التخطي إلى المحتوى الرئيسي

صورة العربي والمسلم في الإعلام الغربي د. يوسف نور عوض* (كاتب مقيم في لندن)

(المدينة المنورة عدد: (12914) 6/جمادى الأولى /1419هـ  (28/آغسطس/1998م))


        عندما كتب الفكر الفلسطيني الأمريكي ((إدوارد سعيد)) كتابه ((الاستشراق)) كان هناك قليلون يدركون قيمة الكتاب، ولكن مع توالي الزمن بدأ الناس يدركون أن توجه ((إدوارد سعيد)) إلى العقيدة التي صنعت الاستعمار بصورة مباشرة تعتبر خطوة متقدمة في فهم العقل الغربي واليوم فإن كل من يحاول معرفة دوافع الغربيين يستند إلى ما كتبه ((إدوارد سعيد)).
        أكتب هذه المقالة في أعقاب الغارات الأخيرة التي شنتها الولايات بالمتحدة على بعض المواقع في البلاد الإسلامية، ولا أركز فقط على العقيدة وأصحاب هذه المواقع، وإنما أركز فقط على العقيدة التي تجعل مثل هذه الاعتداءات ممكنة في عالم سياسته المعلنة هي السلم ونبذ الاعتداءات والإرهاب.
        ويستدعى ذلك أن نتوقف عند صورة العربي والمسلم في الذهن الغربي والتي تجعل مثل هذه الاعتداءات احتمالا ممكنا.
        يحاول الغربيون بصورة عامة نفي التعصب الديني عن أنفسهم ويعلنون أنهم مجتمعات ((علمانية)) تقوم على فكرة الديمقراطية، والحقيقة هي غير ذلك، لأن الدين أساس لكل تصرفات الغربيين، ولو أحصينا عدد الكنائس في بلد كبريطانيا لأصابنا الذهول وبناء الكنائس في العالم الغربي يكلف أضعاف ما تكلفه الأبنية العادية ولا يوجد أحد في العالم الغربي يعتقد أن هناك أرضية مشتركة تجمع بينه وبين المسلمين. وفي الوقت الذي تتجه فيه معظم المجتمعات الغربية لتدعيم الثقافة المسيحية اليهودية فإنهم يعتبرون أن الإسلام هو الخطر الذي يجب القضاء عليه ونجحت الدوائر الصهيونية في تكوين ثقافة جديدة فحواها أن الإسلام صنو للإرهاب، وأن المسلم إرهابي بالسليقة.!
        ولا تختلف صورة العربي عن صورة المسلم في الإعلام الغربي، إلا أن الغرب أضاف إليها أن العربي يتكلم بما لا يؤمن به، وهو قابل لتلقي الضربات التي لا يبذل مجهودا في مقاومتها ويعتقد الغربيون الآن أن كثيرا من العرب والمسلمين يصدقون الصورة التي يرسمها الإعلام الغربي لنفسه، كما يصدقون الصورة التي يرسمها لهم.
        فهم يعتبرون العالم الغربي مهد الحرية والديمقراطية والانطلاق ويعتبرون بلادهم موطن التخلف ومعاداة حقوق الإنسان.
        ولا شك أن الصورة التي ترسم للعالم الغربي صورة زائفة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، ذلك أن العالم الغربي يفتقر حقا للديمقراطية التي يدعمها، ولا يعني ذلك أنه يفتقر إلى المؤسسات ولكن يفتقر إلى الوسائل التي تجعل كل فرد في المجتمع قادرا على الوصول إلى تلك المؤسسات ويعرف الناس أن هناك نوابا في مجلس العموم البريطاني يحتلون مقاعدهم منذ أربعين عاما ولا يستطيع أحد أن يزحزحهم من مكانهم، كما يعرفون أن كثيرا من القوانين في العالم الغربي تسن لتكريس العنصرية، فمثلا أنت تجد معظم الدوائر والشركات تطبيق قانون الفرص المتساوية وذلك يجعل الناس يكتبون في طلبات التقديم أصولهم العرقية، ويقول القانون أن ذلك من أجل أن توزع  الوظائف بصورة متساوية ولكن الحقيقة تقول أنهم يستخدمون هذا الأسلوب من أجل استبعاد بعض العناصر في مرحلة التقديم.
        وكشفت صحيفة ((الاويزيرفر)) قبل أيام أن تقريرا قدم للرئيس الأمريكي يقول أن مصنع الشفاء في السودان لا يحتوي على أي متفجرات فعلى الفور أصدر أوامره بضرب المصنع فيه مواد كيماوية ضارة.
        ويبدو في ضوء هذا الواقع أن الفجوة بين العقل العربي المسلم والعقل الغربي فجوة كبيرة وأن صورة العربي والمسلم متدنية في مخيال الغربي وصورة العربي أحسن حالا في مخيال العربي والمسلم.

        ولا يتقد أحد أن هناك أسلوبا يساعد على التقريب بين الصورتين لأن الحقيقة هي أن العالم الغربي لا يسعى إلى تقريب الفجوة بينه وبين العلم الإسلامي وهو حينما ينشر الأكاذيب ويذيعها عن العالم الإسلامي لا يفعل ذلك عن جهل. وإنما يفعلها عن سبق إصرار وترصيد، وتبقى الحقيقة مائلة وهي أن الذي يغير صورة العربي والمسلم في العالم الغربي ليس تقديم مزيد من التنازلات، وإنما الثبات على الحق وقبول التحدي، ذلك أن العالم الغربي لا يرغب في تغيير فهمه عن العالم الإسلامي ولا يقبل أسلوب الحوار النظري ولكنه سيغير موقفه عندما يرى إصرار المسلمين على رفض منطق الغرب بل والإصرار على أنهم يمثلون قيمة حقيقة في عالم اليوم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تلخيص كتاب منهج البحث التاريخي للدكتور د. حسن عثمان

الطبعة: الرابعة. الناشر: دار المعارف بالقاهرة (تاريخ بدون). عدد صفحات الكتاب: 219 صفحة من القطع المتوسط. إعداد: مازن صلاح المطبقاني في 6 ذو القعدة 1407هـ 2 يوليه 1987م بسم الله الرحمن الرحيم المقدمة : يتحدث فيها المؤلف عن معنى التاريخ، وهل هو علم أم فن، ثم يوضح أهمية دراسة التاريخ وبعض صفات المؤرخ وملامح منهج البحث التاريخي. معنى التاريخ: يرى بعض الكتاب أن التاريخ يشمل على المعلومات التي يمكن معرفتها عن نشأة الكون بما يحويه من أجرام وكواكب ومنها الأرض، وما جرى على سطحها من حوادث الإنسان. ومثال على هذا ما فعله ويلز في كتابه "موجز تاريخ العالم". وهناك رأي آخر وهو أن التاريخ يقتصر على بحث واستقصاء حوادث الماضي، أي كل ما يتعلق بالإنسان منذ بدأ يترك آثاره على الصخر والأرض.       وكلمة تاريخ أو تأريخ وتوريخ تعنى في اللغة العربية الإعلام بالوقت، وقد يدل تاريخ الشيء على غايته ودقته الذي ينتهي إليه زمنه، ويلتحق به ما يتفق من الحوادث والوقائع الجليلة. وهو فن يبحث عن وقائع الزمن من ناحية التعيين والتوقيت، وموضوعه الإنسان والزمان، ومسائله أحواله الم...

وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد.. وما أشبه الليلة بالبارحة

                                      بسم الله الرحمن الرحيم                                  ما أصدق بعض الشعر الجاهلي فهذا الشاعر يصف حال بعض القبائل العربية في الغزو والكر والفر وعشقها للقتال حيث يقول البيت:   وأحياناً على بكر أخينا إذا لم نجد إلاّ أخانا. فهم سيقومون بالغزو لا محالة حتى لو كانت الغزوة ضد الأخ القريب. ومنذ أن نزل الاحتلال الأجنبي في ديار المسلمين حتى تحول البعض منّا إلى هذه الصورة البائسة. فتقسمت البلاد وتفسخت إلى أحزاب وفئات متناحرة فأصبح الأخ القريب أشد على أخيه من العدو. بل إن العدو كان يجلس أحياناً ويتفرج على القتال المستحر بين الاخوة وأبناء العمومة وهو في أمان مطمئن إلى أن الحرب التي كانت يجب أن توجه إليه أصبحت بين أبن...

الإسلام وتعلم اللغات الأجنبية

                             يردد الناس دائما الأثر المشهور :(من تعلّمَ لغةَ قوم أمن مكرهم أو أمن شرَّهُم) ويجعلونها مبرراً للدعوة إلى تعلم اللغات الأجنبية أو اللغة الإنجليزية بصفة خاصة. فهل هم على حق في هذه الدعوة؟ نبدأ أولاً بالحديث عن هذا الأثر هل هو حديث صحيح أو لا أصل له؟ فإن كان لا أصل له فهل يعني هذا أن الإسلام لا يشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟ وإن كان صحيحاً فهل الإسلام يحث ويشجع على دراسة اللغات الأجنبية وإتقانها؟         لنعرف موقف الإسلام من اللغات الأخرى لا بد أن ندرك أن الإسلام دين عالمي جاء لهداية البشرية جمعاء وهذا ما نصت عليه الآيات الكريمة {وما أرسلناك إلاّ كافة للناس بشيراً ونذيراً } (سبأ آية 28) وقوله تعالى { وما أرسلناك إلاّ رحمة للعالمين } (الأنبياء آية 107) وجاء في الحديث الشريف (أوتيت خمساً لم يؤتهن نبي من قبلي، وذكر منها وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). فهل على العالم كـله أن يعرف اللغة العربية؟ وهل يمكن أن نطالب كلَّ...