هل
حقاً أنت شاكٍ؟ ومذ كم تشكو؟ وممّ تشكو؟ ولماذا تشكو؟ ولمن تشكو؟ وكيف تشكو؟ هل
الشكوى عيب؟ أو ضعف؟
إذا
كانت شاكٍ حقاً فأنت بحاجة إلى إعادة نظر فيما تشكو منه ولمن تشكو وكيف تشكو؟ فأنت
لم تصل إلى الشكوى أو إلى هذه الحال إلاّ وقد ضاقت بك الدنيا وأصبحت في حالة سيئة
لم تجد إلاّ الشكوى.
ولكن
قبل أن تشكو أريد أن أقف معك مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندما
أسلموا قابلتهم قريش بالإيذاء والاضطهاد والتعذيب. فإلى من يشكون حالهم؟ لا بد
أنهم سيشكون هذه الحال إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. فماذا قال لهم؟ هل ربّت على
أكتافهم وواساهم ببضع كلمات. ليعودوا مرة أخرى يواجهوا العذاب ويعودون إلى الشكوى.
لقد قال لهم صلى الله عليه وسلم: (إنه كان يؤتى بالرجل من
المؤمنين في العصور الماضية فينشر بمنشار من حديد فلا يزيده هذا العذاب إلاّ
تمسكاً بإيمانه.) ولم يتركهم عند هذا بل أعطاهم دفعة من التفاؤل حين أخبرهم أن هذا
الدين سوف ينتصر وتصبح جزيرة العرب بلداً آمناً تنتقل فيها المرأة من مكان إلى
مكان لا تخاف على نفسها شيئاً.
وقد
واجه الرسول صلى الله عليه وسلم موقفاً عصيباً عندما ذهب إلى الطائف وردوه رداً
قبيحاً فعاد إلى مكة وجلس يناجي ربه سبحانه وتعالى بذلك الدعاء المؤثر (اللهم إليك
أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين
وأنت ربي إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني أم إلى عدو ملكته أمري ….)
ولا
بد أن نذكر قصة الصحابية الجليلة التي جاءت تجادل الرسول صلى الله عليه وسلم في
موضوع زوجها فنـزل قول الله تعالى (قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي
إلى الله والله يسمع تحاوركما، إن الله سميع عليم) فها هي المرأة المسلمة تشتكي
إلى الله سبحانه وتعالى مما حلّ بها على يد زوجها.
نعم
لم أنت شاكٍ؟ هل ضاقت بك السبل واسودت الدنيا في عينك فأخذت تشكو كما أصبح حال
العرب المسلمين حينما ابتعدوا عن الإسلام فأصبح في الشعر العربي باب جديد يطلق
عليه (باب شكوى الحال أو شكوى الزمان) إن العرب في الجاهلية وفي صدر الإسلام لم
يعرفوا هذا الباب فقد عرفوا الغزل والنسيب والمديح والهجاء والرثاء والفخر والاعتزاز،
والدعوة إلى الإسلام لكنهم لم يعرفوا شكوى الحال. إنهم عندما ابتعدوا عن الإسلام
ساءت أحوالهم المعيشية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والأخلاقية فأصبحوا
يشكون كثيراً.
ولماذا
تشتكي حتى إذا ضاقت بك الدنيا فإن المثل يقول (الشكوى لغير الله مذلة)، ولماذا
تشكو وشكوى الخالق إلى المخلوق سوء أدب مع الخالق سبحانه وتعالى. نعم إذا أنت لم
تشكو فإنك تكون قد تحليت بخلق عظيم وهو الصبر والصبر كما جاء في الحديث الشريف شطر
الإيمان وقد قال الله سبحانه وتعالى (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) وجاء
الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم وهو سيد الصابرين (واصبر وما صبرك إلاّ بالله)
نعم
لم أنت شاك وهذا الشاعر المهجري يوجه الأنظار إلى النعم العظيمة التي وهبها الله
لنا من أرض واسعة وسماء عظيمة وحقول وأزهار. فهو يقول في قصيدته
لم
تشتكي وتقول إنك معدم والأرض
ملكك والسما والأنجم
ولك
الحقول وزهرها وعبيرها ونسيمها
والبلبل المترنم
نعم
لماذا تشكو ولماذا أنت شاك؟ إن المسلم يملك أسلحة يواجه بها أعتى الأعداء فقد ذكر
القرآن الكريم كيف أن إبراهيم عليه السلام قال حين ألقي في النار (حسبي الله ونعم
الوكيل) وإن الاستغفار أمر خطير في حياة المسلم (وقلت استغفروا ربكم إنه كان
غفارا، يرسل السماء عليكم مدراراً، ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم
أنهاراً)
فيا
أيها الشاكي قف قليلاً قبل أن ينطلق لسانك بالشكوى فإن الشكوى ضعف إيمان وابتعاد
عن الأخذ بالأسباب التي تمنع أسباب الشكوى. وإن الأمة حينما كثرت فيها الأدواء
وزادت الشكوى فإنما ذلك لأنهم ابتعدوا عن الحق سبحانه وتعالى.
وهذه
الشكوى التي تحدثنا عنها ليست الشكوى التي يتقدم بها الناس إلى الجهات الحكومية من
شرطة أو محاكم وغير ذلك فهذه أمرها مختلف فإن للناس حقوقاً قد يغتصبها من يغتصبها
فلا بد من جهة دنيوية تحاكم الظالمين، وقد ينجو الظالم أحياناً من العقوبة في
الدنيا فيا أيها الشاكي الذي لم تحصل على حقك في الدنيا اعلم أن يوم الدين تعرض
الخصومات بين يدي الملك الحق فيأخذ للمظلوم حقه من الظالم يوم لا ينفع مال ولا
بنون إلاّ من أتى الله بقلب سليم.
تعليقات
إرسال تعليق