أؤمن بقدرة الفرد على تغيير العالم.
تتجذر الحركات الاجتماعية وتزدهر عندما يوجد العدد الكافي من الأفراد الذين
يتصرفون، فعندما تقول لنفسك ليس هناك ما أستطيع فعله لإيقاف تجارة الرقيق، فإنك
تقلل من قدرتك وتحطم الأمل عند أولئك المحاصرين.
وأنا هنا أتحدث من واقع خبرتي فقد ذهبت
إلى دولة السلفادور لأزور المنظمات الرئيسية التي تقدم الطعام والمساعدات الطبية
للمجتمعات المحتاجة. لم يكن في ذهني خطة كبيرة عدا أن أرى إن كنت أستطيع فعل شيء
ما لمساعدتهم.
وكانت البلاد في ذلك الوقت تحت حكم عسكري
يرهب سكان السلفادور. ما كان الجنرالات يحبون المجموعات التي تدعو إلى الديمقراطية
والتطور الاجتماعي للفقراء. وقبل أن أصل بعامين كان رئيس الكنيسة الرومانية
الكاثوليكية قد أطلق عليه النار في قلبه في أثناء قداس وكان واقفاً خلف منصة
الخطابة. وفي أثناء القداس كان القس روماريو يناقش وحشية العسكر ضد المدنيين.
وبعد سنة عصابات الموت العسكرية اغتصبوا
بوحشية وقتلوا أربعة نساء أمريكيات يعملن في الكنيسة وكن يعملن في مخيمات اللاجئين.
وفي استجابة لعملية القتل حث الكونجرس على قطع عشرات الملايين من الدولارات من
المساعدة الاقتصادية لحكومة السلفادور. وهذا الإجراء لفت انتباه الجنرالات بلا شك.
وحتى تلك اللحظة تصرفت فرق الموت بما
يقارب الحصانة حيث يقومون بالتجسس على الأفراد الذين يعملون للتغيير الاجتماعي وفي
الليل يخلعون أزياءهم ويزورون بيوتهم. في الصباح يجد الجيران أجسادهم المشوّهة.
وبجانبها ملاحظة تقول: هذا ما يحدث للخونة.
وخلال زيارتي الأولى ناشدني أصدقائي
الجدد أن أبدأ في برنامج حقوق الإنسان الذي سوف يحميهم من فرق الموت. ولم يكن لدي
أي خلفية في هذا النوع من العمل. وفي الحقيقة لم أنشغل من قبل في أي نوع من العمل
السياسي أو الدبلوماسية الدولية. وقبل عدة سنوات حصلت على درجة جامعية في علم
النفس من كلية وست ماونت وهي كلية آداب في سانتا باربرا في كاليفورنيا.
وبعد حوالي تسعة أشهر أعاد الكونجرس
الأمريكي المساعدات الاقتصادية والعسكرية للسلفادور ولكن الجنرالات هناك قد تعلموا
الدرس: من الممكن أن يقتلوا السلفادوريين وليس المواطنين الأمريكيين. ولاحظت
شخصياً القوانين العرجاء للسياسة الدولية. وهكذا قدّرت قيمة عمل مواطن أمريكي يحمي
حياة سلفادوري. وقد قمت باستقطاب أصدقاء ومعارف للذهاب إلى السلفادور بوصفهم حراس
غير مسلحين ودرعهم الوحيد سيكون جواز السفر الأمريكي.
كانت الخطة المبدئية بسيطة حيث يقوم فريق
من ستة مواطنين أمريكان بقضاء شهر في السلفادور يكونوا يقظين مدة أربع وعشرين
ساعة. ويقوم مواطن أمريكي بمرافقة عامل رعاية صحية سلفادوري أو قسيس أو عامل في
محاربة الأمية ممن تلقوا تهديدات من فرق الموت بينما يمكث اثنان من الحراس في منزل
عائلة من تلقى التهديد. وكلّفت اثنين من الحراس أن يظلوا كل الوقت في مكتب الشخص
المهدد: وتقوم فرق الموت أحياناً بتفجير مكاتب المنظمات التي يسعون إلى تدميرها.
أما الشخص الأخير من الستة سيقوم بزيارة رئيس الشرطة العسكرية السلفادورية وكذلك
شخصية كبيرة من الحكومية السلفادورية والسفير الأمريكي. ويتم إخبار هذه الجهات بأن
مواطناً أمريكياً ربط مصيره بالشخص المهدد.
وقد شاركت ضمن الفريق الأول المكون من
ستة الذي ذهب إلى السلفادور عام 1984م. وما أن مكثنا عدة أيام في السلفادور حتى
اتصل بنا المدير التنفيذي لكل الكنائس البابتستية القس كارلوس سانشيز. كان ممسكاً
بيده ملاحظة من أكثر فرق الموت شراسة. وكانت الرسالة واضحة: ما لم تغادروا البلاد
خلال ثمان وأربعين ساعة فإنكم ستقتلون وأفراد أسركم.
وقد تسلم القس سانشيز تنبيهين مماثلين
سابقاً مما جعله يأخذ أسرته خارج البلاد ليغيبوا سنة في كل مرة. ولكنه الآن مسؤول
عن أكثر من خمسين قائداً من الكنيسة البابتست في بلاده ولم يرد أن يغادر. فإذا كان
رئيس كنيسة مهماً هرب عندما يتسلم تهديداً بالموت فماذا يمكن أن يفعل مسؤول كنيسة
في قرية في الأرياف؟ وما الدافع الذي يدفع معلم عناية صحية يعلم المزارعين نماذج العناية
الطبية؟ ولذلك استفسر القس سانشيز إذا ما كنّا نستطيع مساعدته لتبقى أسرته في
البلاد ويواصلون عملهم.
وبدأ سريعاً في تطبيق خطتنا. وقام طالب
شاب من دير في أمريكا من لاس فيجاس بنيفادا بمرافقة القس سانشيز على مدار الساعة.
وذهب اثناء من الفريق إلى منزل القس ليمكثوا مع زوجته وأطفاله الأربعة وقام اثنان
بالمرابطة في المركز الرئيسي للكنيسة البابتست. وقمت أنا بدور زيارة المسؤولين
لتحذيرهم بالأسام من حادث دولي إذا لم يقوموا بعمل سريع لوقف فرق الموت. وأنكر كل
مسؤول زرته علمه بهوية مجموعات الظل القالة. وأجبت بأدب إنها مسؤوليتهم لإيقاف
القتل. ونقلت لهم مسؤوليتنا لنقف بجانب أصدقائنا السلفادوريين.
ولحسن الحظ نجحت استراتيجيتنا حيث استمر
القس سانشيز وأسرته في عملهم القيم في المجتمعات المحلية. وخلال الأشهر القادمة
أرسل مشروعنا فريقاً جديداً من ستة مواطنين أمريكان إلى السلفادور ليقوموا بدور
مماثل. وفي كل مناسبة تمت حماية السلفادوريين بوجود المواطنين الأمريكان.
واكتشفت السلطات السلفادورية القيادة خلف
عمل فريقنا لحماية حقوق الإنسان، ومنعتُ من دخول البلاد وكثير من أعضاء واجهوا
صعوبات في الحصول على التأشيرات. وتحولنا بسرعة إلى الخطة (ب) حيث قررنا أن ندشن
وكالة تطوير اقتصادي مزيفة كواجهة لعمل مجموعاتنا الإنساني.
ولا زلت أقاوم
الضحك عندما أذكر اتصالاً قمت به مع أحد أصدقائي الجامعيين في
كلية وستماونت Westmount واسمه جيم مورقان أطلب إليه أن يذهب إلى السلفادور وأن يصبح أو
خبير زراعي وجيم متخرج بدرجة في الدراسات الدينية وفي وقت اتصالي كان يقود رافعة
شوكية في مصنع للألبان. وكان رد فعله الأولي معقولاً: ولكن لا أعرف شيئاً عن
الزراعة، فأجبته لا يهم حيث أن مهمته الأساسية هي حماية حقوق الإنسان وما عليه سوى
التظاهر كخبير زراعي. وقمت باتصالات شبيهة مع أصدقاء آخرين أطلب منهم لعب أدوار
مختلفة كإخصائي تغذية وعامل صحة وغير ذلك في وكالة التطوير الاقتصادي. وكل واحد
منّا كان حول الخامسة والعشرين من العمر وتنقصنا الخبرة في الوظيفة التي أعددنا
للقيام بها.
وثمة قصة طويلة حيث مكثنا في السلفادور
أكثر من عقد من الزمان حتى تم توقيع اتفاقية السلام منهية الحرب الأهلية العنيفة.
ولم يقتصر الأمر على أننا استرينا في عملنا في حقوق الانسان وإنقاذ حياة العديد من
السلفادوريين ولكن تطورنا إلى وكالة تطير اقتصادي. فقد أصبح جيم مورغان خبير زراعي
محترم في السلفادور حيث بادر في إنشاء مزرعة تجريبية حيث قدم للمزارعين وسائل
جديدة للزراعة على المنحدرات والأراضي الفقيرة بينما قام موظفونا الآخرون بتطوير
مهارات في مجالات أخرى لم يكونوا قد حصلوا على تدريب نظامي فيها. وقد لدينا في
صالحنا تعليم وعاطفة قوية تجاه الضعفاء والشجاعة للدفاع عما هو حق. لم نستمع للأسر
أو الأصدقاء الذين أخبرونا أن هذه مشكلة دولية كبيرة جداً علينا وأنها أكبر من
طاقتنا وما نملك لنحدث أي تغيير.
واليوم أنا مقتنع أن كل فرد يمكن أن يقدم
مساهمة قيمة لوقف تجارة الرقيق العالمية. وإذا كنت تشك في هذه الحقيقة فالسبب يعود
لأنك تقلل من قوة الإمكانات الشخصية. فكل ما احتاجه الأمر قبل خمس وعشرن سنة مواطن
أمريكي لإنقاذ حياة سلفادوري أن يكون لديه جواز سفر. والأمر أحيانا ببساطة إنه من
تكون وليس فقط ما تستطيع فعله وهذا هو ما يحدث فرقاً. وحقيقة فقد كان أصعب خطوة هي
أن تأخذ الخطوة الأولى الالتزام بعمل شيء ما. والخطوات التالية تفصح عن نفسها فيما
بعد.
تعليقات
إرسال تعليق