لماذا يتخذ الإعلام في الغرب من نفسه
وصياً على الأمة الإسلامية؟ وهو في هذه الوصاية يتخذ دور القاضي والخصم في آن
واحد. لقد حدث هذا في كثير من القضايا ومن بينها قضية الطبيبة البنجلاديشية التي
تحولت إلى كاتبة تطعن في الإسلام.
فقد أوردت جريدة التايمز اللندنية في
الصفحة الخامسة عشرة من عددها الصادر يوم 2 يونيو 1994م خبراً بعنوان "موجة
الغضب الإسلامية تنطلق ضد زعيمة نسائية" أوردت فيه اخبار المظاهرات
والاضطرابات في بنجلاديش حيث وقعت مؤخراً بين مؤيدي ومعارضي (تسليمة نسرين) وذكر
الخبر أن الكاتبة متهمة بالردة بسبب تصريحاتها لصحيفة هندية تطالب فيها بإعادة
صياغة القرآن الكريم...ولكنها أنكرت هذه التصريحات وزعمت أن ما تطالب به هو تعديل
الشريعة الإسلامية لتعطي المرأة حقوقاً متساوية. وقد أصبحت مثار خلاف حول تطبيق الشريعة الإسلامية في بنجلاديش التي يسكنها 90% من المسلمين من عدد سكانها البالغ
120 مليوناً وجاء في الخبر أن لجنة مقاومة العداء للإسلام وللنشاط الحكومي وهو
ائتلاف مكون من اثنتي عشرة مجموعة إسلامية هددت بإحضار عشرات الآلاف إلى دكا
لإقامة مظاهرة احتجاج كبرى لتطالب بقتل تسليمة نسرين.
هذا الخبر أوردته الصحيفة على أنه من إعداد
وكالة الأسوشيتد برس وفيه عدة مغالطات أولها أنها ساوت بين المؤيدين والمعارضين
لهذه المارقة، فقد ذكرت الطرفين دون أن تحدد الطرف الأكثر عدداً والأكبر حجماً،
وثانياً أطلقت على المعترضين على تصريحات الكاتبة المارقة "المتطرفين
المسلمين" وكيف توصلت إلى هذا الحكم، هل يعدّ كل من يعترض على هذا المروق
والطعن في الإسلام متطرفاً-إن الغالبية العظمى من المسلمين على هذا الأساس
متطرفون.
ولم تكتف الصحيفة بالخبر المنقول عن الوكالة
العالمية بل أفردت إحدى مقالاتها التي تعبر عن رأي الصحيفة في صفحة الرأي لتناول
هذا الموضوع بتوسع وكان عنوان المقال هكذا "مرة أخرى بنغلاديش المسكينة- حيث
يحارب الأصوليون بالفتوى والثعابين"
فالعنوان وحده يكفي للوقوف على هوية
الصحيفة واتجاهها فلماذا بنجلاديش مسكينة؟ فهل هذه المسكنة ناتجة عن وجود مقاومة
لمثل هذه المارقة، أما الجزء الآخر من العنوان وكتب بخط أصغر حول استخدام الفتوى
والثعابين، فهل الفتوى تساوي الثعابين؟
وقد ذكرت المقالة أن المعركة الحالية في
بنغلاديش هي حول الطبيبة الشابة التي تحولت إلى كاتبة والحكومة الديمقراطية الإصلاحية
التي تقودها خالدة ضياء التي تبدو عاجزة أما الفخ الذي أوقعت نفسها فيه. وبعد أن
ذكرت شيئاً من إنجازات حكومة خالدة من تطور اقتصادي يقترب بالبلاد من الاكتفاء الذاتي
في الطعام وزيادة الصادرات بنسبة 20% سنوياً. وهذا التطور في نظر الصحيفة قد أصبح
في خطر الآن. والكاتبة نسرين -كما زعمت الصحيفة- تركز في كتاباتها على ما أسمته
اضطهاد المرأة باسم الدين وكذلك اضطهاد الأقليات غير المسلمة، وتدعو إلى تعليم المرأة
وإعطائها حقوق الملكية وزيادة الحرية الجنسية، وهو ما يتفق -في زعم الصحيفة-مع
الدستور البنجلاديشي الذي يضمن المساواة بين الجنسين وحرية الرأي والتدين. وهذه
الأمور التي يجب على بنجلاديش أن تلتزم بها لتحقق التحديث والتي لا يستطيع الإسلام
في جميع أنحاء العالم التهرب منها إلى الأبد.
وتصدر الجريدة أحكامها على حكومة
بنجلاديش بقولها: لقد كانت أولى أخطاء السلطات حظرها رواية نسرين لجة الخجل وكانت حول ما دعته ب "اضطهاد الأقلية الهندوسية في بنجلاديش،
وتضيف الصحيفة قائلة: "وكانت السلطات أكثر غباء حينما خضعت لرأي الأصوليين
بأن دعوة نسرين لتعديل الشريعة يعد إهانة للشعور الديني وبالتالي يعدُّ جريمة. وتزايدت
طلبات المسلمين "الأصوليين" فهم يطالبون بالإضافة إلى رأس نسرين بإصدار
قانون ضد الردّة وقانون حظر الصحافة المعادية للإسلام...إلخ"
وتخلص الصحيفة إلى أن الباجوم خالدة ضياء
تحتاج إلى طريقة للهرب ولذلك لا بد من تهريب نسرين بسلام من البلاد وقد عرضت
النرويج استقبالها وعلى الحكومة أن توافق بمحض إرادتها ورضى تام.
أرأيت كيف أن الصحيفة قدمت الحيثيات
وأصدرت الحكم وما على المسلمين إلّا أن يستجيبوا، وهكذا فالطعن في الإسلام وشريعته
هما في نظر الصحيفة حرية رأي والتحديث الذي لا بد للعالم الإسلامي أن يخضع لهما.
هل نكتب لهذه الصحيفة نفند رأيها ونوضح
رأي الإسلام في هذه القضايا أم أن الإسلام لا بواكي له؟؟
_______________
_______________
نشرت في صحيفة المدينة المنورة العدد 11431 في 9 صفر 1415هـ ( 18 يوليو 1994م)
تعليقات
إرسال تعليق