الرحلة الأمريكية: الجامعات ومراكز البحوث
يهتم الغرب كيف
يقدم لنا بضائعة المختلفة من سيارات وطيارات وسلاح وحتى الملابس والعطور والمواد
الغذائية حتى إننا أصبحنا لا نكاد نستغني عن منتوجات الحضارة الغربية. ومع ذلك فإن
استمرار احتياجنا لهم يقف خلفه جهود ضخمة من الدراسات والبحوث والندوات والمؤتمرات.
وسأقدم
في هذه المقالات تعريفاً موجزاً للمعاهد والمراكز والأقسام العلمية التي زرتها،
وإن كانت هذه المؤسسـات تحتاج إلى دراسات تستغرق أشهراً أو حتى سنوات ولكن ما لا
يدرك كله لا يترك جله. ولعلنا لا نتوقف عند التعرف على الجهات التي اتخذت العالم
الإسلامي موضوعاً لدراساتها وبحوثها بل ننطلق إلى دراسة الغرب كما يقوم هو
بدراستنا لنعرفه أكثر ونفيد من المعطيات الإيجابية ونتجنب السلبيات لأننا مكلفون
بحمـل أمانة الدعوة إلى دين الله الذي ارتضاه للبشر كافة.
أولا:
واشنطن: ليست واشنطن عاصمة سياسية فحسب بل تنتشر فيها المراكز والمعاهد والجامعات
وفيما يأتي بعضها:
1-
المعهد العالمي للتعليم (International
Institute of Education) تأسس عام 1919 مؤسسة غير تجارية، تهتم
بالتبادل العلمي وتركز على التعاون الدولي والتطور الاقتصادي من خلال البرامج
المهنية والتبادل الأكاديمي والتدريب والنشر والخدمات الأخرى. ويضم هذا المعهد
قسماً لبرامج التعاون المهني مهمته التخطيط للبرامج التي تسعى إلى زيادة خبرات
القادة والمتخصصين من خارج الولايات المتحدة وتنفيذ هذه البرامج، كما يقوم هذا
القسم بإعداد البرامج الخاصة التي تناسب برنامج الزائر الدولي الذي تقوم به وكالة
إعلام الولايات المتحدة. كما يستعين بخبرات المعهد وكالة الولايات المتحدة للتجارة
والتطور، وبرنامج مارشال الألماني.
وقد استطاع المعهد من خلال التعاون مع
وكالة إعلام الولايات المتحدة والمؤسسات المرتبطة بها مثل المجلس القومي للزوار
الدوليين ترتيب برامج مدتها ثلاثة إلى ستة أسابيع لحوالي ستمئة زائر دولي كل سنة
منذ عام 1972. وتضم برامج المعهد بالإضافة إلى النواحي المهنية نشاطات ثقافية
واجتماعية وبخاصة لقادة الدول الأخرى.
ويقوم هذا القسم أيضاً بالإعداد لمؤتمرات
وندوات لتبادل الآراء حول نطاق واسع من الموضوعات التي تهم المجتمع الدولي بهدف
تشجيع الصادرات الأمريكية في مجال مشروعات البنى التحتية من خلال ترتيب زيارات
لوفود دولية مهتمة بشراء البضائع الأمريكية والخدمات الأمريكية. كما يهتم بتنظيم
حلقات دراسية للدبلوماسيين ولطلاب الدراسات العليا.
ويتميز العاملون في هذا المعهد عند لقائهم
بالضيف الدولي باللباقة والحفاوة البالغة بهذا الضيف بالإضافة إلى الدقة والمهنية
في الحوار معه حول الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها من زيارته، وهم بلا شك لا ينسون
الأهداف التي يسعون هم لتحقيقها.
2-
معهد الشرق الأوسط: تأسس هذا المعهد منذ خمسين سنة على أنه مؤسسة غير تجارية،
تهدف إلى توسيع نطاق المعرفة بالشرق الأوسط لدى المجتمع الأمريكي من خلال البحوث
والدراسات والندوات والمحـاضرات والإصدارات المتنوعة والنشاطات الأخرى. كما يعقد
المعهد دورات في تعليم اللغات السائدة في الـشرق الأوسط. وللمعهد مكتبة مفتوحة
للجمهور وتحتوي على مصادر مهمة عن المنطقة. ويعتمد المعهد في تمويله على إيرادات
مطبوعاته وإنتاجه من الشرطة السمعية البصرية وغيرها، كما يتلقى المعهد الهبات
والتبرعات ومن ذلك أنه افتتح مركز السلطان قابوس بحيث يتم تمويل المركز بمنحة من السلطان،
ويقوم المـركز باستضافة باحث برتبة أستاذ مشارك أو أستاذ من خارج منطقة واشنطن
لإجراء البحوث حول المنطقة فيما بعد الحرب العالمية الثانية.
وينوي المعهد تكليف عدد من الباحثين
بإجراء بحوث حول وضع الشرق الأوسط في الخمسين سنة الماضية من النواحي السياسية
والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ومن الموضوعات التي نالت اهتمام المعهد في
السنـوات الماضية مسألة الحركات الإسلامية (التي يطلق عليها الأصولية الإسلامية)
وقد عقدت الندوات حول هذا الموضوع. وقد لوحظ اشتراك بعض الشخصيات العلمية البارزة
التي عرفت بمواقفها المتحيزة من قضايا العالم الإسلامي. وليس من عذر أنهم يدعون
الباحثين من داخل الولايات المتحدة توفيراً للنفقات، فالحقيقة يجب أن تقدم على
النواحي المالية وبخاصة أن المعهد لديه ميزانية تتسع لمثل هذه المشاركات.
وقد عقد المعهد مؤتمره السنوي التاسع والأربعين يومي 29و30 سبتمبر وكان
موضوعات المؤتمر هـي: القدس والأزمة الجزائرية، ووسط آسيا، والخليج، والمشرق. وكان
المتحدث الرئيس هو الدكتور وليام كوانت الأستاذ بجامعة فيرجينيا والباحث سابقاً في
معهد بروكنجز والمسسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية أثناء عقد معاهدة كامب ديفيد.
ومن المتحدثين أيضا ماراك جولدنيجMarrack
Goulding
نائب أمين عام الأمم المتحدة للشؤون السياسية، ومنهم
أيضاً عدنان أبو عودة من معهد الولايات المتحدة للسلام، وأمـيرة الأزهري سنبل من
جامعة جورج تاون بواشنطن وغيرهم. وسيقوم المعهد بتنظيم معرض للكتاب على هامش
مؤتمره السنوي.
هذان نموذجان للمعاهد الأمريكية أحدهما
يهتم بدول العالم أجمع من منطلق المصلحة الأمريكية، ويبذل في ذلك كثيراً من الجهود
ونحن بحاجة ماسة لنعرف الكثير عن هذا المعهد وأمثاله .أما المعهد الثاني فاسمه يدل
على اهتمامه ، فهل يكون لنا نصيب أكبر في نشاطاته ؟ والله الموفق.
وأود أن أشير إلى أن رئيس معهد الشرق الأوسط هو
السفير روسكو سودارث Roscoe
Suddarth الذي كان يعمل سفيراً للولايات المتحدة
في العديد من الدول العربية. وقد كان في زيارة عمل بصحبة السفير السابق في المملكة
ريتشارد مورفي. وفي هذه المقالة أتحدث عن كل من معهد بروكنجز Brookingsومكتبة
الكونجرس ومعهد الولايات المتحدة للسلام.
أولاً:
معهد بروكنجز، تأسس هذا المعهد عام 1916 بصفته
مؤسسة خاصة غير تجارية متخصصة في البحث " المحايد" والتعليم والاقتصاد
والحكومة والسياسة الخارجية، والعلوم الاجتماعية. وقد أطلق عليه اسم بروكنجز
تكريماً للشخص الذي قدّم تبرعاً سخياً لإنشائه، وهو روبرت بركنج. ويهدف المعهد إلى
تحقيق المعرفة المؤثرة في السياسات العامة في القضايا التي تواجه الشعب الأمريكي.
ويسعى المعهد في عمله المستقل إلى تقديم نتائج بحوثه إلى واضعي السياسة وإلى عامة
الشعب الأمريكي من خلال ما يقوم بنشره من هذه الدراسات والبحوث ومن خلال مؤتمراته
ومحاضراته وغيرها.
ويضم المعهد قسماً خاصاً بالدراسات
المتعلقة بالعالم العربي الاسلامي، وكان يعمل فيه حتى عهد قريب الدكتور وليام كوانت،
ويعمل فيه حاليا كل من شبلي الطلحمي(فلسطيني) ويحيى شاوسكي وباتريشيا سبرنجبورج.
وقد لفت انتباهي في كلمة رئيس المعهد في
التقرير السنوي لعام 1994 أنه زار عدداً من العواصم العالمية( القاهرة وسيئول
واسطنبول) حيث التقى الشخصيات القيادية في مجال الاقتصاد والحكومـات والجامعات
وكانت نتيجة هذه الزيارة أنها أكدت له بعد سبع عشرة سنة من العمل رئيسـاً للمعهد
أن قيام المعهد يعتمد على أمور ثلاثة: النظام السياسي المفتوح الذي يسمح بل يشجع
بصورة منتظمة تقديم بدائل لسياساته وتنافس أو تجادل سياسة الحزب الحاكم ، والأمر
الثاني : التقليد الأكاديمي الذي يشجع البحوث التطبيقية وبخاصة تحليل السياسة.
والثالث المنبع المتدفق للتمويل والذي يمثله في الولايات المتحدة تبرعات المؤسسات
الخاصة والأفراد.
ويضيف الرئيس جيمس جونسون إن النظام
السياسي المفتوح هو أكثر من مجرد حرية التعبير مهما كانت ضرورية؛ إنه يعني
المناظرات حول السياسة التي تحدث خارج الأحزاب الحاكمة وفيما بينها.
وإن الحديث عن مؤسسة بروكنجز وغيرها هو ما
أشار إليه أكثر من كاتب (منهم د. علي عمر جابر) حول ضرورة أن ينظر عالمنا العربي
الاسلامي في مسألة التحول من الاعتماد على الفردية إلى النظام المؤسساتي. وليس من
باب الفخر أن نقول بأننا عرفنا نظام المؤسسات قبل أن تعرفه أوروبا فالخلافة
الإسلامية مؤسسة تستمد نظمها وتشريعاتها من الكتاب والسنة وسنة الخلفاء الراشـدين
ومن سيرة السلف الصالح (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا
عليها بالنواجذ) والمؤسسة الأخرى التي كانت شبه مستقلة هي مؤسسة علماء الأمة الذين
كانوا يقومون بعمل إيجابي في تقديم المشورة والرأي العلمي السديد.
ثانياً:
مكتبة الكونجرس- قسم الشرق الأدنى
يتبع هذا القسم إدارة أكبر هي القسم
الأفريقي والشرق الأوسط، وقد تأسس قسم الشرق الأدنى عام 1945ويضم كل ما يخص
الإسلام والعالم العربي وشمال أفريقيا وتركيا وأفغانستان وإيران ومـالطا والشؤون
الأرمنية. وبالإضافة إلى عمله الببليوغرافي يهتم القسم بالمجموعات في لغات المنطقة
المختلفة. وأهم الموجودات هي التي باللغة العربية والفارسية والتركية، ويأتي بعدها
لغات أواسط آسيا والأرمنية والجورجية. وتعد المجموعة العربية أكبر المجموعات.
ويعمل في هذا القسم في الوقت الحاضر الدكتور جورج عطية والأستاذ خليل تادروس.
ثالثا:
معهد الولايات المتحدة للسلام.
يختلف هذا المعهد عن غيره من المعاهد
المنتشرة في الولايات المتحدة بأنه معهد يتم تمويله بأمـوال من الحكومة الفدرالية،
ويديره مجلس مكون من خمس عشرة شخصية أربعة منهم مسؤولين سابقين من التنفيذيين في
الحكومة الفدرالية أما الأحد عشر عضواً الآخرين فيتم تعيينهم من خارج الحكومة
يرشحهم الرئيس ويصادق الكونجرس على الترشيح.
وبالرغم
من التمويل الحكومي لكن المعهد يحرص -حسب تعريفه بنفسه- على الحياد في دراساته
وبحوثه التي تسعى إلى تقوية قدرات الأمة الأمريكية على الحلول السلمية للمشكلات
الدولية، وتحقيق سلام عادل مبني على الحرية والكرامة الإنسانية. (ولا أدري كيف كان
موقف المعهد من مجازر الصرب ضد المسلمين في البوسنة، وأي عدل وأي حياد انتهت إليه
القضية، وقد استعرض بول فندلي في هذه الصحيفة آراء بعض الشخصيات الأمريكية من
السلام الهزيل في البوسنة)
ومن مشروعات المعهد تكليف الدكتور سعد الدين
إبراهيم من قسم الاجتماع بالجامعة الأمريكية بالقاهرة إعداد بحث حول الحركات الإسلامية
(الأصولية) وهذا التكليف يخالف مبادئ المعهـد في الحيادية والنزاهة فمن المعروف عن
الدكتور سعد الدين أنه صاحب موقف معادٍ للحركات الإسلامية بعامة. وقد نشرت الشرق
الأوسط أخباراً عن تأسيسه مركز ابن خلدون الانمائي بتمويل مشبوه، كما تحدثت عن
تمويل مؤتمر الأقليات الذي كان سيعقد في القاهرة ثم انتقل إلى قبرص.
فمن
المؤمل أن يعيد المعهد النظر في هذا التكليف، وأن تتنوع المشاركات في بحوثه حتى
تكون أكثر توافقاً مع المصلحة التي من اجلها أسس المعهد. والله الموفق.
يتردد على ألسنة الكثير من كتاب ومحاضرين
بأن الاستشراق التقليدي قد انتهى، وهم على حق من عدة جوانب فلم تعد الجامعات
الغربية تضم قسم الاستشراق فالدراسات العربية الإسلامية أصبحت موزعة بين العديد من
الأقسام العلمية. والأمر الثاني فالمتخصص في العالم العربي الإسلامي من النواحي
السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية لا يطلق عليه مستشرق عندهم. اما الجانب
الثالث للموضوع فهو أن المؤتمر السنوي لجمعية المستشرقين الدولية في عام 1973 اتخذ
قراراً بإلغاء هذا المسمّى واستبداله بمسميات أخرى.
إذا
كان الأمر كذلك فما هذه الأقسام العلمية في الجامعات الغربية ومراكز البحوث
العلمية التي جعلت العالم العربي الإسلامي هدفاً لدراساتها وبحوثها ونشاطاتها
المختلفة، أليست استشراقاً؟ ما دام الغرب
قد ارتضى أن يغير الاسم فنحن مخيرون بين أن نقبل ما اختار الغرب من مسميات أو أن
نستمر بالاحتفاظ بالمسمى وإن لم يقبل الغرب به.
ومهما
كان الأمر فإن النشاط الذي كان المستشرقون يقومون به لم يتوقف ولكنه توزع على عدد
أكبر من الاختصاصات والأشخاص، فلم يعد من الممكن أن يكون الشخص مختصاً في اللغة
العربية ويتحدث عن الدين والتاريخ والاجتماع والاقتصاد وغير ذلك. لقد تنوعت
الاختصاصات وأصبحت أكثر دقة حتى إن الشخص ليتخصص مثلاً في الحركة الإسلامية أو ما
يسمى الأصولية في بلد واحد من البلاد العربية الإسلامية.
وأود الإشارة إلى أن الدكتور فهد بن عبد
الله السماري عميد البحث العلمي بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية قد أعد
بحثاً عن مراكز دراسات الشرق الأوسط في الجامعات الأمريكية وقدمـه في ندوة عقدت في
لندن العام الماضي، ولكن هذه المقالات تقدم مادة أولية عن هذه الجامعات وتلفت
الاهتمام إلى أهمية الدراسات الميدانية لمعرفة هذه الجامعات ومراكز البحوث. واواصل
في هذه المقالة الحديث عن كل من جامعة جورج تاون وجامعة انديانا.
أولاً
جامعة جورج تاون: تعد هذه الجامعة من أقدم المعاهد
الكاثوليكية للدراسات العليا في الولايات المتحـدة، تأسست عام 1797، وتحولت إلى
جامعة عام 1815. يبلغ عدد طلابها في الوقت الحاضر أحد عشر ألف طالب وطالبة. وتضم
الجامعة مركز الدراسات العربية المعاصرة وتديره الدكتورة باربرا ستوواسر Barbra
Stowasser. ويحظى هذا المركز بدعم سخي من بعض الأثرياء
العرب حيث يستغني عن المعونات الفدرالية، ولديه إمكانات كبيرة يدل عليها قدرته على
النشر وعقد الندوات والمؤتمرات بالإضافة إلى فخامة مكاتبه ومكتبته (والسجاد
الفاخر).
وتضم
الجامعة أيضاً مكتب العلاقات الإسلامية النصرانية الذي تأسس عام 1993 بالتعاون مع
مؤسسة التحالف بين النصرانية والإسلام في جنيف لتشجيع الحوار بين هذين الدينين(العظيمين)
، ويركز المركز على العلاقات التاريخية
والقديمة والثقافية بين الديانتين وما بين العالم الإسلامي والغرب. ويرأس المكتب
البرفسور جون اسبوزيتو صاحب كتاب (الإسلام: الطريق المستقيم) وكتاب (التهديد الإسلامي:
خيال أم حقيقة؟) وهو المحرر الرئيس لموسوعة أكسفورد الإسلامية التي صدرت حديثاً في
أربعة مجلدات. ويعمل في المركز أيضاً الدكتورة أميرة الأزهري سنبل، ود. جون فل،
ويستضيف المركز عدداً من الأساتذة الزائرين من بينهم لعام 1995 عزيز العظمة، ومحمد
فتحي عثمان وسمير خليل سمير وسليمان ناينج.
أما مركز الدراسات العربية المعاصرة
فبالإضافة إلى رئيسته باربرا ستوواسر فهناك جوديث تكر المتخصصة في التاريخ
الإسلامي ولها اهتمام خاص بموضوع المرأة.
ويتعجب
المرء من أن هذا المركز وغيره يسعون -حسب مبادئهم المعلنة- إلى تقديم عرض متوازن
أو معتدل عن الإسلام ولكنها في الوقت نفسه تستقطب شخصيات عرفوا بمواقفهم الصريحة
من معاداة الإسلام ومن هؤلاء عزيز العظمة الذي يتنقل بين مختلف الجامعات الغربية
فتارة هو في جامعة ألمانية وتارة في جامعة إنجليزية وثالثة في أمريكية. وما دام
ديننا يأمر بالعدل حتى مع الخصوم فإن للبرفسور اسبوزيتو وغيره مواقف إيجابية ينبغي
الاحتفاء به وتشجيعها والسعي على استمرار هذه المواقف.
ثانياً:
جامعة إنديانا: تعد جامعة انديانا من أقدم
الجامعات في الولايات المتحدة حيث تأسست عام 1820، وتضم عدة أقسام علمية يتم فيها
دراسة الإسلام والعالم الإسلامي. ومن هذه الأقسام: قسم لغات الشرق الأدنى وثقافاته،
وقسم علم الإنسان، وقسم الأديان. ويرأس قسم الشرق الأدنى الدكتورة فدوى دوغلاس
ملتي وهي لبنانية الأصل نصرانية لا تتعاطف مع الإسلام وقضاياه، وقد حرصت منذ
توليها رئاسة القسم دعوة بعض أقطاب العلمانية في العالم الإسلامي ومن هؤلاء مثلاً
فؤاد زكريا. ومع ذلك فالقسم يضم بعض الأساتذة الأفاضل الذين يمثلون الإسلام
تمثيلاً جيداُ ومن هؤلاء الدكتور سلمان العاني.
وقد كانت لي فرصة الالتقاء بأساتذة من
قسم الأديان ومن هؤلاء شرمان جاكسون (عبد الحكيم) وهو مسلم من أصل أمريكي أفريقي
وقد درس في الأزهر ويتقن اللغة العربية ومتخصص في الفقه المالكي.
وقابلت أيضا الدكتور سكوت ألكساندر الذي يقدم
مادة بعنوان (الأديان الثلاثة: الإسلام واليهودية والنصرانية) ويحرص على تقديم
صورة صحيحة لهذه الأديان لتلاميذه، ومن ذلك أنه حرص على إعداد شريط فيديو يقدم
صوراً واقعية لحياة أتباع هذه الديانات ويحاورهم عن دينهم. ويقوم الدكتور سكوت
بتدريس مادة (مدخل إلى الإسلام) والتي يقول في منهجها: "إن الإسلام هو أن
تكون إنساناً، أي تجعل لحياتك معنى، وأن تعيش وفقاً لهذا المعنى. ويتناول المقرر
جزيرة العرب قبل البعثة، ثم بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، وتطور الفكر الإسلامي
خلال الأربعة عشر قرناً.
ذكرت فيما سبق أن الغرب استغنى عن مصطلح
"الاستشراق" أو كما صرّح أحدهم بأنهم ألقوه في مزابل التاريخ. وتساءلت
وما هذه الأقسام العلمية ومراكز البحوث والمؤسسات التي جعلت العالم الإسلامي
ميداناً لبحوثها ودراساتها. وفي هذه المقالة أقوم بجولة سريعة في جامعتين من
الجامعات الأمريكية التي تضمان مركزين لدراسات الشرق الأوسط.
أولاً: جامعة كاليفورنيا -بيركلي،
وهذه الجامعة من الجامعات المرموقة في الولايات المتحدة، وتأتي في قمة ترتيب الجامعات
في العديد من التخصصات. وقد بدأ اهتمام الجامعة بدراسة الشرق الأوسط منذ عام 1894،
وهي الآن من بين ثلاث عشرة جامعة تحصل على معونة من وزارة التعليم الأمريكية.
ويبلغ عدد أعضاء هيئة التدريس في هذا المجال خمساً وثمانين أستاذاً. ويبلغ عدد
طلاب الدراسات العليا 150طالباً، و5000 طالب في المرحلة الجامعية يدرسون حوالي 200
مقرر دراسي موزعة بين 18 عشر قسماً علميا وست مدارس متخصصة.
ويقوم المركز بالتنسيق بين جميع هذه
الأقسام للقيام بالنشاطات الآتية: أولا: التدريس والبحث حيث يوفر المركز التمويل
اللازم للأساتذة الزائرين والبحث العلمي والرحلات العلمية للأساتذة وطـلاب
الدراسات العليا وتمويل تزويد المكتبة بالكتب والمراجع. وثانياً: تعليم لغات الشرق
الأوسط حيث يعد إتقان اللغات هو الأساس في دراسات الشرق الأوسط، ولذلك فالمركز
يهتم بتوفير المصادر اللازمة من تمويل الأستاذة والفصول والزمالات وغير ذلك. وثالثا:
المحاضرات العلمية : ينظم المركز أكثر من خمسين محاضرة موزعة تحت مجموعات من
الموضوعات تتعلق بدراسة الشرق الأوسط ، وهذه المحاضرات مفتوحة لأعضاء هيئة التدريس
والطلاب والجمهور.
وأما الأقسام الثمانية عشرة التي تتوزع بينها
دراسة الشرق الأوسط فمن أهمها: الزراعة، وعلم الإنسان (الأنثروبولوجي)، والعمارة
وتاريخ الفن، والآداب المقارنة، والاقتصاد والجغرافيا، والتاريخ، والقانون، واللغويات،
والموسيقى والفلكلور، والعلوم السياسية، وعلم الاجتماع، والخطابة، ودراسة المرأة.
وفي بيركلي كان لي لقاء مع نائب رئيس مركز
دراسات الشرق الأوسط البروفيسور لورانس ميشيلاك Laurence
O. Michalak المتخصص في علم الإنسان الثقافي والاجتماعي.
وقد عمل منسقـاً لمركز دراسات الشرق الأوسط، وعمل باحثاً ميدانياً في مجال علم الإنسان في تونس، وكـان هذا البحث من أجل الحصول على درجة الدكتوراة. وعمل أيضاً
في منظمة السلام الأمريكية مديراً مساعداً لها في تونس حيث تقوم هذه المنظمة على
جهود المتطوعين من طلاب الجامعات، وكان عدد الطلاب في تونس 100 إلى 150 طالباً،
وتركزت نشاطات ميشيلاك على تدريب المدرسين التونسيين وتخطيط المناهج ووضع الكتب
المنهجية لتعليم اللغة الإنجليزية. ومن مؤلفاته (الأسواق الأسبوعية وتغيراتها في تونس)،
وله العديد من المقالات ومراجعات الكتب، والأحاديث الإذاعية والتلفازية. بالإضافة
إلى حضور المؤتمرات والندوات حول قضايا الشرق الأوسط. ويلاحظ أن ميشيلاك تخصص في
العامية التونسية.
ثانياً:
جامعة كاليفورنيا -لوس أنجلوس، ويطلق على مركز
دراسات الشرق الأوسط مركز جوستاف فون جرونباوم، وهو مستشرق نمساوي هاجر إلى
الولايات المتحدة وله الكثير من الكتابات حول الإسلام وتاريخه. وكانت زيارتي لهذه
الجامعة في اليوم الأخير قبل بدء الإجازة بعد الدراسة الصيفية، ولكن تمكنت من
مقابلة نائب رئيس المركز البروفسور جوناثان فريدلاندر وهو يهودي من نيويورك.
وتشبه جامعة لوس أنجلوس جامعة بيركلي في
التخصصات الكثيرة التي يستطيع دراستها الطالب الذي يرغب التخصص في العالم العربي الإسلامي.
وجامعة كاليفورنيا -لوس أنجلوس من الجامعات التي تتلقى دعم الحكومة الفدرالية لهذه
البرامج. وتصدر الجامعة مجلة يطلق عليها (جسور) وهي الأحرف الأولى من اسمها باللغة
الإنجليزية وهي مجلة فصلية تهتم بقضايا العالم العربي الإسلامي.
ومن الموضوعات التي نالت اهتمام البروفيسور فريدلاندر الجالية العربية اليمنية في الولايات المتحدة وكذلك الجالية الإيرانية
وقد أعد مع مجموعة من الباحثين كتابين حولهما، وقد زود الكتابان بالصور.
ومن
الأقسام المهمة التي تهتم بالعالم الإسلامي قسم العلوم السياسية، وقسم الأديان،
وقسم التاريخ. ومن الأساتذة المشهورين البروفيسور ليونارد بايندر Leonard
Binder. من قسم العلوم السياسية الذي أشرف على تحرير
كتاب بعنوان (الدراسات الإقليمية) وفيه تقويم لهذه الدراسات.
فكيف نستطيع أن نطلق مصطلح الاستشراق على كل
هذه الدراسات وهذه التخصصات المتشعبة والكثيرة جداً؟ أعتقد أنه يكفي أن نقول
الدراسات العربية والإسلامية في الغرب ثم نحدد المجال الذي يدرسونه. ولا أمل من
التكرار أنه قد آن الأوان للتفكير الجدي في دراسة الغرب بالطريقة التي يدرسنا
شريطة أن يكون لنا منهجنا وأهدافنا الخاصة بنا والتي يمكن أن تعقد عدة ندوات
لبلورتها ووضعها موضع التنفيذ.
تعليقات
إرسال تعليق