بسم الله الرحمن الرحيم
الإسلام
دين المحبة والرحمة والسلام، دين صفاء النفوس ونقاوة الضمير وما أعجب الصور التي
يرويها الأخ الصديق الدكتور عاصم حمدان عن مجتمع المدينة المنورة قبل عقود من الزمان
وما كان يتحلى به أهلها (ومازال معظمهم كذلك والحمد لله) من سمو خلقي ووفاء نادر.
ولكن لا يخلو مجتمع من قلة تعكر الصفاء وتسعى في الإفساد بين الناس حتى إنك لتسمع
أحياناً على ألسنة الناس المثل القائل "فلان من الذين يحبون الصيد في الماء
العكر"، وكأنهم يشيرون بهذا المثل إلى الناس الذين خبثت طباعهم وفسدت أذواقهم
وامتلأت بالحقد والحسد نفوسهم، وغلب على نفوسهم الشر.
فما
معنى الصيد في الماء العكر؟ إن أقرب تعريف له هو النميمة، ذلك أنّ النمام لا يحب
أن يرى المحبة والألفة تسود بين الناس فلا يرضيه إلاّ أن يوغر صدور الناس بعضهم ضد
بعض. وقد تناول الشيخ حسن أيوب في كتابه القيم السلوك الاجتماعي في الإسلام النميمة
وعدها "جريمة محرّمة بالكتاب والسنّة وإجماع الأمة". والنميمة كما
عرّفها العلماء المسلمون هي " نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض على جهة الإفساد،
ويرى الغزالي أن النميمة هي " كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو
المنقول إليه، أو ثالث وسواء كان الكشف بالقول أو بالكتابة أو بالرمز...فحقيقة
النميمة إفشاء السر وهتك الستر عمّا يكره كشفه."
وقد
ذم القرآن الكريم النميمة في آيات بينات ومن ذلك قوله تعالى (ولا تطع كل حلاّف
مهين همّاز مشّاء بنميم، عتل بعد ذلك زنيم) (القلم 10-13) وقوله تعالى )ويل لكل همزة لمزة) وقيل الهُمَزَة
النمّام. وقد ورد ذم زوج أبي لهب في قوله تعالى (وامرأته حمّالة الحطب، في جيدها
حبل من مسد (لأنها
كانت نمّامة. وقد ورد التحذير من النميمة في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم (لا
يدخل الجنة قتّات) والقتّات هو النمّام.
والنمّام
قد يحقق مصالح دنيوية عاجلة بأن يتقرب -في ظنه- إلى الذي ينم عنده فيفوز بمودته
ومحبته ويبعد عنه الآخرين. ولكنه لا يدري أنه وقع في مخالفة شرعية وهو تقطيع أواصر
المحبة بين المسلمين وما حذر منه الرسول صلى الله عليه وسلم حين تحدث عن فساد ذات
البين بقوله (فإن فساد ذات البين هي الحالقة).
ومن
العجيب أن الذين ينمّون لا بد وأنه مرت بهم القصة التي وردت في كتاب كليلة ودمنة
ومفادها أن الأسد مرض ذات يوم فزارته الوحوش جميعها ما عدا الثعلب فقال الذئب: يا
سيدي يا سيد الغاب لقد زارتك الوحوش جميعها ما عدا الثعلب ولا بد أن تعاقبه، فلمّا
جاء الثعلب وكان الأسد غاضباً فقال له ما الذي جعلك تتأخر في الزيارة؟ فقال له:
كنت أبحث لك عن علاج يا سيدي. فقال الأسد وهل وجدته؟ فقال الثعلب: نعم عظمة في ساق
الذئب. فاستدعي الذئب فكسر الأسد ساقه وخرج من عند الأسد ورجله تدمى، فقال له
الثعلب هذا جزاء النميمة. وأتعجب ألم يقرأ النمّامون قوله تعالى (ولا يحيق المكر
السيء إلاّ بأهله)
وقفة
مهمة: لقد كانت خطبة الجمعة (12 جمادى الأولى
1419هـ) في المسجد الحرام التي ألقاها الشيخ الدكتور صالح ابن حميد رائعة جداً
وقوية لدرجة القسوة على بعض النظار، فلا بد أن ما وصله عن بعض النظّار شيء كثير
مما دفعه للقول: "يا نظّار الأوقاف إن في أعناقكم صغاراً وقصّاراً وعجزة
وأرامل لا يحسنون التصرف في الأموال ولا يقدرون على الإحسان في الأعمال بل لعلهم
لا يعرفون ما الذي لهم). وأوضح فضيلته أن الخونة من النظار ومتولي الأوقاف أشد
جرماً من اللصوص وقطّاع الطريق فاللص يحتال ويسرق من غيره ولكن هذا الخائن يسلب ما
هو مؤتمن عليه، اللص ضرره على الأحياء، أمّا هذا الخائن فضرره على الأحياء والأموات (جعلوا غلاّت الأوقاف نهباً لهم ولمن
حام حولهم فنهبت الأراضي وخربت الدور فلا حول ولا قوة إلاّ بالله العلي
العظيم."
تعليقات
إرسال تعليق