المحور الرابع دراسة الغرب، وقضايا استشراقية أخرى.
لا
يكتمل الحديث عن الجديد في عالم الاستشراق دون الحديث عن اتجاه بدأ يظهر منذ عدة
سنوات؛ وهو الدعوة الى دراسة الغرب دراسة علمية أكاديمية،حيث إن الحضارة الغربية
أو المدنية الغربية هي السائدة وهي التي تملك القوة في مختلف وجوهها من قوة عسكرية
وإدارية وسياسية والتفوق العلـمي والتفوق التقني، وتسيطر على وسائل الاعلام.([1]) ولا بد لنا من التعمق في دراسة هذه
الحضارة لندرك كيف وصلت الى أسباب القوة فتملكتها، وننظر كيف إنها تتنازل أو
تتراجع عن هذه الأسباب فنتجنبها .
ولا يكفي أن نظل نردد مقولة "أن سقوط
الغرب وشيك" أو حتى لا يخدعنا المنبهرون بالغرب الذين يكتبون مستنكرين احتمال
سقوط الغرب. وهؤلاء المنبهرون بالغرب يجهلون أو يتجاهلون سنن الله عز وجل في الكون
في أخذه القرى، فقد تذهب وهي في أوج مجدها وعزتها وقوتها.
وقد التفت عدد من علماء الأمة الى هذه
المسألة فنادوا بضرورة مواجهة الاستشراق بدراسة الغرب .وقد أطلق عليه البعض
"الاستغراب "أو ما يحلو للبعض تسميته (الاستشراق المضاد)، ومن هؤلاء
العلماء الدكتور محمود حمدي زقزوق الذي كتب يقول: "ومن هنا تأتي ضرورة
المواجهة العلمية الجادة للاستشراق، تلك المواجهة التي لاتكتفي بنعم أو لا، بل
تسلك سبيل الدراسة المتعمقة والبحث الدؤوب في جذور الفكر الغربي لمعرفة الأسباب
الحقيقية للمواقف الغربية من الاسلام. فالصورة السائدة عن الاسلام في الغرب ليست
مجرد صورة وقتية عارضة، ولا هي بنت اليوم، وإنما هي صورة صاغتها قرون طويلة من
الصراع الحضاري بين الإسلام والغرب."([2])
وهنا يلفت الدكتور زقزوق نظرنا الى مسألة
مهمة وهي ضرورة فهم جذور المواقف الأوروبية من الاسلام، وليس الاكتفاء بظاهر
أقوالهم، وهو الذي يجعلنا حين نرد على شبهاتهم وانتقاداتهم للاسلام في المجالات
المختلفة أن تكون لنا معرفة دقيقة بهم فنتحول من الدفاع الى الهجوم.([3])
بل قد سبق الدكتور مصطفى السباعي
هؤلاء جميعاً حين كتب في كتابه العظيم السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي يقول:
سيأتي يوم ننقلب فيه
نحن إلى دراسة تراث الغربيين ونقد ما عندهم من دين وعلوم وحضارة، وسيأتي اليوم
الذي يستعمل أبناؤنا وأحفادنا مقاييس النقد التي وضعها هؤلاء الغربيون في نقد ما
عند هؤلاء الغربيين أنفسهم من عقيدة وعلوم فإذا هي أشد تهافتاً وأكثر ضعفاً مما
يلصقونه بعقيدتنا وعلومنا
ترى لو استعمل المسلمون معايير النقد
العلمي التي يستعملها المستشرقون في نقد القرآن والسنة في نقد كتبهم المقدسة
وعلومهم الموروثة، ماذا يبقى لهذه الكتب المقدسة والعلوم التاريخية عندهم من قوة؟
ماذا يكون فيها من "ثبوت"؟
ترى لو استعمل المسلمون في المستقبل معايير
النقد العلمي التي يزعم المستشرقون أنهم يأخذون بها عند نقد تاريخنا وأئمتنا في
نقد هذه الحضارة الأوروبية ومقدساتها وفاتحيها ورؤسائها وعلمائها، ألا يخرجون
بنتيجة من الشك وسوء الظن أكبر بكثير مما يخرج به المستشرقون بالنسبة إلى حضارتنا
وعظمائنا؟ ألا تبدو هذه الحضارة مهلهلة رثة الثياب؟ وألا يبدو رجال هذه الحضارة من
علماء وسياسيين وأدباء بصورة باهتة اللون لا أثر فيها لكرامة ولا خلق ولا ضمير؟([4])
اما عن دراسة الغرب دراسة علمية حضارية فيقول
الدكتور السيد الشاهد:"كما لايكفي التنبيه الى خطورة الاستشراق والمستشرقين
والنصارى والمنصرين، لايكفي لعنهم وسبّهم على كل منبر، لأن الحضارة الغازية لا
تقاوم الاّ بحضارة أقوى منها، علينا أن نبدأ بمعرفة واقعنا والاعتراف به وتحديد
امكاناتنا بهدوء وتواضع ... علينا أن نبحث عن مخرج من موقفنا الضعيف الى موقع قوي
مؤثر، ولا يمكن ذلك الاّ بدراسة علمية هادفة لما عليه أعداؤنا، ولا حرج أن نتعلم
من تجاربهم، ونأخذ منها ما ينفعنا ونترك ما عدا ذلك فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها
فهو أحق الناس بها."([5])
وتحدث
الدكتور الشاهد عن ردود الأفعال لدعوته هذه وذكر أن بعض القراء قد علّق على المقالة "بخوفه من أن يثمر هذا القسم تغريباً
ثقافياً وتمرداً فكريا في مجتمعنا الاسلامي"([6]). ولكني كنت قد كتبت معلقا على دعوته
لدراسة الغرب بمقالة أؤيد فيها دعوة الدكتور السيد الشاهد وأضفت بعداً لم يلتفت
اليه وهو أن لا نقتصر على الجوانب النظريه بل لا بد من إجراء البحوث الميدانية على
المجتمعات الغربية المعاصرة باستخدام أحدث الوسائل التي توصل اليها الغرب نفسه. وأشرت
كذلك الى أن الطلاب المسلمين الذين يدرسون في الجامعات الغربية يمكن أن تكون
بحوثهم للدراسات العليا حول الغرب بدلاً من التركيز على مشكلاتنا فيقدمون
المعلومات الدقيقة والمفصلة عن المجتمعات الاسلامية فيستخدم الغرب هذه المعلومات
ضدنا. ومما أضفته لاقتراح الشاهد أن يكون الدارس للغرب ممن عرف الاسلام معرفة
رصينة وقوية عقيدة وشريعة وتاريخاً حتى يكون لديه المعيار الذي يستخدمه في هذه
الدراسات.([7])
ومع هذا الاتجاه القوي لأهمية دراسة الغرب فإن
هناك من لا يرى ويعارض ما يسمى "الاستغراب" ومن هؤلاء هاشم صالح الذي
كتب يقول أننا لا يمكن أن ندرس هذا العلم لأننا لا نملك المقومات لذلك، وتساءل كيف
نقف من الغرب موقف الند من الند، وزعم أن الدعوة لدراسة الغرب إنما هي من قبل
"التصريحات العنترية"، ولكنه يدعو الى أن نستمر في دور التلميذ للغرب
حتى نستطيع أن نقوم بما قام به الغرب من نقد النصوص المقدسه عندهم .([8])
وليس ثمة من رد على مثل هذا التثبيط الا القول
بان هذه هي الروح الانهزامية، فإذا كانت النصوص الدينية التي انتقدها الغرب قابلة للنقد فما لنا نحن
وهذا العمل، ولكنها الروح الانهزامية التي تشيعها مثل هذه الكتابات.
نماذج
يمكن دراستها في الغرب.
1-
أسطورة حرية الإعلام الغربي:
نشرت جريدة المسلمون دراسة قيمة بقلم الدكتور
ظفر الاسلام خان مدير معهد الدراسات العربية والاسلامية ب نيودهلي يمكن أن نستخلص
منها ما يأتي :
أ-
تتحكم وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) في غالبية الأجهزة الإعلامية وأعضاء الكونجرس الأمريكي.
ب-
إن الاعتقاد السائد بين كثير من المسلمين بأن الاعلام الغربي والنظام السياسي
الغربي حر ومنفتح على عكس أنظمتهم (المسلمين)، وان النظام الغربي مثال يجب احتذاؤه
إنما هو اعتقاد لاتصدقه الحقائق، وهو ناتج عن التعليم الاستعماري والدعاية
الغربية. وقد أوجد هذا الانطباع الاعلام الغربي نفسه ([9]). ويؤيد هذا ما تقوم به وكالة إعلام
الولايات المتحدة من تنظيم رحلات لعدد من الصحافيين في العالم الثالث الى المؤسسات
الاعلامية في الغرب ليطلعوا بأنفسهم على الحرية الاعلامية ،وتستغرق هذ الرحلة
شهراً يزور فيها المدعون كبرى الدور الصحافية الأمريكية، والمؤسسات الأمريكية
الاعلامية. وهذا مما يمكن أن نطلق عليه (الاعلام الاقناعي)
ج-
أشارت الدراسة الى صلات فعلية بين وكالة الاستخبارات ورؤساء تحرير كبرى المطبوعات
الأمريكية.
د-
تجنيد أساتذة جامعات لتأليف الكتب، وقد أورد الدكتور ظفر مثال الأستاذ الجامعي
الذي تقاضى مئة وخمسةآلاف دولار لتأليف كتاب حول الشرق الأوسط.
وقد تحدث الأستاذ محمد صلاح الدين (رحمه الله) في
زاويته اليومية في جريدة المدينة المنورة عن كتاب ظهر في أمريكا حول الفساد
السياسي والاقتصادي وتضمن بحوثاً تزعم ان الفساد مفيد لدول العالم الثالث. فهل
يعقل أن يرى أحد مصلحة في الفساد؟ الاّ فاسد أو مدفوع له لترويج الفساد.([10])
من آثار الفكر الاستشراقي
ظهرت في العالم العربي الاسلامي اتجاهات
فكرية ما كان لها ان تظهر لولا التأثير الاستشراقي، وأصحاب هذه الاتجاهات تأثروا
بلا شك من قريب أو بعيد بهذا الأسلوب
الفكري أو لعل بعضهم وجد أن هذه هي البضاعة الرائجة أو هي الموجة الكاسبة فركبها
لتحقيق مكاسب دنيوية من جاه ومال. وربما يكون الجهل بالحق هو السبب في تبني هذه
الأفكار، ولذلك فمن الواجب أن يدور الحوار بين كافة الاتجاهات بحرية ونزاهة تامتين
لنصل الى الحق الذي هو غاية كل من يروم مصلحة أمته وإنقاذها من داء التبعية للغرب
.
وفيما يأتي بعض القضايا التي تعبرعن هذه
الاتجاهات الفكرية .
تقليد
الإعلام الغربي في التهجم على الاسلام
والحركات الاسلامية.
إن تقليد وسائل الاعلام الغربية في البلاد
العربية الاسلامية للإعلام الغربي في محاربة الحركات الاسلامية امر واضح جداً؛ ذلك
أن معظم وسائل الاعلام العربية الاسلامية حكومية أو شبه حكومية، وكثير من هذه
الحكومات يرى العدو الأول لها هو هذه الحركات الاسلامية قبل الجهل والمرض والفقر
وقبل العدو الخارجي. ولمـّا كانت وسائل الاعلام الغربية تخضع الى حد كبير للتوجه
الصهيوني المتعصب لكل ما هو اسلامي فينعكس هذا بالتالي على وسائل إعلامنا.
ويمكن أن نجد هذه التبعية في تلميع الرموز
العلمانية في العالم العربي الاسلامي في
الوقت الذي تبذل فيه هذه الوسائل كل الجهود للتعتيم على النشاطات الاسلامية أو
الكتّاب الاسلاميين. أوحتى اختلاق التهم لهم حتى إن رئيس تحرير إحدى الصحف نعت أحد
رموز الحركة الاسلامية في بلد عربي مسلم بأنه (يلعب بالبيضة والحجر). أما الكاتب
العلماني فيحتفى بما يكتب وتبرز أخباره ونشاطاته ومواقفه. وقد يصنع له مجداً من
الورق، فهو الأستاذ الجهبذ والعالم النحرير والعلامة الذي لم يأت أحد بمثل ما أتى به،
وغير ذلك مما أخذناه عن الاعلام الغربي بخاصة في الحملات الانتخابية المدفوعة
القيمة، والتي تستخدم آخر نظريات علم النفس الإعلامي والاعلام الإقناعي .
و بالرغم من أن الأمثلة على هذا التوجه تفوق
الحصر لكننا سنقدم نماذج فقط لهذا الاتجاه. فقد كتب الدكتور عبد العزيز الزهراني
يعلق على التغطية الاعلامية لحادثة أكلاهوما في الصحافة العربية الاسلامية بقوله: "وبعض
وسائل الاعلام العربية أدت دورها التقليدي كالعادة فأخذت دور الببغاء ورددت
تحليلات وسائل الاعلام الأمريكية والغربية ،وهذه الببغائية أضحت أكثر أذى وضرراً
من الاعلام الآخر.. ويضيف الزهراني :"نعم لقد طالعتنا صحف عربية بربط الخبر
أو الحدث بأصوليين مسلمين، إحدى تلك الصحف أرادت أن تصحح الخطأ فنسبت الجريمة إلى
أصوليين محليين اي من داخل أمريكا."([11])
وفي مقالة للكاتب اللبناني وليد نويهض بعنوان
:"هل تعلمنا من المحرقة؟" وفيه يتحدث عن ان الاعلام الغربي أصبح ضالعاً
في اتهام الاسلام بأنه دين الارهاب والقسوة، ويعامل المرأة باحتقار. ..ويضيف هذا
المشهد بدأ إعداد المناخ الأيديولوجي له منذ العام 1989 تركز على المسلم بصفته صنو
الارهاب وربيب الاجرام والوحشية والتخلف..ويستشهد نويهض بمقالات لكتاب في صحيفتي
الاندبندنت والديلى اكسبرس البريطانيتين.
وليست الخطورة في نظر نويهض قاصرة على وجود
هذه الأفكار في الصحافة الغربية بل في انتقالها الى الاعلام العربي الاسلامي حيث
يقول:" والأخطر من تلك المقالات المنشورة بلغات أوروبا قيام بعض نخبنا
بترجمتها ونقلها الى اللغة العربية وإعادة نشرها نشراً مجدداً بتوقيع أسماء عربية
..وتدعي ان تلك الأفكار من تأليفها".([12])، والخطورة التي يراها نويهض أنها تهيء
المسرح العالمي لضرب العرب والمسلمين فكل المبررات موجودة. ويقصد نويهض أن ما حصل
لليهود من ضرب في العالم الغربي كان المسرح الغربي جاهزاً له، وإن كان حجم الضربة
هو المختلف فيه .وقد أشار سالم المراياتي الى فكرة الاعداد لضرب العالم العربي والاسلامي وكيف ان الحركة الصهيونية هي التي تتولى ذلك في الاعلام الغربي عموما
،وفي الاعلام الأمريكي بصفة خاصة.
ومن
النماذج التي أثارت ردود فعل في الصحافة المحلية ما كتبه عبد الله أبو السمح تحت
عنوان (غارة وهمية) نفى فيه وجود عداء من الغرب للإسلام والمسلمين .فقد قال أبو
السمح في مقالته "إنه كلما ألمّ بإحدى الدول أو إحدى الجماعات أو الأقليات الإسلامية مشكلة أو أزمة تناولت بعض الأقلام ذلك في مناحة عظيمة انفعالية متهمة
دول "الكفر" بأنها السبب المباشر وغير المباشر في مأساة
إخواننا.." ويرى أبو السمح أن أسباب هذه المقولة الخاطئة الزعم بوجودغارة
وهمية على العالم الاسلامي من دول الكفر.. والحقيقة -في نظره- أنه لايعادي
المسلمين الاّ المسلمون أنفسهم. ولاعدو لهم الا جهلهم وتخلفهم ونزعاتهم .."
ويضيف:" واما تجهيل العقول بالقول إن هذه هجمة صليبية أو حرب ضد الأمة فذلك
قول مردود وعذر العاجزين الذين لا يكلفون أنفسهم مشقة البحث والتقصي في جذور
المشكلة."([13])
وقد تناول هذه المقالة بالرد كل من الدكتور
عبد الواحد الحميد - الذي كانت مقالته عن هجمة روسيا الوحشية ضد الشيشان هي التي
أثارت أبي السمح لكتابة مقالته- والدكتور عبد القادر طاش والدكتور صالح كريّم، وكاتب
هذه السطور فإن هذا الموضوع يحتاج منّا الى وقفة متأنية. فهل حقاً إن المسلمين لا
يتعرضون لمؤامرة صليبية ،وأنه ليس للمسلمين عدو إلاّ أنفسهم؟
إن مراجعة تاريخ الأمة في القرنين الماضيين
منذ بدأ الاحتلال الأوروبي - الذي يطلق عليه خطأً الاستعمار-ومؤامرات الغرب لا
تتوقف، وكانت موجودة قبل ذلك. ولكن ما نعانيه اليوم معظمه من فعل الاحتلال
الأوروبي الذي خرج مطروداً بالجهاد. ولكنه لم يقبل الخروج حتى زرع من أبناء الأمة
من تحمل عنه مسؤوليته لاستمرار نفوذه ورعاية مصالحه.وقد قيل عن فرعون انه أخطأ
لمـّا أعمل القتل في بني اسرائيل فقد كان يمكن أن يكفيه مؤونة المجازر أن لو أقام
معاهد او مدارس يستطيع من خلالها السيطرة عليهم، وكانت طريقة الاحتلال الأوروبي أن
فتح عدداً قليلاً من المدارس وأدخل فيها بعض أبناء البلاد المحتلة فتخرجوا على
الصورة التي يريد، وزيادة فربح مرتين بالرغم من أن خروجه قد كلفه كثيراً في بعض
الأحيان كما حصل في الجزائر.
وأما رد الدكتور عبد الواحد الحميد فقد تضمن
التأكيد على ان مواقف الغرب واضحة وصريحة في عدائها للأمة الاسلامية ،ومن ذلك موقف
الروس المؤيد للصرب الأرثوذكس، وأشار الدكتور الحميد الى مقالات فريد هاليداي (رئيس قسم العلاقات الدولية في كلية العلوم الاقتصادية والسياسية بجامعة لندن)
والتي يشير فيها الى افتعال الغرب للأساطير والمفاهيم المغلوطة حول
الاسلام. واستشهد الدكتور الحميد أيضاً بما جاء في كتاب ريشارد نيكسون الفرصة
السانحة أو انتهزوا الفرصة الذي قال فيه :"لا توجد دولة ولا حتى الصين
الشيوعية تحظى بصورة سلبية في الضمير الأمريكي كما هو الحال بالنسبة للعالم
الاسلامي."([14])
وقدم الدكتور عبد القادر طاش استشهادات أخرى
تؤيد ما جاء في مقالة الدكتور عبد الواحد الحميد ومن ذلك قوله:" ونظراً
لمتابعتي المتواصلة لكثير مما يكتب أو ينشر حول هذا الموضوع[عداء الغرب للإسلام
والمسلمين] أود أن أؤكد وبكل اطمئنان أن هذه الحملة الجديدة ليست مجرد أقوال عابرة
تنتشر هنا وهناك بل هي -في التحليل النهائي- تؤسس رؤية استراتيجية خطر يمكن أن
يتبناها كثير من المفكرين والموجهين السياسيين وصانعي السياسات ،وهذه الرؤية متى
ما ترسخت وعششت في أذهان هؤلاء فإن نتائجها علينا ستكون وخيمة ومدمّرة."([15])
حوار
أم مواجــهة
ظهرت موجة من الكتابات تدعو الى الحوار بين
الاسلام والغرب، وقد حاول بعض المسؤولين الأمريكيين تزعم هذا التيار بخطب ومحاضرات
هنا وهناك. ومن هذه الكلمات محاضرة ادوارد دجيرجيان حينما كان مساعداً لوزير
الخارجية لشؤون الشرق الأدنى، وكان ملخص آرائه ما يأتي:
--
إن الغرب أو أمريكا لا ينظرون الى الاسلام على أنه تهديد للغرب كالمذاهب الفكرية
التي تنتهي بالأحرف ISM
.
--
عدم الرغبة في فرض نموذج "صُنِع في الولايات المتحدة" على البلاد الأخرى
مع اعتزازنا بالقيم والتقاليد الأمريكية.
--الاختلاف
مع اولئك الذين يغلفون دعوتهم بطابع ديني أوعلماني ويمارسون الارهاب، ويضطهدون
الأقليات، ويدعون الى التعصب وينتهكون حقوق الانسان ويسعون الى تحقيق ذلك من خلال
وسائل عنيفة.
--
الحذر من الذين يستعملون العملية الديموقراطية للصعود الى السلطة فقط كي يدمروا
العملية الديموقراطية ذاتها.(وثيقة مرفقة بأحد أعداد مجلة المجال )
وقد أصدر مركز إعلام الولايات المتحدة كتيباً ضمّ عدداً من المحاضرات والخطب والتصريحات لكبار
المسؤولين في الحكومة الأمريكية بقصد توضيح علاقة الولايات المتحدة بالاسلام
والعالم الاسلامي .ومن الذين تناولوا مسألة نظرة أمريكا للإسلام نائب وزير الخارجية لشؤون الشرق الأدنى
توني فيرستاندق Toni G. Verstandig
في محاضرة له في رابطة الأمن القومي الصناعي يوم
22 مارس 1994 حيث أكد في محاضرته على مسألة مهمة هي: حماية مصالح أمريكيا الحسّاسة
بوسيلتين :أمن حلفاء أمريكا، والتدفق النفطي بأسعار مستقرة.
وتضمن الكتب أيضاً كلمة نائب رئيس الجمهورية
البرت آل غور في المركز الاسلامي بواشنطن العاصمة يوم 10 يوليه 1994، وكلمة روبرت
هـ . بللاترو Robert H. Pelletreau في ندوة حول سياسة أمريكا تجاه الصحوة الإسلامية في 26 مايو 1994
.
ويمكن تلخيص الموقف الأمريكي من الاسلام
والمسلمين في النقاط الآتية كما جاءت في كلمات نائب وزير الخارجية (روبرت
بللاترو):
1-
تحقيق سلام دائم وعادل بين اسرائيل وجيرانها.
2- المحافظة على أمن اسرائيل وصحتها.
3-
إطار للأمن في الخليج يعطي أمريكا والغرب حق الوصول إلى مصادر الطاقة التي نعتمد
عليها، وما تزال تعتمد عليها الأمم الصناعية.
4-
عدم تسرب اسلحة الدمار الشامل والسيطرة على انتفال الأسلحة.
5-
المشاركة السياسية واحترام حقوق الانسان الأساسية.
6-
إنهاء الإرهاب المؤيد من الحكومات وأشكال الارهاب الأخرى.
7-
تشجيع التطور الاقتصادي والنمو الاجتماعي من خلال التخصيص (أو الخصخصة) وسياسة
السوق.
وتناول بللاترو مسألة الأصولية وأشار الى خطأ
المصطلح وان الأصولية تطلق على ظاهرة متعددة الأشكال. وأشار الى وجود جماعات
اسلامية شرعية ومسالمة ومع ذلك فهناك مجموعات اسلامية تتصرف خارج القانون والذين
يستخدمون العنف لتحقيق أهدافهم وهؤلاء يستحقون أن يطلق عليهم متطرفين ([16]).
ويمكن أن نضيف ان أكثر من مسؤول منذ دجيرجيان
أشار الى احترام الولايات المتحدة الأمريكية للإسلام وأنه دين عظيم أسهم في تطور
البشرية، وأن الغرب قد بنى حضارته مستفيداً من منجزات العلماء المسلمين. وذكر
بللاترو أن الحكومة الأمريكية تشجع
المعاهد التي تعمل من أجل تفاهم بين الغرب والاسلام وذكر من هذه المعاهد
مكتب التفاهم الاسلامي النصراني في واشنطن ،ومركز هارفارد لدراسات الشرق الأوسط
وغيرهما.
يلاحظ أن معظم الآراء التي وردت في هذه
الكلمات والمحاضرات إنما هي من طرف واحد،
هدفها الأول رعاية مصالح الولايات المتحدة ،والسلام الذي ترغب الولايات
المتحدة في فرضه في منطقة الشرق الأوسط. والولايات المتحدة هي التي تحدد الحركة
الاسلامية أو الجماعة الاسلامية الخارجة عن القانون أو التي تعمل ضمن القانون. ولم
يشر أي من المتحدثين عن الجهات التي تعمل في المجتمعات الغربية لتشويه صورة
الاسلام والمسلمين، فغالباً ما يوجه اللوم الى الجماعات الاسلامية التي لا يمكن
الوثوق بها فغرضها الوحيد-بزعمهم- الوصول الى الحكم، ومحاربة الحضارة
الغربية.
وللرد على هذه الدعوة للحوار والتفاهم لا
بد أن نشير أولاً الى أن الاسلام لايبدأ
أحداً بالعداء، بل إننا نرى أن من واجبنا العدل معهم وبرهم إن كانوا مسالمين أو في
عهد وسلم مع المسلمين عملاً بقوله تعالى: {لاينهاكم
الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا
إليهم } ([17]) ومما يقول القرطبي في تفسير هذه الآية
:" هذه الآية رخصة من الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا الممؤمنين ولم
يقاتلوهم "([18]) ولكن الآية التالية توضح من الذين
يستحقون أن يقاتلوا {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وظاهروا على
إخراجكم أن تولوهم، ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون} ([19]) ولا حاجة لمزيد من التفسير لهذه
الآيات فإن الواقع واضح لكل ذي عينين بصير .
أما الأمثلة التي أود إيرادها هنا فقد جاءت في
تقرير صادر عن دار الصياد اللبنانية (ليس صادراً عن جهة مسلمة). يبدأ التقرير بالحديث عن وسائل الغرب في معاداة الإسلام
فيوجزها فيما يأتي:
1-
نظرة الغرب المتعالية الى العالم الاسلامي (ومعه الى جميع أنحاء العالم النامي)
ولكن هذا التعالي لا يمنعه من السعي المستمر الى اصطياد الأدمغة والمواهب
والكفاءات البارزة في العالم الاسلامي. و"يحاول دائماً وبشكل علني ومفضوح أن
يجرده من أسباب قوته أو يعمل على تبديدها" ويفسر التقرير مسألة هجرة الأدمغة بقوله: "ومن مظاهر الاستغلال
الاقتصادي أيضا اصطياد الأدمغة فدول الغرب تستقطب سنوياً أعداداً غير قليلة من
أصحاب الدرجات العلمية العالية والمهارات التقنية الرفيعة التدريب، مما يحرم بلدان
العالم الثالث إجمالاً والعالم الاسلامي تحديداً من مهارات وكفايات يحتم أن تسهم
كثيراً في تقدمه علمياً وفنياً وإنسانياً."
أما الجانب الآخر الذي يظهر فيه عداء الغرب
فهو" ترويج الغربيين لأخبار الشقاقات والمناكفات داخل كل من الدول الاسلامية
والدول الأخرى، كذلك تعمل أحياناً بطرق خفية أو معلنة على إذكاء نار الخلاف أو
النزاع والصراع في هذا الجزء أو ذاك من العالم الاسلامي، وهذا ما يجعل الدول
الاسلامية تنفق موازنات ظائلة على شراء الأسلحة من البلدان الغربية لتستخدمها في الأمن
الداخلي لقمع المواطنين، أو يظل قسماً كبيراًً من هذه المعدات في المخازن دون
استعمال فعلي لعدم توافر العناصر البشرية القادرة على تشغيله
بكفاية " ([20])
أما بالنسبة لإثارة النزاعات فقد كتب جهاد
الخازن (نصراني) حول هذه المسألة تحت عنوان (استراتيجية كبرى لزعزعة استقرار الشرق
الأوسط) يقول: "ويروج المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن وزبيغنو
بريجنسكي وآخرون لفكرة "هلال أزمة" جديد يمتد من المغرب الى الاتحاد
السوفياتي السابق ..وإذا كان لنا ان
نستفيد من درس "هلال الأزمة" السابق فهو أن الولايات المتحدة خلقت
الأزمة أو الأزمات التي تريد حلها" ويختم الخازن مقالته بقوله:" وإذا
قدر للاستراتيجية الكبرى أن ترى النور فسيدفع العرب ثمنها تدفعه الأنظمة والشعوب
على حد سواء. ولعل العرب يرتفعون يوماً الى مستوى التحدي ويراجعون حساباتهم منذ
توقيع اتفاق المبادىء الفلسطيني -الاسرائيلي."([21])
ثانيا:
هل يمكن للحوار أن ينجح بين المسلمين والغرب؟
إن الحوار مبدأ أساسي من مبادىء الدين
الاسلامي كما جاء في قول الله عز وجل{ادع الى سبيل ربِّك بالحكمة والموعظة الحسنة ،وجادلهم
بالتي هي أحسن}([22]) بل يصل بالمسلم التجرد للحق أن يبدأ
مع الطرف الآخر من قاعدة المساواة التامة بالرغم من علمه أنه على الحق وذلك كما
جاء في قوله تعالى{وإنا أو إيّاكم لعلى هدى أو في ضلال مبين}([23]) فكيف يكون الحوار والغرب مصاب بعقدة
مزمنة من التعالي والتعصب لفكره، وقد أصابته القوة التي وصل اليها بشيء من الغطرسة.
وقد كتب الدكتور عبد القادر طاش رحمه الله حول مسألة
التعالي والتعصب عند الغرب في سياق حديثه عن العوامل التي أسهمت في تكوين الصورة
النمطية في وسائل الاعلام الغربي:" يستولي على الغربيين شعور عميق بالتفوق
العنصري على غيرهم من الأجناس البشرية ..إن هذا الشعور بالتفوق العنصري يعد
عنصراً هاماً من عناصر التكوين النفسي والفكري للغرب وقد ترسخ هذا الشعور في
المجتمع الأمريكي بشكل واضح في نهاية القرن التاسع عشر."([24])
وقد أصدر قدري قلعجي كتاباً بعنوان:امريكا
وغطرسة القوة قدّم فيه كثيراً من الشواهد والأدلة على نظرة الاستعلاء هذه من خطب
ومحاضرات الزعماء والمفكرين الأمريكيين بخاصة والغربيين بعامة. ومن ذلك تصريح جورج
مارشال: "إن علينا إذا أردنا تحقيق ما نجرؤ عليه من الآمال في السلم أن نفرض
إرادتنا بالقوة في السلم (الحرب)"([25])
نعم الحوار مطلوب لأننا الطرف الأضعف
ولعل محاولاتنا للحوار تكون من باب التخذيل او محاولة الوصول الى الثغرات. ولما
كان من دعاوى الغرب أنه يريد الحوار فليكن اتفاق على أسس الحوار: ومن أول أسس الحوار الاتفاق على المصطلحات فإن
الاعلام الاسلامي في غالبه يخلو من عبارات التجريح والطعن في الغرب بينما لايكف
الاعلام الغربي وحتى كبار المثقفين والأكاديميين عن استخدام مصطلحات لاحقيقة لها
ولا يصح اطلاقها على الحركات الاسلامية أو المسلمين عموما. وأبرز هذه المصطلحات هي
(الأصولية) وبالرغم من ان الكتابات الاسلامية التي ترفض مصطلح الأصولية كثيرة فإنني
أختار منها ما كتبه سعيد سلمان حول حرب النعوت والألقاب: "إن الأصولية
الأصلية الآتية من بيئتها هي حركة محافظة في البروتستانتية الأمريكية انبثقت من
حركة الألف سنة (حركة يعتقد أصحابها أنه سيأتي زمن تعم فيه السعادة والازدهار كافة
البشرية) التي ظهرت في القرن التاسع عشر وتركز على أن أساس المسيحية يقوم على
التفسير الحرفي للنصوص الدينية وعصمتها المطلقة.." ويفسر سبب إطلاق هذا
الاسم على الحركات الاسلامية الداعية الى العودة الى الاسلام بأن ذلك "من
مظاهر الحروب وسمات الصراعات بين الحضارات والثقافات.. والحرب النفسية وأبرز
علاماتها حرب النعوت والأوصاف والمصطلحات" ويقول في نهاية مقاله:"إن
الحروب الصليبية التوراتية لم تنته ولن تنتهي فإن انهيناها نحن بتسامح الاسلام لم
ينهوها هم بنفوسهم الوارثة لأحقاد الصليبية ،ومن ظن غير ذلك بعد وضوح الأدلة فقد
فَقَدَ عقله."([26])
أما الباحث الآخر الذي يشارك في رفض هذا
المصطلح فهو سعيد جواد الذي يقول: "لم يطلق هذا المصطلح على الجماعات
المسيحية المتطرفة مثل كوكلاس كلان، ولذلك فالمصطلح في أصله مسيحي لا معنى له عند
المسلمين لأن الأصولية في الاسلام هي الرجوع للأصول والقواعد التي يبني عليها علم
من العلوم كما جاء في أصول الفقه وغيره." ويوضح ذلك بقوله: "والاسلام لا
يؤمن بالعصمة الحرفية كما يشير لها المصطلح النصراني ،والاسلام لا يجيز العنف
والارهاب الذي يؤدي الى القتل والإضرار بالأبرياء." ويسنتج جواد من ذلك
:"إذاً الحركات الإسلامية عموماً لا تمت بأي صلة الى مصطلح الأصولية، كما
لا يمكن تعميم المعنى الاعتيادي الذي يقصد به من المصطلح وهو التطرف والارهاب على
الحركات الاسلامية عموماُ."([27])
وأما الشرط الثاني في الحوار فهو أن عليهم
أن يتخذوا موقفاً حازماً من سفهائهم وسفهائنا الذين بين ظهرانيهم فيضربون على
ايديهم وألسنتهم فلا تمتد بالسوء الى عقيدتنا ونبينا صلى الله عليه وسلم، فلا
يزعمون أن مافعله أمثال سلمان رشدي وتسلميه نسرين
وغيرهما إنما هو من باب حرية التعبير فإن كانا ينتميان الى المسلمين كما
يزعمان فنحن أولى بتأديب المارقين عن
ديننا. فحرية الاعتقاد التي جاء بها
الاسلام وتفيأ بظلها أتباع الملل الأخرى لم يسبقه إليها دين او معتقد، ولا يماثله
حتى في الوقت الحاض أي تشريع، ولكن الاسلام يرفض التعرض بالطعن والتجريح والشتم
لعقائد الآخرين {و لا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدواً بغير
علم..الآية}([28])
أما بالنسبة لإعلامهم وأنهم لا يستطيعون
السيطرة عليه لأن في ذلك مخالفة للمادة الأولى من الدستور الأمريكي مثلاً ومواد
مشابهة في الدساتير الأوروبية. فليس من شك عندي أن مصلحة الغرب تقدم على هذه
المواد إن لزم الأمر. ويلاحظ أن الإعلام الغربي كان دائماً وأبداُ يتمشى مع سياسات
الحكومات الغربية. فلماذا لا تعارض سياسات الحكومات الغربية الاساءة للاسلام والمسلمين؟
وقد أدرك هذا الأمر كثير من الباحثين المسلمين
وغير المسلمين وفيما يأتي بعض الأمثلة على ذلك: فقد كتب سعيد جواد قائلاً:"
وعموماً فإن صورة الاسلام والحركات الاسلامية عموماً وليس حصراً قد تعرضت لكثير من
التشويه والغبن بوصفها بكلمات لها ازدواجية المعنى أو غير وواضحة المعنى."([29])
ونقرأ لصلاح الدين حافظ حول هذا الموضوع قوله:"لقد بالغت وسائل
الاعلام [الغربية] في بث وترويج هذه
النظرية [أن الاسلام هو العدو المحتمل للديانة اليهودية وللحضارة المسيحية
الغربية بعد سقوط العدو الشيوعي] بدرجة أصبح الإسلام في نظر كثيرين خصوصاً تحت
تأثير التركيز الاعلامي والاستمرار الدعائي هو الدين العدواني، دين العنف والارهاب
والتعصب وكراهية الآخرين" ويرى صلاح الدين حافظ ان هذا الموقف "لا
يساعد على إشاعة روح المحبة والسلام والتفاهم بين الأديان الكبرى ،إنما على العكس
ينمي الصراع ويسعل العداء والتطرف على كل الجبهات."([30])
وعلى الغرب إذا أراد الحوار ان يدرك أن
ثمة جهات خارجية لها دور في إثارة العداء وتأجيجه وهذا ما قدمة سالم المراياتي في
مقالة له نشرت في مجلة أمريكية أورد فيها نماذج من الجهود التي يبذلها يهود صهاينة
لإثارة الغرب ضد الاسلام ومنها كتاب " أمريكا هي الهدف"(Target America) من تأليف يوسف بودانسكي Yossef Bodansky الذي يثير فيه رعب أمريكا من الحركة
الاسلامية المسلحة، ويضيف المراياتي ان ما جاء في كتاب بودانسكي إنما هو صدى لما
جاء في كتاب بنيامين نتياهو (مكان بين الأمم :اسرائيل والعالم) والذي يصرح فيه ان
الهدف المنشود للأصولية الاسلامية هو هزيمة العالم الكافر من خلال الجهاد. ويستشهد
المراياتي بكتاب للدكتور جاك شاهين الذي يقول فيه إن الدعاية المضادة للعرب
والمسلمين تشبه الصورة النمطية في الحقبة النازية عن اليهود بأنهم : " ظلاميون ،ومغرمون بالجنس وطفيليون." وأشار المراياتي أيضا الى جوديث ميلر وغيرها ممن لاهم لهم الاّ إثارة عداء
أمريكا ضد الاسلام والمسلمين.([31])
وقد صدر كتاب بالفرنسية بعنوان (خطر إسلامي) (Un
Peril Islamiste?)، وهو عبارة عن مجموعة من البحوث لعدد
من المستشرقين المشهورين منهم ماكسيم رودنسون، وفريد هاليداي، وأوليفيه روا. ومما
يهمنا هنا وجهة نظر هاليداي الذي يري أن اسرائيل هي المحرض على توتير العلاقات بين
الاسلام والغرب إلى أقصى درجة، وكما يقول هاليداي: "وبذلك تصيد عصفورين بحجر، فبتوتير
العلاقات تنقطع صلة العرب عن الحداثة.. فتحديث المجتمعات العربية هو مصدر خطر
حقيقي" والأمر الآخر هو "بتصويرها نفسها على انها جسر متقدم للغرب في
قلب العالم الاسلامي المعادي له تضمن لنفسها أكبر قدر من تعاطف الغرب في المهمة
الجيوبوليتكية التي تضطلع بها منذ قيامها كحصن "حضاري" متقدم يرد عنه
خطر " البرابرة " الجدد .([32] )
ومن شروط
الحوار احترام الطرف الآخر والتعامل معه بندية، ولكن الاعلام الغربي عادة
ما يتجاوز هذه الشرط إذا تعلق الأمر بالمسلمين ،وقد قدمت مثالين لذلك في مقالة في
جريدة المدينة المنورة" بعنوان (نحاورهم إذا احترموا الحوار) أحدهما
من مجلة التايم الأمريكية حين وضعت رسماً زعمت أنه للرسول صلى الله عليه وسلم
واعترض بعض المسلمين الأمريكيين فما كان من المجلة إلاّ أن ردت رداً سيئا وهو قول
المجلة: "ومع أسفنا أن المقال كان دون توقعاتكم فإننا نقدر ملاحظاتكم المخلصة
.. وبالرغم من هذا فإن محرري المجلة
يشعرون بالثقة بأنهم يقدمون تغطية تتميز بالدقة والتوازن لكل الموضوعات
التي يتناولونها ...ومع ذلك فإن شعرتم بإن تغطيتنا ظلمتكم أو ظلمت الاسلام أو معظم
المسلمين فإننا آسفون لذلك." وعلقت نشرة تصدر في الولايات المتحدة على ذلك
بقولها: "إن هذا لا يعني سوى قولهم "نحن آسفون لأنكم لم تحبوا ما
قدمنا لكم، لكننا لسنا مخطئين فنحن نفعل هذا دائماً وسنواصل عمله."([33])
وأما المثال الثاني فهو مجلة ريدرز دايجست فهي
مجلة شعبية من مبادئها الأساسية أن لاتتناول عقائد الشعوب بالطعن والتجريج ولكنها
كتبت أكثر من مقالة فيها تشويه كبير لصورة الاسلام والمسلمين وتزعم أن المسلمين قد نقلوا الارهاب الى
الولايات المتحدة.وهما في العددين ديسمبر 1993 ويناير 1995 .
ثالثاً: هل الغرب يجهل
الاسلام والمسلمين حقاً؟ هذا السؤال تحتاج
الاجابة عليه الى بحث منفصل طويل نأتي فيه على عمق العلاقات بين العالم
الاسلامي والغرب منذ الحروب الصليبية منذ كتاب أسامة بن منقذ الاعتبار الذي وصف
فيه الصليبيين وصفاً دقيقاً منطلقاً من المعايير الاسلامية الى كتابات رافع رفاعة
الطهطاوي الذي امتلأ اعجاباً وانبهاراً بالغرب. الى كتاب سيد قطب الذي ضاعت أصوله
أمريكا التي رأيت ولكن بقيت منه فقرات ضمنها سيد كتابه الرائع الظلال وغيره من كتبه.
هل الغرب يجهلنا وقد عاش الملايين من أبنائه
في احتلالهم الاستيطاني وغير الاستيطاني في البلاد العربية الاسلامية. وعرف الغرب
المسلمين عن طريق الملايين من المسلمين الذين يعيشون بين أظهره إقامة مؤقتة او
إقامة دائمة.
كيف يجهلنا الغرب وهذه الآلاف من الرسائل العلمية التي قدمها أبناؤنا في كلياته وجامعاته
وفيها من العلومات ما يصعب على أكبر الخبراء الغربيين الوصول اليه وجعلناها سهلة ميسورة من أجل الألقاب العلمية التي يمن
بها على بعض طلابنا. كيف يجهلنا الغرب وهذه مؤتمراته وندواته يحتشد فيها بعض
الباحثون من العرب والمسلمين ليقدموا البحوث والدراسات قليل منها منهجها الدعوة
الى الله وكثير منها مجرد معلومات يحتاجها الغرب ليواجهنا بها؟
كيف يجهلنا الغرب وهؤلاء الباحثون من المؤسسات
العلمية الغربية ومراكز البحوث تبعث بالباحثين إلينا لدراستنا في عقر دارنا. وقد
يتعجب الانسان من باحث أوروبي يأتي قاطعاً الفيافي والقفار لسماع بعض الآراء التي
قد يعرفها سلفاً. فقد استضافت وكالة إعلام الولايات المتحدة في السنة الماضية أكثر
من ثلاثة مستشرقين او باحثين في منطقة الشرق الأوسط وأقامت لهم الدعوات ودعت بعض
الشخصيات العلمية والإعلامية للتحاور معها ومن هؤلاء ال. سي. بــــراون Leon
Carl Brown مدير برنامج دراسات الشرق الأوسط بجامعة
برنستون، وجوزف كششيان من مؤسسة راند ومركز دراسات الشرق الأوسط بجامعة كاليفورنيا
بلوس أنجيلوس، وجون استبوزيتو الذي كان أستاذا بكلية الصليب المقدس وانتقل إلى
مكتب العلاقات الاسلامية النصرانية بجامعة جورج تاون بمدينة واشنطن العاصمة والذي
أصبح اسمه مركز التفاهم بين النصرانية والاسلام.
كيف يجهلنا الغرب وهؤلاء مندوبي مكتبة
الكونجرس الأمريكية يتجولون في المكتبات والجامعات ودور النشر يلتقطون كل ما يصدر
عنّا من انتاج فكري حتى دواوين الشعر العامّي الذي يطلق عليه البعض الشعبي أو
النبطي،ويدرسون هذه الكتابات ثم إذا راقتهم طلبوا مزيداً من النسخ. ولا يفوتهم
أيضاً ما يكتب في عالمنا الاسلامي في الصحافة اليومية التي نقول نحن عنها إنها
(كلام جرايد) ولكنهم يدرسونه .فهل بعد هذا يحق لههم أن يقولوا إنهم يجهلوننا؟
وبالرغم على كل ما قدمنا عن ادعاء الغرب
جهله بالعالم الاسلامي او الحركات الاسلامية التي يطلق عليها الأصولية فها هو وزير
الدفاع الأمريكي روبرت مكنمارا يصرح بذلك في كلمة له قبل أسابيع في مركز كارتر في
أتلانتا (5 مايو 1995) جاء فيها ( إن إدارة الرئيس كلينتون لا تعرف الكثير عن
الأصولية الاسلامية، واضاف إن الرئيس لن يزداد علماً إذا سأل وزير الخارجية وارن
كريستوفر أو وزير الدفاع وليام بيري فوزارتاهما لاتستطيعان أن تقدما تقارير وافية
عن طبيعة الأصولية الاسلامية وأهدافها في السياسة الدولية."([34])
وقد سبق جون اسبوزيتو مكنمارا بعدة سنوات
في افتراض جهل الغرب بنا في ندوة عقدت عبر الهاتف بين بعض المهتمين بالعلاقات بين
الاسلام والغرب في أمريكا والسعودية فكان مما قاله اسبوزيتو: "إن من بين
الموضوعات التي اهتم بها أنا وعدد من الزملاء هو نقص المعرفة بالاسلام في الغرب، ومن
جهة أخــرى الفهم المشـوه للإسلام."([35])
[2] -
محمود حمدي زقزوق. في مواجهة الاستشراق." في المسلم المعاصر.ع65-66
،محرم-جمادىالآخرة 1413( أغسطس-يناير 1993/1994.
[3] -
المرجع نفسه
[4] -
الدكتور مصطفى حسنى السباعي. السنّة ومكانتها في التشريع الإسلامي (دمشق: المكتب
الإسلامي1396ه/ 1976م)ص 24 -25
[5] -
السيد محمد الشاهد." المواجهة حضارية...والنقد لايكفي." في المسلمون.ع 270، -11-17رمضان
1410(6-12أبريل 1990)
[6] -
السيد الشاهد. "الاستشراق ومنهجية النقد عند المسلمين المعاصرين."في الاجتهاد
،ع22 س6 شتاء عام1414/1994 ص 191-211.
[7] -
مازن مطبقاني ."نحن نفتقد الدراسات المتعمقة للنماذج الغربية." في المسلمون.ع319،
29 شعبان 1411(15مارس1991)
[8] -
هاشم صالح." عن الاستشراق وبعض أمور ثقافتنا وعقلنا" في الحياة،ع11740
، 13/11/1415(13/4/1995)
[9] -
ظفر الاسلام خان ." هل الاعلام الغربي حر حقاً.؟" في المسلمون،ع
495، 21/2/1415(29/7/1995
[10] -
محمد صلاح الدين." لاداعي لغضب الغرب." في المدينة المنورة.،ع
11726، 15/12/1415( 14/5/1995).
[11] -عبد
العزيز عطية الزهراني." كارثة أوكلاهوما بين الببغائية والواقعية" في رسالة
الجامعة ،ع 561 ، 24/11/1415.
[12] -
وليد نويهض." هل تعلمنا من المحرقة؟" في الحياة.ع 11696 ،
28/9/1415(27فبراير 1995)
[13] -
عبد الله أبو السمح." غارة وهمية."في عكاظ ،ع 10362 ،19/7/1415.
45
-
[14] -
عبد الواحد الحميد. " هل صحيح أن لا أحد يعادي المسلمين الاّ المسلمون."
في عكاظ ،ع10364
[15] -
عبد القادر طاش." هل صحيح أن المسلمين لا أعداء لهم إلاّ أنفسهم ؟" في المدينة
المنورة.ع 11598 ،30رجب 1415
[16]
-The United States of America and The
Islamic World - Official Texts , U.S Information Agency.
[17] -
سورة الممتحنة ، آية 8
[18] -القرطبي،
مرجع سابق،م9 ،ج18 ص59.
[19] -
سورة الممتحنة ،آية 9.
[20] تقارير وخلفيات:الغرب في مواجهة
الإسلاميين.نشرة صادرة عن دار الصياد (بيروت)
20أكتوبر-1 نوفمبر 1994.
[21] -
جهاد الخازن ،مرجع سابق.
[22] -
سورة النحل ،آية 152.
[23] -
سورة سبأ آية 9
[24] -
عبد القادر طاش.صورة الإسلام في الإعلام الغربي.(القاهرة:الزهراء للإعلام
العربي،1414-1993)ص114.
[25] -
قدري قلعجي. أمريكا وغطرسة القوة (بيروت:دار الكتاب
العربي،1991-1992)ص28و28و35 نقلاً عن ريشارد بارنت
[26] -
سعيد بن عبد الله سلمان." حرب النعوت والألقاب ومفهوم الأصولية بين التصحيح
والتسطيح." في الباحث، ع60، تشرين أول 1993.
[27] -
سعيد جواد ." نظرة الغرب الى الاسلام، الأصولية الاسلامية وخطأ المصطلح"
في الحياة، ع 11566، 8/10/1994
[28] -
سورة الأنعام آية 108
[29] -
سعيد جواد، مرجع سابق
[30] -
صلاح الدين حافظ." تسييس الأديان السماوية: مدخل الى تطبيع العلاقات" في
الحياة. ع 11629، 18/7/1415 (20/12/1994)
[31]
- Salem
Mirayati." The Rising Tide of Hostile
Stereotyping of Islam." inWashington Report for the Middle East.June1994,p.27
[32] -جورج
طرابيشي." الأصولية تخيف الغرب، عرض كتاب بالفرنسية بعنوان خطر إسلامي"
في الحياة ،ع 11706، 10/3/1995.
[33]
- Muslim
Media Watch Newsletter,Nov.1993.
[34] -
جهاد الخازن."عيون وآذان." في الحياة،11763،6 مايو 1995.
[35]
- Misconceptions
about Islam in the West",in The Muslim World League Journal.Vol.20.No.9,Ramadan,1413
- March 1993.
تعليقات
إرسال تعليق