صقور البيت الأبيض أو المحافظين الجدد
تيار سياسي ظهر في الولايات المتحدة الأمريكية، منطلقاً من التيار الليبرالي في
أثناء حقبة الحرب الباردة والصراع ضد الشيوعية ليتغلغل في صفوف القيادة السياسية
الأمريكية، ويتولى أعلى المناصب. وقد شكل هؤلاء فريقاً كبيراً وجد الدعم والمساندة
الفكرية من عدد من المستشرقين وخبراء الشرق الأوسط الذين دعموا توجه الصقور في
السياسة الخارجية الأمريكية، وكان من أبرز أهداف الصقور تحويل الولايات المتحدة
الأمريكية القطب الأوحد أو القوة العظمى الوحيدة في العالم إلى إمبراطورية تستخدم
القوة والعنف من أجل الوصول إلى تأكيد هيمنتها وسيطرتها على العالم؛ ومن مشروعاتهم
كذلك إعادة تشكيل الشرق الأوسط ونشر الديموقراطية الغربية فيه. وقد تأثرت دراسات
الشرق الأوسط أو الاستشراق الأمريكي المعاصر بهذا التيار.
في هذا الإطار قدم الدكتور مازن مطبقاني
محاضرته التي تكونت من ثلاثة محاور هي:
المحور الأول: تعريف الصقور ونماذج من
مواقفهم تجاه العرب والمسلمين
المحور الثاني: الدراسات الشرق أوسطية
وتأثير التوجه الصقوري فيها
المحور الثالث: الاستشراق وعلاقته بصقور
البيت الأبيض: برنارد لويس نموذجاً
قدم المحاضر في البداية مزيداً من الأضواء
على عدد من صقور البيت الأبيض، وقدم تعريفاً سريعاً بهم ومن هؤلاء على سبيل المثال
ريتشارد بيرل Richard Perle
المعروف بأمير الشر؛ الذي عمل مستشاراً سابقاً لعدد من السياسيين الإسرائيليين
ومنهم بنيامين نتنياهو، ورأس المجلس الاستشاري للبنتاجون، وعمل محللاً سياسياً
بمعهد الدراسات المستقبلية والعلوم السياسية، وهو عضو في المعهد اليهودي للأمن
القومي، وبول ولفوفيتز Paul Wolfowitz نائب وزير الدفاع الأمريكي
وعضو في مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك، وله علاقات بمعهد واشنطن لسياسات الشرق
الأدنى، وعمل عميداً لكلية بول نيتشه للدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جونز
هوبكنز بمدينة برنستون. وإليوت أبرامز Elliot Abrams عمل مساعداً لوزير الخارجية في عهد الرئيس رونالد ريغان، ويعمل
حالياً في مجلس الأمن القومي وله نشاط واضح في لجنة المصالح الأمريكية في الشرق
الأوسط، وهناك اتهامات قانونية بحقه منها اتهامه بالمساهمة في جمع المال لمتمردي
الكونترا في نيكاراجوا . وغيرهم.
وأوضح المحاضر المعاهد ومراكز البحوث
التي ينطلق منها هؤلاء الصقور لنشر فكرهم والتأثير في السياسة الخارجية الأمريكية
ومنها معهد أمريكان إنتربرايز American Enterprise
Institute ومعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ومعهد
بحوث إعلام الشرق الأوسط، والمعهد اليهودي لسياسات الأمن القومي وغيرها.
وأوضح المحاضر استخدام الصقور لوسائل
الإعلام بقوة؛ حيث إنهم يسيطرون على إمبراطورية إعلامية تضم مؤسسة ميردوخ إلى جانب
شبكة فوكس الإخبارية. كما أنهم دائمي الظهور في وسائل الإعلام المختلفة من صحافة
وإذاعة وتلفاز وإنترنت. وهم يصدرون التقارير الاستراتيجية ويضعون الخطط للرؤساء،
ويقدمون شهاداتهم في الكونجرس وفي لجانه المختلفة. وقد طغى وجودهم على المتخصصين
الحقيقيين في مجال الشرق الأوسط مما أبعد هؤلاء المتخصصين عن أن تستفيد الحكومة
الأمريكية من خبراتهم وعلمهم.
وتناول المحاضر مسألة إنشاء الإمبراطورية
من خلال التخطيط للحروب المختلفة ومنها حرب أفغانستان واحتلال العراق واستعماره،
وذكر المحاضر بعض الأصوات الأمريكية التي أخذت في التنامي داعية إلى الكف عن هذا
التفكير ومن هؤلاء المرشحان السابقان للرئاسة بات بيوكانن ولاروش.
ومن أبرز النقاط في نشاط الصقور علاقاتهم
بإسرائيل وبخاصة أشد المتطرفين في حزب الليكود. وذكر المحاضر بعض ما جاء في الكتاب
الجريء من يجرؤ على الكلام لبول فندلي، وكذلك ما كتبه روبرت فيسك عن هذه
العلاقات، وذكر الباحث أيضاً الكاتب البريطاني برايان ويتيكر Brian
Whitikar الكاتب في صحيفة الجارديان الدولية.
أما المحور الثاني فقد تناول الدراسات
العربية والإسلامية في أمريكا، وقوة الوجود اليهودي الصهيوني فيها، حيث جند اليهود
أكثر من خمسة آلاف طالب لينتشروا في أقسام دراسات الشرق الأوسط في أنحاء أمريكا،
كما أشار إلى عدد الأساتذة الزائرين والباحثين من الكيان اليهودي للجامعات
الأمريكية، بالإضافة إلى عدد الباحثين الأمريكيين الذين يدرسون في إسرائيل. وذكر
المحاضر من نماذج الهيمنة اليهودية الصهيونية ما تعرضت له الدكتور شيلا سكوفيل في
قسم دراسات الشرق الأوسط بجامعة أريزونا بمدينة توسان حينما كانت رئيسة لبرنامج
هذه الدراسات حيث اتهمت بأن هذا البرنامج متحيز ضد اليهود وضد إسرائيل وهو ما
عجزوا عن إثباته ولكنهم استخدموا وسائلهم الخاصة حتى اضطروها للاستقالة (الفصل
الثامن من كتاب بول فندلي)
وذكر المحاضر عدة نماذج تؤكد تحيز هذه
الدراسات وتشويهها للإسلام والمسلمين ومن ذلك التقرير الذي أعده الأمريكي المسلم ت
ب إيرفنج عام 1975م، عن هذه الدراسات ومدى ارتباطها بالاستخبارات الأمريكية
وبالكيان الصهيوني. كما أشار إلى مقالة للدكتور إسماعيل راجي الفاروقي- رحمه الله-
حول إنشاء كراس للدراسات الإسلامية في أمريكا وبأن هذه الكراسي لن تخدم الإسلام
حقيقة ولا المسلمين لوجود عقبات كثيرة في وجهها، ولكن المحاضر أشار إلى ضرورة أن
نعرف الطريقة الصحيحة لتحقيق أهداف هذه الكراسي.
وبعيد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ظهرت
موجة جديدة تشكك في تحقيق أهداف دراسات الشرق الأوسط لأهدافها في معرفة أعداء
أمريكا وبأنهم العرب والمسلمين، وكان ذلك في كتاب مارتن كريمر الرئيس السابق لمركز
موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بجامعة تل أبيب. وكان أيضاً من
نتائج أحداث الحادي عشر من سبتمبر أن ظهرت مجموعة تميل إلى الصقور تدعو إلى مراقبة
الدراسات العربية الإسلامية، وأن يشكل مجلس في الكونجرس الأمريكي لمتابعة هذه
الدراسات والتحقق من أنها تخدم السياسة الأمريكية وأنشأت مجموعة الشرق الأوسط Middle
East Forumفي فيلادلفيا موقعاً في الإنترنت باسم campus-watch.org لمراقبة الأساتذة ووضع قائمة سوداء تضم من يخالف السياسة
الأمريكية أو يوضح وحشية الاحتلال الإسرائيلي وأفعال إسرائيل في الأراضي المحتلة.
أما المحور الثالث فتركز حول علاقة
الاستشراق بالسياسة الخارجية الأمريكية وبخاصة المستشرق الأمريكي اليهودي الملة الصهيوني
النزعة برنارد لويس، وعلاقته بالبيت الأبيض وانتشار آرائه وأفكاره بين كبار
المسؤولين من الرئيس الأمريكي ونائبه وكبار المسؤولين حتى إن كتاباته أصبحت قراءات
مقررة على المسؤولين في البيت الأبيض وخصصت قناة الكونجرس C-Spanمساحات
واسعة لكتاباته وآرائه.
ولعل من أبرز أفكار لويس انتشاراً
التحريض على كراهية العالم الإسلامي والتعامل معه بالقوة وأن العرب لا يفهمون إلاّ
لغة القوة. وكذلك نشر فكرة عداوة العالم الإسلامي للغرب وكراهيته لأن الغرب ناجح
وقوي ومتقدم وليس لأسباب أخرى، كما تناول المحاضر فكرة لويس القديمة عن صدام
الحضارات التي قال بها في العديد من مؤلفاته ومنها بصفة خاصة كتابه الغرب والشرق
الأوسط ثم محاضرته في الكونجرس الأمريكي عام 1990م بعنوان (نظرة المسلمين للحضارة
الغربية)، والتي نشرها في مقالة بعنوان (جذور الغيظ الإسلامي) في سبتمبر 1990م في
مجلة اتلانتك الشهرية. ثم أخذ صموئيل هنتنغتون الفكرة ليطورها في مقالة، ثم في
كتاب ليزيد من العداوة بين العالم الإسلامي والغرب بعامة وأمريكا بصفة خاصة
وخلص المحاضر إلى أننا يجب أن ندرس الغرب
وأن ننشئ مراكز الأبحاث والمعاهد والأقسام العلمية لدراسة الغرب فقد آن الآوان لإنشاء
هذه الدراسات وأن يكون لنا حضور أقوى في المنتديات الفكرية في الغرب ومن ذلك
المؤتمرات والندوات.
وأثارت المحاضرة الكثير من التعليقات
والأسئلة التي تناولت بعض ما قاله المحاضر ومنها أننا غير مستعدين ليكون لدينا
دراسات أوروبية وأمريكية، كما انتقد البعض التركيز على الجانب السلبي من دراسات
الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية، فكان رد المحاضر أن المحاضرة مقتصرة على جانب
الاستشراق وعلاقته بالصقور.
تعليقات
إرسال تعليق