يقال بأن الصحافة هي "مرآة المجتمع" والدعاية جزء أساسي من حياة المجتمع الغربي عامة والمجتمع الأمريكي بخاصة.
وقد قيل الكثير عن الدعاية وخداعها أو صدقها وسلبياتها وإيجابياتها ومن أشهر من
كتب وتحدث في هذا المجال الفيلسوف الأمريكي إريك فروم الذي كان من أكثر المتحدثين
عن خـداع الإعلان، ونقداً للحياة المادية للمجتمع الأمريكي. ومع ذلك فيظل للدعاية
جانبها الإيجابي الذي لا بد من الإفادة منه.
ومن المناسب أن أذكر أن كلمة دعاية وردت
في أحد الأحاديث الشريفة في رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل عظيم الروم
حيث جاء فيها (فأدعوك بدعاية الإسلام) وفي هذه المقالة أتناول قضية دخول الكنائس
في أمريكا إلى مجال الدعاية بعد أن ثبت لديهم عزوف المجتمع الأمـريكي عن الحياة
الدينية. فقد خصصت صحيفة واشنطن بوست في عددها الصادر يوم 2 سبتمبر 1995 صفحة كاملة
تحت عنوان (دين) تحدثت فيها عن جماعة خاصة لا تتبع أي من الكنائس المعروفة تدعو إلى
العودة إلى التدين. وقد بلغ عدد أعضائها ثمانين مليونا وهم منتشرون في جميع أنحاء
الولايات المتحدة الأمريكية منهم الغني والفقير. إنهم بحسب تعبير الصحيفة (مسَوِّقو
التدين).
ويقول هؤلاء بأنه " إذا كانت
المؤسسات الدينية تحتضر فما ذلك إلاّ بسبب ضعف القسس ورعاة الكنائس في التنافس مع
الثقافة السائدة أو الشعبية." ويضيفون بأنه" إذا كان فشل الكنائس يعود
إلى نقص المال فسبب ذلك أن الناس يفضلون شراء ألعاب الكمبيوتر وأسطوانات الأغاني
وأجهزة التلفاز بدلاً من إعطاء أموالهم لمن يتحدث إليهم بلغة عتيقة. إن الطريقة
لزيادة عدد الأتباع إنما يكون باستخدام الدعاية والعلاقات العامة. وهذا يعني
استخدام المصطلحات نفسها والرسوم البيانية الراقية التي تستخدمها المؤسسات
التجارية والسياسيون في المجلات الراقية ذات الأوراق الصقيلة الزاهية الألوان، وفي
التلفزيون. إن الاستراتيجية المطلوبة هي اللحاق بالركب."
ويقول أحد القسس وهو توم سلاك Tom
Slack محرر دليل رجال الدين الذي يصدره مجلس
العلاقات العامة في نيويورك بأن هؤلاء بدؤوا يستخدمون اللغة التسويقية Marketing
Language وهم لا يخجلون من ذلك. ولم تعد الفكرة
القديمة بأن على الأمريكي أن يسعى إلى كنيسة لأنها تتبع معتقد معين، وبدأ هؤلاء
يفقدون أتباعهم لصالح الكنائس التي لم تتوان عن استخدام الدعاية لجمع الأتباع.
وأصبح من المصطلحات الشائعة في لغة الدعاية الكنسية في التلفزيون: خدمة المجتمع،
الاستجابة لاحتياجات الجمهور.... نعطيك ما تريد....
أما مؤسسة الدعاية هذه فقد تأسست في مدينة
إيقان بولاية مينيسوتا قبل تسع عشرة سنة ولديها نماذج من الدعايات الجاهزة التي
يمكن تعديلها لتصبح صالحة لأي كنيسة، فلا يحتاج الأمر سوى وضع اسم الكنيسة وشعارها
وعنوانها وتصبح جاهزة للعرض في التلفزيون أو في الصحافة.
وقد تضمنت صفحة جريدة الواشنطن بوست
الكثير من النماذج التي لا يمكن ترجمتها ولكن أحدها وضع صورة مزعومة للمسيح عليه
السلام وبجوارها صورة مغني البوب المشهور الفيس برسلي وتحتها تعليق يقول: أيهما
عاد إلى الحياة بعد الموت؟ ومن النماذج الأخرى الحديث عن الأبناء وواجبـات
الوالدين تجاههم ومن ذلك أن على الوالدين الحديث للأبناء عن المخدرات وعن الأخلاق
وعن العنف...الخ.
وقد أوضح رئيس مؤسسة الدعاية أنهم يعتمدون
على عدة أسس في دعايتهم (مفاتيح الدعاية) وهي:المرح،والفهم، والوضع الاقتصادي المتشائم،
والتركيز على خدمة الآخرين، واستخدام التقنية، والتركيز على فرص المغامرة (أي
أنواع المغامرة؟) وعدم الاعتراض على طريقة اللبس ....
فهل من درسٍ نستطيع نحن المسلمين أن
نتعلمه من هؤلاء؟ لقد لاحظت في أثناء زيارتي للولايات المتحدة أن الدعاية إلى
الكنيسة موجودة في كل مكان ولم أجد أحداً ينعت هؤلاء بالتطرف أو الأصولية، أو أنه
لا بد من منع هؤلاء من الإعلان عن بضاعتهم أو فكرهم. وحين نريد أن نتعلم من هؤلاء
فلأن (الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أحق بها). فقد اكتشف رجال الدين في الغرب
أنهم متخلفون عن شعوبهم فحاولوا اللحاق بالركب. أليس المسلمون أولى بإدراك الركب
في الدعوة إلى الله وفي المجالات الأخرى؟ فقد ورد في صحيح البخاري أن رسول الله
صلى الله عليه وسلـم كان يتخول صحابته بالموعظة مخافة السآمة عليهم. وورد أيضاً
قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: حدّثوا الناس بما يعرفون أتحبون أن يُكَذّب
الله ورسوله). (صحيح البخاري-كتاب العلم)
ولنا في سيرة المصطفى صلى الله عليه
وسلم الأسوة الحسنة فقد كان يعالج قضايا المجتمع الإيمانية والاجتماعية
والاقتصادية والسياسية. فمن أمثلة معالجته لقضية اجتماعية أخلاقية أنه جاءه شاب
يسأله أن يأذن له بالزنا فقال له: أترضاه لأمك؟ أترضاه لأختك...ثم مسح على صدره
فدعا له فخرج هذا الرجل من عند الرسول صلى الله عليه وسلم والزنا أكره شي عنده.
وقد عالج الرسول صلى الله عليه وسلم القضايا الاقتصادية فلما هاجر المسلمون من مكة
إلى المدينة وقد تركوا أموالهـم وديارهم فآخى بينهم وبين الأنصار، وبعد غزوة بني
النضير أعطى فقراء المهاجرين....إن في إسلامنا خير الدنيا والآخرة فما علينا إلا
أن نتمسك به ثم نحسن عرضه على الناس عملاً بقوله تعالى {قُل هذه سبيلي أدعو إلى
الله على بصيرة أنا ومن اتبعن}. أما الوسائل لعرض الإسلام فعلينا أن نتخذ من
الوسائل ما لا يخالف الشرع وأن نحرص في الوصول إلى المدعوين في أي مكان.
تناقلت الصحف ووكالات
الأنباء قبل أسابيع أخبار مسيرة المليون أمريكي من أصل أفريقي التي تزعمها لويس فرقان،
وكانت هذه المسيرة من أكبر المسيرات في تاريخ الولايات المتحدة. وكان من مطالبهـا
المساواة الحقيقية وإصلاح أحوال المواطنين ذوي البشرة السوداء .ولكن هل ستكون هذه
المسيرة نقطة تحول حقيقية وتحقق لأصحابها أي تحسن في أحوالهم المعيشية ، هذا ما لا
يمكن معرفته في الوقت الحاضر بيد أن التاريخ يخبرنا أن الحقوق لا تعطى ولكن تؤخذ
وهي كما قال شوقي :
وما
نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ
الدنيا غلاباً.
وقبل
المسيرة بأيام كنت أطالع جريدة وول ستريت جورنالWall
Street Journal في عددها الصادر يوم 7سبتمبر 1995 حيث أعد
بعض كتبة الصحيفة تقريراً عن التفرقة العنصرية التي يتعرض لها الأمريكيين الأفارقة
في مجال الخدمة في الشرطة. وفيما يأتي بعض المقتطفات من التقرير.
حصل
الشرطي رونالد تويتي على ترقية إلى رتبة كابتن في مدينة سنسناتي، وهذه هي المرة
الرابعة في تاريخ المدينة التي يصل فيها شرطي أسود البشرة إلى هذه الرتبة وهو
الأمر الذي جعل مجموعة من البيض يعترضون على هذه الترقية مما جعل السلطات القضائية
في الولاية تنظر في هذا الاعتراض.
وليست
الحالة بأفضل من ذلك في الولايات الأخرى؛ ففي ولاية نيويورك يبلغ عدد الأمريكيين
الأفارقـة 28,7 %من سكان الولاية ويشكلون 11,4 % من قوة الشرطة ولكن الذين وصلوا
إلى رتب قيادية لا يتجاوزون نسبة 6,6% وفي هيوستن بولاية تكساس حيث يشكل الأفارقة
28,1%من عدد السكان وفي الشرطة 17,5% وليم يصل إلى المراتب القيادية أكثر من 5,7%.
وبالرغم
من أن السود كافحوا من أجل الوصول إلى ما هم عليه في العصر الحاضر لكنهم لا يزالون
يعانون من العقبات في التوظيف والترقيات والمضايقات من بعض زملائهم العنصريين. وفي
هذا يقول الملازم ميشال كيرتون (وهو من أصل أفريقي) الذي يعمل في شرطة سنسناتي منذ
خمس عشرة سنة بأن "التفرقة تقع في أنواع المهمات التي توكل إليهم، وفي
التدريب وفي الترقيات، ويضيف الملازم بأن النظام كله فاسد."
ويمضي
التقرير موضحاً مظاهر العنصرية فيقول بأن الشرطي الأمريكي الأفريقي الأصل حتى لو
حصل شرطي على رتبة قيادية فإنه يجد صعوبة في أداء عمله حيث يرفض بعض زملاؤه البيض
طاعة أوامره حتى إن أحد الضباط البيض قال لرئيسة الأسود: " أنت تأمر السود
وأنا أتلقى أوامري من ضابط أبيض." ومن ذلك تكليفهم بأداء المهمات الخطيرة
التي عادة لا يلتفت إليها في الترقيات أو في السمعة.
ويختم
كاتبا التقرير بنظرة متفائلة حيث إن ازدياد الاختلاط بين البيض والسود سيؤدي في
النهاية إلى تعايش سلمي بين الطرفين. وينقلا تصريحاً لرئيس شرطة مدينة سنت لويس
كلارنس هامون يقول فيه:" إن الجيل الجديد من الشرطة البيض نظراً لأنهم عاشوا
في مجتمع مختلط في المدارس وفي الأحياء فليس لديهم النظرات العنصرية التي كانت في
أسلافهم."
جميل
أن يكون هناك تفاؤل بتغير النظرة العنصرية لكن هل يستند هذا التفاؤل على حقائق
صلبة أو إنها رغبة وعاطفة أو إن العنصرية ستستمر. وهل هذه العنصرية اختراع أمريكي
أو كما تساءلت إحدى المجلات الدورية الأمريكية وهي " العالم الأمريكيThe American Scholar في مقالة بعنوان " هل العنصرية العرقية
فكرة غربية؟" (عدد خريف عام 1995). ومن
المناسب أن يقوم الدعاة المسلمون بتوضيح
موقف الإسلام من العنصرية فقد كان من أوائل من دخل الإسلام بلال الحبشي
الذي بلغ مكانة رفيعة في المجتمع المسلم حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان
يقول:"أبو بكر سيدُنا وأعتق سيدَّنا" وقد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم
حينما عيّر أحد المسلمين آخراً بلونه فقال له صلى الله عليه وسلم (أعيّرته بأمه ،
دعوها فإنها نتنة) وعندما فتح الله سبحانه وتعالى مكة على نبيه صلى الله عليه
وسلم أمر بلالاً بأن يرقى الكعبة ويؤذن من
عليها مما أغاظ بعض القرشيين الذين لم يتمكن الإيمان من قلوبهم .
متفرقات:
القدس:
اطلعت على صحيفة يهودية هي جويش اكسبونانت Jewish
Exponent عدد يوم 15 سبتمبر 1995 وفيها اهتمام
بموضوع القدس وزعمت أن اليهود يسمحون بحرية العبادة للأديان المختلفة، وقد نشرت
عدة مقالات حول هذا الموضوع. وهذا الأسلوب معروف عند اليهود الإصرار والإلحاح بأن
ما يقولونه هو الحق بينما أصحاب الحق الفعلي لا يفعلون معشار ما يفعله اليهود. فمن
يعلِّم العالم بأن اليهود لم تكن لهم القدس إلاًّ فترة محدودة جداً أساءوا فيها
إلى المدينة المقدسة ودنسوها بينما ملكها العرب قبلهم وبعدهم وهي لم تعرف التسامح
الحقيقي إلاًّ في العهد الإسلامي.
البرتوكولات:
أشارت الصحيفة نفسها إلى أن السياسيين في نيوزيلاندا وهو كليف تيت (Cliff
Tait) عضو مجلس مدينة هاملتون كتب يقول:"إن
المصيبة قادمة، فثمة مؤامرة يهودية للسيطرة على العالم، ويستشهد ببروتوكولات حكماء
صهيون، ويضيف إن الصهاينة يعتقدون بأنهم صفوة الجنس البشري (شعب الله المختار) ومن
حقهم وراثة العالم وحكمه." وقد نددت الصحيفة بهذا المسؤول وطالبت بمعاقبته.
وإن لـم تصدق البروتوكولات فإن الدكتور حسن ظاظا قدم في أحد كتبه تأكيداً بأن
اليهود يسعون فعلاً لتحقيق ما فيها وإن كتبه المقدسة عندهم تتضمن ما في
البروتوكولات وزيادة. ويشير الدكتور ظاظا إلى أن اليهـود الطاعنين في صحة
البروتوكولات لم يتفقوا على الطريقة التي فندوا فيها صحتها ولم يتفقوا في طريقة
الدفاع عن أنفسهم مما يؤكد الشكوك فيهم.
تعليقات
إرسال تعليق