثانية ..يهيئ من أبناء المسلمين ومن أبناء العرب الذين يغرّبون أنا أرى أنهم يتغربون عن مجتمعهم ولا يخدمون المجتمع الذي ابتعثهم، وإنما يتم توظيف هؤلاء سواء علموا أم لم يعلموا لخدمة الاستشراق فما رأيك بهذا الطرح الذي بالطبع لم يسر بعض المتغربين
-        المغرّبين أو المستغربين ...
-        أود أولا أن أشير إلى كتاب الشيخ محمود شاكر رحمه الله رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) مقدمة كتابه عن المتنبي، في هذا الكتاب الرائع تناول قضية البعثات من مصر إلى فرنسا يعني الشيخ رفاعة وما بعده.
-        نعم، الشيخ محمود شاكر يقول: إن نابليون عندما غادر مصر ...طلب من نائبه أن يرسل له خمسمائة من المشايخ والنبلاء المصريين ... ليعيشوا في فرنسا بعض الوقت سنة أو سنتين فإذا عادوا إلى مصر كانوا عونا لفرنسا ضد بلادهم، لم يتيسر لنائب نابليون أن يرسل خمسمائة من المشايخ فجاء محمد علي باشا سرششمة لا أدري معنى الكلمة!! ..
-        هي مذكورة في كتاب محمود شاكر، وكان هذا القائد الذي يصفه أو وصفه محمود شاكر بأنه كان استغلالي كان يعير أذنيه للقناصل الأجانب أو كان خاضعا لمشورتهم ..فأشاروا عليه بإرسال مجموعة من أبناء المصريين إلى فرنسا ..والشيخ محمد الصباغ أيضا له كتيب صغير الابتعاث ومخاطره ..قال لماذا كل هذه البعثات إلى فرنسا بعد الثورة الفرنسية ..يقول لأن فرنسا كانت قد خرجت من سيطرة على الكنيسة، وبدأ فيها شيء من الانحلال الأخلاقي ..ورفض الدين، فجاءت البعثات من مصر، ومن إيران ومن تركيا ومن المغرب العربي يقول محمود شاكر:  هؤلاء عندما ذهبوا إلى فرنسا كان هناك مشرفا فرنسيا عليهم .. الأمر نفسه ينطبق على المبتعثين من المغرب ومن تركيا ومن إيران، حتى أن برنارد لويس يسخر من الأتراك الذين كانوا يعلمون الدنيا وكانوا يحكمون العالم ولكن على الرغم من هذه الكبرياء أصبحوا تلامذة عند أعدائهم الكفار كما يقول ...
-        طبعا هذا كلام برنارد لويس
-        ويقول أيضاً: وهؤلاء المدربون الذين جاءوا لتعليم الأتراك أشرف المهن وهي الحربية كما يقول لم يأتوا فقط لتعليم الحربية وإنما جاءوا معهم بكتب فولتير وموليير وغيرها من الأدب الفرنسي. 
-        إذا كان مقصودا من البعثات أن يغرب عدد من أبناء الأمة ليكونوا شوكة في ظهرها وجمال الدين الأفغاني يقول في كتاب العروة الوثقى أن هؤلاء شكلوا قوة لإدخال الغرب إلى بلادنا ... القضية خطيرة ...محمد المنوني رحمه الله أيضا في كتابه يقظة المغرب العربي الحديث عن عدد من المبتعثين أنهم بعد أن أنهوا دراستهم طلب المشرف عليهم أن يبقوا مدة من الوقت ليتشبعوا بحضارة فرنسا يتشبعوا بالرقص يتشبعوا بأشياء أخرى التي سماها الطهطاوي الشلبنة وغيرها.
-        طبعا الشيخ رفاعة له مقال يمدح الرقص الفرنسي ويمدح أريحية الشاب الفرنسي الذي يعانق الفتاة على المسرح وإلى آخره. يعني هذا شيء. لكن هنا أنا أحب أن أوضح شيئاً أن محمد علي باشا لم يكن باشا إطلاقا وإنما جاء من أسرة من الأناضول من قرب قونيا وجاءت هذه الأسرة مع عمه طوسون الذي استلم وظيفة متسلم في مدينة قولة التي هي الآن في اليونان ولذلك الأتراك يسمون قوللّي وهناك ارتكب عمّه خيانة عظمى ويرجح أنها التعامل مع الدول الأجنبية فتم استدعاؤه إلى اسطنبول وأعدم هناك، وهو فيما بعد جاء مع الباشبزق الذين أرسلوهم يعني عبارة عن ميليشيا لمقاومة الحملة الفرنسية ولم يشاركوا ولا في معركة ..ومن هناك هو دخل في السلك الفرنسي بشكل سري وتآمر على الثورة المصرية وعلى رأسها الشيخ عمر مكرم الذي ذاق الأمرين على يد محمد علي باشا و الأسباب محمد علي باشا كان من أتباع الطريقة البكتاشية ولم يكن من المسلمين السنة، وهنالك بحوث عنه أنه ارتكب  العديد من المجازر في السودان وفي جزيرة العرب وفي سورية في الأناضول، يعني كان حتى حربا على المسلمين، كان أعنف بعشرات المرات من الحملة الفرنسية .. ودمر في بلاد المسلمين أكثر بكثير مما أحدثه الفرنسيون أو غيرهم من الأوربيين ولذلك يعني هنا هذه لمجرد التوضيح، وبعد ذلك طبعا دخل في الأزهر وسلم رئاسة الأزهر للشيخ حسن العطار وما أدراك ما حسن العطار يعني هو أسوأ من أي مستشرق في العالم.
-        والحقيقة كان هناك جانب آخر لمسألة الابتعاث، يعني بالإضافة للذين ابتعثوا، أنشئت المدارس والجامعات والمعاهد الغربية في البلاد الإسلامية؛ مثل الكلية الأمريكية التي أنشئت في تركيا في إزمير ثم انتقلت إلى بيروت، ثم أنشئت الجامعة الأمريكية في بيروت. والجامعة الأمريكية في القاهرة.
-        والجامعة الأمريكية في أنقرة ...
-        أنشأت جامعات أمريكية وأجنبية وهناك تنافس حتى بين الأوربيين أنشأت جامعة ألمانية في مصر. والمفرنسون أو الذين يميلون إلى الثقافة الفرنسية يريدون أن ينشئوا جامعة فرنسية في مصر وغير ذلك ...وكلية فيكتوريا التي امتدحها كرومر ...ونشأ فيها عدد كبير من أبناء المسلمين من وقت مبكر ...فهذا أيضا جانب آخر من جانب الذين تغربوا ..لكن سنأتي إلى مصطلح آخر غير التغريب وهو الاستغراب وهو موضوع آخر ..
-        لديك كتاب بحوث في الاستشراق الأمريكي...فلماذا خصصت الاستشراق الأمريكي بهذا الكتاب؟
-        مع أن برنارد لويس الذي درست كتاباته عاش في بريطانيا ثم انتقل إلى أمريكا عام 1974م فكان لا بد من معرفة البلاد التي عاش فيها والاستشراق الأمريكي -هو ما زال على قيد الحياة هو من مواليد 1916م وتجاوز الآن أظن وصل إلى التسعين ..عاش في أمريكا من سنة 1974م (هلك بعد أن وصل المائة) وأنا عندما ذهبت لمقابلته في أمريكا سنة 88 م / 1408هـ فاهتمامي بالاستشراق الأمريكي هو استمرار لاهتمامي ببرنارد لويس ثم إن الاستشراق الأمريكي أو الدراسات العربية والإسلامية أو الدراسات الإقليمية في أمريكا.. هي من أقوى مجالات الدراسات الغربية في العالم الإسلامي في الوقت الحاضر، فلذلك عندما زرت جامعة برينستون سنة 1988م أعددت محاضرة بعنوان من آفاق الاستشراق الأمريكي المعاصر، ثم أضفت بحثين له، وهو ترجمة لبحث أو لدراسة حول الدراسات العربية والإسلامية في الجامعات الأمريكية وكندا وأيضا بحث آخر عن بعض ملامح الاستشراق الأمريكي المعاصر، وهو مازال اهتمامي حتى الوقت الحاضر ولي فيه بعض البحوث الأخرى غير ما في هذا الكتاب.
-        نرحب بكم مشاهدينا الكرام من جديد ونتابع النقاش مع الدكتور مازن مطبقاني حول الاستشراق وغير ذلك من المواضيع التي اهتم بها كمؤرخ وككاتب وإذاعي وكاتب صحفي لديك كتاب: (أثر المملكة العربية السعودية الرائد في الاهتمام بالدراسات الاستشراقية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز يرحمه الله) ما هو الأثر الحقيقي؟ هل هناك فارق ما بين تأثير المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول العربية والإسلامية؟
-         أنا شهادتي مجروحة إلى حد ما لكن
-        الإنسان عندما يكون موضوعياً فما يكون هناك جرح شهادته.
-        لكن للإنصاف المملكة العربية السعودية لها دور رائد في الاهتمام بالدراسات الغربية حول العالم الإسلامي؛ ففي عام 1401هـ 1981م أنشئت وحدة دراسات الاستشراق والتنصير في عمادة البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض ..وفي 1403هـ انتقلوا إلى إنشاء قسم الاستشراق وهذا القسم الوحيد الفريد في العالم الإسلامي الذي يعطي الماجستير والدكتوراه في مجال دراسة الغربيين للإسلام دراسة المستشرقين لما كتبوه عن الإسلام والمسلمين ..وبرنامج الماجستير كان من سنتين يكون بعده رسالة وأنجزت في هذا القسم أكثر من أربعين رسالة ماجستير حول قضايا مختلفة في الاستشراق والتنصير وأكثر من عشرة أو خمسة عشر رسالة دكتوراه، ثم إن الاهتمام بالاستشراق في المملكة العربية السعودية لم يقتصر على هذا القسم وهو قسم رائد جدا ومهم جدا لولا أن ظروف انتقاله إلى جامعة طيبة حاليا وأرجو أن تتاح الفرصة لإعادة تنشيط هذا القسم من جديد وأن يكون فيه كادر ... وأن يكون اختيار الطلاب على مستوى عالي من القدرات العقلية واللغوية ...ثم هناك اهتمامات بالاستشراق في المملكة العربية السعودية من خلال ندوات الجنادرية التي خصصت أكثر من حلقة منها للعلاقة بين الإسلام والغرب ..وأيضا مكتبة الملك عبد العزيز لها ندوات سنوية في حوار الحضارات .. ثم إنه ظهر عدد من الباحثين في المملكة العربية السعودية كتبوا عن الاستشراق، لكن  هذا القسم وهذا الاهتمام لم يتوفر اهتمام مثله في دولة أخرى حتى أنه أحد الطلاب في جامعة الأزهر في المنصورة اسمه إبراهيم السباعي أعد رسالة ماجستير عن جهود علماء المسلمين المعاصرين في مواجهة الاستشراق ..وخص المملكة العربية السعودية بمساحة كبيرة من رسالته ..فأنا إحقاقا أو تنبيها لهذا الاهتمام العلمي الموضوعي، أيضا لفت انتباهي أنه أحد الباحثين البريطاني، زار المملكة ودخل إحدى المكتبات وقال يوجد (موضة) الاهتمام بالاستشراق فالكتب المهتمة بالاستشراق موجودة بجوار الكتب عن الأفكار الهدامة والمذاهب الهدامة فسمى المسألة (موضة) فريد هاليداي في أحد كتبه، وهذه من عيوب المنهجية عند بعض الغربيين ولم يبحث هل في السعودية من اهتم بالاستشراق أو بالدراسات الغربية للإسلام اهتماما علميا فقال هذه (موضة) فأنا أردت أن أجيب أن المسألة ليست (موضة) وهناك رسائل ماجستير ودكتوراه تناولت قضايا أساسية في اهتمامات المستشرقين ..مثل عدد من الرسائل عن دائرة المعارف الإسلامية .. عدد من الرسائل عن مستشرقين معينين فلذلك أعددت هذا الكتاب.
-        أصلا دائرة المعارف الإسلامية من أخطر ما أنتجه المستشرقون ولا سيما ما ترجم منها بشكل حرفي دون تمحيص؛ حيث هناك الكثير من المواد التي لا تخلو من التحامل على العرب وعلى المسلمين.
-        ونحن الآن فعلا بحاجة ماسة إلى دائرة معارف إسلامية؛ في تركيا يعدون دائرة معارف إسلامية جديدة صدر منها بحدود ثلاثة وثلاثين مجلد وهي مستمرة وستكتمل وبالألوان وإلى آخره وطبعا فيها الكثير من المعلومات التي تناقض إلى أبعد الحدود دائرة المعارف الإسلامية التي صدرت عن المستشرقين؛ فالعالم الإسلامي الآن بحاجة خصوصا العرب لا يوجد عندنا دائرة معارف إسلامية حقيقية ولذلك نجد أن من يبحث أحيانا عن أي قضية في الإسلام لا يجد له مصدراً في متناول اليد؛ دوائر المعارف تسهل هذه العملية.
-        مفتاح لكن يقدم لك المعلومة بأقصر الطرق، وهذا غير متوفر ولذلك تجد الآن عندنا في العالم العربي خصوصا أن هناك من يهرف بما لا يعرف وتجد حتى في أشياء يعني تصل لدرجة الفتوى غير المشروعة.
-        على كل الأحوال أنت كتبت كتاب حول العالم الإسلامي في دراسات معاهد البحوث والدراسات في واشنطن عفوا الأميركية كيف وجدت هذه الدراسات؟
-        كنت بدأت أعد بحثا قصيرا لتقديمه في أحد المؤتمرات عن العالم الإسلامي في معاهد البحوث ومراكز البحوث والأقسام العلمية في واشنطن
-        يعني كيف كانوا يتناولون العالم الإسلامي؟
-        لفت اهتمامي أو انتباهي إلى أن واشنطن ينظر إليها كعاصمة سياسية. ولكنها في الحقيقة مليئة بمراكز البحوث ومراكز الـ(think tanks) الفكر والإعداد السياسي ومليئة بأقسام الدراسات العربية والإسلامية مثل جامعة جورج تاون وجون هوبكنز والجامعة الأمريكية وجامعة واشنطن جورج واشنطن أو جامعة واشنطن.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...