بسم الله الرحمن
الرحيم
رسائل القراء معين لا ينضب من الأفكار
والمقترحات ومن هذه الرسائل رسالة كانت قد وصلتني من الأخ الكريم الأستاذ أبي سامي
من مكة المكرمة وقد شغلت عنها زمناً حتى كانت إحدى ليالي رمضان المبارك فقرأتها
ووجدتها تتناول قضية مهمة وهي ما يقدم للفقراء من صدقات وزكوات أموال الأغنياء.
وذكر أن كثيراً من الأغنياء يقدمون قليلاً من المال أو المساعدة للعائلة الواحدة
حتى إذا انتهى رمضان أو أنفقت تلك الأموال عادت العائلة تبحث عن متصدق جديد أو عن
مصدر للعيش، وتساءل لماذا لا يفكر الأغنياء أو الجمعيات الخيرية بتقديم ما يعين
الفقراء على تجاوز فقرهم أو يغنوهم مدة من الزمن تتجاوز الشهر والشهرين والثلاثة.
أو يقدموا إليهم ما يعينهم على العمل الشريف لتجاوز أزمة الفقر التي يمرون بها.
ومن ذلك ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم مع الرجل الذي جاء يطلب الصدقة فأعطاه
قدوماً وحبلاً وطلب إليه أن يذهب ويحتطب.
وكانت قد وصلتني رسالة من أخ كريم مكتوبة
كتابة ممتازة وهي قصة رجل بلغ سن التقاعد وما زال يعيش في منزل بالإيجار، ولم
يستطع أن يبني منزلاً وقد ركبته الديون في سبيل إنشاء منزل له ولأسرته الكبيرة
وذكر في رسالته قصة الضعفاء الذين يملكون السفينة في البحر وهي التي وردت في سورة
الكهف في قوله تعالى (وأما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر) فهؤلاء يملكون
سفينة ومع ذلك فهم مساكين. والمسكين كما هو معروف بنص الآية من أوجه صرف الزكاة (إنما
الصدقات للفقراء والمساكين…) الآية. وقد جاء في تفسير هذه الآية ما يأتي:
"إنهم كانوا تجاراً ولكن من حيث هم مسافرون عن قلة في لجة بحر وبحال ضعف عن
مدافعة خطب عبّر عنهم بمساكين …أي أن السفينة لقوم ضعفاء ينبغي أن يشفق
عليهم."
وقد وجدت نصوصاً من كتاب (الأموال) لأبي
عبيد القاسم بن سلاّم أذكر منها أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى رجلاً ثلاثاً
من الإبل وعلّق أبو عبيد قائلاً:" "فأرى عمر ههنا قد أعطى رجلاً واحداً
ثلاثاً من الإبل وهذه لا تكون إلا ثمن مال، وإنما فعله ليغنيه من العيلة، حين ذكر
هَلَكَة عياله وكذلك كان رأيه الإغناء." وروى بعد ذلك أن عمر بن الخطاب قال:"
إذا أعطيتم فأغنوا" وقال عمر للسعاة: " كرروا عليهم الصدقة وإن راح على
أحدهم مائة من الإبل"
وقد أجاد الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه
القيم (مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام) في الحديث عن المقدار الذي يعطى للفقير
والمسكين فذكر أنه " يعطى ما يستأصل شأفة فقره، ويقضي على أسباب عوزه وفاقته،
ويكفيه بصفة دائمة ولا يحوجه إلى الزكاة مرة أخرى." وتناول أيضاً مقدار ما
يعطى صاحب الحرفة فأوضح أن يكون ذلك كافياً ليشتري أدوات تلك الحرفة فلو كانت
حرفته بيع الجوهر يعطى عشرة آلاف درهم مثلاً إذا لم يتأت له الكفاية بأقل منها.
وأشاروا إلى أن من لم يكن له حرفة ولا يحسن أي صنعة أصلاً ولا تجارة " أعطي
كفاية العمر الغالب لأمثاله في بلاده ولا يتقدر بكفاية سنة، ومثلوا لذلك بأن يعطى
ما يشتري به عقاراً يكريه ويستغل منه كفايته." (عن المجموع للنووي ج6)
وثمة رأي آخر ذكره القرضاوي وهو إعطاء
الفقير والمسكين كفاية سنة وقدم الأدلة لذلك من الفقه الإسلامي ثم تناول الترجيح
بين المذهبين فرأى أن أنواعاً من الفقراء والمساكين تعطى ما يمكنها من العمل
كأدوات الصنعة أو رأس المال ليتاجر به أو الضيعة وآلات الحرث والسقي..
وذكر في مسألة الزكاة:" ومن هنا
يتبين لنا أن الهدف من الزكاة ليس إعطاء الفقير دريهمات معدودة، وإنما الهدف تحقيق
مستوى لائق للمعيشة، لائق به بوصفه إنساناً كرّمه الله واستخلفه في الأرض،"
فهل نتنبه إلى هذا التراث العظيم الذي
أرجو أن يكون لي معه وقفات أخرى. والله الموفق.
تعليقات
إرسال تعليق