التخطي إلى المحتوى الرئيسي

هكذا يولد التعصب في الغرب



        هل يحتاج التعصب إلى تعريف؟ أليس التعصب قرين الجهل؟ أليس التعصب اتخاذ موقف عدائي ضد عقيدة أو شعب أو قضية دون النظر إلى الحقائق؟ منذ أن حلّت الجيوش الأوروبية في البلاد الإسلامية تمارس القتل والسلب والنهب وانتبه المسلمون بعد سِنة من الغفلة دفاعاً عن عقيدتهم ولغتهم وثرواتهم لم يجد الغرب صفة يتهم بها المسلمين سوى التعصب. وزال الاحتلال العسكري ولم تتوقف أطماع الغرب فلا زال يلهث خلف ثروات البلاد الإسلامية أخذها خاماً وإعادتها أدوات استهلاكية حتى أصبحنا لا نستغني عنها للتغيرات الاجتماعية التي حدثت في البلاد الإسلامية واستمر وصفهم للمسلمين بالتعصب.
        وها هو العالم الإسلامي يشهد صحوة جديدة تحاول أن تبحث عن مكان للمسلمين في هذا العالم يسيطرون فيه على ثرواتهم ويعتزون بلغتهم وعقيدتهم وتميّزهم فلا يجد الغرب صفة يلصقها بهم سوى التعصب ويطلع عليهم صفات التطرف والتشدد والإرهاب.
        وبين يدي مقالة نشرتها مجلة التايم الأمريكية في عددها الصادر في 4 أكتوبر 1993 بعنوان "الجانب المظلم من الإسلام"، وقد اشترك في إعداد هذه المقالة عدد من الصحافيين الأوروبيين والأمريكان. ولنتوقف قليلاً عند عنوان المقالة حيث زعم الكتّاب أن للإسلام جانباً مظلماً. هل يستحق الدين الذي يؤمن به أكثر من مليار مسلم مثل هذه الإهانة؟  فالإسلام دين سماوي نزل على خاتم الأنبياء وقد أسهم هذا الدين في إنارة العالم قرون عديدة حتى إنّ أوروبا وأمريكا اعترفوا أو لم يعترفوا -مدينة لهذا الدين بتقدمها الحالي وبكثير من الجوانب الإيجابية في حضارتهم.
        أمّا "الجانب المظلم من الإسلام" كما تراه المقالة فهو ظهور جماعات إسلامية تعترض على اتجاه بعض الحكومات الإسلامية نحو العلمانية (اللادينية) والابتعاد عن تطبيق الشريعة الإسلامية والفشل في حل أزمة البطالة والفساد والفقر. ويدعّي المقال أن هذا "الجانب المظلم" يكشف عن نفسه في العنف والإرهاب الهادف إلى الإطاحة بهذه الأنظمة والإضرار بمصالح الغرب الذي يؤيد هذه الحكومات. ويعترف المقال بأن الصحوة الإسلامية في معظمها تتسم بالهدوء وكل ما تطلبه هو العودة إلى الإسلام، ولكن حين تسوء أحوال المسلمين إلى درجة اليأس يلجأ مجموعة من المتطرفين إلى العنف. ويضيف المقال بأن المتطرفين ليسوا جزءاً من مؤامرة كبرى تسندها حكومة من الحكومات حيث إن تنظيم هذه الجماعات ليس محكماً، وتحدث المقال عن مقاومة بعض الحكومات العربية لموجة التطرف عن طريق التصفية الجسدية حيث بلغ القتلى منهم في دولة 200 وفي دولة أخرى تجاوزوا الألف ومائتي رجل.
        ويتشهد كتّاب المقالة بخبيرة أمريكية هي ماري جين ديب من الجامعة الأمريكية بواشنطن التي تقول: "إن غالبية المسلمين علمانيون (لا دينيون) بمعنى أنهم يرون إمكانية الفصل بين عقيدتهم وبين السياسة، وكذلك ليس كل من يطلق عليهم أصوليين يؤيدون استخدام العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم" ويذكر المقال أن الحركات الإسلامية التي اتسمت بالعنف نبعت داخل البلاد العربية التي تعاني من المواجهة مع هذه الحركات وأن الفقر والفساد اللذان أديا إلى ازدياد موجة العنف وليس المؤامرة الخارجية كما يزعمون دائماً"
        ويعدد كتّاب المقال مرة أخرى  أسباب قيام العنف بذكرهم أن السخط العميق يعم البلاد الإسلامية لعدة أسباب منها انتشار الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار والهجرة من الريف إلى المدن للعيش في أكواخ لا تتوفر فيها أبسط الخدمات، وعلى الرغم  من أن معظم الذين يعانون من هذه الويلات رغم تمسكهم بالإسلام لكنهم لا يلجؤون إلى العنف ولكنهم جميعاً يشعرون بالعزلة عن المسار السياسي، ويؤيد ذلك المستشرق برونو إيتيان (الفرنسي) الأستاذ بجامعة إكس إن بروفانس "هذه مجتمعات تضطهد كل أنواع المعارضة ولا يوجد أمل لتحسين الأحوال المعيشية فيها، ولم يبق سوى المسجد كمكان للحوار ولا يبقى إلّا الأيديولوجية الإسلامية المتطرفة كوسيلة للتغيير.
        لا شك أن المقال قدم بعض الحقائق المهمة عن الحركات الإسلامية، لكنها النظرة الغربية القاصرة أو المتعمدة للإساءة للحركات الإسلامية. فهل الحياة وظائف وأسعار فقط...؟ لقد تجاهل الكتّاب أن الإسلام نظام شامل للحياة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، ولئن حارب البعض من أجل لقمة العيش فإن الأمة الإسلامية بمجموعها المنظم إلى الحركات الإسلامية أو غير الملتزم بتنظيم معين يتطلع إلى اليوم الذي يعود الإسلام ليقود مسيرة الأمة في جميع جوانب الحياة. فالحياة الاجتماعية خضعت للأنماط الاستهلاكية الغربية حتى أصبحت البلاد الإسلامية عالة على المنتجات الغربية في كل شأن من شؤونها يجب أن يعاد النظر فيها، كذلك يتطلع المسلمون إلى التحرر من هيمنة الثقافة الغربية ذلك أن كثيراً من الحكومات العربية والإسلامية ضالعة في تيسير هذه الهيمنة الأجنبية وقد اتخذت بعض الحكومات خطوات حاسمة ضد التعريب وسمحت بالنفوذ الثقافي الغربي لمحاربة الإسلام.
        وأخيراً هذا هو التعصب الذي لا ينظر لمشكلات العالم الإسلامي إلّا بالمنظار الغربي واتهام الإسلام بأن فيه جانب مظلم وإنما الظلام والإظلام في تناولهم لقضايا الإسلام والمسلمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...