بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد
لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه والصلاة والسلام
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
أتقدم
بالشكر الجزيل لمركز الدراسات العلمية ومديرها الدكتور نبيل أمير وأشكر اللجنة
التحضيرية لعقد هذا اللقاء المبارك في البلد المبارك في هذا الشهر الكريم بصحبة
هذه الثلة المباركة
جعلت عنوان حديثي الموجز الليلة (متى
يكون لنا دائرة معارف؟) فهو عنوان مقالة لي نُشرت في السادس من ذي الحجة عام
1414هـ (16 مايو 1994ه) تناولت فيها ما لن أعيده اليوم لأنه يشرّفني أن أقدم لكم
نسخة من تلك المقالة ومن ثلاث مقالات في الموضوع ذاته؟
نعم متى تكون هذه الدائرة، اليوم هو
الخطوة بعد الأولى فتفكير مركز الدراسات العلمية في عمل الدائرة وهذا الاجتماع
الجميل هو الخطوة الأولى والخطوات كثيرة بعد ذلك نسأل الله التوفيق والسداد والعون
والقَبول.
ذكر الإخوة في ديباجة الدعوة عدداً من
الموسوعات التي تعنى بالإسلام والتي صدرت في الغرب، ولكن هذا ليس كل عنايتهم
بالإسلام فقد تجاوزوا الموسوعة العامة التي لا تكاد تخلو منها جامعة في الشرق ولا
في الغرب وربما يمكن أن تجدونها في المدارس الثانوية والمعاهد والكليات تجاوزوا
الدائرة إلى دوائر معارف متخصصة فمنها على سبيل المثال دائرة معارف أكسفورد عن الإسلام
والمرأة، ودائرة معارف أكسفورد للعالم الإسلامي، ودائرة معارف برنستون للفكر
السياسي، ودائرة معارف النساء والثقافات الإسلامية والقانون والسياسات.
وهذه
الدوائر موجودة ليست في صيغة مجلدات ورقية بل أصبحت في أسطوانات مدمجة وربما توفرت
بالاشتراك عن طريق شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت).
وكان
للمسلمين جهدهم الخاص في هذا المجال ففي جامعة إسكي شهر صدرت دائرة معارف إسلامية
بتحرير أحد الأساتذة في الجامعة مكونة من أربع مجلدات، كما أصدر بعض المسلمين
دائرة معارف التاريخ الإسلامي. ولا شك أن هناك دوائر معارف أخرى كثيرة بلغات
المسلمين المختلفة في شبه القارة الهندية وجنوب شرق آسيا أو حتى باللغات الأوروبية
المختلفة.
ولكن يبقى الجهد الأكبر لدائرة المعارف
الإسلامية التي بدأت في الإعداد لها مؤسسة وقف الديانة التركي الذي تأسس عام
1395هـ (1975م) وشرع في إعداد الموسوعة عام 1403ه، وقد مضى على ذلك أكثر من ثلاثين
عاماً أنجزوا الدائرة في أربعة وأربعين مجلد ونشروها في الإنترنت في شهر ديسمبر
الماضي بالمجان، لكنها لا تزال باللغة التركية ومن المؤمل أن تترجم إلى اللغة
العربية واللغات الأوروبية المختلفة.
ومن بين الأسباب التي دعتهم لعمل هذه
الموسوعة أنهم أرادوها أن تكون "بأقلام إسلامية مخلصة لأمتها مؤمنة بعقيدتها
بدلاً من ترك هذا الأمر لعلماء الغرب الذين لا يُمكن لكتاباتهم أن تعكس الحقائق
الإسلامية كما هي لا في مبادئها ولا في المسائل الأخرى المتعلقة بالعلوم الإسلامية
ومؤسساتها إذ إن العالم الغربي ينظر إلى هذه المؤسسات في إطار نظرته الخاصة
التقليدية وتتسم هذه النظرة –غالباً_ بالتحيز والتحامل."
قرر الإخوة في تركيا أن تكون موسوعتهم
مختلفة عن دوائر المعارف الغربية في تصنيفها وترتيبها وفي كتابتها، فقد شرعوا
العمل بتكوين خمس عشرة لجنة أذكر منها لجنة اختيار المواد وإحالة طلب كتابتها لذوي
الكفاءة من داخل تركيا وخارجها ومن اللجان لجنة التفسير ولجنة الحديث ولجنة علم
الكلام ولجنة تاريخ المذاهب ولجنه الفقه ولجنة التاريخ إلى آخره.
وتأتي هذه الدائرة في وقت خلت الساحة
العربية من موسوعة أصيلة كتبها كتّاب مسلمون ذوو كفاءة علمية عالية، والمطلوب أن
تكون ذات مستوى رفيع علمياً حتى تنال ثقة العالم المسلم أولاً ومما يتطلع إليه كل
باحث مخلص لأمته أن تكون الدائرة بأقلام علماء مسلمين قادرين على الكتابة
الموسوعية وأن تكون المرجع الأول لأي باحث من أي ملة أو دين من أنحاء العالم.
وفيما أنا أتحدث عن أهمية أن يكون لنا
موسوعة أحب أن أذكّر بقصة طريفة سمعتها عن تأليف الأستاذ محمد قطب رحمه الله كتابه
شبهات حول الإسلام فقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما ألفته فإن الناس إن
فهموا الإسلام عرفوا كيف يردون على الشبهات. وهذه الموسوعة ستقدم الإسلام ولكن في
الوقت ذاته لا تنسى أن تجعل نصيباً منها للرد على الشبهات والافتراءات والتخرصات
ولكن لا يكون لها سوى حجم محدود.
أما بعض السلبيات في تاريخ المسلمين فأمر
كما وصفه الشيخ محمد الغزالي رحمه الله عندما قال التاريخ الإسلامي صفحة بيضاء
ناصعة فيها بعض النقاط السوداء فبعض الناس جعل السواد هو الغالب أو لم ير سوى تلك
البقع السوداء وضخمها حتى لا تكاد ترى البياض الذي هو الأصل وأعتقد أن تكبير
السواد هو أحد أهداف الدائرة الاستشراقية ودوائر المعارف الأخرى العامة حين تكتب
عن الإسلام تجعل من أهدافها التشويه والمغالطة وإبراز الطوائف المنحرفة والأقليات
الضالة وتنسبها ظلماً وزوراً للإسلام.
وفيما يجتمع هذا الجمع الكريم للحديث عن
الموسوعة فمما ينبغي النظر إليه أن الترجمات (وهو جزء مهم من أي دائرة معارف) يجب
أن نتجنب العيوب الرئيسة في دائرة المعارف الاستشراقية في النقاط الآتية:
· التوازن
في التراجم وفي الموضوعات المختلفة فلا يطغى علم على علم ولا باب على باب وأن ينال
علماء الأمة قدرهم من الرعاية والاهتمام والمكان والمساحة فلا تطغى فئة على فئة
ولا منطقة على منطقة ولا علم على علم.
· الابتعاد
عن التوسع في الحديث عن قضايا ليست جوهرية اهتم بها الاستشراق في موسوعته الموسومة
بالإسلامية مثل الحديث عن (قمّل) و"علم قراءة الكف" و
"العيافة"
· أن
تعنى حقاً بالإسلام كما هو اسمها فلا تكون مجالاً لعرض الديانات الأخرى كما فعلت
الدائرة الاستشراقية، أو التفصيل في الدول التي كانت ضمن الدولة العثمانية ورجعت
إلى النصرانية وأصبح الإسلام فيها أقلية مثل بلغاريا واليونان والمجر وغيرها.
نعم ينبغي أن تكون دائرة معارف إسلامية
تغني المسلمين وغير المسلمين عن الاستعانة بدوائر المعارف الأخرى أو أن تكون
المحطة الأولى لأي باحث في العالم يجد فيها بغيته ويشبع تطلعاته للمعرفة والعلم
والرأي المنصف، وأن تكون المفتاح الحقيقي له لزيادة معارف الباحث وتوسيع مداركه
وتنويره بالحقائق.
أعتقد أن المهمة ليست سهلة ولكني على ثقة
أن من فكّر في إنشاء هذه الدائرة يُدرك ذلك ويقدره واجتماعنا اليوم لحدث بارز
ونسأل الله العون والتوفيق وبخاصة أننا نجتمع اليوم في البلد الحرام وفي الشهر
الكريم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تعليقات
إرسال تعليق