التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هكذا يدرسوننا....


         

        نحن والغرب قضية كبرى لا يمكن طرحها في مقالة أو اثنتين، ولكن نظرا لتعدد جوانبها وتشعب مداخلها فإنني سأتناول في هذه المقالة أحد هذه الجوانب وهي الدراسات والندوات التي تعقدها الجهات الرسمية الغربية ذات النفوذ في الأوساط السياسية الغربية.
        لقد دأبت هيئة الإذاعة البريطانية على عقد ندوات فكرية بعنوان: ((العلاقات الثقافية بين الجماعة الأوربية والعالم العربي)) بالتعاون مع المعهد الملكي للشؤون الدولية. وهذه الندوات تعقد في أمكنة متعددة من أنحاء العالم العربي ويشترك فيها كما ذكرت الإذاعة ((الصفوة)) من المفكرين الأوربيين والعرب.
        حرصا من إذاعة لندن-القسم العربي-على تعريف المستمع بنشاطاتها فإنها تقدم تقارير حول هذه الندوات بعدها المذيع مالك التركي. وقد استمعت إلى أحد هذه التقارير فوجدت أنه من المناسب عرض بعض الأفكار التي طرحها المشاركون مع تعليق موجز عليها.
        كان أول المتحدثين حسين أحمد أمين-وهو معروف بعلمانيته ودعوته للتغريب-فاشتكى من ارتفاع سعر المجلات والصحف والأجنبية في العالم العربي حتى إن المثقف لا يستطيع شراءها وهذا يؤدي بالتالي إلى فقدان صلة المثقف العربي بالثقافة الأوربية.
        أما المتحدث الثاني فكان من تونس وهو البشير شورو فقد دعا إلى إشاعة اللغة الإنجليزية ليتمكن المواطن في شمال أفريقيا من الاتصال بالفكر الإنجلو- سكسوني، وامتدح أن تقوم الدول الناطقة بالإنجليزية بالمساعدة في تعليم اللغة الإنجليزية.
     وتحدث مفكر فرنسي واسمه رينيه رونو مؤكدا أن الفكر الأوربي يصل إلى الملايين من المشاهدين والمستمعين عبر برامج الإذاعات والتلفزيونات الفرنسية والأسبانية والإيطالية. وذكر أن التيارات الإسلامية أمر واقع ولا بد التعامل معه كما دعا إلى ترسيخ إسلام أوروبي متفتح.
     وكان آخر المتحدثين في هذه الحلقة رامي الخوري من الأردن فتعجب من المعايير المزدوجة التي يتعامل بها الغرب مع العالم العربي والإسلامي وضرب المثل بالصور المتعاطفة مع رجال الدين في أفريقيا وتصورهم على أنهم دعاة لحقوق الإنسان وللتسامح.
        ويعطون جوائز غربية مثل نوبل وغيرها. بينما تصور وسائل الإعلام الغربية العلماء المسلمين بأنهم دعاة الإرهاب.
        وهكذا فقد تحدث ثلاثة مفكرون يدعون إلى استمرار تدفق الفكر الغربي إلى علمنا العربي الإسلامي وكأن هذا الغزو الفكري منذ حملات الاحتلال (الاستعمار) لم يكن كافيا. وما دامت القضية الحديث عن العلاقات فمتى سيعاملنا الغرب على أننا أندادا له وأن لنا فكرا وثقافة تستحق أن يتفهمها. وماذا يريد حسين؟ هل يريد أمين زيادة نفوذ للفكر الغربي؟ أما نشر اللغة الإنجليزية في شمال أفريقيا فكنت أتوقع أن يحرص البشير شورو على التخلص من اللغة الفرنسية أو استعادة اللغة العربية مكانتها الطبيعية في العالم العربي الإسلامي.
        وقد أعجبني رامي الخوري في دفاعه عن العلماء المسلمين - وأظنه نصراني- فإنه قد أشار إلى ازدواجية المعايير الغربية وهي حقيقة أكدها أحداث البوسنة هرسك وكشمير والفلبين.... يموت المسلمون بالآلاف ولا تهتز مشاعر الغرب....
        وهكذا تعمل إذاعة لندن مع المؤسسات العلمية الغربية ذات النفوذ لدى متخذي القرار السياسي في الغرب لاستمرار الهيمنة الفكرية الغربية في عالمنا العربي الإسلامي. فهل تعمل مؤسساتنا على مواجهة مثل هذه النشاطات بعمل جاد لنشر كلمة الإسلام والدفاع عن قضايا المسلمين؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...