كان
لمالك بن نبي رحمه الله تعالى رأياً طريفاً في أحد مواقف المستشرقين الذين يشيدون
بحضارتنا الإسلامية وبمجدنا الذي مضى، فهو يرى أن في هذا تخديراً لنا لنرضى بالعز
والمجد الذي مضى، ـ ولا نفعل شيئاً لاستعادة هذه الأمجاد. وقد يكون محقاً في جانب
من رأيه ولكن ما فائدة التاريخ والأمجاد إن لم تكن حافزاً لبناء مجد جديد؟
قدمت
هذه الفذلكة بين يدي الحديث عن الموسوعات ودوائر المعارف، فقد تعددت دوائر المعارف
العامة حتى لا تكاد تجد أمة أو مذهباً أو عقيدة لم تجمع لها دائرة معارف عامة. فهناك
دائرة المعارف البريطانية وأخرى أمريكية ودائرة معارف كاثوليكية ودائرة معارف
بروتستانتية وبوذية... ويهودية. وهذه الدوائر كتبها أبناء تلك الأمم أو الملل.
أما
دائرة المعارف الإسلامية وما أدراك ما دائرة المعارف الإسلامية فإنها كتب بأقلام
النصارى واليهود من لا دين لهم، وإن اشترك فيها بعض المسلمين فذلك لذر الرماد في
العيون فلم يشترك مسلماً واحداً في تحريرها أو التخطيط لها.
والبحث
في دائرة المعارف الإسلامية (الاستشراقية) لا يكفيه المقالة والمقالتان ولكنه
يحتاج إلى بحوث مضنية، لكن أبرز صفات هذه الموسوعة أنها وضعت لتشويه الإسلام عقيدة
وثقافة وحضارة، إنها وضعت لتضخم نقاط الضعف والعيوب وتمر بالحسنات والمزايا مر
الكرام. إنها تعطي مثلاً أحد أقطاب الصوفية أضعاف السماحة التي تعرّف فيها بأبي
حنيفة أو الإمام الشافعي أو ابن حنبل، وتهتم بالقمل والبغال والجراد أكثر من اهتمامها
ببدر أو اليرموك أو القادسية.
إنها
دائرة معارف مغرضة من أساسها. فمتى يكون لنا دائرة معارف نكتبها بأيدينا وبقلوب
مسلمة مخلصة تقية. لقد عرفت الأمة الإسلامية دوائر المعارف المتخصصة في الفقه
والحديث والأدب وإن كانت في غالبها جهود فردية لكنها دوائر معارف تستحق أن نفتخر
بها ونعتز. ومن هذه الدوائر ما كتبه ابن النديم في كتابه ( الفهرست) ثم ما كتبه
الفارابي حين ألف (إحصاء العلوم) ثم توسع المسلمون في دوائر المعارف فكان ما كتبه
النويري ( نهاية الأرب ) و( صبح الأعشى) للقلقشندي و(مسالك الأبصار ) لابن فضل
الله العمري.
وعرف
المسلمون في القرن الماضي التأليف الموسوعي فظهرت (دائرة معارف البستاني ) في أحد
عشر مجلداً و( دائرة معارف القرن العشرين) لمحمد فريد وجدي.
فمتى
يكون لنا دائرة معارف خاصة بنا. وليس المطلوب أن نترجم دائرة المعارف الإسلامية
(الاستشراقية) ونقوم بتصحيح معلوماتها أو التعليق عليها ، وإن كان هذا الجهد يستحق
أصحابه الشكر والتقدير لأن الأصل الذي نترجم عنه لم يأخذ في الاعتبار الكتابة حول
ما يستحق الكتابة .
وما
دمنا في الحديث عن دوائر المعارف فلا بد من الإشارة إلى أن (وقف الديانة التركي)
قد أخذ على عاتقه إصدار دائرة معارف إسلامية تكتبها أقلام إسلامية مخلصة وقد
استكتبوا عشرات العلماء من أنحاء العالم الإسلامي واستجاب لهم من استجاب وتكاسل أو
تشاغل من تشاغل. وقد صدر من هذه الدائرة عدة مجلدات حتى الآن باللغة التركية ومن
المتوقع أن يتم إصدار الموسوعة باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية.
ومع حرص وقف الديانة التركي على إشراك العلماء المسلمين من شتى أنحاء العالم لكن
التخطيط والتبويب كان من عمل هيئة تركية ، ولكن لا يمكن الحكم على العمل قبل تمامه
نسأل الله لهم التوفيق والسداد.
أما
دائرة المعارف الإسلامية (الاستشراقية) فيجب أن تقوم هيئات علمية في أنحاء العالم
الإسلامي بدراستها دراسة دقيقة وتفنيد ما فيها من أخطاء وجهل وتشويه متعمد ليبطل
هذا المسمى. فلقد أصبحت هذه الدائرة مدخلاً أساسياً في دراسة الإسلام عقيدة
وتاريخاً وثقافة وحضارة. ولا بد من توجيه المقالات إلى الدوريات الاستشراقية في
أوروبا وأمريكا ليصبح واضحاً لدى القارئ الأوروبي أن هذه الدائرة لا تمثل الإسلام
ولم يرتضيها المسلمون لتمثيلهم. وفي الوقت نفسه لا بد أن يدرك الباحثون العرب
والمسلمون أن هذه الدائرة ليست كما يزعم المستشرقون أو من تأثر بهم أنها "
تتسم بالموضوعية التامة"( مصطفى شعبان جاد، العربي عدد 423 مايو 1994م) بل هي
بعيدة كل البعد عن الموضوعية.
ولن
يقوم بمسؤولية إعداد هذه الدائرة إلاّ هيئة أو هيئات علمية ذات إمكانات مادية
كبيرة وإخلاص لهذا الهدف السامي وهو أن يكون لنا دائرة معارف إسلامية تكون مدخلاً
للبحث العلمي ويكون فيها الغناء في بعض الموضوعات الموجزة. فهل من يتبنى هذا
المشروع؟
تعليقات
إرسال تعليق