التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نظرة في دائرة المعارف الإسلامية (الاستشراقية)



        في أثناء بحثي للدكتوراه حول كتابات المستشرق "برنارد لويس" أردت أن أعرف المواد التي أسهم بها في "دائرة المعارف الإسلامية" (الطبعة الأولى) فلم أجد للدائرة فهرسة، فطرحت السؤال على لويس نفسه حين التقيت به في أمريكا فأجاب بأن عليّ أن أقلب صفحات الموسوعة أو أنظر في قائمة الكتّاب في أول الموسوعة في طبعتها الثانية حيث تذكر الصفحات التي ظهر فيها توقيع كل كاتب. ولكن هذه ليست فهرسة بالمعنى الصحيح. فتصادف أن أشار عليّ أستاذي الدكتور علي الغمراوي أن أعمل تحت إشرافه وتوجيهه على إعداد فهرس للموسوعة في طبعتها العربية والإنجليزية، فشرعنا بالعمل.
        لن أزعج القارئ بتفاصيل العمل ولكني أقول إن العمل في الفهرسة أشبه بمن يزور مدينة فيتجول على قدميه فيها حارةً، حارة وشارعاً شارعا، بل حتى أزقتها، إنه في أثناء العمل يعرف من تفاصيله ودقائقه الكثير الكثير، وليس كمن يتجول في حافلة من تلك الجولات السياحية التي لا تكاد تبصر خلالها كثيراً.
        والموسوعة كتبها مستشرقون، عدا قلة من المواد سمح لبعض المسلمين بكتابتها. وكتابة المستشرقين للموسوعة عليها ملاحظات وانتقادات تحتاج إلى بحوث طويلة مفصّلة. وقد وفق الله اثنين من زملائي في المعهد العالي للدعوة الإسلامية في المدينة المنورة لاختيار موضوعين لبحثيهما للدكتوراه حول هذه الموسوعة؛ الدكتور حميد بن ناصر الحميد ويبحث في موضوع الأخطاء العقدية، بينما يبحث الدكتور طلال بن عبد الله الملوش في كل ما يتعلق بمادة "الحديث" في الموسوعة نفسها.
وثمة موضوعات كثيرة يمكن تناولها من خلال الموسوعة؛ التاريخ الإسلامي في صدر الإسلام أو التاريخ الحديث أو المجتمعات الإسلامية -قديماً وحديثاً- كما تبرزها دائرة المعار، ولكن هذا كله لا يكفي حيث إن الموسوعة تحتاج إلى نظرة شاملة فاحصة ودقيقة لخطتها العامة ثم إلى اهتماماتها.
وفي هذه المقالة سأعرض لبعض الملاحظات التي دوّنتها وفي أثناء العمل في الفهرسة؛ وهي ملاحظات عابرة لكني أرجو أن تكون هذه دعوة للباحثين والأساتذة للنظر في هذه "الموسوعة" ليس في صياغة موادها فحسب، بل كيف ترتبط هذه المواد بعضها ببعض.
وإليك هذه الملاحظات:
·       أولاً: أيهما أهم عند المسلمين الإمام محمد بن إسماعيل البخاري صاحب "الجامع الصحيح" أصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل؛ الكتاب الذي تلقته الأمة بالقبول أم "بشر الحافي" أحد روّاد التصوف؟
إن الموسوعة أعطت مجالاً أكبر في التعريف ببشر الحافي، وجعلت ترجمة البخاري موجزة مختصرة. ولا يقال إن البخاري معروف مشهور ولا حاجة للإطالة في ترجمته الآن. حياة البخاري رحمه الله تستحق أن يفرد لها مساحة أكبر وليس الأمر مقتصراً على هذا، فإن أعلام الصوفية والخوارج ينالون اهتماماً أكبر من غيرهم.
·       ثانياً: الاهتمام بالبلاد الأوروبية التي حلّ بها الإسلام فثمة ترجمة  لـ "بلغاريا"، و"أثنيا" استغرقتا مساحة واسعة تفوق غيرها من البلاد الإسلامية.
·       ثالثاً: الاهتمام بألفاظ لا معنى لها وليس لها قيمة في الفكر الإسلامي أو التاريخ بل تتخذ مدخلاً للطعن في الإسلام، ومن هذه المواد كلمة "بغل" وكان وكان، و"فرافوة" وقمّل، وعلم الكف والعيافة وغيرها
·       رابعاً: بعض الترجمات لا تفيد شيئاً؛ حيث لا تحوي الترجمة إلّا سطراً أو سطرين وتضيع معظم المساحة في ذكر الاسم وسلسلة النسب، وكأنّه ليس لهذا العلم إلّا اسمه.
·       خامساً: ما دامت دائرة معارف إسلامية فلماذا تحتوي على مواد تخص الديانات الأخرى مثل الحديث عن الخزر: حيث استغرق من الصفحة 1172 حتى الصفحة 1181، في المجلد الرابع، وغير ذلك مما يخص اليهود والنصارى ولا علاقة له بالإسلام البتة.
·       سادساً: يلاحظ مشاركة عدد كبير من المنتسبين للجامعات اليهودية في فلسطين يفوق عددهم عدد المسلمين المشاركين في الموسوعة عدا اليهود الأوروبيين والأمريكيين الذي تخفى ديانتهم على من لا يعرفهم.
        هذه ملاحظات عجلى ولو سمح الوقت لأضفت إليها مثلها.  

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...