بسم الله الرحمن الرحيم
كتبت قبل سنتين أو أكثر حول مسألة السعودة (المدينة
المنورة، 11 رمضان 1414هـ) مطالباً أن نبدأ في تطبيق ما يسمّى الحد الأدنى
للأجور مستشهداً بما تفعله الأمم الأخرى في سبيل توفير الحياة الكريمة لمواطنيها
وللعاملين فيها مهما كانت جنسيتهم. وذكرت في تلك المقالة أن الحد الأدنى للأجور في
الولايات المتحدة الأمريكية في أواخر الستينيات الميلادية كان دولاراً وخمساً
وستين سنتاً للمهن التي لا تتطلب أية مهارات، وذكرت كذلك أن الذي يتقاضى الحد
الأدنى يستطيع أن يستأجر بيتاً أو يدفع دفعات لتملك بيت ويستطيع أن يكون له سيارة
وزوجة وأولاد.
واطلعت قبل أيام على مقالة للدكتور فهد مانع
بن جمعة (الاقتصادية،16 صفر 1419هـ) وهو رجل أعمال سعودي ينادي فيها بتحديد
حد أدنى للأجور حتى يمكن للعامل السعودي أن يوفر المتطلبات الأساسية للحياة
الكريمة، ولا بد أن يكون هذا التحديد نتيجة دراسة ميدانية لتكاليف المعيشة من
إيجار وغير ذلك من المتطلبات الحياتية. وكان تعليقي بعد قراءة المقال: جميل أن
يدرك هذا الأمر أحد رجال الأعمال فهم الفئة التي نريد أن تقتنع بهذا الأمر قبل أن
يفرض عليهم بنظام تعتمده وزارة العمل.
وأعود إلى الأساس الذي بنيت عليه مقالتي
الأولى فقد كنت أقوم بتدريس مادة النظم الإسلامية في المرحلة الجامعية في كلية
الدعوة بالمدينة المنورة (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. ومن أهداف هذه
المادة أن يعرف الطالب أن النظام الإسلامي هو أفضل الأنظمة ذلك أنه يستند إلى
شريعة الله عز وجل التي تتسم بالشمول والعموم والواقعية والمثالية والمرونة
والثبات وغير ذلك. (القرضاوي: الخصائص العامة للإسلام وعبد الكريم زيدان: أصول
الدعوة)
وقد استندت في مقالتي تلك إلى كتاب الأموال
لأبي عبيد القاسم بن سلاّم (157-224) ومما جاء في هذا الكتاب ما رواه أبو عبيد عن
عمر بن عبد العزيز أنه " لا بد للمسلم من مَسْكَنٍ يسكنه وخادم يكفيه مهنته "لا بد للكاتب من مساعد أو سكرتير" وفرس يجاهد عليه عدوه وأن يكون له أثاث في بيته … فإن لم يكن عنده ذلك فاقضوا عنه فإنه غارم " وقد أورد أبو عبيد نص رسالة
بعثها وال لعمر بن عبد العزيز رحمه الله جاء فيها أن الوالي بعد أن جمع أموال
الصدقة ووزعها على مستحقيها بقي لديه فائض
من المال فكان مما جاء فر رسالة الخليفة أن يبحث عن أي مدين من غير سفه ولا سرف
فليقض عنه وأن يبحث عن كل بكر ليس له مال وأراد أن يتزوج فليُصدِق عنه وإن بقي مال
فليعط أهل الذمة سلفاً ليتقووا على العمل في أرضهم.(الأموال ص 341)
وثمة نصوص نذكرها في هذا المجال منها قول
الرسول صلى الله عليه وسلم (من وليَ لنا عملاً وليس له منـزل فليتخذ منزلاً، أو
ليست امرأة فليتخذ امرأة، أو ليست له دابة فليتخذ دابة (رواه الإمام أحمد وأبو
داود)
أما عنوان المقالة فمناسبته أن غلماناً
لحاطب بن أبي بلتعة سرقوا ناقة لرجل من مزينة فأتى بهم عمر فأقروا وأراد أن يقطع
أيديهم ثم أرسل وراءهم وقال:" أما والله لولا أني أعلم أنكم تستعملونهم
وتجيعوهم حتى أن أحدهم لو أكل ما حرّم الله عليه حل له –لقطعت أيديهم، وإيم الله
إذا لم أفعل لأغرمنك غرامة توجعك، ثم قال لصاحب الناقة يا مزني، بكم أريدت منك
ناقتك؟ (أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية) ويقول الدكتور البلتاجي في كتابه
منهج عمر بن الخطاب في التشريع في معرض الحديث عن إسقاط حد السرقة في
المجاعة العامة أو الخاصة: "لا فرق بين أن تكون المجاعة عامة أو خاصة لأنها
تستوي بالنسبة للجائع بل لــــــــو كانت خاصة كانت أولى بسقوط الحق لتوفر ركن
الاعتداء".
وبهذا ندرك أهمية أن يكون لدينا ما يسمى
الحد الأدنى للأجور ولا بد أن تفتح المؤسسات العامة سجلاتها المالية لمعرفة حقيقة
مكاسبها وما يمكن أن تعطيه للعامل. وأعرف من التجربة الشخصية أن بعض العاملين في
محلات بيع المواد الغذائية بالجملة أن إيراداتهم اليومية تقدر بعشرات الألوف بينما
لا يحصل الموظفون لديهم إلاّ على أقل القليل، ويمكن أن يقال هذا عن كثير من
المؤسسات التجارية. وليدرك أصحاب الأعمال أنهم بتوظيف العمالة الوطنية يسهمون في
دعم الاقتصاد الوطني وفي الاحتفاظ بالأموال في داخل البلاد.
تعليقات
إرسال تعليق