وفي طيبة الطيبة كان اللقاء بين مليك
البلاد (الملك فهد) وأبناء طيبة فتحدث إليهم حديث الأب... حديث الأخ... حديث
المسؤول ...حديث الراعي. وكان مما تناوله في هذه الكلمة التي كانت موجهة إلى أبناء
المملكة جميعاً مكانة العلماء في الدولة فأوضح رحمه الله أن الدولة تكنُّ للعلماء كل تقدير واحترام
وأنها لا تألوا جهداً في الاستنارة برأيهم واستشارتهم فجزاه الله خيراً على ما
بيّن وأوضح.
والعلماء هم ورثة الأنبياء كما جاء عن
سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد كانت لهم دائماً المكانة السامية في الدولة
الإسلامية. وقبل أن نوضح هذه المكانة نستعرض بعض الآيات الكريمة التي حثت على
العلم والتعلم وبيّنت مكانة العلماء ثم نأتي بأمثلة من التاريخ الإسلامي لأهمية
العلماء في حياة الأمة الإسلامية.
يحث القرآن الكريم المسلمين على طلب العلم
والسؤال عنه كما جاء قول الله تعالى (وما أرسلنا قبلك إلّا رجالاً نوحي إليهم
فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) وقد جاء في الحديث الشريف (طلب العلم فريضة
على كل مسلم) وقد بيّن القرآن الكريم أن أكثر الناس خشية له سبحانه وتعالى هم
العلماء (إنّما يخشى اللهَ من عباده العلماء) والعلماء لهم مكانتهم الخاصة كما
أوضح القرآن الكريم (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقوله تعالى (يرفع
الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات)
ومسؤولية العلماء كبيرة وقد صنّف العلماء
المسلمون الكتب والرسائل في مسؤولية العلماء وفي أخلاقهم ومن هذه الكتاب كتاب
الشيخ عبد العزيز البدري الإسلام بين العلماء والحكام أوضح فيه كيف تأثر العالم
الإسلام بالغرب وتأخر دور العلماء وضرب الأمثلة من التاريخ الإسلامي عن مكانة
العلماء في الأمة وكيف كانوا هداة للحق آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر لا يخشون
في الله لومة لائم.
ومن هذه الرسائل ما كتبه الإمام المحدّث
الفقيه أبو بكر الآجرّي بعنوان أخلاق العلماء وقد قام بالتعليق عليها وتخريج أحاديثها
الدكتور فاروق حمادة وقد أعجبني من مقدمة الدكتور حمادة قوله:"وما أحوج أمتنا
الإسلامية اليوم إلى العلماء الذين يدركون مسؤولية العلم، ويعلمون مهمتهم الملقاة
على عاتقهم في الحياة فينتفضون من أوضارهم ويستيقظون من سباتهم وينطلقون للعمل
بعلمهم ورد الذين جرفتهم المادية بطغيانها منهم ويعودون بهؤلاء الذين بهرهم القرن
العشرين فنسوا تراثهم ونسوا أنهم أفضل أمة في الوجود بميزة هامة وهي الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر" أ.هـ
وقد حرص الحكّام المسلمون على تقريب أهل
العلم فقد روى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه "وكان القراء أصحاب مجالس
عمر ومشاورته" وجاء في كتاب الخراج أن عمر رضي الله عنه قال "واستشر في
أصحابك الذين يخشون الله، لأنه من ليس كذلك فلا قول له في حادثة ولا يسكن إلى
قوله" عن كتاب: منهج السنة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم
ومن الخلفاء الذين حرصوا على تقريب
العلماء والاستنارة برأيهم أبو جعفر المنصور الذي لمـّا حج بحث عن سفيان الثوري
فلما جاءه قال له: لأي شيء لا تأتينا فنستشيرك في أمرنا، فما أمرتنا بشيء صرنا
إليه وما نهيتنا عن شيء انتهينا عنه، ثم سأل سفيان الثوري الخليفة عن نفقته في
الحج، وكان الخليفة لا يدري (يبدو أنها كبيرة وهناك من يتولى الأمر) فذكّره سفيان
بما كان من عمر بن الخطاب في الحج، قال لغلامه كم أنفقت في سفرنا هذا؟ قال يا أمير
المؤمنين ثمانية عشر ديناراً، فقال له عمر، ويحك أجحفنا بيت مال المسلمين.
ولابن تيمية موقف مشهود من غازان التتاري
حينما غدر ببعض الحكام المسلمين وغزا ديارهم، فذهب إليه ابن تيمية وقال له كلاماً
قاسياً لخيانته للعهد وغدره.
وقد صنّف الغزالي العلماء إلى ثلاثة أصناف:
الأول: إما مهلك نفسه وغيره وهم المصرّحون
بطلب الدنيا المقبلون عليها.
الثاني: المُسعِدُ نفسه وغيره وهم الدعاة إلى
الله ظاهراً وباطنا.
الثالث: المُهلِكُ نفسه المُـسْعِدُ غيره
وهو الذي يدعو إلى الآخرة وقد رفض الدنيا في ظاهره وقصده في الباطن قبل الخلف
وإقامة الجاه.
وأختتم ببيت كان الغزالي رحمه الله يتمثل
به
يا معشر القراء يا ملح البلد
ما يُصلح الملح إذا الملحُ فسد.
تعليقات
إرسال تعليق