مقدمة الترجمة
لا أحد ينكر تأثير التلفاز والإعلام
الإلكتروني على الأطفال في المجتمع الأمريكي المعاصر، ويعتقد كثير من الباحثين أن
التلفاز لم يعد يعكس الثقافة ولكنه في الحقيقة هو الذراع الثقافي المركزي للمجتمع
الأمريكي، إنه الوكالة التي تثقف المشاهد بوجهة نظره (Heath
and Gilbert 1966, p. 378) ولا تقل الصحافة والإعلام المطبوع في
تأثيرهما وهي أيضاً جزء من شبكة الإعلام الإلكتروني "فعلى الرغم من
الاختلافات فإن الصحف تظهر نماذج البرمجة التلفازية؛ فالجنس والعنف أمور ثابتة في
الصحافة كذلك" (Heath and Gilbert 1966,p.380)
إن العناوين الرئيسة والتغطية الإخبارية
تقدم قصصاً عن سلوكيات للشباب أكثر عنفاً وغالباً ما يكون مرتكبوها أطفال تقل
أعمارهم كثيراً. ففي وقت قريب اتهم طفلان اعمارهما سبعة وثماني أعوام بقتل فتاة
عمرها 11 سنة في شيكاغو. وكان المتهمان أصغر من سُجّل ضدهما اتهاماً من هذا النوع
في تاريخ القضاء. لقد عرفنا أن الطفلين قتلا الفتاة ليستوليا على دراجتها، وتشبه
هذه الجريمة ما قام به طفلان انجليزيان من اختطاف طفل في الثانية من عمره وقتلاه
رجماً بالحجارة.
وقد حصلت سلسلة من القتل في المدارس حتى
تساءل الآباء والأمهات عن مدى سلامة الأمن في المدارس التي كانت تعدُّ مكاناً آمنا
للأطفال. وقد قال أحد الطفلين الذين اتهما بقتل أطفال قبل إعلان الحكم عليهما وهما
من مدينة جونسبورو في ولاية أركنساس وعمره أبعة عشر عاماً واسمه مايكال جونسون
"لم أقصد أن أفعلها (أقتل) اعتقدت أننا نطلق النار فوق رؤسهم (Lieb1998.p.A1) أمّا الأصغر سنّاً منهما هو من الفائزين بجائزة الرماية وعمره 12
سنة فلم يكن لديه أي اعتذار ولم يكن لديه ما يقوله.
أعتقد أن تأثيراً رئيسيا على نمو السلوك
العنيف يحدث في الذروة وتطور النمو العاطفي لدى الطفل، ففي الوقت الذي ينمو
الأطفال ويطورون مواقفهم واعتقاداتهم حول العالم وكيف يعمل، فإننا نقحمهم في
الإعلام الإلكتروني من الصباح حتى الليل. فالصور والخيالات والأصوات التي يسمعونها
تنطبع عملياً منذ ولادتهم، فإذا لم نقم نحن المواطنون المهتمون بالبدء في العناية
بتقديم العنف والقتل الذي لا معنى له ولا مبرر والتداخل بين الجنس والعنف في
الإعلام الإلكتروني فإننا نواجه خطر زيادة انتشار مثل هذه الصور ونتعرض لفقد مزيد
من الأطفال لهذا التأثير.
ويتناول هذا الفصل إشاعة الإعلام
الإلكتروني للعنف في مجتمعنا، وإن معالجة هذا الموضوع في الأخبار وفي الساحات
الترفيهية الشائعة تتصف غالباً باللامسؤولية وعدم الثقة والإثارة الكبيرة.
إن الأفلام والتلفاز وبرامج الأخبار
المسائية والإعلام المطبوع مليئة ليلياً بصور تجعل من النساء ضحاياً وفرائس وكذلك
أهداف للضرب والغضب والكراهية أو الانتقام. وهذا التصوير غالباً ما يُربط بالجنس
والعنف. فالمجتمع مشبّع بمثل هذه الصور والتي تُقدّم على إنها السلوك الطبيعي
وتقترح للمشاهدين بأنها يمكن أن تكون مقبولة. إن هذا التصوير للعنف بما في ذلك
الضرب تقدم بصورة مثيرة. ويتداخل العنف والجنس معيقاً الحقيقة بأن السلوكان
منفصلان وأنه من غير المناسب ربطهما معاً.
وقد وجد كل من مقفورد وأومالي (Mugford
and O’Malley (1991) أن "الترفيه يزداد تسويقه ويخضع بالتالي
لما أسماه سميل Simmel (1950)
لاضطراب نفسي (الوهن العصبي) neurasthenia أي أن كل إثارة جديدة ستخف بالتالي مما يتطلب إثارات أكبر وأكبر
لزيادة إثارة اللوحات التي خبت"(ص.11)
والنقطة التي قدمها كل من مقفورد وأومالي
Mugford
and O’Malley (1991 هي "أن المجتمع الأمريكي اليوم حيث
أصبحت إدارة الصور تجارة رابحة وضرورة واقعية في التجارة والصناعة والسياسة
والعلاقات الشخصية، ونضح الأسلوب في شكل معقد من المعلومات "(ص.11) تجد داخل
الإعلام الإلكتروني بعضرضه للصور في جوانب لا محدودة من الحياة أن قوة المظهر قد
أصبحت تغطي أو تشكل الطريقة التي نفهم بها موضوعات الجوهر (ص.14) وليس ثمة قوى
تفوق ما يصل إليه الإعلام الإلكتروني في إرسال تلك الصور إلينا والتي ننظر إليها
لنتعرف إلى الواقع.
ثمة جانبان أساسيان في رؤى الإعلام
الإلكتروني وهما: احتكار العنف الجسدي وإطالة التفاعل الاجتماعي والاتكالية p.
101((Ellas,
1982،p.31 cited in Mugford
and O’Malley (1991
إننا نتجه إلى الإعلام الجماهيري لنتعرف
من نحن وماذا علينا أن نفعل، فنحن لا نفكّر بل نستخدم صور العنف لإحياء الاغتراب
الذي نشعره في أنفسنا، ندير وسائل الإعلام ونتجه إليها لنحقق السلام مرة أخرى
ولتحريك استجاباتنا العاطفية لتخبرنا أننا نستطيع أن نشعر وأننا أحياء وفي بعض
الأحيان أننا لسنا سيئين.
هناك صراع بين أولئك الذين يدافعون عن
الأعلام وأولئك الذين يقترحون أن الإعلام يخلق العنف في مجتمعنا. ويناقش بعض
المدافعين عن الإعلام أنه ليس له تأثير أو حتى إنما تأثيره علاجي مما يسمح
للمشاهدين متنفساً لعنفهم. ومما يؤيد هذا أن معظم الناس لا يرتكبون جرائم العنف
بعد مشاهدتهم آلاف الصور التي تقدم هذه الجرائم (Bender and Leoan 1988) وعندما يعترف
هؤلاء المدافعون أن ثمة فرصة قليلة لتأثير الإعلام فإنهم يوجهون اللوم للجمهور
بسبب المبالغة في المشاهدة (Bender and Leoan 1988) فموقفهم أن الجمهو إن تعرض للمشكلات مع الإعلام فإنما لك بسبب
مشاهدتهم للتلفاز أكثر من اللازم، وعدداً كبيراً من الأفلام، فنحن جوهرياً تصنع
ضحايا من أنفسنا.
والرأي المتناقض الذي يتمسك به كثير من
علماء السياسة والمربين وعلماء الجريمة وكثير من الجمهور أن للإعلام تأثير، وفي
الحقيقة يقدم أرضية التدريب الثقافي، فإننا نتعلم من الإعلام دورنا المتوقع في
المجتمع. وغالباً ما تكون رسائل هذه الدور غامضة وغير دقيقة ومشوهة وغالباً ما لا
يكون لها مقابل من وجهة النظر الأخرى.
إن الفلسفة الحرفية (ترك العقلانية
المحسوبة في سبيل السعي وراء الإثارة) هي الفلسفة الجديدة لمنتجات الإعلام
الإلكتروني الحديث (Mayford and O’Malley 1991) وفوق ذلك يعتقد أن الحرفية هي الإغواء في العمل في الإعلام
الإلكترني والتي تقود الكثير إلى مواصلة حرفية الإثارة من خلال صور العنف
والجنسانية والجريمة.
وعلى أولئك الذين يشكّون بقوة الإعلام
الإلكتروني ليس في صناعة ثقافتنا فحسب بل أن يصبحوا هم تلك الثقافة أن يذهبوا إلى
مقر الحكومة حيث يمثّل نجوم السينما الشعب الأمريكي ويدعون بخبرتهم في الطبقات
الراقية ليقدوا شهاداتهم في كل شيء من البيئة إلى الإيدز (نقص المناعة المكتسب)
إلى حق الإجهاض.
وغالباً عندما يظهر علية القوم ليتحدثوا
في قضايا عامة لا يحصلون على تغطية إعلامية تتلقى آراؤهم باهتمام بالغ واحترام من أعضاء
مجلس الشيوخ وغيرهم، بل إن الاحترام الذي يلقاه هؤلاء يفوق كثيراً ما يحصل عليه
المربون والآباء والعلماء، ويجب علينا أن نطرح أسئلة حساسة ومؤثرة. عندما تدار
قضايانا من قبل هذه الطبقة. هل هؤلاء النجوم يمثلون حقاً قيمنا وأساليب حياتنا؟ أو
هل يروّج الإعلام الإلكتروني نموذجهم للثقافة على حسابنا وبالتالي جعل الجمهور
المأسور ضحية لهم؟
تعليقات
إرسال تعليق