التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بل دراسة التاريخ مفيدة


                                      بسم الله الرحمن الرحيم

      لا تنهض أمة من الأمم حتى تعطي كل العلوم والفنون حقها من الاهتمام والعناية والرعاية، وتسعى في تقديم الفرص للدارسين في شتى المجالات، وهذه الفرص تتمثل في المنح الدراسية و المكافآت والجوائز ومنح للقيام برحلات علمية وتساعد في نشر البحوث في شتى المعارف. فإن النهضة القائمة على العلوم والتقنية وحدها ليست نهضة حقيقية بل إنها نهضة عرجاء مشوهة. وما ارتقت أمة من الأمم بالعلوم والرياضيات والفيزياء والكيمياء فحسب. ولكن نفراً من بني قومنا يصرون على أننا نحتاج فقط إلى المتعلمين في المجالات العلمية حتى إن أحدهم كتب في صحيفة يومية (الاقتصادية 23 شوال 1419هـ يقول وماذا ستفعل شركة صافولا أو مصفاة كذا بمتخصص في التاريخ اليوناني أو متخصص في التاريخ الروماني ولعله خجل أن يقول (والتاريخ الأموي أو العباسي أو الأندلسي...الخ)
     سأبدأ الحديث من واقع تجربتي الشخصية ففي الخطوط الهولندية يعمل الدكتور شرويدر في إدارة الشؤون الدولية- وتعد هذه الإدارة قلب شركات الطيران حقيقة فهي التي تخطط شبكة الخطوط الجوية من خلال التفاوض مع الشركات الأخرى حول خطوط السير وعد الرحلات والسعة المطروحة ونوعية الخدمات وغير ذلك. وتعتمد هذه الإدارة على ما يصل إليها من دراسات من أقسام التسويق ومن أقسام الأبحاث والتخطيط كما على هذه الإدارة أن تعرف كثيراً من المعلومات الفنية حول الأسطول وطائراته وسعتها.
       كان الدكتور شرويدر يعمل في هذه الإدارة التي تدخل مع الشركات الأخرى في اتفاقيات ثنائية واتفاقيات تجارية متنوعة منها اتفاقيات الصندوق المشترك (Pool) واتفاقيات التشغيل المشترك (Joint Venture) وغيرها من أنواع الاتفاقيات التي تتناول السعة المعروضة على الخط وسعة طائرات كل ناقلة ووحدة العمل في الصندوق المشترك. وثمة قضايا اقتصادية دقيقة في الموضوع لا أريد أن أزعج القارئ بها ولكن الدكتور شرويدر كان يعرف ذلك كله وكان يتقن دوره في المفاوضات مع الشركات الأخرى وبخاصة العربية بحكم تخصصه في مجال التاريخ.
     ومن الطريف أن الخطوط السعودية كان يعمل في إدارة الشؤون الدولية متخصص في التاريخ حصل على الماجستير في هذا التخصص وهو على رأس العمل، وكان هذا الموظف على دراية تامة بتاريخ الاتفاقيات مع الدول الأخرى وملاحقها وقد أفاده حسه التاريخي في معرفة هذه المعلومات وحفظها بالإضافة إلى معرفته بالقضايا الاقتصادية المتعلقة بين الشركات. وعندما تكون المفاوضات مع الخطوط الهولندية يكون هذا الاجتماع ملفتاً للانتباه.
   ونعود إلى التخصص في التاريخ وأهميته في العمل في الشركات فإن جزءاً من تعاملنا مع الشركات الأخرى فهم نفسية من نتفاهم معهم من الدول الأوروبية والأمريكية أفلا يفيد أن يعرف الموظف بعض الشيء عن تاريخ الذين يتفاوض معهم فيتفهم عقليتهم وتاريخهم ونفسيتهم.
       وعودة إلى تاريخ هذه الأمة العظيم فإن علماء التاريخ الذين نبغوا في هذا المجال كانوا علماء في الحديث وعلماء لغة وتفسير. وكان من المؤرخين من أتقن فنون أخرى كالهندسة والفيزياء والطب والرياضيات. ومن الأمثلة على ذلك الإمام الطبري والإمام الحافظ ابن كثير والحافظ ابن الأثير وغيرهم كثير.
     إن التاريخ إذا ما درس دراسة حقيقية فإنه فرصة لتوسيع المدارك والأفق وزيادة المعرفة وقد قيل من لم يعرف الماضي أحرى أن يقع في الأخطاء السابقة. إن خريج التاريخ لا ينبغي أن نقلل من قدراته الأخرى فقد يكون دخل هذا القسم مضطراً أو حتى لو كان راغباً فإنه لا شك قد يملك مواهب كثيرة يمكن للشركات أن تفيد منه. لماذا لا تعقد له الدورات المختلفة في أعمال السكرتارية مثلاً أو الكمبيوتر أو الإدارة. هل يصعب على المتخصص في التاريخ أن يتقن الميكانيكا أو السباكة أو النجارة أو الحدادة؟ لقد عرفت أستاذاً متخصصاً في اللغة العربية وشاعراً جيداً كان يعمل في إصلاح قماشات المكابح (الفرامل).
      فيا أخي الكريم يا من انزعجت من دراسة التاريخ اليوناني أو الروماني أرجو أن تعيد النظر في الإقلال من شأن هذه التخصصات الضرورية في حياة الأمة فلو لم يكن التاريخ مهماً لما كان تدريسه يستمر من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...