التخطي إلى المحتوى الرئيسي

نحن والغرب والجهود الرسمية



       كانت أوروبا بحاجة لمعرفة العالم الإسلامي فبدأ الرحّالة والمنصّرون والجواسيس يجولون في أنحاء العالم الإسلامي، ثم بدأت الجامعات الأوروبية في إنشاء أقسام دراسات الاستشراق والدراسات الإسلامية يدرسون كل ما يتعلق بالعالم الإسلامي عقيدة وتاريخاً وشريعة ولغة وثقافة واقتصاداً. وقد استخدمت هذه المعلومات في تيسير احتلال الدول الأوروبية للدول الإسلامية، فمن الهند في القرن السابع عشر الميلادي إلى الفليبين إلى احتلال الجزائر في العام 1830م ثم تونس بعدها ومصر وبقية البلاد العربية الإسلامية.
        واستمرت حاجة الغرب لمعرفة العالم الإسلامي، والحق يقال بأنهم بذلوا جهوداً كبيرة في سبيل هذا الهدف حتى وصلوا كما قال الدكتور أبــو بكر باقادر -   أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك عبد العزيز- إلى معرفة التفاصيل وتفاصيل التفاصيل في حياتنا، ولعلهم في بعض الأحيان يعرفون عنّا أكثر مما نعرف عن أنفسنا.
        ولكن كل هذه المعرفة لم تصل بالغرب أن يكون موضوعياً منصفاً مع العالم الإسلامي بالذات فقد تحدث البروفيسور مراد هوفمان (السفير الألماني السابق في المغرب العربي) أن الغرب يقبل أن يصبح الأوروبي هندوسياً، بوذياً، يهودياً مجوسياً أو أن يعتنق اليوغا أو غيرها من الأديان والتقليعات أما أن يصبح مسلماً فهو الأمر الذي تقوم له الدنيا ولا تقعد، ويضيف هوفمان (في محاضرة له في إحدى ندوات الجنادرية الكبرى)" والأوروبيون لا يهمهم إزعاج الأجراس أو قرع الطبول أو أي صوت آخر يعبر عن ديانة من الديانات ولكن يقلقهم النداء الندي (الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلاّ الله.....)"
        إذا لماذا لم يصل الغربيون في تصورهم أو تصويرهم للإسلام والمسلمين والعرب إلى الصورة الحقيقية لا الصورة المشوّهة؟ هل نلومهم وحدهم، وهذا تاريخهم الطويل من بطرس الناسك والحروب الصليبية بظلالها الثقيلة أو ما بعدها من حملات الاحتلال بدءاً بالحملة الفرنسية على مصر إلى احتلال مصر والسودان والجزائر والمغرب وتونس إلى إندونيسيا والهند والفيليبين وغيرها من البلاد الإسلامية؟
يبدو لي إن الإجابة السريعة عن هذا التساؤل إنما هو تسطيح للموضوع وتبسيط له يخل بحقيقته، ولكن سأتوقف عن توجيه اللوم إلى الغربيين على ما في تاريخهم الفكري القديم والحديث والمعاصر من صور سيئة للإسلام والمسلمين والعرب إلى محاولة الإفادة من تجربة معرفة الغرب لنا وجهودهم في معرفتنا حتى إذا حاربونا أو عادونا كانت عداوتهم مبنية على معلومات وحقائق.
إن أقسام الاستشراق في الجامعات الغربية كانت في الماضي القريب جزء من اهتمام الحكومات الغربية في العلن، تقوم بتقديم الميزانيات وتقترح البرامج وتكون اللجان لدراسات احتياجات البلاد من الكوادر المؤهلة في فهم العالم العربي والإسلامي. وسأضرب مثلين فقط من بريطانيا؛ المثال الأول هو اللجنة التي كونتها الحكومية البريطانية سنة 1947م وعرفت باسم لجنة سكاربورو لدراسة أوضاع الدراسات العربية والإسلامية والأوروبية الشرقية والسلافية والأفريقية في بريطانيا. وأصدرت اللجنة تقريراً مكوناً من مائتي صفحة تقريباً حول هذه الدراسات. والمثال الثاني هو اللجنة الحكومية البريطانية التي كونت عام 1961 وعرفت باسم لجنة وليام هايتر (التي كان يرأسها) للغرض نفسه. وكان من الممولين لهذه اللجنة بعض الجهات الخيرية الأمريكية مثل مؤسسة فورد وروكفللر، وقد قامت اللجنة بزيارة لعشرة جامعات أمريكية وجامعتين كنديتين لمعرفة طبيعة الدراسات العربية الإسلامية في القارة الأمريكية وما يمكن لبريطانيا أن تفيده من التجربة الأمريكية.
إن قادة الثقافة أو وزارءها في عالمنا العربي –الذين سيجتمعون خلال الأيام القليلة القادمة أمامهم مسؤولية ضخمة في قضية العلاقات بين العالم العربي وأوروبا وأمريكا ولكن أرجو أن يتنبهوا إلى قضية حساسة وخطيرة وهي أننا لا يمكن أن نصلح في أيام ما تأسس وتجذر خلال عدة قرون.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...